الخميس، فبراير 27، 2020

أنت مع النظام الإيراني، إذن، أنت تذبح العراقيين


أنت مع النظام الإيراني، إذن، أنت تذبح العراقيين

بداية نفتتح مقالنا بنزع الذرائع الببغاوية التي يتلطى تحت سقفها المؤيدون للنظام الإيراني، لتبرير تأييدهم له. علماً أن الذرائع كثيرة، كلما نزعت الغطاء عن هشاشة بعضها، وعلى طريقة الذرائعيين الذين أصروا على التمسك بمواقفهم، يختلقون ذريعة أخرى. وقبل الرد عليهم، سنبرز أهمها:

-الذريعة الأولى: يقولون بأن أميركا هي التي احتلَّت العراق، ويستغربون إدانة إيران وهي جار وصديق. يتناسى هؤلاء أن المقاومة العراقية ألحقت الهزيمة بالاحتلال الأميركي ووجوده شكلي من دون حاضنة له، بينما النظام الإيراني يشكل الاحتلال الفعلي حيث شكَّل حواضن عميلة له تقاتل عنه. كما أعلنت المقاومة أنها ترفض أي احتلال آخر، ولأن النظام الإيراني هو المحتل الفعلي بعد هزيمة الاحتلال الأميركي، وكما أكَّدت منذ التاسع من أيلول من العام 2003، أنها ستحرق أصابع الإقليم التي تآمرت على العراق مع المحتل الأميركي.

وكأننا بأصدقاء النظام الإيراني، ممن لا يفرقون بين بعير احتلال أميركي وناقة احتلال إيراني، يدينون هذا ويبرئون ذاك، وكأنهم يمسخون المفاهيم ليرحبوا بالاحتلال الصديق، ويغفرون له ذنوبه. وكأن هناك احتلال عدو، واحتلال صديق. وهم لم يفهموا أن الاحتلال واحد. فما هو الفرق بين أن ينهب بيتك لص غير معروف وبين صديق يقوم بنهبه؟ أليس (ظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَةً)؟

-الذريعة الثانية: يهربون من الاعتراف بجريمة النظام الإيراني، ويدبُّون التهمة برقبة النظام العربي الرسمي، لأنه تواطأ مع الإدارة الأميركية باحتلال العراق، وتنازل عن قراره السيادي لمصلحة الاستعمار الأميركي.

لم يُدرك هؤلاء أن تواطؤ النظام العربي الرسمي مع الاستعمار لا يبرِّر تواطؤ وتحالف النظام الإيراني معه. فإذا كان النظام الإيراني صادقاً في نقده للأنظمة العربية الرسمية بما ارتكبته من جرائم بحق العراق، لكان عليه أن يفعل العكس، ولكن هذا ما لم يفعله. بل هو يفتخر بجريمة تعاونه مع (شيطانه) المدلَّل. ولهذا نذكِّرهم بما أعلنه ملالي طهران عن أن (واشنطن لم تكن لتستطيع دخول بغداد من دون مساعدة طهران)؟ ونسألهم أيضاً: هل يعرفون أن ما فعله هذا النظام بشعب العراق ما لم يفعله هولاكو والمغول؟ وكيف يتجاهلون ما يجري الآن في العراق. ألم تصل إلى مسامعهم أخبار  سفك دماء أبناء الشعب الثائر، الذي يطالب بلقمة العيش والتحرر من الاحتلال في ساحات العراق؟

-الذريعة الثالثة: يغطي هؤلاء تأييدهم للنظام الإيراني بأن له مصالح مع العراق ولهذا كما يزعم بعض الجهلة منهم، أنه يحق له التدخل في شؤونه.

لقد تناسوا أن مبدأ تبادل المصالح مرفوض إذا كان قائماً على القوة والإكراه. وهل ما يفعله نظام الملالي الآن بالعراق وشعبه أقل إجراماً مما فعلته الولايات المتحدة الأميركية باحتلاله؟

عندما غزت القوات الأميركية العراق، ضريت القانون الدولي بـ(رجل رئيسها). ومن البديهي أن نقوم بتجريمها، ولا يجوز تبرئة من شاركها وتواطأ معها. وإذا كان الرئيس الأميركي، من أجل مصالح أميركا، قد ركل القانون الدولي بقدم واحدة، فإن مرشد النظام الإيراني، قد ركله بقدميه الاثنتين: قدم الشبق الاستعماري، وقدم الجار والصديق؟!

ولهذا، إذا كانت للنظام الإيراني مصالح في العراق، فيجب أن لا تكون على حساب مصالح العراقيين. كما هو مرفوض أن يعتاش الشعب الإيراني على حساب لقمة عيش الشعب العراقي.

-الذريعة الرابعة: يبرر هؤلاء تأييدهم للنظام الإيراني بأنه يقدم مساعدات لبعض قوى المقاومة العربية، خاصة في فلسطين ولبنان.

لكي تكون المساعدة أخلاقية وتملك الشرعية الدينية والإنسانية، يجب أن لا تكون مشروطة بالحصول على ثمن مقابلها. وتجاهل أنصار إيران أن مصدر المساعدة الإيرانية، التي يزعمون تقديمها للمقاومة، تشكِّل جزءاً يسيراً مما يسرقه النظام من فم العراقيين الفقراء. هو يسرق من هناك ويقدِّمها كرشاوى يريد أن يقبض ثمناً لها. وعن الثمن المقابل الذي يستوفيه النظام الإيراني، وكما صرَّح أحمد علم الهدى، إمام مسجد مدينة مشهد، وممثل ولاية الفقيه في محافظة خراسان الإيرانية متباهياً أن (إيران ليست فقط إيران. إيران ليست محددة بالحدود الجغرافية.)، بل (حزب الله في لبنان إيراني.. وجنوب لبنان هو إيران... وحزب الله هو إيران؟). وعن فلسطين قال: (الجهاد الإسلامي في فلسطين إيراني. حماس في فلسطين إيرانية).

لقد انتفت صفة الأخلاقية عما يزعمون أنه مساعدة إيرانية لقوى المقاومة. أمن الأخلاقية أن تنهب ثروة شعب عربي، لتقوم بتمويل مقاومة عربية؟

تجدر الإشارة إلى أن النظام الوطني في العراق الذي أسقطه الاحتلال الأميركي، كأنموذج من الفعل القومي الأخلاقي، كان يعتبر مساعدة مقاومة الشعب الفلسطيني جزءاً من الواجبات القومية. وهو لم يُقصِّر بمساعدته للمقاومة اللبنانية أيضاً.

في الحقيقة أن النظام الإيراني له مصالح ضيِّقة، ويعمل على تحقيقها بشتى وسائل الخداع والتضليل. وهو يؤكد بسلوكه الديماغوجي على أنه متصالح مع أهدافه الغيبية ومع مشروعه السياسي الديني. ولأن مشروعه يقتضي تأسيس دولة دينية مذهبية عابرة للقومية تحمل بذور التفرقة والتفتيت في المجتمع العربي. ولأنه أخذ يتمدد على حساب المصالح القومية العربية، انطلاقاً من سرقة ثروات العراق، يصبح من المحزن أن أنصار إيران من العرب يتجاهلون تلك الأهداف، ويتجاهلون أيضاً أنها تتناقض كلياً من مصالح الوطن العربي في بناء دولة مدنية تساعد العرب على الصعود إلى مصاف الدول المتقدمة.

ولكن...

هل أنصاره من غير الإيرانيين متصالحون مع أنفسهم وشعاراتهم؟

فهل هم مع قيام دولة دينية؟

وهل هم مع قيام دولة شيعية مذهبية؟

هل هم مع سرقة أموال العراق لمصلحة قيام نظام ديني سياسي غيبي؟

وإذا تجاهلنا بأن يكون قطاع غزة، عاصمة خامسة، هل هم مع ضمِّ أربعة عواصم عربية كمحافظات ملحقة بدولة إيرانية (فارسية)؟

وتطول لائحة الأسئلة، وسيكون الرد من قبل أولئك الأنصار كلا. وسوف يزايدون على الآخرين بمدى حبهم لعروبتهم. ولكنهم في الوقت ذاته يعتبرون أن النظام الإيراني صديق يدعم قضايا العرب والعروبة.

إنه الأسلوب الديماغوجي، و(الكلام الديماغوجي مبسط ومتزندق، يعتمد على جهل سامعيه وسذاجتهم واللعب على عواطفهم)، وهو أبعد ما يكون عن الإقناع بالبرهان.

يا أنصار نظام ولاية الفقيه ممن يزعمون أنهم عرب،

من كان يربطه مع العروبة خيط، حتى ولو كان خيطاً واهياً، كيف يبرّر لنفسه أن يتعاون مع الأجنبي ضد أبناء قوميته، خاصة أن ذلك الأجنبي يعلن عداءه الصريح للقومية لعربية؟

ومن كان منهم مع الوحدة العربية، فكيف يبرِّر لنفسه، أن ينصر من هو مشارك في مشروع تفتيت الوطن العربي إلى دويلات طائفية؟

ومن كان منهم يعمل صادقاً من أجل قضية فلسطين، فكيف تنصر من لم يُطلق طلقة واحدة ضد العدو الصهيوني؟ وغير ذلك، فليبرهن هؤلاء لنا ويعطوا اسماً لإيراني واحد قُتل على أرض فلسطين؟

إنهم يعلمون أن المناضلين العرب هم وحدهم من سقطوا شهداء في صفوف المقاومة الفلسطينية، وكان العراقيون هم أبرز من شارك فيها، وقدَّم مئات الشهداء. وهذا الشعب العراقي يُذبح بقرار إيراني وبأيد إيرانية، بينما أنصار إيران صامتون صمت أهل الكهف!!

ومن كان منهم من يعرف كم دفع الشعب العراقي في سبيل القضايا العربية، وخاصة في فلسطين من ماله وروحه، هل نقايض مصلحة هذا الشعب بمن لم يدفع مالاً ولا دماً ولا روحاً؟

من كان يظن أن ما يقدمه النظام الإيراني من لحمه الحي، ومن أجل قضايا العرب والعروبة، ممثلاً ببعض قوى المقاومة العربية، يكون إما واهماً أو متجاهلاً، أو ناقص برهان وأخلاق. لأن ما يقدمه نظام تجار البازار في إيران إنما هو من سرقاته للحم العراقيين الحي. وما أكثر تلك السرقات، التي ابتدأت بسرقة أسلحة الجيش العراقي بعد الاحتلال، وباع أكثرها خردة. وسرق المصانع ليستفيد منها، ويُسهم في مساعدة جيمس بيكر بإعادة العراق إلى عصر ما قبل الصناعي. وليقل لنا أنصار النظام الإيراني أين تذهب ثروات العراق النفطية التي تقدَّر بمئات المليارات؟

مما سبق يؤكد بأن أنصار النظام الإيراني يدافعون عنه على الرغم مما هو ظاهر من أهدافه، ومما هو باطن، وهم ديماغوجيون بدفاعهم من دون أدنى شك. وهنا يصبح سؤالهم مشروعاً:

هل يدرون أن بعض فصائل المقاومة التي يزعمون أن النظام الإيراني يساعدها، قد تحوَّلت إلى شركات للمقاولات التجارية مع حكومات (العملية السياسية)، ويحصلون على الأرباح الطائلة منها. ويشكلون الواسطة لتهريب أموال لصوص الميليشيات خارج العراق، والقيام بتبييضها؟ وسوف تنكشف الحقائق كلها، ولو بعد حين.

نكتفي بهذا القدر، لعلَّ فيه ما يساعد على إفهام بعض ذوي المصالح حقيقة ما يجري. ولعلَّهم يفيئون إلى ضمائرهم، قبل أن تجرفهم تيارات الثورة التي تجري الآن في العراق. وليدركوا أخيراً أن في تبخيرهم وممالأتهم أنهم يذبحون الشعب العراقي بدلاً من حمايته من التغوُّل الإيراني.

 




ليست هناك تعليقات: