السبت، فبراير 25، 2012

هل تكون الأزمة السورية سبباً لعودة الحرب الباردة

-->
هل تكون الأزمة السورية سبباً لعودة الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا؟


في العراق ابتدأ تطبيق النظام العالمي الجديد القائم على قطبية واحدة، الذي دغدغ أحلام اليمين الأميركي المتطرف، وفي العراق انتهى ذلك الحلم الذي دفعهم إلى إعلاء هدف سمُّوه «نحو قرن أميركي جديد». وحسبوا أن القرن الواحد والعشرين هو القرن المقصود.
احتلوا العراق تحت دخان ذرائع أثبتت الوقائع كذبها، لأنهم كانوا يعتبرونه آخر حصون المقاومة العربية الرافضة للهيمنة الأميركية. وحسبوا أن العراقيين سيستقبلونهم بالورود، وما لم يحسبوه بشكل دقيق هو أن العراقيين سيستقبلونهم بحرب شعبية خطط لها النظام الوطني الذي كان يحكم العراق قبل الاحتلال.
نامت الرأسمالية الأميركية على معزوفة تفكيك الاتحاد السوفياتي سابقاً، وخلت الساحة لها لتعلن نهاية التاريخ وتعلن بداية جديدة له تستند إلى مفاهيمها بالديموقراطية الرأسمالية، وفرادة الإنسان الأميركي، وهما صفتان وهميتان جنحتا بالرأسمالية الأميركية إلى أحلام بناء القرن الجديد الذي تسود فيه مفاهيم الرأسمالية ذات القطب الواحد.
كان الحلم قد بلغ طور التحقيق لو أسلس العراق قياده، ولكن باء المشروع الأميركي بالفشل الذريع، وخرج مهزوماً مُدمَّى.
وإذا كان مخططو احتلال العراق لم يحسبوا حساباً للمقاومة العراقية عندما رسموا خطة احتلاله، فإنهم لم يحسبوا أيضاً للمسألة الشرقية حسابها. لأنهم توهموا أن سقوط الاتحاد السوفياتي يتيح لهم الاستفراد بمنطقة الشرق الأوسط، وتناسوا أن الصراع على المنطقة كان صراعاً تاريخياً تعود جذوره إلى روسيا القيصرية.
فالمسألة الشرقية هي مجمل (صراع) بين الدول الأوروبية خلال القرن التاسع عشر حول تقسيم أملاك الرجل المريض (الدولة العثمانية)، حيث كانت روسيا القيصرية جادة في السيطرة على المياه الدافئة (المضائق)، والدخول في نادي الدول الأعضاء ذات المصالح في المنطقة، وكانت ذريعة قيصر روسيا في تلك المرحلة حماية الأماكن المقدسة والمسيحيين فيها. تلك الأطماع جرَّت إلى نزاع طويل بين روسيا من جانب وكلاً من بريطانيا وفرنسا من جانب آخر. ومن أجل المحافظة على مبدأ توازن القوى بين الدول الأوروبية عارضت الدولتان النوايا التوسعية الروسية. ومثال على ذلك بعد نشوب حرب القرم وقفت بريطانيا مع فرنسا إلى جانب الدولة العثمانية ضد روسيا والحقوا الهزيمة بها في شبة جزيرة القرم. وتم التوقيع على اتفاقية باريس عام 1856 التي أوقفت مؤقتاً المطامع الروسية في البحر الأسود والمضائق.
وإذا كان الأميركيون لم يقرأوا التاريخ، تناسوا أن المصالح التاريخية ثابت يتحكم بعلاقات الدول ويحدد مستوى تلك العلاقات، وإن جاءت ظروف تتراجع فيها استناداً لموازين القوى، فإنها لن تموت. وكي لا نعدد تفاصيل ما فعل أصحاب القرن الأميركي، إلاَّ أن العناوين الكبرى تكفي للتدليل:
وعن ذلك، شكَّلت المرحلة الزمنية الفاصلة بين سقوط الاتحاد السوفياتي ومرحلة إعادة ترتيب الوضع الروسي مساحة فراغ استغلها الأميركيون لفرض أمر واقع بفرض زنار من النار حول روسيا. وبدا وكأن الولايات المتحدة الأميركية أصبحت حاكمة للعالم على مستوى القطب الواحد من دون أي منازع، فقامت باستقطاب الدول التي انفصلت عن الاتحاد السوفياتي، وأعادت حروب تقسيم يوغوسلافيا إلى الذاكرة حروب شبه جزيرة القرم بتفتيتها والهيمنة عليها، واحتلت أفغانستان، وأثارت الحروب الطائفية في الشيشان وبعض الدول التي تقع شرقي روسيا، وكان ما ينقصها لإكمال الطوق الأميركي حولها إلاَّ إسقاط النظام الوطني في العراق، ففعلت، وهي تعتبر العراق في مشروعها الاستراتيجي نقطة جغرافية مركزية إذا ما سقطت بيد الأميركيين يسقط المحيط المجاور لها. ولما فشل مشروعها في العراق، تكسَّر القرن الأميركي، أقله أن المقاومة العراقية لم تدع للاحتلال فرصة لالتقاط أنفاسه فحسب، بل خرجت الولايات المتحدة الأميركية مهزومة عسكرياً وأصبح إقتصادها في أسوأ حالاته أيضاً.
لقد دبَّ الضعف في الجسد الأميركي، فراحت الإدارة الأميركية تعمل جاهدة لاستعادة قوتها باستراتيجية أخرى غير الاستراتيجية العسكرية المباشرة، وهناك الكثير من الدلائل التي تؤكد ضلوعها فيما سُميَّ بـ(الربيع العربي). ولعلَّ الشيء الذي لم يُثر حفيظة روسيا ومخاوفها هو التدخل الأميركي في كل من تونس ومصر، وحتى في ليبيا، لأسباب جغرافية، إلاَّ أن للروس كما تأكَّد لاحقاً خطوطاً حمر لا يمكنهم السكوت عنها. فكان من الثابت أن إسقاط النظام السوري هو ذلك الخط الأحمر، خاصة وأنه لم يبق لديها أي ملاذٍ آخر في المياه الدافئة.
هنا يبني بعض المحللين موقفاً يقول: حيث إن المصالح هي التي تحكم علاقة الولايات المتحدة الأميركية مع روسيا، فإن روسيا سوف تبيع النظام السوري إذا وفَّر لها الأميركيون مصالحها. وهنا لا بُدَّ من التساؤل:
هل يدع الروس مصالحهم عرضة لمزاج الأميركيين، الذين إذا أسقطوا المنطقة كلها وسيطروا على قرارها السياسي والعسكري؟
وهل ما يضمن لهم أن لا يركل الأميركيون مصالحهم برجلهم في أية فرصة تسنح لهم؟
وهل يبقى للروس بعد إسقاط آخر حصونهم في سورية أي ورقة قوة؟
والإجابة عن تلك الأسئلة تقودنا إلى الاستنتاج أن الصراع بين دولتين حول المصالح عندما يصل إلى نقاط التماس المباشر تقترب من حالة الاشتعال. وبالفعل لما راحت الولايات المتحدة الأميركية تهدد الخطوط الحمر لروسيا، التي هي اقتحام آخر حصون دفاعهم في سورية، اقتربت اللحظة التي آذنت على دخول مرحلة جديدة لنظام عالمي جديد، وأقل عناوينها العودة إلى نظام القطبيات المتعددة التي بدأت طلائعها تظهر في أروقة مجلس الأمن بين الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها من الدول الرأسمالية من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى.
ومن هنا يشكل الصراع حول القضية السورية بداية لمرحلة جديدة تتم فيه صياغة نظام دولي جديد تسود العلاقات فيه حالة من التوتر بين القطبيات الدولية. وقد تتجاوز حدود الصراع الجديد فيها ليس مستوى الحروب الباردة فحسب وإنما قد تصل إلى مستوى السخونة أيضاً.
فهل تتجدد حروب القرم لإعادة صياغة جديدة للمسألة الشرقية، تكون مدخلها القضية السورية؟
هذا هو الاحتمال الأرجح الذي يدق أبواب التاريخ الآن.

ليست هناك تعليقات: