الأحد، يوليو 20، 2014

أمن المكون المسيحي هو من أمن كل المكونات الدينية في المناطق المحررة

الأمن الاجتماعي للثورة العراقية خط أحمر
وأمن المكون المسيحي هو من أمن كل المكونات الدينية في المناطق المحررة


 في 20/ 7/ 2014
إذا كانت صياغة الأسس النظرية للثورة لا تستهلك الوقت الطويل عند الحركات الثورية وأحزابها العقيدية، فإن لتطبيق تلك الأسس قواعد وشروط ومستلزمات من دونها يمكن للثورة أن تقع في مطبات وعقبات عديدة قد تؤخر الوصول إلى نتائج إيجابية. فللثورة بهذا المعنى جناحان: الجناح النظري والجناح العملي اللذان من دونهما لن تستطيع الثورة أن تصل إلى برِّ الأمان.
والثورة العراقية، من داخل هذه المفاهيم، من الثورات التي أعلنت مناهجها النظرية بوضوح، ووضوحها مرتبط بكونها ثورة ذات أسس فكرية تمتد إلى عشرات السنين من التعميق النظري والتطبيق العملي. ويكمن سر نجاحها واستمرارها بوجود قيادة حاسمة وحازمة في اللحظات الصعبة.
ولهذا وبعد أن انطلقت الثورة الشعبية المسلحة في العراق، منذ أوائل العام 2014، كانت قد مرَّت بالعديد من التجارب القاسية طوال مراحل صراعها مع الاحتلال الأميركي إلى أن ألحقت الهزيمة به. ولما بدأت قيادة المقاومة بالإعداد لمواجهة إفرازاته، مهَّدت لتوفير الحاضنة الشعبية التي تشكل قاعدتها للانطلاق تجاه إسقاط العملية السياسية برمتها، شكلاً ومضموناً. ولهذا السبب فهي تعي تماماً أن للحاضنة الشعبية دوراً مهماً وأساسياً، وهي من أهم عوامل نجاحها. وهذا ما يدفع قيادة الثورة إلى توفير كل الأسباب لإبقاء تلك الحاضنة مشدودة إلى أهداف الثورة، مؤيدة لها، ومشاركة فيها.
من باطن تاريخ التجربة المرَّة للمقاومة في العراق، نستعيد تجربة العام 2006، ومن أهم وجوهها السيئة أن بعض القوى، بقيادة أبي مصعب الزرقاوي، التي كانت تنسب نفسها للمقاومة، عملت على تطبيق أجنداتها الخاصة في المناطق التي كان وجودها فيه مؤثراً. حينذاك، وإن كانت تلك القوى تحسب أنها تقوم، بما قامت به، لمصلحة الشعب العراقي، فإنما أساءت كثيراً لعلاقاتها مع البيئة الشعبية الحاضنة. وكانت النتيجة أن بيئتها الشعبية انقلبت عليها وراحت تفتش عن أي حل يمنع عنها أذى تلك المجموعات فوجدته في حل أسوأ، فكانت (صرعة الصحوات) التي بتشكيلها كانت أكثر العقبات حدة في وجه المقاومة الوطنية العراقية.
في السابق لم تكن قيادة المقاومة ممسكة بزمام الأمور لأنها كانت تعمل في السر. وأما الآن، فالأمر مختلف تماماً. فقيادة الثورة مُعلَنة، وتنظيماتها العسكرية منتشرة على الأرض بكثافة وقوة، والشعب العراقي يحتضنها بشدة شوقه للتحرر من سلطة الميليشيات الطائفية التي يقودها المالكي، والتي تباركها إدارتا أميركا وإيران.
وقبل أن نلجأ إلى تحميل المسؤولية لأحد قبل إثبات الإدانة، فإننا لن نقوم به، لأننا نثق بمنهج الثورة الذي هو منهج للشعب العراقي أولاً، ولأننا نثق بوعي القيادة لأنها أثبتت كفاءتها ووعيها وقدرتها على حسم الأمور إذا ما تعرَّض أمن الثورة للخلل ثانياً، ولأن أمن الثورة هو من أمن الشعب الثوري العسكري والاجتماعي والاقتصادي ثالثاً.
قبل هذا نرى أنه لا بُدَّ من القول، إن أية ثورة تتعرض إلى أخطاء، علماً أننا لن نسكت عنها، ولكننا نرى أن سبب ما حصل في الموصل قد يكون عائداً إلى أكثر من عامل، ولعلَّ أهمها:
-بعض فصائل الثورة تحاول أن تطبق رؤيتها واستراتيجيتها الخاصة مخالفة بذلك الأسس التي على أساسها تم تشكيل عمل جبهوي. أو من منطلق حسن النية أن بعض قادتها لم يتأقلموا مع أسس المنهج المرحلي للثورة الجبهوية من جانب، أو أنهم يعملون لإبراز دور فصيلهم من جانب آخر.
-القوى المتضررة من الثورة، وما أكثرها، لا بُدَّ من أن لها اختراقات مع هذا الفصيل أو ذاك. أو أنها تقوم بتشكيل فصائل ترفع شعارات الثورة، ولكن وظائفها المرسومة تكون العمل بالضد منها وتشويهها.
ولكي لا يتوهَّم أي كان بأن الثورة يجب أن تكون وردية وزاهرة، عليهم أن لا يسترخوا لتلك الأوهام، فالوردية في الأهداف النظرية ليست كذلك حينما يبدأ تطبيقها في الميدان. وإذا تساوت العقول بفهم النظرية فإن سواعد التطبيق لن تكون متساوية بهذا الفهم. وإذا كنا نقر بوجود الأخطاء عند التطبيق فإن هذا الإقرار لن يجعلنا من المدافعين عنها، أو اعتبارها أمراً واقعاً، بل إن من واجبنا أن نرصدها ونقوم بإيصالها للقيادة صاحبة الصلاحية بالمعالجة.
إن تحديد كل من الاحتمالين المذكورين أعلاه، يقع على عاتق قيادة الثورة، لأن تأثيراتها السلبية ستنال من الثورة كلها، المخطئ من فصائلها وغير المخطئ. ولكي لا تتكرر تجربة العام 2006 المُرَّة، فإنها ومن خلال التقارير التي يتسرَّب جزءٌ منها، نؤكد أنها تهتم كثيراً بالأخطاء التي تحصل هنا أو هناك، وتعمل على معالجتها. وهذا ما تأكدنا منه في قضية (المسيحيين) في الموصل. فقيادة الثورة تعتبر أن أمن المكون المسيحي خاصة مثال لأمن كل المكونات الدينية في المناطق المحررة:
إن المحافظة على أمن المسيحيين في الموصل ليست مِنَّة من أحد، بل تعتبرها قيادة الثورة بفعل عقيدتها القومية، محافظة على أمن العروبة الفكري من التلوث. وما دفع الإعلام الثوري إلى تسمية الوقائع بأسمائها كانت نتاجاً لثقافة الطائفية التي يغرسها الاحتلالان الأميركي والإيراني في البيئة العراقية. فهم كمن يقتل القتيل ويمشي بجنازته باكياً، وليس بكاؤه أكثر من عهر وخداع للتغطية على جريمته الكبرى. وما بكاء الأجهزة الإعلامية على (مسيحيي الموصل) إلا من قبيل العهر والتحريض على الثورة، وليس من قبيل البكاء على ما أشيع أنه يحصل لهم.
إن ما حصل في الموصل منذ أيام، وتحديداً توزيع منشورات التهديد ضد المسيحيين، يصب في دائرة الجرائم من دون شك. وإذا تراوحت تفسيرات ما جرى بين الاحتمالين الواردين أعلاه، فإننا لا بد من أن نلقي ضوءًا علىها ونحن نتوخى الحرص على مسيرة الثورة، ولذلك سنتكلم عنها ببعض التفصيل:
-الاحتمال الأول: إذا كان من ارتكب الجريمة جاء من داخل فصائل الثورة، فهذا يرتب مسؤوليات لا يجوز أن تمر من دون حساب. فإذا كانت (الدولة الإسلامية)، أي (داعش) هي من ارتكبتها كما جاء في قصاصات تم توزيعها، أن يكون الحساب من داخل المؤسسات الجبهوية الميدانية بالذات. ويكون من قبيل الحرص على تماسك الفصائل التي تخوض الثورة معاً. ومن المعروف أن ما جمع الكثير من الفصائل في قيادة الثورة كان مبنياً في حده الأدنى على نقطتين متقاطعتين، وهما: إسقاط الحكومة العميلة، وطرد الاحتلال الإيراني. ولهذا يفرض الحرص على الثورة أن يكون الحساب بحده الأدنى مرفقاً مع إجراءات تضمن منع تكراره مرة أخرى. لأن فعلاً مشابهاً بظروفه، وموضوعه الواقع عليه، يُعتبر هدية دسمة للإعلام المعادي للثورة من جانب، ومن جانب آخر سيشجع السكوت عنه القائمين به اليوم على تكراره غداً مع مكوِّن ديني آخر لا يؤمن بأيديولوجيا من ارتكبه. وهاتان النتيجتان تعودان بالسلبية على ثورة يقدم أبناؤها أرواحهم من أجل انتصارها.
ولذلك، ومن أجل تطوير أجهزة الثورة، وإنجاح مهماتها، لا يفوتنا التذكير بأن قيادة الثورة بنت تشكيلاتها السياسية والعسكرية والإعلامية، تلك التشكيلات التي تقوم بأداء أدوارها بشكل دقيق يثير الإعجاب، الأمر الذي يدفعنا للسؤال:  وهل شكَّلت الثورة قيادة أمنية تعتبر بمثابة (وزارة داخلية) للعناية بأمن المواطنين في المناطق المحررة؟
إن هذا الجانب هو ما يضع الأمن الاجتماعي والاقتصادي والاستقرار الداخلي في المرتبة الأولى من اهتمام القيادة، وهذا ما يضمن الحماية الشعبية الذاتية لمكتسبات الثورة في المرحلة الراهنة. وإن قواعد التعامل مع المواطنين يجب أن تكون واضحة وملزمة لكل المنخرطين في صفوفها.

-الاحتمال الثاني: وإذا كان من فعل مجموعات مزروعة في المناطق المحررة للقيام بما يسيئ للثورة، فإن جريمتهم منظمة وتم اختيارها بعناية وذكاء، لأنها تعني التحريض الواسع ضد الثورة من خلال العنوان الذي تعرَّض للتهديد، وليس أكثر إثارة للرأي العام الدولي من تعرض المسيحيين للأذى. فالعنوان هو المثير لهذا الرأي العام وليست الجريمة بحد ذاتها. وأما السبب فلأن آلاف المجازر ارتكبتها حكومة المالكي، وغيره من أركان العملية السياسية، ومن أكثرها إجراماً، ولكن على الرغم من فظاعتها فإنها لم تحرك ساكناً للإعلام الغربي أو العربي المتواطئ مع حكومة الاحتلال. والدليل الواضح على ذلك، هو أن الاهتمام بأخبار ما جرى في الموصل غطى على كل ما عداها من أخبار. ولذلك تم استغلاله عل نطاق واسع، بعضها القليل كان من باب الحرص على الثورة العراقية، والأكثرها انتشاراً كان التحريض عليها من أهم أهدافه.

وأخيراً، لا بد من كلمة أخيرة نخاطب بها الرأي العام الذي تعاطف مع هذه القضية ممن يحرصون على الثورة، أن يضاعفوا حذرهم من أي محاولة استغلال أي خلل في أداء الثورة الميداني، كما حصل مع قضية (مسيحيي الموصل).

ليست هناك تعليقات: