الثلاثاء، أكتوبر 29، 2013

قراءة حركة المقاومة العراقية يبتدئ من قراءة بعدها الثالث

في ظل التعتيم الإعلامي على واقعها
قراءة حركة المقاومة العراقية يبتدئ من قراءة بعدها الثالث

يمر شهر ويتبعه شهر آخر، كما يمر عام ويتبعه عام آخر، ويخيَّل لمن يتابع المشهد العراقي في هذه المرحلة يحسب أن المشهد جامد لا يتحرك. وأما السبب فلأن البعض يحسب أن الحركة هو ما يطفو على السطح، متجاهلاً أن للحركة بعداً ثالثاً.
ومن أجل توضيح ذلك، نرى أن الثورة حركة دائمة، وللحركة أبعادها الثلاثة، طول وعرض وعمق. وأما الطول والعرض فهو الصفحة المرئية من الوضع القائم، وعادة ما يظهر من خلال الأخبار الصحفية، وإذا ظهر فقد يكون الخبر مضلِّلاً لا يمكن الركون إليه في أي تحليل للوضع، خاصة إذا كان ناقل الخبر يريد من تعميمه التعتيم على الحقيقة. وهذا الواقع الذي يسلكه الذين يريدون تجهيل حقيقة ما يجري في العراق ممن يمتلكون وسائل الإعلام أو يؤثرون على أكثرها انتشاراً.
فالمشهد العراقي اليوم يُرى من زاويتين مضلِّلتيْن:
-الأولى قلة الأخبار التي تغطي حركة المقاومة العراقية مما يخيَّل للمتابع أن المقاومة العراقية أصبحت على هامش صُنَّاع القرار في العراق.
الثانية تكثيف المادة الخبرية التي تُصنَع في أكثر من مختبر إعلامي تم تأسيسه من أجل التعتيم على حقيقة الوضع من جهة، ومن أجل الإساءة إلى حركة المقاومة العراقية من جهة أخرى.
بهذا الواقع، غني عن القول أن نعرف أن وسائل الإعلام التي تغطي نضالات المقاومة العراقية أصبحت نقداً نادراً، بينما الوسائل التي تعمل على تشويهها أمام عشرات الملايين من المتابعين هي بالكثرة التي يصعب مواجهتها. وهذا ما يؤدي إلى تسلل عوامل اليأس في نفوس بعض مؤيدي المقاومة وأنصارها، وكذلك إلى نفوس الذين تضرروا من وجود (العملية السياسية). وأما الواقع فهو عكس ذلك تماماً، إذا ما نظرنا الى المشهد العراقي من بعده الثالث، أي كل ما يجري في أعماق المشهد، غير متأثرين برؤيته من مسطحه الخبري.
فلو حاولنا أن نبسِّط الرؤية بأكثر ما يمكن من الوضوح، لكانت قضية (تفجيرات الموت) التي تحصل بشكل شبه يومي، وتحصد آلاف الضحايا شهرياً، هي الأنموذج الذي يجب النظر إليه من زاوية البعد الثالث. وماذا نرى من خلاله؟
تروِّج أجهزة الإعلام المعادية لمقاومة الشعب العراقي أن المسؤول عن تلك التفجيرات هم من (التكفيريين، والصداميين، والبعثيين). فمشهد التفجيرات تنقله عشرات القنوات، والاتهام الموجَّه يتم تعميمه على ملايين المشاهدين والمتابعين، فترسخ في مخيلة هؤلاء أن المقاومة العراقية هي التي تقوم بقتل العراقيين الأبرياء، بينما تصور حكومة المالكي (حكومة العملية السياسية) للاحتلال وكأنها الضحية. وليس هذا أيضاً بل يتم تصويرها بأنها تعمل مخلصة لإنقاذ العراق والمحافظة على أمن العراقيين، بينما أصابع الاتهام يتم توجيهها نحو المقاومة العراقية.
وبدلاً من رؤية هذه المقاومة من زاوية حق الشعب الذي احتلت أرضه، وحقه بالاستفادة من ثرواته الوطنية، يراها المتابع العابر أو العادي أو المضلل أنها حركة إرهابية لا هم لها إلاَّ قتل الشعب العراقي، والهدف هو إحراج حكومة المالكي وإسقاطها. كما أن وسائل الإعلام الموجَّهة تصور الشعب العراقي الذي يقف في صف المقاومة المسلحة من جهة، أو من ينزل إلى ميادين التظاهر والاعتصام وساحاتهما من جهة أخرى، أنهم مدفوعون من الخارج بقصد التخريب على (العملية السياسية).
ولكي نعرف القوى المستفيدة من بقاء الوضع في العراق على ما هو عليه من فساد وجريمة وارتكاب تهمة الخيانة بالتعاون مع الأجنبي. وبالتالي معرفة من يرتكب المجازر ويزرع المفخخات، علينا أن نستعرض أهدافهم المعلنة، والتي ندرج هنا أهم مفاصلها الرئيسة، تلك المفاصل التي يجهرون بها، وهي:
-إدامة الاحتلال وإن بوجوه عراقية، من أجل إدامة ضمان مصالح الاحتلال الأصيل والاحتلال البديل، كما إدامة البقاء في الحكم لمن يأتمرون بأوامر الاحتلالين معاً.
-تثبيت تقسيم العراق المقسَّم إلى ثلاث دويلات: كردستان، وشيعستان، وسنيستان، إذ ليس هذا الهدف مضمراً بل منصوص عليه في الدستور العراق المسخ، وهو الدستور الذي صاغته أقلام وعقول أميركية، ولاقى هوى وتأييداً إيرانياً. فتقسيم العراق إلى دويلات طائفية وعرقية، هو هدف للمشروعين الكبيرين: مشروع الشرق الأوسط الجديد بالمصطلح الأميركي، ومشروع ولاية الفقيه بالمصطلح الإيراني الفارسي. وهذان المشروعان يهمهما القيام بالتفجيرات لإحداث المزيد من الفرز بين مكونات العراق الاجتماعية والمذهبية والعرقية.
-ضرب وإنهاء كل من القائمين بمقاومة المشروعين على الصعيد العملي والفكري. ولأن المنهج السياسي الاستراتيجي للمقاومة العراقية يحدد أهداف المقاومة بإعادة توحيد العراق بعد تحريره، فيعتبر العدو الأساسي لكل من المشروعين التقسيميين، الأميركي والصهيوني والإيراني الفارسي.
فمن يريد تحرير العراق لن يزرع المفخخات إلاَّ في طريق كل ما يمت إلى الاحتلالين بصلة وإلى أدواتهما. خاصة أن المقاومة أعلنت أنها لا تعتبر الجيش العراقي الحكومي والشرطة الحكومية عدواً لها إلاَّ من يصر منهم على الدفاع عن أحد الاحتلالين، أو كليهما، بتهديد أمن المقاومة العراقية بوجهيها العسكري والشعبي.
كما أن من يريد توحيد العراق لن يزرع المفخخات والعبوات الناسفة في الأحياء الشعبية تارة، أو في الجوامع والحسينيات تارة أخرى، أي أنه لن يزرع تلك العبوات فحسب، بل إنه يعمل على إحباطها أيضاً. وهذه الحقيقة تترافق مع ما تعده حكومة المالكي وتباركه ملائكة الاحتلالين، خاصة أن بعض مراكز القوى في حزب الدعوة أخذت تعلن جهراً عن تأسيس إقليم شيعي من جهة، ومن جهة أخرى كانت القوى المرتبطة بالحزب الإسلامي العراقي تعمل على قطف ثمار الثورة الشعبية في محافظات العراق الستة، وحرفها عن أهدافها الحقيقية، بالعمل على إعلان تأسيس إقليم سني. لقد كاد هؤلاء من تمرير هذا المشروع لولا يقظة المقاومة العراقية التي أحبطته ودفنته في المهد.
مشهد العراق اليوم، تفجير وخطف، واعتقال واغتيال. وبعد أن أفلست حكومة المالكي من تخويف من أطلقوا الشرارة الأولى في المحافظات الست، تلك الحكومة التي تشهد فرار قواتها من مواجهة مع المقاومة العراقية، وقعت في محنة أشد وأدهى بعد أن اكتملت عوامل الانفجار الشعبي في المحافظات الجنوبية، فراحت تلعق جراحها فيما زعمت أنه يشكل صمام أمانها، وتزداد الآن وتيرة الحراك في الجنوب، انطلاقاً من كربلاء والناصرية والبصرة وديالى، ولعلَّ مظاهرات الشباب في كربلاء، والتي هتفت بحياة الشهيد صدام حسين جهراً في شوارعها جزء يسير من مظاهر الثورة، ودور المقاومة وحركتها الفعلية... وهذا الأمر هو أكثر ما يخيف الاحتلال الإيراني، بحيث وضع ثقله الميداني والعملاني إلى جانب حكومة المالكي، لعلَّه يطفئ نار الثورة بالوعد والوعيد، بالزلفى والتهديد.
وإذا كان ما يتسرَّب من أخبار المقاومة وهي قليلة، وهي بدورها قليلاً ما تجيب عن تساؤلات المخلصين من مؤيدي المقاومة وأنصارها، فإن في رؤية البعد الثالث في الثورة العراقية ما يطمئن، حيث تعتمل في نفوس العراقيين أينما كانوا، وفي أي منطقة سكنوا، الكثير من العوامل التي تؤدي إلى استنتاجات تدعو إلى التفاؤل وترقب الأخبار السارة على الرغم من كل الآلام التي تنال من المقاومين والأثمان التي يدفعونها.
ليس إنشاء ما نستنتج، وليست مبالغة ما نستشرف، فدرجة الغليان في البركان لا تُرى بالعين المجردة، ولا يمكن الإحساس بها، ولكن أن نتوقع انفجار البركان هو قاعدة علمية، وليست مبالغة إنشائية. وهكذا تنبطق المعادلة على الثورة الشعبية. وعلى قاعدة التلاقح العلمية كذلك تكون قاعدة التلاقح في مراحل الثورة.
وبناء عليه، يمكننا أن نقرأ المشهد العراقي من زاوية البعد الثالث، وهو البعد غير المنظور:
-أسباب تفجير الثورة أكثر مما تُحصى: احتلال يعني امتهان الكرامة الوطنية. عملاء يحكمون الشعب، ويتحكمون بقوته وحقوقه. وفساد منتشر أينما كان يبدأ بسرقة الثروة النفطية، ولا ينتهي بوصول ما يبقى منها إلى جيوب السماسرة واللصوص والتجار... مروراً بأدوات من القمع والفلتان الأمني بما لا يستطيع عقل أن يحيط بها. وشعب يتألم ويجوع ويموت كل يوم.
-وعوامل الثورة ووسائلها مكتملة: منهج سياسي واضح، وقيادة واعية ملتزمة به، وشعب اكتملت في وعيه وضميره كل عوامل الثورة، يصبح من البديهي أن نستنتج بأن الثورة العراقية التي ابتدأت منذ أيام الاحتلال الأولى لن تتوقف. وهي وإن شعر البعيد عن مكامن الجمر بأنها بطيئة، إلاَّ أنها تسير في طريقها الصحيح. إذ يبدأ الخطأ بالاستنتاج عند هؤلاء، عندما يسائلون الثوار عن تحديد وقت لإنجاز الثورة، ويزداد الخطأ خاصة أن عوامل التعقيد التي تحيط بالقضية العراقية كثيرة ومتشعبة، متقاطعة ومتنافرة، بالشكل والجوهر.
ولا يفوتنا هنا التذكير بأن أسباب بعض الحراك الشعبي العربي كانت أقل حدة مما يجري في العراق، سواء أكان من زواياها الوطنية أو المطلبية، ومع ذلك أحدثث زلال وبراكين، فكيف الأحرى بمقارنتها بأسبابها في العراق؟
-هناك لا مشكلة وطنية من حيث الاحتلال، وفي العراق أكثر من احتلال.
-وهناك مشكلة الديكتاتورية، وفي العراق ديكتاتورية لا يمكن وصفها أو مقارنتها بديكتاتورية أخرى.
-هناك مشكلات بمستوى القمع، وأما القمع في العراق، فحدث ولا حرج.
-هناك جوع ونقص بمستوى المعيشة، وفي العراق يلتقطون قوتهم من مكبات النفايات.
-هناك قلة في الثروات، وفي العراق سيل منها بحيث تعتبر أنها الأكثر غنى بين الدول النفطية.
وبعد كل ذلك، وفوق كل هذا، لن ننتظر أن نرى البركان وهو يتحضر للثوران، بل علينا أن نراقب متى ينفجر. وإذا انفجر البركان العراقي فلن تصمد في وجهه كل احتلالات الأرض، فكيف بالخصية السود من وكلاء (العملية السياسية)؟؟!!



هناك تعليق واحد:

المهندس محمد حسين الحاج حسن يقول...

المقاومة والحراك الشعبي بالعراق هما اكثر النهوض الثوري نضوجاً ، من حيث الظروف الموضوعية والذاتية، فكانا المثل الذي يحتذى للنهوض الثوري بالاقطار العربية، من حيث البرنامج واضح ومحدد الاهداف بالتحرر الوطني والقومي ، ومن حيث القوى التي تقود واضحة بجبهة الجهاد والتحرير والخلاص الوطني ، وكذلك رجلات الكفاح التي تقود الثورة لهم تاريخ ومعروفين ومجربين ومنهم شيخ الجهاد ابو احمد وغيره.
لذلك استبقت الامبريالية وحلفائها الاسلام السياسي بشقيه الصفوي والاخونجي ، بتفجير الوضع بالاقطار العربية التي تغلي فيها الجماهير ، بسبب خيانة النظام العربي الرسمي لواجبه الوطني والقومي ؟! من اجل خلط الاوراق واستباق النصر التاريخي بالعراق ، الذي سيكون النموذج لتحرير الاقطار العربية من داخلها وليس بتوجيه من الخارج لحساب القوى الرجعية والاستعمارية. ولكن الامور لم تسير كم تمنت امريكا ان الربيع بالاقطار العربية، بدأ يخرج عن طوع الامريكان والصهيونية ؟ لان اللعبة انكشفت، وهذا يحتاج لوقت حتى قوى التحرر بالبلاد العربية تنظم صفوفها وتبني الجبهات التي تقود الثورات الى النصر والتحرر . واني ارى الامور تتجه نحو انتصار الشعب العربي على قوى التخلف والاستعمار ، فبعد ان كان التحالف بين ايران وامريكا على طريقة زواج المتعة ، اي بالخفاء، الان ظهر للعلن واصبح زواج مدني ، الطرفين يسعى اليه ، لتكون ايران وكيلة امريكا على العرب واسرائيل ولي امرها لايران والجميع تحت المظلة الامركية، لان الامريكان بدؤا يشعرون بالهزيمة الساحقة لمشروعهم ,,,والانهيار الاقتصادي للنظام الراسمالي يعجل بسقوط امريكا، وهذا ضمن القانون الجدلي المادي للتطور ؟! وظهور نظام تعدد الاقطاب الاقتصادية عالميا....بدأ واضحاً ومطلبا عالميا بجميع القارات.

النصر صبر ساعة وباذن الله شعب العراق وثورته منتصرين وهم من سيقود الامة الى الوحدة والتحرر!
المهندس محمد حسين الحاج حسن....بعلبك-لبنان