الثلاثاء، أغسطس 13، 2013

من وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين

-->
من وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين
إلى وكالة غوث اللاجئين العرب

من لم يشاهد مناظر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بعد حرب العام 1948، التي شنتها العصابات الصهيونية لاحتلال فلسطين تحت ذريعة استعادة (أرض الميعاد)، أو تحت ذريعة (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض)، لن تؤثر فيه مشاهد مخيمات اللاجئين العراقيين بعد احتلال الولايات المتحدة الأميركية للعراق تحت خديعة تطهير العراق من (ديكتاتورية حزب البعث)، كما لن تؤثر فيه مشاهد مخيمات اللاجئين الليبيين بعد عدوان دول الحلف الأطلسي على ليبيا تحت حجة تطهير ليبيا من (ديكتاتورية القذافي)، وكذلك لن تؤثر فيه مشاهد مخيمات اللاجئين السوريين بعد الحرب الأهلية التي تؤجج نارها الدول الاستعمارية تحت حجة تطهير سورية من (ديكتاتورية عائلة الأسد).... ولن تؤثر فيه مشاهد مخيمات اللاجئين السودانيين من مناطق الاشتباكات تحت حجة حق القبائل بتقرير المصير. وليس بعيدة عن المشهد العربي مخيمات اللاجئين اليمنيين، بينما مخيمات أخرى تنتظر دورها في أماكن أخرى من الوطن العربي الكبير الذي تدور على أرضه وحده ثورات (الربيع العربي).
وإذا كانت الدنيا لا تؤخذ بالأماني ولا بالدعاء، و بعد أن اجتازوا المحنة في مراحل حراكهم الأول، نرجو من الله أن يحمي مصر وتونس من تلك المشاهد، على الرغم من أن نُذُر لجوء المصريين والتونسيين تنتظر على الأبواب إذا ما استمرَّ الحراك فيهما على الوتيرة التي تدور الآن على قاعدة: احتكار السلطة من قبل الإسلام السياسي.
بعد أن توحَّد العرب، في انتفاضاتهم وحراكاتهم المشروعة، تحت خيمة النقمة والغليان ضد أنظمة الفساد والديكتاتورية، هؤلاء هم يتوحدون تحت خيم اللجوء والتهجير القسري، وأصبحوا ممن يصح القول فيهم أنهم متوحدون في المعاناة من ويلات الحروب الأهلية بصورة أشد وأقسى مما عانوه من قمع الأنظمة الديكتاتورية. وإذا كان العرب أيضاً قد لاقوا المرَّ من (خريف الأنظمة) فهؤلاء هم يلاقون الأمرَّيْن من (ربيع الثورات)، بما في هذا الواقع وذاك من التباسات وإشكالات وتساؤلات لن تنتهي.
إنه لمن أشد الدواهي أن ينقسم المثقفون العرب، جماعات وأفراداً، إلى التلطي تحت لونين اثنين: أسود وأبيض، مع الأنظمة أو ضدها، مع (الثورات) أو ضدها، وغابت عن ذاكرتهم الألوان الأخرى التي يفترضها المنطق الجدلي والحواري. ونصبوا متاريس العداء بدلاً من أن ينصبوا طاولات الحوار. وهذا مما يلفت النظر، أو يصفعه، ومما يستدرج القول: إذا كان المثقف بطبل ضياع تحديد الأهداف ضارب فما شأن جماهير (الثورات) سوى الرقص.
تحت خيمة هذا المشهد المأساوي للاجئين العرب، بعد أن تساووا مع مشهد الشتات الفلسطيني منذ احتلال فلسطين، وبعد أن تساووا مع مشهد اللاجئين اللبنانيين أثناء الحرب الأهلية في العام 1975، والحرب العدوانية التي شنتها العصابات الصهيونية في العام 1982 ضد لبنان، لا ترى في المشهد العربي الآن إلاَّ ما يزيد في اقتلاع القلوب ألماً وحسرة، وأما السبب فلأن العالم الغربي، والأنظمة العربية السائرة في ركابها، يقدِّمون الوقود للحرب الأهلية من أموال وأسلحة وتحريض سياسي بيد، وبيد أخرى يمسحون دموع التماسيح من مآقيهم التي يذرفونها على ضحايا حروب العرب، ويستجدون بضعة ملايين من الدولارات ثمناً لخيم اللجوء والتشرد ليقدموها إلى اللاجئين الجدد.
في ظل هذا المشهد، فقدت جامعة الدول العربية دورها في تقريب مواقف الأنظمة العربية، وأذعنت لمخططات الخارج، وتحوَّلت إلى منبر لتحريض الأخ على أخيه، ووفرت لهما وسائل الاقتتال والذبح والتدمير، وأصبحت مؤسسة تابعة للدول الغربية والعربية النافخة بنار الفتن. وبذلك ضاعت فرصة المحافظة على ورقة التوت التي كانت تحمي عورات الأنظمة، وتحوَّلت بعض أنظمة (الر بيع العربي) إلى أحكام (المرشدين)، أولئك الذين بدلاً من أن يوظِّفوا نتائج ثوراتهم لمصلحة إعادة لمِّ الشمل العربي انخرطوا في جوقة التحريض والحضِّ على الاقتتال الداخلي، وتسويغ التدخل الأجنبي وتشريعه. ولعلَّ مرشد إيران ومرشد تركيا شكَّلا جامعة لإرشاد كل المتعصبين العرب طائفياً وأخذا يحقنان بنار الفتن الطائفية التي تتعالى نيرانها ويتصاعد لهيبها كل يوم أكثر من اليوم الذي سبقه.
والحال على هذا المنوال، تنتشر نيران الحروب الأهلية في كل مكان من الوطن العربي، وأي قطر لم تصل إليه نيرانها المسلحة حتى الآن فهي تقف على الرصيف تنتظر قطار الفتن الطائفية، لأن النفخ في رمادها يجري على قدم وساق، والسبب أنه حيثما اكتملت عوامل الاشتعال اشتعلت وبان تأثير (المرشد الأعلى) كل حسب مذهبه، ومن لم تكتمل عوامل التفجير فيه فإن (المرشد الأعلى الأجنبي) يبقى بعيداً عن الأنظار لأن هناك مرشدون محليون يأتمرون بأوامره، وهو سيظهر متى ما توفرت شروط ظهوره.
كل حراك، أي كل (ربيع عربي) لم ينأى بنفسه بعيداً عن التلوث بنيران الفتنة الطائفية. ولم يبق قائد من قادة هذا الحراك بعيداً عن التلوث (الربيعي)، أي كل حراك فقد قيادته الجماعية الوطنية التي تمتلك برنامجها السياسي، الذي يحدد لها أين تبدأ وأين تنتهي. وإذا توحَّدت القيادات المعارضة، كما هو حاصل في مصر وتونس ضد حكم (المرشدين)، فإنما لا يجمعهم سقف برنامج سياسي موحَّد، فهم أصبحوا خليطاً من الاتجاهات المتنافرة... ومن لم يصل منهم إلى كراسي الحكم فلا يجمعهم برنامج واحد ولا أهداف واحدة، وكل منهم ينضح بالإناء الخارجي الذي ينهل منه. ولم يبق من الثوار الحقيقيين إلاَّ كل من لا حول له ولا قوة. وبين هذا أو ذاك راحت الجماهير الشعبية في كل قطر تعاني من الهجرة واللجوء يتآكلهم الجوع والمرض والبؤس والتشرد وذل السؤال، بينما وكالات الإغاثة تأكل الدسم من المساعدات ولا تقدم للمحتاجين إليها إلاَّ (السم في العسل).
وفي ظل هذا الواقع، وعلى العكس من تشرذم فصائل (الربيع العربي) وتعدد مشاربها وأهوائها، فقد جمعت المهجَّرين من ديارهم، في العراق وسورية وفلسطين وليبيا و..و..، وحدة اقتلاعهم من أرضهم وبيوتهم وأهلهم. وهذا الواقع المر يصفعنا بالتساؤل: كم هيئة غوث للاجئين سيفرز هذا (الربيع)؟
لم ننس سيول اللاجئين الفلسطينيين الذين كانوا يتراصفون أمام وكالات الغوث في مخيمات لجوئهم، وكيف ننسى ونحن نشاهد كل يوم سيول اللاجئين من أقطار عربية أخرى يتراصفون أمام (وكالات الغوث) الدولية والعربية لتنعم عليهم ببعض الفتات من صناديق الملوك والأمراء وأصحاب الصدقات، هذا ناهيك عن مؤسسات الغوث الدولية التي بدلاً من العمل على إيقاف الحروب الأهلية في أقطار الوطن العربي، يرسلون بخزانات الوقود لإشعال الزوايا التي لم تشتعل بعد. وهم يقدمونها بيد، بينما يقدمون باليد الأخرى الخيم والحرامات والمعلبات، والمياه الآسنة لبناء مخيمات جديدة للجوء، هذا يتم في الوقت الذي تبشرنا به وسائل إعلام تلك الهيئات (العربية) والغربية) بأن اللاجئين المحتملين سيصبح عددهم أكثر، بحيث يحددون العدد قبل حصوله.
أيها اللاجئون العرب، من كافة أقطار الوطن العربي،
كم اتفاقية (أوسلو) سيعقد من يتصدقون بالمعونات لتقديمها إليكم؟
كم من لائحة (حق العودة) سترفعونها إلى مقامات (بان كيمون)؟
لم تعد قضيتكم أيها اللاجئين قضية ديموقراطية ضد ديكتاتورية. بل أصبحت قضية أولى نختصرها بمطلب واحد: اللاجئون يريدون العودة إلى ديارهم ليطلِّقوا ذلَّ المخيمات، ليأكلوا من تراب الأرض الذي هو أشرف من كل معلبات (وكالات الغوث).
أيها اللاجئون العرب اتحدوا وثوروا وارشقوا كل من يتصدق عليكم بعلب السردين والأدوية الفاسدة، وتذكروا دائماً:
بلادي وإن جارت عليَّ عزيزة
أهلي وإن جاروا عليَّ كرام
عودوا إلى أرضكم قبل أن تدمنوا على اللجوء وتبتلعكم الغربة، عودوا إلى أوطانكم قبل أن ينصبوا لكم المخيمات الدائمة كما نصبوها للفلسطينيين، وتاه الفلسطينيون في أصقاع الأرض حتى أُطلق عليهم مصطلح (فلسطينيو الشتات)، وتنازعتهم أهواء دول العالم وأهدافها، وفقد الفلسطينيون هوياتهم، واحتفظوا بهوية (اللجوء)، ولم يبق لهم من فلسطين إلاَّ مفاتيح البيوت وما أضمروا لها من حب وذكرى.
عودوا أيها اللاجئون العرب إلى أرضكم قبل أن يصبح حق العودة أمامكم باباً مقفلاً. وتذكروا المثل العربي الذي يقول:
بلادي وإن هانت على عزيزة
ولو أنني أعرى بها وأجوع
أيها اللاجئون العرب اتحدوا ضد الحروب الأهلية، وثوروا إذ لم يبق لديكم ما تخسرونه إلاَّ (هوية لاجئ) كل ما توفره لكم علبة من سردين لا تسد جوع أطفالكم، وغير (بطانية) لا ترد عنكم غائلة البرد، وغير (خيمة) لا تصدُّ رياحاً ساخنة كانت أم باردة.



ليست هناك تعليقات: