الأربعاء، يناير 04، 2012

المقاومة العراقية كمشروع حضاري للامة العربية


المقاومة العراقية كمشروع حضاري للامة العربية
من ضمن نشاطاتها هذا العام دعت لجان إحياء ذكرى الشهيد صدام حسين ورفاقه الاردن - اربد للمشاركة في أسبوع الشهيد صدام حسين ورفاقه تحت شعار: «من إربد الى الفلوجة يامحلى النصر بعون الله». وخصصت يوم الاثنين: 2/1/2012 لندوة فكرية شارك فيها: حسن خليل غريب من لبنان بمداخلة تحت عنوان: «المقاومةالعراقية كمشروع حضاري للامة». كما شارك الدكتور حسن طوالبه من الاردن بمداخلة تحت عنوان: «انتصار المقاومة العراقية والهزيمة الامريكية». وقد أدار الندوة الأستاذ اسماعيل أبو البندورة.
وهذا هو النص الحرفي لمداخلة حسن خليل غريب:
تعريفاً علمياً تُعتبر المقاومة رد فعل غريزي، يتساوى فيها كل شيء حي. وفعل المقاومة يصدر عن الكائن الحي عندما تتعرض ثوابته لأي عدوان خارجي. والثوابت الغريزية للمقاومة عند الكائن الحي هي كل ما يهدد وجوده الطبيعي بالتغيير.
وإذا تساوى الكائن البشري والكائن الحيواني بخاصية المقاومة الغريزية، إلاَّ أن فعل المقاومة عند الكائن البشري تحتل منزلة متقدمة لأنه يتميز بعنصر التفكير المرتبط بخاصية العقل. وهذا التميز يساعد الكائن البشري للصعود بالمقاومة إلى سقف أعلى. ولهذا ففعل المقاومة الذي يصدر عن الكائن البشري له أبعاد ثقافية، والأبعاد الثقافية ذات ارتباط وثيق بالحالة الحضارية للإنسان.
ومن هنا،
ولما كان فعل المقاومة موجوداً بالغريزة عند الكائن الحي، أي بمعنى (أنا أقاوم، إذن أنا موجود حي).
ولما كانت الحالة الحضارية عند الكائن البشري تحرز تقدماً بفعل المقاومة، أي بمعنى (أنا أفكر بأي مقاومة هي الأنجع، إذن أنا موجود بشري).
لكل ذلك نعتبر أن المقاومة التي تصدر عن الكائن البشري تشكل سبباً ونتيجة.
فهي سبب لأنها ترتبط بقوة اللاوعي وهي ما يُعبَّر عنها بالغريزة التي تصدر عنها ردة الفعل بشكل سريع وتلقائي كلما تعرَّض الإنسان للخطر.
وهي نتيجة لأن التراكم الثقافي، كوجه أساسي من أوجه الحضارة، يرتقي بالفعل المقاوم إلى مستوى القانون العلمي الواعي. والحالة الثقافية هي التي تكشف عن كثير من أوجه المقاومة التي لا تستطيع الغريزة اكتشافها.
ولأن مصدر المقاومة الغريزية يتعلق بالعامل البيولوجي، فإن الفعل المقاوم عند الكائن البشري يتعلق بالعامل الثقافي والحضاري. وهذا العامل يتعلق بخاصية الإنسان ككائن حي عاقل. فالشعور بالكرامة وحرية الرأي والدفاع عن الحقوق المدنية وحماية الوطن، من أهم الخصائص التي تميز الكائن البشري عن الكائن الحيواني، فلدى الإنسان مقدرة للارتقاء بالغريزة من اللاوعي إلى الوعي. وهذا الانتقال يعني أن الإنسان يخطط للمقاومة قبل أن يحصل العدوان، وهذا يعني أنه يُعدُّ للمقاومة موجباتها وأدواتها مسبقاً كي لا يباغته العدوان وهو غير مستعد لمواجهته، بل يبدأ بالمقاومة بشكل أكثر وعياً وأكثر إعداداً حينما تتعرض ثوابته للخطر، فيكسبه هذا العامل الكثير من القوة والوقت.
أيتها السيدات، أيها السادة
وإن استندت هذه المقدمة إلى بعض أسس العلوم النفسية والاجتماعية إلاَّ أنها أيضاً كانت نتيجة استقراء تجربة تاريخية ميدانية حية، قد تعود جذورها إلى نهايات سقوط الإمبراطورية العثمانية، وبدايات مرحلة الانتداب الأجنبي.
وهنا يسابقنا السؤال: حيث إن الإمبراطورية العثمانية كانت أقرب للاحتلال منها إلى الدولة الشرعية، وكانت تمثل أعلى السلطات تعسفاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وكانت أقرب إلى تصنيفها كعمل عدواني على حقوق الشعب الذي تحكمه، وعلى حقوق التعدديات الدينية والمذهبية والعرقية.  وعلى الرغم من ذلك لم تحصل أية مقاومة ضدها. وإذا كان عامل الدفاع عن القومية لم يكن وارداً فلأن النزعة الإمبراطورية تحت ستار حماية الشريعة الدينية كانت من أهم عوامل تكوين الثقافة الشعبية. هذا السبب وحده يفسر كم كان العامل الثقافي السائد يؤثر على خضوع العرب قروناً طويلة لأكثر مراحله التاريخية تخلفاً وظلماً وتعسفاً.
إنه العامل الثقافي وحده كان السبب. كان الشعب في تلك المرحلة خاضعاً لثقافة التواكل ذات الأبعاد السطحية للثقافة الدينية. حينذاك كانت فتاوى فقهاء السلطان تحرم الثورة ضد (أولي الأمر)، تحت حجة أنهم حراس للشريعة. ولذا استخدمت ثقافة فقهاء السلاطين لحماية السلطان من جهة وخداع الشعب من جهة أخرى.
ومن أهم الدروس التي نتعلمها نحن العرب، لأننا موضوعون في دائرة الاستهداف الدائم، ليس أن نعد للمقاومة موجباتها المادية فحسب، بل أن نعمم ثقافة المقاومة، فنجعلها ثقافة المجتمع العربي، أي أن نجعل تلك الثقافة ثابتاً من ثوابتنا المعرفية.
أيتها السيدات، أيها السادة
كانت هذه المقدمة ضرورية للدخول في موضوعنا الأساس الذي حدده العنوان التالي: (المقاومة العراقية كمشروع حضاري للامة العربية).
وهنا سندرس واقع المقاومة العراقية من زاويتين اثنتين:
-المقاومة العراقية كانت نتيجة لتراكم ثقافي وحضاري.
-المقاومة العراقية ستكون سبباً لإحداث طفرة نوعية في العامل الثقافي والحضاري للأمة العربية.
أولاً: المقاومة العراقية كانت نتيجة لتراكم ثقافي وحضاري:
إما أن تكون المقاومة العراقية نتيجة، فلأنها كانت الأبنةَ العملية الشرعية لتراكم ثقافي تعود جذوره إلى بدايات تأسيس الدولة الحديثة. وهنا لا بُدَّ من الإشارة إلى أنه كما حملت مرحلة الانتداب الأوروبي، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، احتلالاً آخر بديلاً لمرحلة الاستيلاء العثماني، فهي قد حملت معها أيضاً بذور ثقافة جديدة نقلت مفاهيم السلطة من مستوى (الحكم باسم الله) إلى مفهوم الحكم باسم الشعب. ولأن الاعتراف بهذا الجانب الإيجابي لا يضيرنا بشيء على قاعدة مبدأ التواصل والتفاعل المعرفي بين الشعوب والأمم، فإن ظهور أفكار جديدة وآليات جديدة في العمل السياسي، فتح الأفق واسعاً أمام العقل العربي لابتكار ما يتناسب مع واقع العرب، وبالتالي ليبتكر وسائل جديدة في مقاومة كل ما يهدد الكيان العربي الناشيء.
وإذا كانت سلطات الانتداب قد عملت على بناء أنظمة قطرية حديثة تختار أشخاصها ونخبها ممن تتوسم بهم صفات وشروط التبعية، فإن النخب العربية المثقفة كانت تشكل العامل المقاوم للانتداب وللحكومات التي كان يشكلها.
ولهذه المرحلة تعود أصول بناء ثقافة للمقاومة السياسية، فكانت الأحزاب العربية تتشكل تباعاً. وعلى الرغم من عوامل التباين والتضاد بينها، إلاَّ أن كلاً منها، خاصة تلك التي استقت مبادئها من الثوابت الوطنية والقومية، قد حفرت في أعماق العقل الشعبي ثقافة جديدة بانقلاب واضح على ثقافة التقليد والتواكل. وما فتئت التجربة الفتية تبني عقائدها إلى حين حصول متغير تاريخي هزَّ الوجدان العربي، وكان هذا المتغير ظاهراً في القضية الفلسطينية التي أغتصب فيها الانتداب الأوروبي جزءاً من الأرض العربية، فلبى العقل العربي نداء المرحلة الجديدة، وكان من أكثرها ترجمة للواقع الجديد وأكثرها تعبيراً عنه ذلك النداء الذي أطلقه ميشيل عفلق مؤسس البعث، قائلاً: (فلسطين لن تحررها الحكومات، بل الكفاح الشعبي المسلح). وبمثل هذا النداء شقت ثقافة مقاومة المحتل طريقها إلى منظومة الثقافة العربية الجديدة.
وإذا كان عفلق قد استوحى من تجربة مقاومة السوريين التي قادها يوسف العظمة في العام 1920 ضد الانتداب الفرنسي، ومن تجربة مقاومة الفلسطينيين منذ العام 1936، ومقاومة العراقيين التي قادها رشيد عالي الكيلاني في العام 1941، ومقاومة اللبنانيين ضد الانتداب الفرنسي، فهو قد حوَّل التجربة إلى عقيدة ثقافية. ولهذا كله يعود سبب فرح البعثيين عندما أطلقت المقاومة الفلسطينية رصاصتها الأولى في 1/ 1/ من العام 1965، فسبقوا غيرهم من أحزاب حركة التحرر العربي للالتحاق بتلك الثورة.
ومن مسار الثورة المسلحة الأولى استلهمت ثورة 17 30 من تموز عقيدة المقاومة، واستمرت بدراسة تجربة المقاومة اللبنانية، ولم تنس تلك الثورة القيام بواجبها كاملاً لمساندة كل مظهر من مظاهر الكفاح المسلح.
ولكل هذا، أعدَّت ثورة تموز لمقاومة العدوان الغربي إذا حصل. وقد أهَّلت من أجل ذلك جيشاً يمتلك العقيدة الوطنية والقومية، وعمَّمت ثقافة المقاومة الشعبية، ودرَّبت ملايين العراقيين على حمل السلاح واستخدامه لممارسة حرب عصابات إذا ما دنَّست أقدام الاحتلال أرض العراق، وهذا هو السبب الذي أدى إلى انطلاقة سريعة للمقاومة الشعبية العراقية المسلحة. وغني عن البيان أن نعيد التذكير بالنتيجة التاريخية التي حازت عليها تلك المقاومة. والتأكيد على أنها كانت نتيجة طبيعية لتُراث تاريخي عربي وثقافي وحضاري.

ثانياً: المقاومة العراقية ستكون سبباً لإحداث طفرة حضارية نوعية:
وأما أن تكون هذه المقاومة سبباً لإحداث طفرة نهضوية جديدة بعد التحرير فنرى أن ذلك ينطلق من أن أهم النتائج التي حصدتها المقاومة العراقية كان تحرير العراق أولاً، وتحصين العراق ضد أي احتلال آخر ثانياً. وعن تلك النتائج نحسب أن المقاومة العراقية قد أرست أساسين متينين لانطلاقة حضارية راسخة، وهما:
-التراكم المعرفي النهضوي: بعد الانتصار التاريخي للمقاومة المسلَّحة عادت الحياة للمشروع النهضوي القومي الذي بدأته ثورة 17 30 تموز. يتم ذلك على الرغم من تدمير معظم بنيته التحتية، لأن الأساس الذي سيساعد العراقيين لم يتم تهديمه، بل كان عصياً على التهديم، وهو يتلخص بالنية الثقافية والمعرفية التي انبنت طوال عقود. وهنا يأتي دور علماء العراق ومثقفيه ومفكريه وسياسييه وإدارييه الذين أثبتوا كل المصداقية بالدفاع عن وطنهم. وهنا نعتبر أن العراقيين لن يبدأوا من الصفر بل سيستأنفون مشروعهم السابق بسرعة لأن التراث الكبير الذي تركته ثورة تموز ما يزال حياً.
-القضاء على عوامل التهديد الخارجي: إن تجربة الاحتلال والتحرير ستفرز عدداً من عوامل الاستقرار، وهي الشروط المطلوبة لبناء حضاري جديد سيستفيد من التراكم الحضاري السابق ويبني عليه معتمداً على ما ستوفره التقنيات والمعارف الجديدة. ولذلك نحسب أنه بعد تجربة الاحتلال والتحرير سيستفيد العراقيون من عاملين أساسيين، وهما:
-العامل الأول ويتمثل بالخوف الذي سيردع القوى الخارجية عن القيام بمغامرة احتلال جديدة لأجيال طويلة قادمة بعد أن احترقت أصابع الولايات المتحدة الأميركية من تجربة ألحقت أفدح الخسائر ببنية الجيش الأميركي التحتية من جهة، وأفدح الخسائر ليس بالبنية الاقتصادية الأميركية فحسب، بل أنزلت أفدح الخسائر بالبنية الاقتصادية الرأسمالية أيضاً.
-والعامل الثاني ويتمثل بالخوف الذي سيردع العملاء والجواسيس من إعادة التجربة السابقة بعد أن انكشفت بنيتهم التحتية، وتم تهديمها بسنوات قليلة بعد أن صرفت عليهم أجهزة المخابرات المعادية الوقت والمال من أجل إعدادهم بشكل كاف. وهذا الأمر سيجعل من كل مواطن عراقي خفير على أمن بلده واستقراره.
ولأن المقاومة العراقية العسكرية قد أنجزت البنية الأساسية لاستقرار العراق فهي تكون قد أسست شروط الاستقرار الثابت لعراق محرر، إذ سيتشكل من بنيتها التحتية جيشاً وطنياً سيوفر حماية حدود العراق وأمنه الداخلي، لتوفر أيضاً عامل الاستقرار أمام إعادة بناء دولة مدنية نهضوية حديثة سيقوم بأودها مئات الآلاف من المفكرين والعلماء والإداريين وذوي الخبرة في شتى الحقول تحت إشراف قيادة سياسية أثبتت الأيام كفاءتها وإخلاصها لوطنها العراق أولاً، ولأمتها العربية ثانياً.

ليست هناك تعليقات: