بأقلام الاصدقاء

(1):
من موقع رفض انتخابات غير شرعية
تبقى هناك دلالات وعبر:
كركوك ديالى
ميزان العراق السياسي
بقلم المحامي حسن بيان
16/3/2010
الانتخابات النيابية التي جرت في العراق تحت عنوان "العملية السياسية" خاضتها كتل سياسية تحت مسميات مختلفة، هذه الانتخابات التي جرت في ظل الاحتلال، في ظل قانون صيغت نصوصه، في ظل الاحتلال أيضاً، يجعل "العملية السياسية" وما تفرزه من نتائج هزيلة بعبارة مع التحفظ لأنه أياً كانت المزركشات التي طرز بها القانون  الانتخابي، فإنها لن تغير من طبيعة النسيج الأصلي للثوب الانتخابي والذي يبقى موضع الاعتراض عليه، كون أحكامه وضعت لخدمة المعطى السياسي الذي أعقب الاحتلال إن لجهة أدوار قوى الداخل التي أنيط بها إدارة الشأنين السياسي والامني  باشراف الاحتلال، وإن لجهة نسب تأثيرات النفوذ للقوى الخارجية التي تمارس الاحتلال مباشرة وتلك التي تقاطعت مع الاحتلال وتحضر نفسها لأن تكون الوريثة ذات النفوذ السياسي الأول بعد زوال الاحتلال.
إن تزيين "العملية السياسية" وما تفرزه من نتائج وخاصة الانتخابات الأخيرة بعبارة مع التحفظ، لا يسقط ولا يجب أن يسقط المؤشر السياسي والقراءة السياسية لنتائج العملية الانتخابية، والتي يجب التوقف عندها انطلاقاً من المعطيات التالية:
المعطى الأول: ثبوت التزوير: لقد بان بشكل واضح أن تزويراً موصوفاً قد رافق العميلة الانتخابية وما أفرزته من نتائج، وهذا بشهادة بعثة الاتحاد الأوروبي وتصريحات بعض الكتل السياسية وإقرارنوري المالكي الذي خاض الانتخابات على رأس ائتلاف سياسي وهو في موقع رئيس الحكومة ذي الصلاحيات الواسعة وأن التأخير في إعلان النتائج وبشكل تدريجي يقطع الشك باليقين بأن التزوير حصل لمصلحة القوى الممسكة بالسلطة الأمنية الإدارية.
المعطى الثاني: إنه رغم التزوير الذي أقر الجميع بحصوله بهدف تعديل النتائج بما يخدم مصالح القوى الداخلية والخارجية التي تقف وراءه، إلا أن النتائج الأولية التي ظهرت قد شكلت مفاجأة للبعض وإن لم تشكل مفاجأة للذين يعرفون جيداً المزاج الشعبي في العراق ومتانة الولاء الوطني والانتماء القومي.
إن المفاجأة حصلت، لأن البعض والذي يستند في حضوره وأدائه السياسي، إلى ماكينة السلطة أولاً، والى عوامل الإسناد الخارجي وخاصة من الطرف الذي يعتبر نفسه صاحب مشروع خاص في العراق، جاءت حسابات بيدره بعكس حسابات حقله. وإن المفاجأة لهؤلاء لم تكن من محصلة النتائج في المناطق والمحافظات التي يقطنها خط أكثري ذي انتماء مذهبي معين، بل جاءت من المحافظات التي يعكس واقعها السكاني مكونات العراق الوطنية ومكونات أطيافه السياسية والدينية المتعددة.
والمفاجأة لهؤلاء، ان النتائج التي أفرزتها العملية الانتخابية في مناطق الاختلاط القومي والاختلاط الديني المذهبي جاءت في سياق حملة مركزة ومكثفة من الداخل العراقي والخارج الإيراني تحديداً، ضد البعث والتي تحت عنوان اجتثاث البعث ومن ثم تعديل هذا العنوان شكلاً ليتم التعامل معه تحت عنوان "العدالة والمساءلة" والتي أنيطت رئاسة هذه الهيئة لأكثر الرموز العراقية عداء للوطنية العراقية، أحمد الجلبي. لقد تمكنت القوى المتمسكة بمفاصل السلطة الأمنية والإدارية من إبعاد بعض الرموز والعناصر من الاشتراك في العملية الانتخابية بحجة أنهم يشكلون واجهة لحزب البعث، وأن إبعادهم يندرج ضمن سياق عميلة الاجتثاث. والمعروف أن شعار اجتثاث البعث هو إشعار يهدف أولاً وأخيراً إلى اجتثاث عروبة العراق عبر اجتثاث الحركة الأكثر مصداقية في التعبير عن حقيقة، الانتماء القومي العربي للعراق.
المعطى الثالث: إن نتائج الانتخابات على رغم تزيين محصلتها بعبارة مع التحفظ، إلا أنها كانت بالغة الدلالة في ما أسفرت عنه من نتائج. ولعل أبرز هذه النتائج هو أن القوى المحسوبة على النظام الإيراني، لم تأت نتائجها بالشكل الذي يرضي الطموح الإيراني، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن حضور الولاء الوطني لشعب العراق كان أقوى من تأثير  كل وسائل الترهيب والترغيب وطوفان الحملات الدعائية والإعلانية والإعلامية.
المعطى الرابع: وهو الأهم، هو أن نتائج الانتخابات في المحافظات ذات التكوين القومي المركب وذات التكوين الديني والمذهبي المختلط، لم تأت في مصلحة قوى السلطة التي أشرفت على الانتخابات ولا في مصلحة القوى الأكثر وضوحاً في علاقتها مع النظام الإيراني، ولا في مصلحة القوى التي تنزع نحو الانفصال.
إن هذه المحافظات ذات التكوين المركب والمختلط، أعطت أصواتها للقوى السياسية التي كانت عرضة للحملة السياسية تحت شعار "اجتثاث البعث" ولعل النتائج التي أفرزتها محصلة الانتخابات في كوكوك وديالى هي نتائج ذات دلالات سياسية على قدر كبير من الأهمية. لأن هاتين المحافظتين ومعها نينوى، لم تقترع لشخص اياد علاوي وبما يمثل لأن هذا الأخير ما كان يمثل  مشروع الإنقاذ الوطني للعراق من الاحتلال ومن كل ما أفرزه هذا الاحتلال من نتائج سياسية وأمنية واقتصادية، بل أن الاقتراع حصل كرد فعلي على حملة سياسية شعواء شنها النظام الإيراني والقوى المرتبطة معه، ضد عروبة العراق تحت عنوان اجتثاث البعث.
من هنا، فإن  نتائج التصويت في كركوك وديالى ومعهم نينوى هي ذات اهمية سياسية كبيرة لان هذه المحافظات بتكوينها المركب والمختلط، قومياً ودينياً ومذهبياً، أكدت أن ولاء شعب العراق هو للوطنية، الرافضة للانفصال، والرافضة للتقسيم المناطقي والطائفي والرافضة للفرز الديني والمذهبي، وهذه النتائج هي رسالة واضحة لمن يريد أن يقرأ معطى الواقع السياسي والشعبي في العراق والتي جاءت نتائج الانتخابات لتؤشـــــر على ملامحه.
ان تصويت هذه المناطق للائحة التي كانت عرضة للحملة المضادة تحت عنوان اجتثاث البعث، يثبت ان العراقيين رغم الضغط النفسي والسياسي والأمني، صوتوا ضد اجتثاث البعث، أي أنهم صوتوا لعروبة العراق، أي أنهم صوتوا للمشروع الوطني العابر للطوائف والمذاهب والمناطق. وهذا التصويت في هذا الاتجاه السياسي ما كان ليحصل لولا ثلاثة عوامل:
العامل الأول: عمق الوعي الوطني لدى شعب العراق ورفضه لكل أشكال التقسيم والتطييف السياسي لحياته العامة.
العامل الثاني: إدراك شعب العراق لحقيقة النوايا الإيرانية في بلده وأنه رغم الإمكانات الهائلة التي وظفها ويوظفها النظام الإيراني لإقامة مرتكزات سياسية وأمنية له في العراق، تبين انها مرفوضة شعبياً وأن فرضت في ظل مرحلة معينة وساعد الاحتلال الأميركي على تأمين مناخات مناسبة لها.
العامل الثالث: إن شعب العراق الذي صوت ضد مشروع إيران في العراق صوت في الوقت نفسه ضد الاحتلال وإفرازاته، وهذا ما كان ليحصل لولا الموقع السياسي الذي يتبوأه الفعل المقاوم في الوجدان الشعبي العراقي والذي بالاستناد إلى مقاومته، استطاع شعب العراق أن يستعيد بسرعة توازنه النفسي وينخرط في مشروع مقاومة الاحتلال والذي أسفر نتائج سريعة من خلال دخول هذا الاحتلال أيامه الأخيرة.
على أساس النتائج التي أفرزتها العملية الانتخابية، فإنه يمكن القول وبثقة كبيرة، بأن أول غيث نتائج المقاومة هو إظهار القوى المرتبطة مباشرة بالنظام الإيراني، بأنها ليست الأولى ولا الثانية، وأن نتائج هذه المحافظات سيكون بمثابة كرة الثلج التي ستكبر كلما اقترب موعد الخروج النهائي لقوات الاحتلال. وكما تبين أن النفوذ الإيراني في العراق لن يكون مقرراً في تحديد مسارات الاتجاهات السياسية في العراق، ولهذا كان شعار اجتثاث البعث، اختباراً للنفوذ الإيراني، وبكل الثقة السياسية يمكن القول أن كركوك ديالى، هما ميزان العراق السياسي وهذا الميزان رجحت كفته لمصلحة عروبة العراق ولمصلحة وحدته الوطنية، ولا يهمهم إن أخذت بعض الكتل السياسية أكثرية أصوات في هذه المحافظة أو تلك ذات اللون المذهبي والأكثري بل الأهمية هي للمحافظات ذات التكوين المركب والمختلط وهما اللتان تجسدها ديالى وكركوك بامتياز وعليه سيبني على الشيء مقتضاه، وإذا كان البعض قد تفاجأ بنتائج الانتخابات إلا أننا لن نتفاجأ، لأنه في لحظات الاستحقاقات المصيرية تنتصر الثوابت الوطنية والقومية على معطيات الظرفية السياسية، وهذا هو  الدرس الثاني بعد الدرس الاول الذي جسدته المقاومة العراقية  لمن يريد أن يقرأ في كتاب العراق الوطني.