السبت، أبريل 07، 2012

نعيش عصر «تهافت الأصوليات الأمبراطورية»

-->
الكاتب حسن غريب لمجلة (شؤون جنوبية)
نعيش عصر «تهافت الأصوليات الأمبراطورية»
  نشرت في تاريخ: Thursday, April 05
 الكاتب: فاطمة رسلان
حسن غريب كاتب وباحث، صدر له العديد من الكتب معظمها عن القضايا القومية والعروبة والإسلامية. في هذا اللقاء يتحدث حسن غريب على تجربته مع الكتابة التي تناولها حول القضايا المعاصرة واشكالية النظام السياسي، وعن الحراك الشعبي الراهن، وتراجع الحركات القومية وأسباب حلول الحركات الإسلامية بديلاً عنها. في ما يلي نص اللقاء..
1-قمت بإصدار أربعة عشر كتاباً، وعشرات الأبحاث، ما هي أهم القضايا التي تناولتها؟
-شدَّتني في البداية إشكالية أي نظام سياسي نريد، كحاجة معيوشة في المجتمع الحديث والمعاصر بعد أن ثبت فشل الأنظمة الدينية. ومنه كان لا بُدَّ من رحلة طويلة من البحث في جانبي المعادلة، وهما القومية والدين. ومن أجل إعطاء رأي حول أيهما الواقعي كان لا بُدَّ من الولوج من بوابة النقد للجانبين، فعكفت أولاً على البحث عن علاقة العروبة والإسلام، فحمل كتابي الأول عنوان (في سبيل علاقة سليمة بين العروبة والإسلام) كطرفين ملازمين لتاريخنا العربي. الإسلام الذي لازم ذلك التاريخ ما يزيد عن أربعة عشر قرناً، والقومية كإطار نظري وتطبيقي حديث ومعاصر. ومن أجل الوثوق أكثر من نتائج بحثي الأول عكفت على البحث عن الإسلام، سياسياً وفكرياً وعقائدياً، منذ بداية الدعوة الإسلامية وحتى لحظتنا التاريخية الراهنة، وحمل كتابي عنوان (الردة في الإسلام).
مستنداً إلى نتائجهما، تابعت البحث في بعض القضايا المبدأية في عدد من الأبحاث التي قمت بنشرها تحت عناوين شتى، تجمع بينها صيغة مفاهيم إسلامية بمنظار قومي معاصر. وتوجت تلك النتائج بآخر كتاب أصدرته منذ عامين يحمل عنوان (تهافت الأصوليات الإمبراطورية). وفيه توصلت إلى نتائج تشير للدخول إلى تاريخ جديد عبر المفاهيم القومية فكراً وسياسة واقتصاداً.
وإلى جانب اهتمامي بالمسائل الفكرية شدَّني موضوع احتلال العراق، فأوليته الاهتمام، وأصدرت أربعة كتب، من أهمها كتاب (المقاومة الوطنية العراقية: معركة الحسم ضد الأمركة)، واستبقت فيه الحدث بسبب صدوره بعد أربعة أشهر من الاحتلال. وأردفته بالكتاب الثاني، قبل مرور عام على الاحتلال، تحت عنوان (الإمبراطورية الأميركية: بداية النهاية). وأما الكتب الأخرى فقد درست فيها معالم الجرائم الأميركية في العراق.

2-هل يمكن إعطاء نظرة سريعة عما أردت أن توجه الأنظار إليه من خلال كتابك الأخير؟
-من عنوان الكتاب (تهافت الأصوليات الإمبراطورية) أوجز أهم نتائجه:
منطلقاً من تهافت المشروع الإمبراطوري الأميركي في العراق تحت ضربات المقاومة الوطنية العراقية، ركَّزت على دراسة التجربة الإمبراطورية تاريخياً منذ أول غزو يوناني، الذي أنتج إمبراطورية الإسكندر المقدوني. كما أكَّدت نتائج البحث تهافت المشاريع الأممية الأخرى بسقوط آخر حلقاتها التاريخية: الدولة العثمانية كآخر إمبرطورية إسلامية، وتبعتها تجربة الاتحاد السوفياتي كآخر إمبراطورية مدنية، وبتلك النتيجة أكدت نتائج الكتاب سقوط أي نزعة أممية وإمبراطورية توسعية على حساب الشعوب والقوميات.
على الرغم من ذلك ما يزال الحلم الإمبراطوري ماثلاً في أيديولوجيات المشاريع الدينية المعاصرة، التي ما زال أصحابها يراهنون على خوض تجربة بناء دولة إسلامية عالمية، على قاعدة أنها أمر إلهي برون أنفسهم مأمورين ببنائها. وهذا ما يؤكده وجود مشروعين: (ولاية الفقيه) و(تيارات الإخوان المسلمين). وحيث إن مفهوم الدولة الإسلامية عندهما عالمية، ولا يمكن تحقيقها إلاَّ بتهديم الدول الحديثة واختراق حدودها، خصصت لهما فصلاً في الكتاب أكَّدت نتائجه الموثَّقة أن المشروعين يؤسسان إلى مرحلة من النزاع مع الشعوب التي اختارت طريق الدولة المدنية، وإلى نزاع دموي تكفيري بين المشروعين. وهذان العاملان يحملان بالقوة أسباب تهافتهما معاً لكبر حجم التناقضات التي سيواجهانها.

3-كيف تنظر إلى الحراك الشعبي العربي الراهن؟ آفاقه؟ ونتائجه؟
-قبل توضيح رأينا بالحراك الشعبي، نود أن نثبِّت بعض المفاهيم العامة:
أ-بما أن الأنظمة خرقت أصول العقد بين الحاكم والمحكوم، نرى بأن تغييرها ليس حقاً للمحكوم فحسب، بل هو واجب عليه أيضاً. ومن هذا المفهوم محضنا تأييدنا لكل حراك شعبي يكون هدفه تصحيح الخلل.
ب-من أهم مبادئ الثورات على الأنظمة الفاسدة هو أن يقف كل وطني إلى جانب حقوق الشعب، ويشاركه في ثورته، وأن يقف بالضد من الأنظمة الفاسدة.
ج-الوقوف ضد أي تدخل أجنبي مهما كان شكله أو لونه، لأنه تدخل غير مشروع يتناقض مع مبادئ حق الشعوب بتقرير المصير. وبما أن الكثير من الشوائب التي ألمَّت بهذا الحراك، تحديداً التدخل الأجنبي والإقليمي. هذا التدخل الذي وإن اتخذته الأنظمة ذريعة لمزيد من القمع، إلاَّ أننا لا نعتبره وهمياً. وإن اتهم بعض المعارضين الأنظمة بأنها تبرر قمعها باستخدام (فزَّاعة المؤامرة)، إلاَّ أن التدخل الخارجي حقيقة واقعية.
إن التدخل الخارجي ليس وليد الصدفة أو وليداً لصحوة ضمير بسببها وضع الخارج كل إمكانياته الإعلامية والمادية لدعم الحراك هنا أو هناك  حتى إسقاط الأنظمة الحاكمة، زاعماً، أنه يريد حماية الشعوب من بطشها. والأخطر من كل ذلك أنه تسلل إلى مواقع متقدمة في كل حراك شعبي عبر بعض أصناف المعارضة التي درَّبها وموَّلها ودعمها بالإمكانيات المادية والعسكرية والإعلامية. إن التدخل الأجنبي في الوطن العربي هو حقيقة تاريخية أثبتتها وقائع ما يُسمى بـ(المسألة الشرقية)، ناهيك عن أطماع ذلك الخارج القديمة والحديثة والمعاصرة.
إن دخول العامل الخارجي على خط الحراك الشعبي أثار المخاوف الجدية من استهداف وحدة الدولة وتفتيتها إلى دويلات من أجل تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد. هذه المخاوف أثارت إشكالية أساسية طرحت مسألة لمن الأولوية: هل هي لمعركة التحرر الوطني أم هي للمعركة مطلبية؟
ليست تلك المخاوف من قبيل الاستنتاج، بل هي تستند إلى وقائع ماثلة أمامنا، خاصة أن الخارج قطف الكثير من النتائج لمصلحته في كل من تونس ومصر بحيث إنه أسقط الأنظمة ولم يُسقط نهجها بالالتحاق بالخارج. وكان الأخطر من بينها ما قطفه في ليبيا المهدَّدة الآن بالتقسيم. ولن ننسى تجربة دعمه لما زعم أنه المعارضة العراقية، بحيث احتل العراق تحت ذريعة تصدير الديموقراطية، فمزَّق وحدة الدولة والمجتمع، وعاث فيه فساداً وتخريباً طال الحجر والشجر والبشر.

4-من الملاحظ أن التيار القومي العربي تراجع إلى الوراء؟ أسبابه؟ هل البديل هو الحركات الإسلامية؟
إن رأس المسألة القومية مطلوب من قبل النزعات الإمبراطورية القادمة من الخارج، شرقية وغربية. كما هو مطلوب من قبل النزعات الأممية في الداخل: ماركسية ودينية. وطالما تعرَّضت إلى مواجهات حادَّة مع الثلاثي: الاستعمار والماركسية، ووضعها الإسلاميون في مواجهة مع الإسلام. وإذا كانت الوحدة العربية تشكل عائقاً أمام الاستعمار والصهيونية فلأنها كانت المستهدف الرئيس من اتفاقية سايكس بيكو. وإذا كانت تشكل عائقاً، كما يزعم الماركسيون،  يعرقل حلمهم بالدولة الأممية. نتساءل: لماذا اعتبر الإسلاميون أن (القومية ما وُجدت إلاَّ لمحاربة الإسلام)؟
تعود أصول النظرية القومية إلى التاريخ الحديث، وضعت المبادئ التي توحِّد مواطني الدولة، بقيام دولة مدنية على أساس (حاكمية الشعب)، توحد بين حقوق المواطنين وواجباتهم، ويرى الإسلاميون، (أنها أنظمة كفر) لأنها ليست قائمة على أسس (حاكمية الله)، فدعوا إلى إسقاطها، وإسقاط النظرية القومية التي تبرِّر قيامها.
لتلك الأسباب تراجع الفكر القومي ليس لضعف فيه بل لأن خصومه كثيرون. واستنهضت الحركات الإسلامية، منذ أربعين عاماً تقريباً بدعم خارجي وتسهيلات من الأنظمة المرتبطة بالخارج.
أما هل ستكون البديل للحل القومي؟
ستكون البديل المؤقت كما تدل نتائج الحراك الشعبي العربي الدائر الآن، لأنها بفعل اتساع مؤيديها لا بُدَّ من أن تصل إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع. لكنها لن تكون البديل الاستراتيجي، وأما السبب فهي لأنها تحمل في عقائدها عوامل الحروب الدائمة. وإن قيام دويلات دينية متعددة المذاهب، كما هو حاصل في العراق، أو كما هو مقدَّر له أن يحصل في أقطار عربية أخرى، ستفصل بينها حدودٌ يعرِِّفها مشروع الشرق الأوسط الجديد بـ(حدود الدم).

ليست هناك تعليقات: