الثلاثاء، نوفمبر 25، 2014

التدخل العسكري الأجنبي لمنع انهيار العملية السياسية

التدخل العسكري الأجنبي لمنع انهيار العملية السياسية
يزيد الثورة العراقية التصاقاً بأهدافها المعلنة


ولو من قبيل التكرار نذكِّر بأن الزخم العسكري والسياسي الذي أعدَّته الولايات المتحدة الأميركية عندما احتلت العراق، في العام 2003،  لن يتكرر مرة أخرى لا بالكمية ولا بالنوعية.
ومن هذا القبيل أيضاً نرى أن أطماع دول الجوار الإقليمي في العراق لم تنزل تحت سقف مصالحها الاستراتيجية الذي رسمته. ولكن ما هو من المتغيرات أن النظام الإيراني الذي كان يدفع من دم الجنود الأميركيين وأموالهم ثمناً لتمسكه بالهيمنة على العراق،  زجَّ بنفسه مُرغَماً، وراح بعد اندلاع الثورة الشعبية المسلحة يشارك بجنوده وضباطه في المعركة. وفي هذا المتغير ما سوف تظهر نتائجه السلبية على مستوى الشارع الإيراني. خاصة أن أخبار جثث جنوده وضباطه، وجرحاهم، وأسراهم، بدأت تتسرَّب لوسائل الإعلام، ومنها وسائل الإعلام الإيرانية من جهة، وأنه لن يمر وقت طويل سيجد النظام الإيراني أنه قد وقع في شرك حرب استنزاف لن يستطيع الصمود فيها لوقت طويل.
ومن قبيل التذكير أيضاً نرى أن الزخم الذي ميَّز انطلاقة المقاومة العراقية، في العام 2003، لن ينزل إلى ما دون، بل إنه يزداد ويتصاعد في مرحلة الثورة الشعبية المسلحة التي تواجه بقايا الاحتلال.
ومن قبيل التكرار أن الولايات المتحدة الأميركية غزت العراق متكئة على إعلام يشير بإصبع الاتهام للنظام الوطني في العراق بأنه صديق لـ(تنظيم القاعدة)، كتنظيم إرهابي. وكشفت التقارير الأجنبية فيما بعد ومنها التقارير الصحفية الأميركية عن مدى الكذب الذي مارسته إدارة جورج بوش الإبن. وهو اليوم يعمل على تمرير الكذبة ولكن بأسماء أخرى، الكذبة التي تحمل عوامل التخويف من (داعش)، وهذا ما أعلنته إدارة أوباما، واتَّخذت منها ذريعة لتشكيل تحالف دولي للقيام بعدوان ثاني على العراق. بينما المقصود هو إيقاف الزحف الكبير الذي أنجزته فصائل الثورة الشعبية المسلحة في العراق.
وعن هذا الواقع في المشهد العراقي في هذه المرحلة يمكننا محاولة استشراف نتائج ما ستؤول إليه المواجهة بين أهداف التحالف المعادي وأهداف الثوار العراقيين.
فكيف نقرأ ما يجري الآن؟
مستندة إلى ما وفرته الإدارتان الأميركية والإيرانية من إمكانيات عسكرية ودعم سياسي بعد حزيران الماضي، راحت حكومة حيدر العبادي تنفِّذ خطة ما أسمته استعادة السيطرة على المناطق التي أصبحت في عهدة الثوار العراقيين. ولهذ انتخبت مجموعة من الأهداف التي أعطتها أولوية استراتيجية، وكان من أهمها:
-إعادة العافية لمصفاة بيجي لأهميتها الاقتصادية الكبرى. وذلك بفك حصار الثوار من حولها.
-استعادة منطقة الكرمة التي تفصل الفلوجة عن بغداد وهدف الحملة عليها إبعاد الثوار من الاقتراب من بوابات بغداد الشمالية.
-إستعادة منطقة جرف الصخر التي تفصل بغداد عن الجنوب العراقي، والهدف منها منع الثوار من الاقتراب من بوابات بغداد الجنوبية.
-إستعادة السيطرة على الأجزاء الواسعة التي حررها الثوار في الرمادي.
وعن ذلك، يذكر المتابعون للأخبار أن حكومة العبادي قد أعلنت أنها قامت بـ(تحرير) جرف الصخر، وكذلك مدينة بيجي، وأعلنت مراراً وتكراراً أنها تقوم باستعادة منطقة (الكرمة)، والعمل على اجتثاث الثورة في الرمادي.
ولكن هل كانت الأخبار صحيحة؟
وكأنَّ المالكي فشل في الحملات العسكرية التي أشرف عليها لعورة في أدائه، وأداء القيادات العسكرية التي كان يثق بها لقلة في الخبرة، جاء العبادي ليجرب حظه بعد أن قام بتغييرات في القيادات الرأسية للجيش الحكومي. وتابع معركته العسكرية ضد الثوار خاصة وأن الدخول الجزئي لذلك الجيش إلى جرف الصخر أغراه باستكمالها في مناطق أخرى، وهو لا يدري كم هي الأفخاخ التي نصبها الثوار لجيش نظامي بالشكل ميليشياوي بالجوهر. وما برح الثوار يخوضون معارك استنزافها، باستراتيجية الأفخاخ الخادعة التي وقعت ميليشيات العبادي فيها. وإذا بالانتصارات الوهمية راحت تتآكل واحدة تلو الأخرى، ولا نستثني من ذلك منطقة جرف الصخر.
فلا جرف الصخر ظلَّت بأيدي الميليشيات، ولا بمصفاة بيجي استفادت من تلك الحملات، لأن القوات التي أعدها العبادي لاستعادة بيجي كمدخل لفك الحصار عن قواته وقعت هي بنفسها تحت قبضة الثوار، وراح الثوار يعملون بها قتلاً وأسراً، فتبخَّر حلم الحكومة، وحلم النظام الإيراني وأحلام التحالف الدولي الذي شكلته إدارة أوباما.
وبدلاً من استعادة بيجي، فقد خسرت الميليشيات الحكومية مدينة الرمادي التي أنجز الثوار فيها قفزات عسكرية نوعية.
كل ذلك كان يحصل وإعلام حكومة العبادي كان يتخبط بابتكار أكاذيب كان القصد منها رفع معنويات الميليشيات، وتكميم أفواه أهالي المشاركين بـ(الجهاد الكفائي) و(الحشد الشعبي)، الذين تظاهروا أكثر من مرة، وأعلنوا غضبهم عشرات المرات في اعتصامات وتظاهرات، وهي سوف تتكرر بعد أن ينكشف الغبار عن المعارك الباهرة التي تخوضها الثورة العراقية منذ أيام قليلة. فإعلام حكومة الاحتلال كان يسجل انتصارات معظمها وهمية في ظل عشرات الخروقات التي نجح فيها الثوار في بغداد، وقاموا تنفيذ عدد من العمليات العسكرية ضد الميليشيات الحكومية في بعض أحيائها، كما على مقتربات مطار بغداد الدولي.
إنها معركة استنزاف كبيرة للميليشيات الحكومية، وفي هذه المعارك استطاع الثوار من تحييد الآلاف منها، إما بالقتل أو الجرح أو الهرب.
وإذا كان التهويل من قصف طائرات التحالف هو استراتيجية لدعم حكومة الاحتلال، أصبح من الواضح أن الطائرات لن تتمكن من احتلال الأماكن التي يتم قصفها.
وإذا كانت إيران تراهن على أنها تعمل على تنفيذ المهام التي يعجز طيران التحالف عن تحقيقه، فإنها زجَّت بآلاف الجنود النظاميين الإيرانيين وهماً منها بأنها ستسد النقص في العديد الميليشياوي الحكومي وكفاءاته، فهي أيضاً تتعرض لحرب استزاف أيضاً. والدليل على ذلك، أنها ومنذ اتخذت قرارها بالتدخل القتالي المباشر، أنجزت الثورة العديد من أهدافها، وهي ما تزال تتوسع في أجزاء كبيرة من مناطق عملياتها، مُلحقة الخسائر البشرية بالقوات النظامية الإيرانية.
وإذا كان الخوف من تحويل الساحة العراقية إلى حرب استنزاف قد تعلق الثورة في أفخاخه، نرى أن الثورة تدرك خطورة تلك الأفخاخ، وما يحققه تسريع العمليات العسكرية الأخيرة للمقاومة في بيجي، وسامراء، والفلوجة، ومقتربات بغداد، وبشكل لافت في الرمادي، ليس أقل من رد على تلك المخاوف. وليست أقل من محاولة النجاة من الوقوع في حرب استنزاف طويلة لإمكانياتها.
إن العمل على إغراق الثورة في حرب استنزاف موجَّهة ضدها، في ظل ما يتعرض له سكان المناطق المحررة من تجويع وتمريض وتهجير وتقتيل قد يدفع بعض هؤلاء السكان إلى حافات اليأس. وهذا كما نحسب أن الثورة عندما تقاتل من أجل الشعب فإنها تضع كل ما يضر به في مكاييل الاهتمام. تفعل ذلك على أساس أن أمن الثورة له الأولوية، فبإضعافها  وإعاقة مسيرتها خسارة كبرى ستصب حتماً بالضد من مصلحة الشعب.
إن هذا الواقع واحتمال الأسوأ يدفع بالثورة إلى إنجاز استحقاقات عسكرية كبرى بحجم ما يجري في مدينة الرمادي، وبيجي، وإن كنت أجهل أهمية موقع الرمادي الجغرافي الاستراتيجي، ولكن ما هو ظاهر أن خسارتها لدى حكومة الاحتلال، وللمحتلين الأميركي والإيراني، تعني أن كل ما قاموا بحشده من رباط الطائرات وقوات الباسيج قد تمَّ استهلاكه إعلامياً، وأفقده التأثير. وأما عن بيجي فإن التحالفل الغربي الإيراني، فيعرف أنها الشريان الإقتصادي الأهم لتمويل حكومة الاحتلال، بحيث إن الثورة العراقية أثبتت لهم أن (صدمة طائراتهم الغربية، وترويع قوات الباسيج الفارسية) كانت لغواً في الإعلام من جهة، ومن جهة أخرى أنهم سيظهرون، بطائراتهم وحشودهم البشرية، أمام كل عملائهم العراقيين، ومن بينهم الذي تمَّ التغرير بهم، أنهم عاجزون عن الإيقاع بالثورة. وإنه بدلاً من أن يوقعوا بها فقد أوقعتهم في شر أعمالهم.
وإن كانت شعوب الغرب تتابع وتكشف إلى حد كبير كذب المزاعم الأميركية والغربية وتقوم بفضحها، فإن ما ينتظر النظام الإيراني ما هو أسوأ، عندما يتفاجأون بأن مراهنتهم على التغرير بالبسطاء من الشيعة في العراق لن يبقى طويلاً، لأن هؤلاء المغرَّر بهم بدأوا يتململون، ويكتشفون أنهم لا يقاتلون من أجل الدفاع عن مقدساتهم كما يروَّج الإعلام الإيراني وإعلام عملائهم من العراقيين، بل سيكتشفون أنهم وُضعوا في أتون المحرقة من أجل مصالح نخب إيران الاقتصادية وتجارها، وكذلك من أجل تقوية مواقع تأثيرهم في ملف العراق والوطن العربي.

ليست هناك تعليقات: