الجمعة، مارس 05، 2010

القمة العربية

--> --> -->
القمة العربية
حافظت على الشكل وانقلبت على الجوهر
فهل تستعيد القمة الحيوية التي ميزتها في مرحلة المد القومي؟
25/ 2/ 2010
تأسست القمة العربية في العام 1946، ولم تمارس وظيفتها بشكل جدي إلاَّ منذ الستينيات من القرن الماضي. فمنذ تأسيسها كان معداً لها كي تأتمر بإملاءات منظومة الدول الرأسمالية، فعقدت دورتين اثنتين، واحدة في العام 1946 والثانية في العام 1956. ولكن بعد امتداد تأثير الحركة القومية العربية، حزب البعث والحركة الناصرية، أخذت مفاهيم القمة تتحول باتجاه الاستفادة منها لكي تواكب حركة التجديد في العمل العربي الرسمي بفعل تأثير المد القومي النهضوي، فكانت الخطوة الأولى في تحويلها إلى مؤسسة دائمة تعقد اجتماعات سنوية، ولهذا أخذت تشكل الهيكل الحاضن للكيانات القطرية التي فرضتها اتفاقية سايكس – بيكو، من أجل لمِّ شملها، والتنسيق بينها، والإسهام في حل مشاكلها، كخطوة لا بُدَّ منها على طريق تقريب مسافات التباعد وتضييقها، وردم الهوة في علاقاتها.
لذلك عقدت عشرين اجتماعاً منذ العام 1964 حتى العام 1990، والذي كان آخرها الاجتماع الذي عقد في بغداد، بتاريخ (28/ 5/ 1990)، وهو الاجتماع الأخير قبل نجاح التآمر على هدمها في اجتماعها الذي انعقد بتاريخ (9/ 8/ 1990)، وهو الاجتماع الذي عقد في القاهرة لمعالجة أزمة الكويت، فهو بدلاً من أن يعالجها اتخذ قرارات ما سُمي بقرارات (النصف زائداً واحداً)، وهي القرارات التي أسهمت في تعقيد الأزمة العربية التي لا يزال العرب يعانون منها حتى المرحلة الحاضرة.
كانت أطراف الحركة القومية تراهن على تحويل مؤسسة القمة من أجل أن يبدأ العرب الرسميون بتخزين كل خطوة إيجابية تمهيداً لبناء جسور الثقة المرحلية بينهم انتظاراً لإنجاز الهدف الاستراتيجي المتمثل بالوحدة العربية، وقد تم تخزين ما لا يُستهان به من المؤسسات الفرعية على شتى الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية، فبلغت العشرات.
لقد شكلت مفاهيم القمة العربية، عند أطراف الحركة الثورية العربية في الستينيات، أساساً للتكامل العربي بين الأنظمة الرسمية، على أن تتم مراكمة إيجابيات مهماتها مرحلياً لإزالة المخاوف من نفوس الخائفين من العرب. إلاَّ أنها في الوقت ذاته شكلت خطورة على مصالح القوى الاستعمارية والصهيونية، وأخذت تعطي نتائج سلبية ضد ما كانوا يخططون له من مشاريع خطيرة على الوجود القومي. وهذا ما لم يكونوا يتوقعونه عندما سمحوا بتأسيسها في العام 1946. ذلك الهدف كان يستند إلى عمقه الاستراتيجي في اتفاقية سايكس بيكو التقسيمية. وإن كان التحالف الاستعماري – الصهيوني قد أجاز تأسيس القمة العربية فإنما لكي تبقى تحت إدارة وتوجيه التحالف وتأتمر بإملاءاته في مواجهة القوة الكونية الكبرى التي كان يمثلها الاتحاد السوفياتي في تلك المرحلة.
أما وأنها قد تحولت، في أواسط الستينيات من القرن الماضي، إلى عامل قوة بيد الحركة القومية العربية الناشئة والفتية، فأصبحت تشكل عبئاً ثقيلاً على مصالح التحالف، الأمر الذي دفع به إلى وضعها ضمن دائرة هدف تهديمها وإلغائها. فهي إما أن تشكل عامل قوة له وإلاَّ فليكن مصيرها الهدم والإلغاء.
لقد كان للقمة العربية عامل التأثير النفسي على النظام العربي الرسمي، إذ كانت أساساً لشعوره بالقوة، ومن لم يكن منه على قناعة بأن القوة تجدي، فقد كان خائفاً على نفسه من التأثير الكبير الذي كانت تمتلكه الحركة القومية العربية، بتياريها البعثي والناصري، على الرأي العام العربي. لذلك اتخذت القمة العربية عدداً من القرارات التي اعتبرها التحالف الاستعماري – الصهيوني تمثل غاية الخطورة على وجوده في المنطقة بشكل عام، وفي الوطن العربي بشكل خاص. ومن أهم ما أنجزته القمة العربية، أنها عقدت اثنتي عشر اجتماعاً بين العامين (1964 و1979)، اتخذت فيها عدداً من القرارات المؤذية لمصالح الاستعمار والصهيونية. ولعلَّ أهم تلك القمم كانت ثلاث: قمة الخرطوم بلاءاتها: (لا تفاوض لا صلح لا اعتراف)، والقمة التي انعقدت على أثر حرب السادس من تشرين الأول 1973، والتي قررت فيها القمة قطع النفط عن الدول التي تساند العدو الصهيوني. والقمة التي انعقدت في العام 1979، والتي قررت رفض نتائج اتفاقيات كامب ديفيد.
وإننا إذ نحسب أن مسيرة العمل الرسمي العربي المشترك لم تكن بمستوى التغيير المنشود إلاَّ أنه لا يجوز أيضاً تجريدها من كل إيجابية. ولكن بما لا يمكن الشك فيه هو أن تراكم المشاكل والأعباء على النظام العربي الرسمي، والشعب العربي، كما على حركة التحرر العربي بكل أحزابها وحركاتها وقواها، كانت أكبر من أن تنجز تغييراً سريعاً. فحركة التاريخ لن تعرف على الإطلاق قفزات نوعية في التغيير من دون تراكم كمي قد يأخذ عشرات السنين ليصل إلى مستوى التغيير النوعي.
استناداً إلى ذلك كانت الحركة النقدية العربية للتيارات القومية تنطلق من وهم التغيير السريع، وقد غرقت أطرافها في تنافس نقدي غير مشروع، سعياً وراء كسب فئوي هنا أو هناك. أما الحركة النقدية لتيارات الأممية الماركسية والإسلام السياسي فلم تكن تريد من حركتها النقدية إلاَّ الهدم والتهشيم بكل ما اقترفته أيدي الحركات القومية من أخطاء، من دون اكتراث بأنه لا عصمة لأحد، لأن همها النقدي كان ينطلق من مبدأ الإلغاء وليس التصحيح. وهنا لا بُدَّ من التذكير أن حرب الإلغاء بين الفكرين القومي والأممي، في تلك المرحلة، كانت سيدة الصراع الفكري والسياسي بين التيارين على حد سواء.
إن استطرادنا في تحليل واقع العلاقة بين تيارات الحركة الحزبية العربية، في معرض تحليلنا لواقع القمة العربية، ليس إلاَّ للنفاذ من جديد إلى صلب موضوعنا وهو أننا كقوميين لن نقف موقف إلغاء مؤسسة القمة العربية لأنها فشلت. بل جئنا لنؤكد على أن القمة العربية كانت تمثل، خاصة منذ أواسط الستينيات، خطوة مهمة كان يجب تطويرها والتجديد فيها وليس إلغاءها. كان يجب تطويرها لأنها في حركة تراكم التغيير الكمي كانت خطوة أساسية وجريئة. وهذا السبب يدعونا اليوم، وعلى أبواب انعقاد القمة العربية في ليبيا، إلى اتخاذ هذا الموقف طالبين، وإن كان طلبنا حلماً غير سهل المنال، أن يعود النظام العربي الرسمي إلى رشده ووعيه، آخذاً من تاريخية مؤسسة القمة العربية وبعض نتائجها الإيجابية الدرس والمثال.
إنه وقد بقي للقمة العربية الشكل فقط، وهذا ما كانت تعول عليه قوى الاستعمار والصهيونية، أي أن يجمع العرب هيكل وحدوي شكلي، فارغ من المضمون، منزوع الأنياب.
وإنه بعد أن صادرت القوى الأجنبية القرار العربي، واستباحت قضايانا العربية، وراحت تفصِّل الحلول لها على مقاييس مصالحها.
نتساءل: هل يخبئ لنا المستقبل العربي رجالاً كباراً كأمثال جمال عبد الناصر وصدام حسين، لكي يكون المهماز الذي يعيد تصويب البوصلة للخروج العربي من دائرة عقدة الخوف الذي يشيعه التحالف الأميركي – الصهيوني؟
وهل يخبئ المستقبل العربي رجالاً يخيفون هذا التحالف بدلاً من أن يخافوا منه، خاصة وأن المقاومة العربية تسير إلى أمام ولن تتراجع؟
 -->

ليست هناك تعليقات: