السبت، يناير 03، 2015

أوراق قديمة أنشرها لأول مرة


أوراق قديمة أنشرها لأول مرة

وموضوعها:

حوارات ومناقشات حول كتابات حسن خليل غريب

(المناقشة الأولى)

شرَّفني عدد من المثقفين القوميين، وكذلك عدد من الرفاق البعثيين، بكتابة مطالعات نقدية، أو أنهم عقدوا ندوات شفهية، حول أبحاثي وكتبي المنشورة.

وإيماناً مني بأن النقد ضرورة ملحة تسهم في تطوير الفكر وإغنائه، كشفت اللثام عن تلك التجربة، وسأقوم بنشرها على حلقات كما جاءت بتسلسلها الزمني، مبتدئاً بنشر المطالعة النقدية كما جاءت على لسان باذلها أو كما خطَّها قلمه. ومن ثم قمت بإرفاق كل مطالعة برد وتوضيح مني. وهذه الحلقة الأولى، وجاءت تحت عنوان: (تعريف ومناقشة لكتاب "الردة في الإسلام)، وهي المطالعة التي كتبها مشكوراً الدكتور فايز القيس. ويعود تاريخها إلى العام 2000. وقد أرفقتها بالتوضيح الذي كتبته رداً عليها.


(تعريف ومناقشة لكتاب "الردة في الإسلام)([1]).

فايـز القيس([2])

التعريف بالكتاب:

كتاب جديد لعنوان قديم. محاولة جريئة في قراءة معضلات تاريخية عانى العرب والمسلمون منها. ولا تزال المعاناة قائمة في امتدادها الأفقي المتجذِّر في بطن التاريخ. وقبل التحديد نستعرض التعريف بالكتاب.

يتضمَّن الكتاب 494 صفحة بطباعة أنيقة وإخراج جميل. ويحتوي على ستة فصول؛ وكل فصل يتضمَّن كثيراً من العناوين التاريخية مثار البحث والجدل حتى يومنا هذا.

محتوياتــه:

يعالج الباحث، الصديق، مشكلة الردة في الإسلام، ومن ثمَّ الردة في المسيحية؛ فضلاً عن ذلك، يقرِّر أن المسيحية تجاوزت الردة باعتماد العقل منهجاً، والعلم حَكَماً، فتجاوزت محنتها كما يدَّعي بينما الإسلام وأهله لا يزالون يتخبَّطون في ديجور دوغمائية تجاوزها التاريخ المعاصر إذا لم نقل إن الزمن دَرَسَ برحاه بيادرها.

يطرح الكاتب في الفصل الأول مسألة اعتناق الإسلام بين الحوار والإكراه؛ ويفصِّل فيه مفهوم الحوار ( الديموقراطية ) والإقناع وأهميتهما في الإسلام من دون أن يهمل مرحلة الدعوة إلى الإسلام بالقوَّة.

ويعالج في الفصل الثاني مرحلة التأسيس لتكفير الجماعة، ومشكلة الخلافة بعد وفاة الرسول (ص). ويستفيض بعرض الفتن المتشابكة، والمتداخلة في آن واحد، تشابك الأهواء والمصالح السياسية.

ويناقش في الفصل الثالث مشكلة (افتراق الأمة سياسياً)؛ ويحدِّد مداخلته في هذا الفصل بالعصرين الأموي والعباسي.

أما في الفصل الرابع فيعالج افتراق الأمة عقائدياً، وتأسيس المذاهب وتفتُّتها إلى شيعٍ وفِرَق.

وتطرَّق الباحث في الفصل الخامس إلى معالجة الردة في الغرب المسيحي، وإلى كيف تمكَّن من تجاوزها. وينهي الفصل بنتيجة فحواها انتصار العقل الفلسفي والعلمي في الغرب وانحسار مبدأ الردة.

وينهي بحثه في الفصل السادس بمقارنة بين (الردة وعصرنا الحاضر)؛ ويناقش فيه عناوين، مثل: (المذهبية في خدمة السلطان)، وإشكالية مقاربة النص الإسلامي مع انتشار العولمة والأنسنة.

مناقشة أوَّليـة:

بدءًا، إن الكتاب في فصوله وعناوين فقراته يحتاج إلى دراسة تفصيلية موضوعية على ضوء النصوص التي تضمَّنها الكتاب. لكننا سنكتفي بإطلالة موجزة توخِّياً لما نراه مصلحة للأمة وتطورها. يقول الباحث في الصفحة 11: «فالردة في الإسلام-كما هي في المسيحية أو اليهودية، ومن قبلهما الوثنية- مظهر ثقافي له من صفات القداسة ما لا يَدَعُ أحداً من المتدينين أن يتجرَّأ على المساس به، وهو يُعبِّر أصدق تعبير عن حالة التجميد القسري التي يتعرَّض لها الفكر البشري، وأداة ضاغطة على العقل لفرض الجمود عليه ضد أن يعمل في سبيل تطوير المعتقَد والفكر».

(فالردة في الإسلام مظهر ثقافي): مظهر ثقافي، أولاً، أم سياسي تبطَّن بالثقافة؟ هل كان أساس الخلاف حول الخلافة ثقافياً أم سياسياً في موقع السلطة؟ فالتمظهر الثقافي، فيما بعد، كان تسويغاً لوجهة نظر السلطة المنتصرة-المنقسمة والمجزؤة؛ ومن ثمَّ أصبح التمظهر الثقافي للسلطة الواحدة المنتصرة. أما التساؤل الآخر فيتمثَّل بما يلي: هل كانت الثقافة آنذاك صانعة للسياسة أم العكس؟

وهكذا ينطلق إلى (الردة في المسيحية): فهل يعتبر الباحث حركة مارتن لوثر في ألمانيا والنمسا وأوروبا عموماً ارتداد أم إصلاح؟ وهل يعُدُّ انحراف رجال الدين الكاثوليك في أوروبا في حالة ارتداد على تعاليم السيد المسيح (ع)، أم في حالة سوية؟ وما هي مسوِّغات بروز حركة الإصلاح في أوروبا؟

إن اختلافاً بيِّناً بين ما جرى في الإسلام وما جرى في المسيحية؟ أما الارتداد في الوثنيةفكيف رآه الباحث، لا نعلم. ولماذا أراد إقحامنا في عالم الأساطير وألغاز "الإيل"، وسر عشتار؟ أسئلة تتشعَّب تشعُّب فصول الكتاب وفقراته.

ونلاحظ أن الباحث يحدِّد موقفه الرافض لمبدأ الردة ونتائجها؛ ويعتبر النصوص الفقهية المغلَّفة بالطهر والقداسة عاملاً من عوامل التجميد القسري التي تعترض الفكر البشري.

نستقرئ من ذلك المنهج، الذي استند الكاتب إليه، وهو منهج إزاحة السقف الضاغط على العقل الذي يحدُّ من القدرة على الخلق والإبداع. إذاً، (القداسة والطهارة) نسبيتان في المكان والزمان؛ وهذا ما جعل من العقل الأوروبي متقدماً على العقل العربي-الإسلامي منذ عدة قرون.

وانطلاقاً من هذا المنهج يعتبر المؤلف أن التنافس بين الفِرَق الإسلامية له وجهه البارز في تعميق الفِرقَة بين المسلمين: فإنه بالقدر الذي تعمل فيه الواحدة منها على إسقاط الفِرَق الأخرى فكأنها تعمل على إزاحة مَنْ ينافسها على حيازة موقع الفرقة الناجية من النار (ص71).

إن وحدة الإسلام، باعتقادي، تتطلَّب، وبجرأة، في عصر الأنسنة والعولمة، تجاوز النصوص الآيلة إلى تكريس الفرقة والانقسام بين المسلمين والإسلام، وبين المسيحيين والمسيحية، ومن ثمَّ بين الإسلام والمسيحية.

ولم تكن حروب الردة في الإسلام مقتصرة على مبدأ الخلافة، بل كان من أحد أسبابها إبطال حدود الدين؛ وهذا ما دعا أبو بكر الصدِّيق (ر) إعلان الحرب للدفاع عن حدود الإسلام، وعن مركزية الدولة-السلطة. لذلك، إن استعراض النصوص التي تُغرِق البحث من دون أن نلاحظ في مواضع كثيرة رأي الباحث الذي نستقرأه في كل فصل خلا من النتائج والاستنتاج.

ونلاحظ من خلال النصوص التي استعرضها المؤلف كثيراً من الإيحاء المُبَطَّن، وبخاصة في أثناء عرضه لأسباب ونتائج معركة الجمل وما آلت إليه. وبهذا يكون الكاتب أعاد نفسه إلى نقطة البداية التي انطلق منها؛ فيقع في التناقض القائم ما بين رفضه لمبدأ الردة من جهة، وبين الإيحاء من خلال النصوص التي تكرِّس الانجذاب نحو أحد طرفي المعادلة في الفعل ورد الفعل. وهذه هي الردة بعينها.

ويطرح، في الصفحة 71، إشكالية تحتاج إلى كثير من البحث والتدقيق، فيقول: «ففي مجال إملاء مساحة الفراغ والتباين الموجود بين النصين القرآني والنبوي، لماذا لم يُعْطِ العلماء/الفقهاء أرجحية لصالح النص القرآني الذي أُنزِل من أجل هذا السبيل؟؛ ويقول في الصفحة 97: "من يُطِع الرسول فقد أطاع الله نساء 4/80».

نتساءل: كيف تجاوز الباحث القول: «وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يُوحى...»؟ وأين تقع مساحة الفراغ التي تحتاج إلى إملاء؟ فهل يقصد إبراز التناقض بين السلوك النبوي الشريف وبين النص القرآني؟ إذا كان الأمر كذلك، فأدعو الباحث لإعادة النظر بهذه النصوص، آخذاً بعين الاعتبار الزمان والمكان والمناسبة عند إعلان النصين المتناقضين كما رأى.

والكتاب زاخر بالنصوص والمشكلات التي ما زالت تحتاج إلى حل. مَنْ يحلها؟ العقل الفلسفي والعلمي تشبهاً بالأوروبيين، قد يشكِّل هذا جزءًا من الحل. فانتصار العقل العلمي والفلسفي في أوروبا كان نتيجة من نتائج الديموقراطية البورجوازية التي عرفتها في عصور انبعاثها. فهل يفتح البحث أفقاً جديداً لمعالجة مشكلة جهاد العقل في الديموقراطية والحرية الفكرية حتى لو تعارضت مع دين الدولة أو السلطان. إن الحلَّ، من دون زلفى، يتمثَّل بفصل الدين عن الدولة؛ هكذا انتصرت أوروبا، وهكذا ينتصر العرب عندما ينهي العقل العربي إجازته المفتوحة.

واللاَّفت أن المؤلف كان أكثر وضوحاً في معالجته لمسألة زواج المتعة في الإسلام، فيقول (ص130): «وهكذا تبقى دوائر المناظرات الفقهية، حول موضوع نسخ زواج المتعة أو عدم نسخه، تدور وتدور منذ مئات السنين، في الوقت الذي يجد فيه المتمذهبون، من السُّنَة والشيعة، حلولاً ذاتية لمشاكلهم الجنسية في كل يوم [وكل ظرف وكل مكان، بعيداً عن كل تلك المناظرات، وقد يكون بعيداُ عن كل الأصول الدينية]... ويحصل هذا في ظل المعاهدات الدولية التي تهتمُّ بحقوق الإنسان من ضمنها حقوق المرأة...[وهكذا تسقط بيزنطية في كل يوم، أما الجدل البيزنطي فمستمر من دون انقطاع]».

ماذا يريد الكاتب؟ هل يتبنَّى مبدأ زواج المتعة، أم يرفضه في ظل المعاهدات الدوليةوحقوق الإنسان؟ إن إعطاء المرأة حقوقها ومساواتها بالرجل يحتاج، كما يعلم المؤلف، إلى تحرير الرجل والمرأة معاً. فلا انفصام ولا انقسام في وحدة المجتمع. فالتقاليد واحدة، والتشريع واحد، وتحرير المرأة يعني تحرير المجتمع. فالمجتمع والقانون قد يحميان الرجل ولا يحميان المرأة، لكن الأهم أن يتحرَّر الرجل من نظرته الدونية للمرأة. والحرية مسؤولية ووعي وسلوك يهدف إلى بناء المجتمع الأفضل. لذلك، تظل مسألة تحرر المرأة مرتبطة بمدى ارتقائها ووعيها وسلوكها في إطار وحدة المجتمع وتطوره.

إن كتاب (الردة في الإسلام) تأريخ للردة وظروفها السياسية والاقتصادية بالرغم من تعدُّد الملاحظات. وتجاوز الردة يتطلَّب بحثاً مستقلاً إسهاماً في تعميق قنوات الالتقاء والتواصل، ولكي تضيق فجوات الخلاف في رؤية جديدة للإسلام من دون مذاهب.

وإذا كان الدين عند الله واحد، وهو الإيمان به، فرسالات الأنبياء تكون، عندئذٍ، مذاهب في دين الله الواحد. وتصبح (المذاهب) القائمة بمنزلة فِرَقٍ في إطار المذهب الواحد.

أما إغراق البحث بالسرد التاريخي، وما تضمَّنه من نصوص تتوافق وتتعارض، فيجعل من القارئ النخبوي في حالة ضياع، فكيف الأمر مع غير النخبويين؟ وهم الأهم.

ويطالب الباحث الفقهاء / العلماء أن يتقدَّموا بفتوى لكي يتم تصحيح مسار التاريخ المختَلَف عليه. أين تكمن مصلحة الكثيرين من هؤلاء؟ وإذا كان الخلاف سياسياً، وهو كذلك، فيصبح تدخُّل الفقهاء / العلماء من دون جدوى لأن من تنالهم الفتوى تصرَّمت حبال حياتهم.

وإذا كنا لا نشك بصدقية الفكرة التوحيدية عند المؤلف، لمعرفتنا الطويلة به، لكن، أليس جديراً بالبحث المعاصر في قرن تتكالب القوى من الشرق والغرب على كيان الأمة العربية وحضارتها وتاريخها- أن نؤسِّس على مقولات الردة مقولات اليقظة والانبعاث؟

ماذا يفيدنا اليوم معرفة الكيفية التي قُتِل فيها عمر أو عثمان أو علي (ر)؟ تكمن الإفادة، باعتقادي، في تسليط الضوء على تراثهم الفكري إسهاماً في انبعاث الأمة من جديد. وماذا يفيدنا التساؤل: من المسؤول عن معركة الجمل؟ (ص147).

إن صدقية التساؤل في البحث التاريخي مشروعة إذا توخينا إعادة كتابة التاريخ، لكن التساؤل الأكثر صدقية يتحدد بمدى أهميته في سياق المعطى الحضاري المعاصر والمستقبلي في آن واحد.

إن فصول الكتاب تحتاج إلى كثير من البحث والمناقشة؛ وكل فصل يحتاج إلى أطروحة مستقلة نظراً لإغراق البحث بالنصوص المستلة المتفق عليها أو المختلف فيها. والكتاب في خلاصته دعوة مفتوحة لإعمال العقل، وإنتاج الحرية الفكرية.

إن الدعوة لتجاوز التفتيت والانقسام في داخل الدين الواحد تسيطر على فكر المؤلف مسبقاً من دون إهمال للنصوص عينها التي يستند إليها دعاة التمذهب والانشطار. وأبرز الكاتب بسرده الموثق نصوصاً توحِّد وتُفَرِّق. وفي خلاصته يدعو إلى تدمير مصانع النصوص التي تكرِّس الفرقة والانقسام. فلماذا، إذاً، أبرز مثل هذه النصوص في عرضه للفرق المتنازعة حول مسألة الخلافة؟

ألم يكف الانطلاق من معالجة موضوع خطير مثل (الردة في الإسلام) أن نقصر بحثنا على فصل واحد حول المشكلة، ومن ثم الانطلاق في البحث لترسيخ مفهوم الوحدة والحرية الفكرية لكي يتجاوز العرب والمسلمون أسباب فرقتهم؟

إن ذلك بمنزلة دعوة للباحث أن يكمل ما بدأ به، مجاهراً بالحق، وهو الجريء في التصدي من أجل إنهاء إجازة العقل العربي. إن الدين عند الله واحد، والأنبياء من عثرة هذه الأمة؛ وكل شعوب الأرض التي تؤمن بالأديان السماوية مُدينة للأمة التي أنتجتهم. وهذا، باعتقادي، يفسِّر مقولة «خير أمة أُنْزِلَت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر».

فايز القيس     1/3/2000

***

ردٌّ على نقد موجَّهٍ إلى كتاب (الردة في الإسلام).

صديقي العزيز أبو هيثم:

أتوجَّه بالشكر إليكم لاهتمامكم بقراءة كتاب (الردة في الإسلام)، وبالتالي أوجِّه شكراً آخر لالتفاتتكم النقدية المكتوبة.

إطَّلعتُ بعين الاهتمام والتقدير على ما بذلتم من نظرات نقدية، فوجدت، لأنه لنا فائدة  نجنيها من الحوار الهادف والموضوعي، أن أتوجَّه إليكم ببعض الإيضاحات أرجو أن تقرأها بعين الاهتمام:

  • إن من أهم غايات وأهداف النقد، إذا كان الناقد ممن يؤيدون هدف البحث المركزي، هو إبراز ما في الأثر المنقود من إيجابيات لتعميمها وإقناع الآخرين بصحتها؛ والتركيز على السلبيات في سبيل مساعدة الباحث أو المؤلف على تجاوزها، إما بالتراجع عنها أو توضيحها إذا كانت غامضة، ويتم كل ذلك في سبيل تطوير وسائل الدفاع عن القضية التي آمن كل من الباحث والناقد بصحتها.
    إنني أتساءل يا صديقي: ألم تجد، أنت الذي يجمعني معه أكثر من رباط وسبب وجهد في سبيل «إزاحة السقف الضاغط على العقل» كما ورد في ردك- أية نتيجة أو رأي إيجابي في بحثي المنشور يصب في هذا الهدف؟!!! ألم تجد جديداً في بحثي ما يستحق أن تركِّز عليه وتقتنع به لنتعاون في سبيل إقناع الآخرين به؟ إذا كان هناك ما يستحق الإبراز فواجب الإثنين: الناقد والمنقود، أن يتعاونا على التركيز عليه وتوجيه الأنظار باتجاهه.

  •  يدور البحث حول قضية مركزية / محورية حدَّدها الفصل الأول بوضوح وهي: نقد الفقهاء المسلمين الذين أمروا باستخدام القوة بالدعوة إلى الإسلام، والدعوة إلى قتل المرتد عن دينه استناداً إلى قول الرسول {من ارتدَّ منكم عن دينه فاقتلوه} .  وقد دار البحث حول التناقض أو التباعد على أقل تقدير بين النص القرآني ]لا إكراه في الدين[ و ] إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب [... وبين النص النبوي { من ارتدَّ منكم عن دينه فاقتلوه} وما يسبقه من استتابة المرتد لثلاثة أيام إذا لم يتراجع في خلالها يُقْتَل ...
    فالقضية المركزية / المحورية هي الدعوة الصريحة الواضحة، مستندةً إلى براهين وأدلة نقلية وعقلية، إلى إلغاء مبدأ الردة؛ وهذا ما حرصنا على إثباته في الفصل الأول، الذي أَعِدُّه عمود البحث الأساسي، والذي سخَّرت في سبيل خدمته الفصول الخمسة الأخيرة للبحث.

فكل ما جاء في الفصول: من الثاني إلى السادس، وعلى الرغم من الإسهاب في سَوْقِ الأدلة والبراهين فيها، إنما جاء لتقدير منهجي كنت مقتنعاً بضرورة استخدامه لإثبات صحة فرضيتي، ثم قناعتي، بإلغاء مبدأ الردة استناداً لعدم شرعيته الدينية ولتناقضه مع الشرعية العقلية، والذي جاءت الأحداث التاريخية في الصراع الدامي المستمر لمئات السنين بين مذاهب المسلمين لتؤيِّد صحة النتيجة التي توصلت إليها.

ومن هنا انطلقت  أنت في نقدك من الأدلة التفصيلية، وكان من الواجب عليك أن تحدد القضية المركزية للبحث، فإذا اتفقت معها كان عليك أن تحدِّد ذلك بوضوح، وإذا كان موقفك العكس كان من الواجب أن تحدِّد ذلك أيضاً، فأي موقف من الإثنين كان سيقودك إلى طريقة في الرد تختلف الواحدة عن الأخرى:

  • فلو كنت تتبنى الموقف المؤيد للقضية المركزية / المحورية، موضوع البحث، لكان موقفك الناقد سينطلق من نقد الأدلة والبراهين لترى إذا ما كانت تخدم الدفاع عن القضية المركزية أو لا تخدم، فيصبح ما بذلته من جهد في ردِّك يصب في هذا الاتجاه.

  • أما لو كنت لا تؤيِّد القضية المركزية، لأصبحت معالجتك ونقدك للتفاصيل بدون جدوى، ولا تستأهل أن يُدْفَع في سبيلها الوقت الذي يُصرَف عليها والكتابة حولها.

  • أما بالنسبة لبعض التفاصيل التي قمت بتسليط ضوء النقد عليها، فاسمح لي بأن أوضح ما يمكن إيضاحه، وأتمنى أن يفي بالغرض المطلوب:

  • -أولاً: إن ما قمت بذكره في بحثي من تفاصيل كثيرة، قد تكون أربكت سلاسة البحث، ليس في سبيل أن أتَّخذ موقفاً مؤيداً لطرفٍ في هذه الحادثة أو تلك من الأطراف المشاركة فيها؛ ولكنني أردت من عرضها، بشكل عام، ومن استعراض آراء شتى الفِرَق الإسلامية لغرض واحد، ليس تأييد مواقف هذا أو معارضة مواقف ذاك، وإنما كان كل همِّي منصبَّاً على أن أُبرهن على أن الذين يسبغون القدسية على نصوص يعدون مخالفتها مخالفة لإرادة الله أنهم هم بالذات مختلفون حولها. فماذا يعني اختلافهم من وجهة نظري؟

تغيب القدسية عن النص المقدس إذا كان له أكثر من وجه ، فمجرد الاختلاف حوله يُغيِّب عنه الوضوح، وإنني لا أجد منطقاً يبرِّر أن لا يكون الله واضحاً مع عباده. فهل من المنطق في شئ أن يكون فقيهاً ما أو حتى نبياً أكثر وضوحاً في تعبيره من الله؟!!!

إن اختلاف الفقهاء في تفسير أو تأويل نصٍّ مقدَّس كما أحسب- يُفْقِدْهُ الكثير من قدسيته، فالتأويل والتفسير أصبح من صنعٍ بشري وليس من صنع الله. وهذه هي النتيجة بالذات التي أردت أن أصل إليها من خلال إغراق البحث بكثير من الوقائع التاريخية والنصوص الدينية، وإغراقه بالرأي والرأي المضاد، وذلك للتدليل على أن ما اختلفت حوله الفِرَق الإسلامية لا علاقة له بالمقدَّسات، وإنما كانت الأهواء والأغراض السياسية هي صاحبة المصلحة الأولى في إضفاء صفات القداسة على هذه الفتوى أو تلك، خاصة وأن الثقافة الشعبية السائدة طوال مختلف العهود التي حُكِم فيها باسم الإسلام هي ثقافة دينية لا تبعد كثيراً عن مستوى الإيمان الساذج والسطحي.

  • -ثانيــاً: إن الحديث عن وجود مبدأ للردة في الوثنية لا علاقة له بالأساطير والألغاز، بل إن الأديان الوثنية-فعلاً-كانت تطبِّق حدَّ الردة على أعضاء مجتمعاتها، وتُنْزِل بهم عقوبة القتل إذا ما ارتدُّوا عن عبادة الأوثان التي كانت مجتمعاتهم تعبدها. أَلا يكفي دليل الحكم بالموت على الفيلسوف اليوناني سقراط، الذي حكمت عليه المحكمة بتجرُّع السُم، بتهمة تحريضه للشباب ضد آلهة اليونان؟

  • -ثالثــاً: بالنسبة لحروب الردة التي حصلت في عهد الخليفة أبي بكر الصدِّيق ليست هي الهم المركزي في بحثي، وإنما جاء ذكرها في البحث بقصد البرهان على أن الدولة الإسلامية بعد وفاة الرسول لم تكن أنموذجاً يُحتذى كما يدَّعي الأصوليون بل ابتدأت الفِتَن تذرُّ قرنها بعد وفاته مباشرة. وحرب الردَّة التي جرت في عهد الخليفة إبي بكر الصِدِّيق هي حادثة-فِتنة وحيدة من أحداث-فِتنٍ كثيرة حصلت في عهد الخلفاء الراشدين، وقد ذكرت أهمها للتدليل على أن ما يدَّعيه الأصوليون من أنه (لا يصلح الخلف إلا بما صلُح به السلف) ليس ادِّعاء صحيحاً. وتأتي، في هذا السياق، معركة الجمل بين علي وجماعة كبيرة من أهم صحابة الرسول، ولم يكن أحد همومي، على الإطلاق، أن أعطي حقاً لهذا وانتزعه من ذاك، وإنما لكي أقدِّم للقارئ برهاناً على هزال الحجج التي يقدمها الأصوليون بضرورة إعادة بناء نموذج للدولة الإسلامية شبيه بدولة الخلفاء الراشدين؛ ومن تلك النماذج التي قمت بنقلها من مصادر التاريخ الإسلامي تبيَّن أن كبار صحابة الرسول الذين رافقوه وتعلموا منه، عجزوا عن الاتفاق فيما بينهم، وكان الصراع الدموي هو البديل. ومن هذا نستدل على أن التاريخ الإسلامي لم يكن فيه أية محطة مضيئة بالكامل، ولم يكن فيه نموذج واحد يمكن تقليده واستنساخ صورة طبق الأصل عنه.
     ولو افترضت أنني لم أقم بنقل مثل تلك النماذج من التاريخ هل كان من الممكن إقناع من كوَّن صورة طوباوية عن دولة الخلفاء الراشدين أن تلك المرحلة لم تكن بالشكل الذي صُوِّر فيه؟
    أما ما تقصده بأن هناك تأييد مُبطَّن لأحد طرفي الصراع في معركة الجمل فإنني أقول لك إن الفقهاء السُنَّة، المفروض فيهم أن يؤيدوا فريق عائشة في تلك الحرب، قد أعطوا الحق لعلي بن أبي طالب بدون تلميح أو تبطين. وإذا كانت هذه النتيجة تخدمهم لأغراض دينية، فأنا لا يهمني الأمر أكثر من كونها جاءت لاستدلالات منهجية في البحث الذي قمت به.

  • -رابعــاً: أما بالنسبة للتناقض بين النص النبوي والنص القرآني أو التباعد بين النصين وعدم مقاربتهما، ودعوتكم إياي إلى إعادة النظر بالنصوص على ضوء الزمان والمكان والمناسبة فإنني قد فعلت ما تدعوني إليه في معرض مناقشتي  لمسألة الحكم على المرتد في الفصل الأول من البحث، بحيث نكشت من المصادر قصة عبد الله بن جحش التي كانت المناسبة الرئيسة التي نزلت فيها آية الردة، وعلى أساس ظرفية الحادثة، وغيرها من الأسباب النقلية والعقلية، اعتمدتها مقياساً لظرفية مبدأ الردة.
    ولكن في هذا الإطار، والذي تدعوني فيه إلى إعادة النظر بالنصوص على ضوء الزمان والمناسبة، لا بد من إعادة التوضيح بأن الفقه الإسلامي السائد يقوم على تكفير كل من يلجأ إلى تأويل النص بناءً على المكان والزمان والمناسبة؛ وعلى هذه القاعدة جرى تكفير حامد نصر أبو زيد. أما أنا فلم أجد حاجة في بحثي لأن أبحث عن كل وجوه التناقض بين النصين القرآني والنبوي، لأن ذلك لا علاقة له بالبحث المحدود الذي أقوم به وموضوعه المركزي/الرئيس هو البحث عن تأصيل لمبدأ الردة الذي على أساسه يُفتى بقتل المرتد عن الإسلام.

  • -خامساً: أنا لم أعالج مبدأ زواج المتعة لكي أرفضه أو أؤيده، وأحسب أنه أصبح من الواضح لديكم أنني استعنت ببعض مواطن الخلاف بين الفِرَق الإسلامية حول تأويل النص المقدَّس، ومنها مسألة زواج المتعة، ليس لكي أحدِّد موقفاً بتأييدها أو برفضها وإنما لأخلص بنتيجة أن هناك جدل فقهي عقيم، حول ما إذا كان زواج المتعة منسوخاً أم غير منسوخ. وهذا الجدل قد تجاوزته الظروف بينما الفقهاء يستمرون بالجدل الذي لا علاقة له بالواقع، وهذا ما أشرت إلى عدم جدواه بالجملة التي لم تنقلها أنت في نقدك، والتي أقول فيها: «وهكذا تسقط بيزنطية في كل يوم، أما الجدل البيزنطي فمستمر من دون انقطاع». وهنا لا يهمني، منهجياً، أن أقدم حلولاً لحقوق الرجل أو المرأة لأن أهداف البحث، منهجياً، لا تستطيع استيعاب كل ما يجب أن أقوله في هذا المجال.

  • -سادساً: هل صحيح -كما تقول في نقدك- أن "إغراق البحث بالسرد التاريخي، وما تضمنَّه من نصوص تتوافق وتتعارض، تجعل من القارئ النخبوي في حالة ضياع، فكيف الأمر مع غير النخبويين؟ وهم الأهم".؟
    إنني بالفعل لا أستطيع إلا أن أتوافق معك، لأنك أنت القارئ وليس أنا. ولا أخفيك سراً أنه كان من أهم همومي أن أستطيع أن أوصل رأيي إلى القراء، حتى متوسطي الثقافة منهم، من دون تعقيدات الجمل والمصطلحات الفلسفية والفقهية، حتى إنني لم أترك فرصة أستطيع فيها أن أتجاوز تلك التعقيدات إلا وفعلت وتبيَّن لي، بعد أن لفتم النظر إلى ذلك، أنني لم أوفَّق تماماً بما عملت لأجله.
    إن هذا الهم ليس خاصاً بل يعني كل من حمل همَّ العمل من أجل المجتمع، خاصة إذا كان من المجتمعات التي تُعَدُّ أكثريتها من ذوي الثقافة السطحية، لذا فإن هذه الإشكالية مطروحة للنقاش أمام كل المهتمين بهذا الجانب لإيجاد حلول لها.
    وبالإجمال فإنه لا يمكن أن تخصِّص كل أنواع الفكر ليكون في متناول كل أفراد المجتمع؛ وقد تكلمت عن هذا الجانب مستدركاً ما قد يُوجَّه من نقد حوله- في الصفحة 307، قائلاً: «إذا كان الفكر بمستوى من التجريد، أو مما يعسر فهمه على كل الناس، فلن يكون بمتناول شرائح واسعة من المجتمع المُوجَّه إليه؛ فلا بُدَّ والحال كذلك- من وجود نخبة مثقَّفة وسيطة تعمل متفاعلة مع هذا الفكر لتُنْتِج، بدورها، وسائل إيصاله إلى المجتمع».

وهنا أدافع عن هذا الواقع، الذي لا يمكن أن نتجاوزه بسهولة كلما أردنا أن نكتب، بالتساؤل: لماذا كتب أرسطو فلسفته ونظريته بالمنطق الصُوَري؟ هل كان يكبِّله هاجس أنه يجب أن يكون مفهوماً من كل طبقات المجتمع؟ وهل استطاع أن يفعل؟ وهل فلسفة أرسطو إلا من الفلسفات التي أسهمت بتطوير الفكر البشري الذي يصب في مصلحة كل الطبقات على الرغم من أنها كانت غير مفهومة لديها كلها على المستوى ذاته؟ ولماذا كتب عمانوئيل كانت كتابه (نقد العقل الخالص) بلغة فلسفية بالغة التعقيد؟ هل كان من اللامبالين بأن تصب فلسفته في مصلحة كل الطبقات ومنها تلك التي كان متأكِّداً من أنها لن تستوعب ما يكتب؟

القاعدة الفُضْلى في إيصال الثقافة أن يعمل الباحث أو المفكر أو الفيلسوف أو عالم الاجتماع على الكتابة بمنهج وأسلوب يتوخَّى منه أن يكون سهل الفهم عند أوسع قاعدة من القرَّاء. ولكن إذا لم يستطع ذلك، أو إذا خانته المقدرة، فإن واقع وجود نخبة مُثَقَّفة، وهي ليست مسألة طبقية، يمكن أن تلعب دوراً، كما أن عليها واجباً بعد أن تقتنع بفكر ما- أن تبتكر وسائل تسهيل إيصال هذا الفكر إلى أوسع قطاعات الشعب وطبقاته.

  • -سابعـاً: جاء في نقدك ما يلي: " أليس جديراً بالبحث المعاصر في قرن تتكالب القوى من الشرق والغرب على كيان الأمة العربية وحضارتها وتاريخها- أن نؤسِّس على مقولات الردة مقولات اليقظة والانبعاث؟". تتابع قائلاً: " ماذا تفيدنا اليوم معرفة الكيفية التي قُتِل فيها عمر أوعثمان أو علي (ر)؟ تكمن الإفادة، باعتقادي، في تسليط الضوء على تراثهم الفكري إسهاماً في انبعاث الأمة من جديد. وماذا يفيدنا التساؤل: مَن المسؤول عن معركة الجمل؟".
    إن إشكالية ماذا ندرس في التاريخ وكيف، وأي جزءٍ منه علينا أن ننبش؟ وهل هناك منهج محدد لدراسته؟ وما هي أهمية كتابته في حياة الأمم؟ وما هي الفائدة التي نجنيها منها؟ ولماذا نكتبه، وكيف نكتبه، ومن هو الذي يتحكَّم في وقائع كتابته؟ وماذا يجب أن نسجِّل منه وماذا يجب أن نبتر؟ كلها أسئلة تقودنا إلى ضرورة أن نعمل على الاتفاق حول تحديد منهج موضوعي يجيب عن كل تلك الأسئلة.
    إنني أحسب أنه لا بد من العودة إلى وقائع التاريخ التي لا تزال تلعب دوراً في الحاضر، وذلك ليس لمناقشتها في سبيل تقطيع الوقت، بل لنقد ما ينتج عنها من تأثيرات سلبية في شؤون الحاضر السياسية والفكرية والدينية
    فهل نبش وقائع التاريخ الإسلامي، الذي له علاقة وثيقة بظروف مقتل ثلاثة من الخلفاء الراشدين، له تأثيرات على الواقع الحاضر، أم أن نبشه هو لترف فكري عقيم؟
    أنت تدري، ولا أحد ينكر أن مرحلة الخلافة الراشدة لا تزال تلعب دوراً مؤثِّراً في حياتنا الفكرية والدينية والاجتماعية والسياسية وعلى أساسها يبني الأصوليون الإسلاميون أملاً في إعادة بناء الدولة الإسلامية على أسس النموذج الراشدي. وإننا من غير الواهمين في استنساخ تلك التجربة لأسباب منها:

  • أنها دلَّت على فشلها بسبب من كثرة الفتن الدامية التي انخرط فيها صحابة الرسول.

  • وأنها لم تكن تمثِّل أنموذجاً إسلامياً سياسياً عقائدياً صالحاً للتطبيق  في وقتنا الحاضر بسبب من كثرة الخلافات السياسية/العقائدية، التي حدثت من أجلها، تاريخياً، بين الفرق الإسلامية من جهة، وأنها لا زالت تؤسِّس، في وقتنا الحاضر، لخلافات جذرية دينية وفقهية وسياسية بين الفرق الإسلامية التي لا تزال حيَّة حتى الآن.
    لهذا ركَّزنا في بحثنا على الظروف التي قُتِل فيها الخلفاء الثلاثة، لأسباب منها:

  • أن كثيرين من المسلمين لا يعلمون أن الخلفاء الراشدين قد ماتوا قتلاً / إغتيالاً؛ وإذا كان هناك من يعرف هذه الحقيقة فإنما يعيدون السبب إلى مؤامرة يهودية!!!

  • إنها لا تزال تؤثِّر في استمرار الخلافات بين الفرق الإسلامية التي تلعب، في وقتنا الحاضر، دوراً رئيساً في شتى وجوه حياتنا. ولهذا السبب ما عليك إلا أن تراجع الفصل السادس من البحث، وفيه تستعيد قراءة الخلافات السياسية-الدينية بين الخمينية والوهابية، وهما فرقتان إسلاميتان معاصرتان ومؤسِّستان لدولتين إسلاميتين كبيرتين.

  • أما ردَّاً على قولك بأنه علينا في هذا الزمن، الذي تتكالب فيه شتى القوى للقضاء على حضارتنا، أن نستذكر فكر الخلفاء الراشدين لنستفيد منها، فأقول: إنني لم أنبش ما نبشت من كتب التراث لكي أفتش عن دواء لكل ما ليس بحاجة إلى دواء، وإنما للتفتيش عن دواء للأعضاء المُصابة من هذا التاريخ. وهل مقتل الراشدين إلا من جملة تلك المراحل المريضة في تراثنا؟

  • وأخيراً فنحن نحسب أنها ستفقد أهمية إثارتها في الوقت الذي يغيب فيه تأثير دورها على أكثر من صعيد ديني ومذهبي وسياسي واجتماعي
    أما كيف ننظر نحن إلى هذه المسألة؟
    لم ينطلق اهتمامنا بها من زاوية التفتيش عن أسباب ندعم فيها اعتقاد هذه أو تلك من الفرق، أو لنثبت بطلان اعتقاد هذه أو تلك، وإنما جاء من زاوية تفتيشنا عن بطلان اعتقاد من اعتقد أن لها علاقة بحساب الآخرة بحيث يحسب الشيعي أنه لن يدخل الجنة إلا إذا آمن بأحقية آل بيت الرسول بالخلافة، فهي انطلاقاً من هذا يحسبون أنها تؤثِّر في نقص أو زيادة في إيمان المسلمين بالإسلام.

  • ثامنـاً: عود على بدء، إلى تعليقك الأخير والذي تقول فيه: "لا تضرم ناراً وتدعو إلى إطفائها"؛ فهل ما تقصده أنني أثير الفتنة عندما أنبش مواطن التناقض بين الفِرَق الإسلامية؟
    إذا كان هذا ما تقصده، فإنني أقول بأن ما أنبشه من مواطن التناقضات ليس إلا عجيناً من تراث تلك الفرق، منذ أن نشأت، وهي لا تزال حتى الآن- تخبز من عجين الأسلاف.
    أما لماذا استخدمت المعول في نبش ذلك؟ هل لأنني أثير جراحاً اندملت منذ مئات السنين؟ وهل صحيح أن تلك الجراح قد اندملت؟ وهل ليس لهذا العجين تأثير على الخبز المذهبي المعاصر؟
    أنا من مُتتبِّعي الدعوات المعاصرة للفِرَق الإسلامية التي تدعو إلى وحدة المسلمين: من على بعض المنابر المحدودة، وفي المؤتمرات التلفزيونية، وفي بعض المناسبات التي تضم ممثلين عنها في وقت واحد فيدور فيها التبخير والمجاملات. فهم كلهم، في مثل تلك المناسبات، يمارسون التقية ولا يتكلَّمون الحقيقة التي يُعَبِّئون ويحقنون بها أتباعهم.
    إذهب إلى التكايا والزوايا والحلقات المُغْلَقَة في المساجد أو في غيرها من الأماكن التي يتكَّوم فيها الواعظون من المقلِّدين والقارئين بنهمٍ كتبهم المذهبية، التي استعرت منها، في بحثي، الكثير من النصوص التي لفتت نظرك وحسبتها أنها وقود ألقيه بنفسي في النار لتستعر، وإنني أسهم في إثارة الفتنة، فهل أنت يا صديقي غريبٌ عن "أورشليم المذهبيين" وما يمارسونه من أساليب التفرقة والحقن المذهبي؟ أفليسوا هم دعاة الفتنة؟
    وإذا كشفت أنا عن بعض النصوص التي يستخدمونها مادة لهم في التحريض فإنما الغاية منها فقط هي أن أُنَبِّه إلى أن ما يدَّعيه أولي الأمر الذين يقفون في الدرجة الأولى من الهرم المؤسساتي الديني من حرص على الوحدة الإسلامية ليس في محلِّه؛ وإذا ادَّعوا العكس فعليهم أن يمنعوا من التداول عشرات آلاف الكتب التي تحتضن عجين الفرقة والشقاق. أو على الأقل، وعلى الرغم من استحالة تطبيق اقتراحي، إصدار تعميمات دورية تُوَزَّع بشكل علني تدعو فيه المسلمين للامتناع عن قراءتها والإشارة إلى ما تحتويه من بذور للتفرقة

وأخــــيراً


أتوجَّه بالشكر إليك فقد فتحت عينيَّ على بعض النواقص، والتي لها علاقة ببعض الغموض في بحثي، وهذه مسألة قد يقع فيها الباحث، بينما لا تغيب عن ملاحظة القارئ؛ ومن هنا تأتي الاستفادة من النقد الهادف والموضوعي، فيصبح الناقد شريكاً للمؤلف في أبحاثه.

في 8/6/2000    



([1]) تأليف حسن خ. غريب: دار الكنوز الأدبية: بيروت: 1999: ط 1.
([2]) كاتب وباحث من لبنان. تاريخ النقد والرد في 8/ 6/ 2000.

ليست هناك تعليقات: