الأربعاء، يناير 26، 2011

تبقى المقاومة العراقية تمسك زمام المبادرة

-->
بين الرهان على ترميم العملية السياسية واستراتيجية أوباما
تبقى المقاومة العراقية تمسك زمام المبادرة26/ 1/ 2011
يتساءل المخلصون والصادقون بتأييدهم للمقاومة العراقية عن مصير المقاومة العراقية، وما هو مستوى أدائها في هذه المرحلة، خاصة أن وسائل إعلام أوباما هي أكثر خبثاً من وسائل إعلام جورج بوش، وهي أكثر كفاءة واحتيالاً منها.
كما يتساءل هؤلاء، عن مستقبل العراق، خاصة بعد أن ركزَّت وسائل إعلام المخابرات المركزية الأميركية، ومن يتواطأ معها، على أنه لم يبق من أمل للعراق إلاَّ بإنجاح العملية السياسية، باحتضان وضمان ومساعدة من الدول المحيطة به جغرافياً.
بما لا يقبل الشك أن استرتيجية إدارة أوباما الإعلامية قد تعلَّمت من سابقتها أن الإعلان عن حجم الخسائر بين صفوف الجنود الأميركيين كان سبباً مباشراً في تأليب الرأي العام الأميركي ضد إدارة جورج بوش، وبالتالي إسقاط حزبه في انتخابات الرئاسة الأميركية. ولهذا السبب يعتِّم الإعلام الأميركي ومن يدور بفلكه على خسائره في العراق. كما يعتمون على العمليات اليومية التي تشنها فصائل المقاومة العراقية ضد قواته وضد كل متواطئ معها.
ونتيجة لذلك أجرى الحزب الديموقراطي تغييراً تكتيكياً في استراتيجية التنفيذ إذ استبدل استراتيجية «الصدمة والترويع» بـ«استراتيجية الحوار». كما استبدل سياسة تدخل قواته مباشرة في حملات قمع العراقيين ومحاولة تطبيع وضع المقاومين العراقيين واحتوائهم أو إضعافهم، بسياسة جعل الجيش الحكومي متراساً أمام قواته.
ففي الفترة الفاصلة من الآن حتى الاستحقاق النظري للانسحاب الأخير في نهاية هذا العام لا يزال العدو الأميركي يراهن على إنجاح العملية السياسية وذلك بتوفير شروط استقرار عملائه في المؤسسات السياسية والأمنية والهيمنة على الحكومة والدولة من جهة، وإلى تكثيف عملية تدريب جيشها وأجهزة أمنها وتأهيلهم للاعتماد على أنفسهم لقيادة الدولة من جهة أخرى، وإلى الاستنجاد بعملائه من الأنظمة العربية الرسمية لتركيب أرجل للعملية الكسيحة من جهة ثالثة.
وهنا تتكاثر الأسئلة ومن أهمها:
-هل ينجح الاحتلال بتوفير شروط استقرار حكومة المالكي؟
-وهل ينجح في توفير شروط خدمة الشعب، اجتماعياً واقتصادياً وأمنياً؟
-وهل يستطيع أن يقنع دول الجوار الجغرافي، إقليمياً وعربياً، بالقبول بتقسيم العراق؟
-وقبل هذا أو ذاك، هل ينجح بالقضاء على المقاومة العراقية، أو على الأقل احتوائها؟
-واستطراداً، هل ينجح بتوسيع رقعة المؤيدين لأهدافه على الصعيد الداخلي العراقي، كما على صعيد الدول المحيطة بالعراق؟
فإذا كانت الأجوبة الشافية على تلك الأسئلة لن تتوافر بالدقة التي يطلبها المتسائلون إلاَّ أن الحد الأدنى من الوقائع والاستنتاجات يؤشر بوضوح على أن النتائج التي سيرسو عليها مستقبل العراق في المرحلة القادمة ستكون سلبية على واقع الاحتلال وعملائه، وإيجابية على واقع المقاومة.
من هذا الحد الأدنى تؤكد الثوابت التي تحكم الصراع الدائر الآن في العراق هو أن المقاومة الوطنية العراقية، كعامل أساسي منع الاحتلال من تحقيق أهدافه طوال أكثر من سبع سنوات، لا يزال فاعلاً ومصراً على تحرير العراق، كل العراق، من الاحتلال الأميركي وإفرازاته وكل من يتوهم أنه سيكون بديلاً عنه في حال إتمام انسحابه في الموعد النظري المقرَّر.
وطالما ظلَّ هذا الشرط موفوراً فلا خوف على العراق من الضياع، كما أنه لا خوف من كل ما يخطط له الاحتلال الأميركي، وكل ما يضعه من بدائل لإنقاذ مشروعه. فالكفة في موازين القوى لا تزال راجحة الكفة لمصلحة المقاومة. لذلك نعتبر أن الاحتلال الأميركي لا يزال يراهن على أوهام في إنجاح العملية السياسية التي لا يزال يترأسها العملاء أنفسهم الذين فشلوا بإنجاحها وترميمها كلما تصدَّعت في ظل وجود مئات الآلاف من جنود الاحتلال. والنتيجة التي نؤكد أنها حاصلة تدل على أن المراهنات الأميركية ليست أكثر من أوهام، والمحاولات لا يزال ينطبق عليها المثل القائل بـ«أن الغريق يفتش عن قشة تنقذه من الغرق».
 إن التعتيم على عمليات المقاومة وتجاهلها ترخى ظلالاً نفسية مؤرقة على المراهنين على المقاومة العراقية وهذا طبيعي. فالمساحة المتاحة للإعلان عنها لا تتعدى صفحات بعض المواقع الإليكترونية التي يتمكن من متابعتها أقل عدد ممكن من القراء، وهو غير متاح للجميع، الأمر الذي يلقي عبئاً نفسياً على أكثرية القراء. وهذا النقص يلقي على المتابعين وخاصة من قبل الأحزاب المهتمة مسؤولية ابتكار الوسائل والأساليب لنشر الحقائق التي تحكم الواقع على أرض العراق.
إن المقاومة العراقية لا تزال فاعلة على الأرض، لكنها محرومة من الإعلان الواسع عنها. وكذلك يمنع التعتيم نشر الوقائع المتعلقة بالفعل السياسي لمؤسسات المقاومة المختصة، كما يعتِّم على الواقع الجبهوي بين الفصائل المقاتلة الذي بلغ سقفاً مريحاً، وهو لا يزال يعمل من أجل رفعه.
فالمقاومة ضمن واقعها الراهن والإمكانيات المتاحة أمامها لا تزال فاعلة ومؤثرة. ويكفي أن نسجَّل ما أعلن عنه قائد المقاومة، الرفيق عزت الدوري، عن واقع المقاومة، قائلاً: «اننا سنواصل القتال والمقاومة وسنوسع ميادين القتال وننوع فيها ونصعد عملياتنا ومقاومتنا وفق استراتيجية بعيدة المدى لملاحقة الامبريالية في كل مكان حتى تذعن لارادة العدل والحق، ارادة شعب العراق العظيم».
وإذا كانت المقاومة تلبي شروط المعركة ضد الاحتلال، فإن الاحتلال وعملائه عاجزون عن احتوائها، فكيف تكون النتيجة إذا كان المقصود اقتلاعها؟
وإذا كانت المقاومة قادرة على الاستمرار في جعل الاحتلال ينتقل من مرحلة ضعف إلى مرحلة أضعف منها، فهل مراهنة الاحتلال على إنجاح العملية السياسية ممكنة؟
وجواباً على ذلك، نرى أنه من أجل إنجاح هذه العملية يجب توافر عدة شروط، من أهمها:
-أن يكون عملاء الاحتلال في الداخل العراقي قادرين على توفير الحد الأدنى من عوامل حماية الدولة بما تعنيه من حماية للعراقي بأمنه العسكري والحياتي، اجتماعياً واقتصادياً.
-أن تجتمع دول الجوار الجغرافي للعراق على الحد الأدنى من المصلحة المشتركة، وأن تحكم علاقة بعضهم بالبعض الآخر الحد الأدنى من المخاوف والهواجس. فكيف لو كانت المصالح متضاربة والمخاوف تبلغ الحد الأقصى من علاقات لا تتصف بالثقة، وإذا كانت أهدافهم في العراق متناقضة إلى الحدود التي ترتفع بها المتاريس بينهم إلى حدود الاحتراب والتقاتل؟
وعلى العكس من كل ذلك نشاهد على الصعيد الداخلي العراقي أن التناقضات بين عملاء الاحتلال هي سيدة الموقف، وعجزهم عن تشكيل حكومة لفترة امتدت أشهراً، وهم حينما توافقوا على تشكيلها فقد وُلِدت مسخاً غير مكتمل شروط الحياة السليمة.
كما أن دول الجوار الجغرافي، وحتى بعض الأنظمة العربية الرسمية التي تستجيب لإملاءات الإدارة الأميركية تقوم بدورها لتنفيذ تلك الإملاءات بفتور ومن دون حماس لأنها أفلست باطنياً من المراهنة على ولي أمرها الأميركي، وهي تستخف به من دون إعلان، وهي غير واثقة بأنها قادرة على تركيب أرجل خشبية لمحتل يعاني الكثير من الجروح والكسور والعاهات النفسية باقتصاده وجيشه. لذا فهي مستسلمة لأمر واقعي لا تعرف كيف تتصرف وماذا يخبئ المستقبل لها.
وإن أكثر ما تخشى منه أكثرية الأنظمة الرسمية العربية هو أن يتقسَّم العراق في ظل غياب قوة أميركية تحمي التقسيم، وهم مخدوعون من دون أدنى شك، بطريقة لا تشكل خطورة،  على أوضاع تلك الأنظمة الداخلية. وبمثل هذا الواقع سيقتحم الخطر الإيراني أبوابها التي ستصبح مشرَّعة أمامه عندما يحين موعد الهروب الأميركي طالباً النجاة من ضربات المقاومة العراقية خاصة أنها لم تفقد من فعاليتها وتأثيرها وإصرارها على متابعة واجب التحرير الكامل.
كما أن الدولتين الإقليميتين، إيران وتركيا، ليستا على وفاق أو اتفاق على تقاسم المصالح في العراق، فالأولى تعمل على التصدي لمشروع أكبر من طاقاتها بكثير ويجري استنزافها بحيث لن يطول الوقت حتى تنوء تحت أثقال موجبات التصدي. أما الأخرى فإنها تعمل على قاعدة أن المشروع الأميركي قد ينجح بترميم ما تصدَّع، فهي لا تريد أن تخرج من مولد العراق من دون حمُّص.
وأخيراً، في ظل الصراع المستمر في العراق، وحول العراق، لا تزال المقاومة العراقية سيدة الموقف ممسكة بشروط إدارة معركة التحرير، أما الأطراف الأخرى، على كثرتها، فلا تزال تراهن على متغيرات ما تصب لمصلحتها. ولكن ليس كل من يراهن سيكسب خاصة إذا كانت مراهناته مبنية على الأوهام، وإنما الذي يضمن الكسب والربح هو من يمتلك شروط اللعبة وعواملها.

ليست هناك تعليقات: