الثلاثاء، أكتوبر 13، 2015

أوراق الخريف الصفراء تتساقط تحت ضربات الثورة الشعبية العراقية


بعد سنة من بدء عاصفة التحالف الدولي لدعم العملية السياسية في العراق

أوراق الخريف الصفراء تتساقط تحت ضربات الثورة الشعبية العراقية



لا قوة تقف في وجه المحتاجين لرغيف من الخبز وحبة الدواء لتمنعهم من الثورة،

ولا قوة تمنع الذين امتُهِنت كرامتهم الوطنية من الثورة لاستردادها،

والدليل على ذلك،

أنه عندما شنَّت الولايات المتحدة الأميركية حربها ضد العراق وعدت العراقيين بتعميم الديموقراطية وتوفير العيش الكريم لهم.

وبعد مرور اثنتي عشرة سنة من عمر الاحتلال، وبعد انتظار العراقيين الطويل انقطعت منهم الأنفاس من طول الانتظار، فلم يجدوا غير القتل والظلم والتجويع والتشريد والتهجير.

لذا فقد استفاق كل العراقيين أخيراً ليجدوا أن شعارات الاحتلال قد تبخَّرت، وعمَّ نقيضها بشكل شامل وكامل. وإنه حتى الذين أيدوا الاحتلال وساندوه فقدوا القدرة على إقناع أنفسهم بأن ما يجري لم يكن أكثر من خدعة تستخدمها الإمبريالية للتعتيم على أهدافها الحقيقية، فتراشقوا بالتهم وراح واحدهم يلقي التهمة على الآخر، وكل واحد يريد أن يُبرِّئ نفسه من دم يوسف العراقي على الرغم من أنهم شاركوا في رميه بالجُب.

وأخيراً أجمع العراقيون على تصديق أهداف المقاومة الوطنية العراقية التي كذَّبت مزاعم الاحتلال منذ البداية، فثاروا جميعاً وليس من الغريب أن يثوروا.

ثار العراقيون من أجل إسقاط من زعم أنه جاء إليهم بخشبة الخلاص، لأنهم أدركوا أخيراً أن من وعدهم بالخلاص كان السبب الذي حرمهم من حياتهم الكريمة وحرمهم من كرامتهم الوطنية.

وعلى الرغم من تصاعد الثورة وتصعيد أعمالها، وتنويع وسائلها، عسكرياً وشعبياً وسياسياً،

وعلى الرغم من انكشاف الغطاء الزائف لحكومة الاحتلال التي ظهرت أمام الرأي العام العالمي عارية حتى من ورقة التوت الأميركية الإيرانية، فبانت عوراتها التي لا تُعدُّ ولا تُحصى،

فقد أصرَّ أولياء تلك العملية على أنها ليست عاهرة، فألبسها إعلامهم ثياب الشرف والعفة، وانبروا في ابتكار أساليب الدفاع عنها، وشمَّروا عن سواعدهم، ومدَّوا الحبال لإنقاذها، وتوزعوا الأدوار الإعلامية والعسكرية والسياسية، فكان الجو من نصيب الطرف الأميركي، وكان البر من نصيب الطرف الإيراني، وكان الإيغال في الخيانة من قبل المعممين الذين باعوا دينهم من أجل حفنة من الدولارات والتومانات. وتفصلنا الآن سنة وشهر واحد من تاريخ بدء عملية الإنقاذ، وما علينا إلاَّ أن نحصي كم كان حجم حصادهم في الذكرى السنوية الأولى لتلك العملية.

لقد انطلقت عملية الإنقاذ الأميركي الإيراني للعملية السياسية تحت شعار تضليلي فألبسوه قبعة (محاربة الإرهاب)، وذلك للتعتيم على أهداف الثورة العراقية من جهة، وللتعتيم على أهدافها العدوانية من جهة أخرى. وفي مواجهة الثورة، إذن، أعلنت الولايات المتحدة الأميركية أنها ستنقذ من وكَّلتهم شؤون العراق، أي زعمت أنها ستدافع عن شلة الفاسدين وخونة الأوطان، فاتخذت قراراً منذ أكثر من عام بمشاركة كبرى من النظام الإيراني، وكانت وسائل تنفيذه مبنية على قوائم ثلاثة، وهي:

-القائمة الأولى أميركية: تشرف عليها الولايات المتحدة الأميركية بغطاء دولي شكلي، على أن يتم تشكيله من الدول التي تأتمر بأوامر أميركا. فأطلقت عليه التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب. ولعجزها وخوفها من الغرق من جديد في شراك المعارك البرية مع المقاومة، كان عليها أن تشكل حماية جوية للقوات الحكومية المدعومة بالميليشيات، الموبؤة بالطائفية، من الفضاء قوامها الضربات الجوية.

-القائمة الثانية إيرانية: يشرف عليها النظام الإيراني، فكان الجنرال قاسم سليماني قائداً لها، حيث زجَّ النظام المذكور بألوية من الحرس الثوري الإيراني في القتال إلى جانب القوات الأمنية والعسكرية التابعة لحكومة الاحتلالين، على أن يُكلَّف أيضاً بالقيادة الميدانية العسكرية والسياسية للقوى العراقية المحلية، وهي القوى التي شكَّلت القائمة الثالثة في مخطط الإنقاذ.

-القائمة الثالثة عراقية طائفية: وقد أشرفت على إخراجها ما تُسمَّى بالمرجعية الشيعية في النجف، التي قادها علي السيستاني، وهو مرضيٌّ عن تعيينه أميركياً وإيرانياً. ومن أجل ذلك صدرت فتوى منه تحت مسمى (الجهاد الكفائي)، فكانت الفتوى تمثل الأب الشرعي لما عُرف بـ(الحشد الشعبي) الذي انخرط في قتال الثورة بقوة وزخم إلى جانب القوات الحكومية.

وبين هذه القائمة وتلك كانت مواقف الحزب العراقي الإسلامي منحازة إلى جانب ذلك التحالف، وهو الذي لم تستفز قياداته كل الجرائم التي كانت تُرتكب بحق العراقيين لأنه ظلَّ محافظاً على موقفه الإيجابي من الاحتلال غير عابئ بارتكابه جريمة الخيانة العظمى.

وقد انقضى عام ونيف من عمر التحالف. فلا أميركا وإيران استطاعتا أن تحتويا الثورة العراقية، ولا عملاؤهما استطاعوا أن يجمِّلوا فسادهم بحزمة من الوعود. واستمرت الثورة، وتوسعت رقعتها، وهي تزداد انتشاراً وقوة، من جنوب العراق إلى شماله، في الوقت الذي أخذت فيه العملية السياسية تتراجع ويخفت معها بريق عاصفة التحالف الدولي. وهكذا بدأ المأزق يتعمَّق في وجه أميركا وإيران.

 

نتائج حصاد عملية الإنقاذ الأميركي الإيراني نزلت إلى ما دون الصفر في السنة التي انقضت:

ترافق وضع المخطط العسكري الأميركي الإيراني مع تغيير حكومي على صعيد العملية السياسية على أن يقوم بتجميل لأداء الحكومة السابقة يشكِّل طُعماً يجذب إليه أنظار الرأي الشعبي العراقي العام، مما يوفِّر للمخطط العسكري غطاء شرعياً، ولكن كيف كانت نتائج الحصاد؟

كان يوحي التغيير الحكومي باستبدال اسم نوري المالكي باسم حيدر العبادي بأن التغيير أصبح على الأبواب. ولكن لم تفعل الحكومة الجديدة شيئاً أكثر من أنها شمَّرت عن ساعديها للبطش بالمناطق الثائرة كما فعلت حكومة المالكي، متَّخذة من المخطط العسكري عاملاً لرفع المعنويات. ولكن النتائج كانت تراجعاً كبيراً، أي أنها بدلاً من تحسين الأوضاع نقطة إلى أعلى، فقد تدَّنت إلى ما دون الصفر على شتى الصعد والمستويات. وحصيلة ما جرى كان من أهمها:

-على صعيد أداء حكومة العمالة الجديدة في الملف المعيشي:

منذ تشكيلها اندلعت صراعات جانبية بين أطراف العملية السياسية راح فيها كل طرف يتنصل من المسؤولية ويلقيها على عاتق الآخرين، وهذه نقطة سجَّلتها حصيلة النتائج السياسية لأداء حكومة العمالة الأمر الذي أوقعها في الإرباك. ومنه لم تستطع أن تغطي على وجوه الفساد والسرقة لأنها أوكلت بحكم العراق على قواعد منهجهما. وأخذت مظاهر العجز الحكومي على كل الصعد تطفو على السطح بحيث بدا العجز واضحاً عبر تأخير صرف رواتب القطاع العام، والعجز عن ترميم مرافق القطاع العام من ماء وكهرباء، ناهيك عن العجز المزمن في قطاع التعليم والصحة، وكل ما يتصل بحياة المواطن اليومية، ولم يبق للشعب العراقي غير استقبال جثث قتلى المعارك العبثية التي أوهمت حكومة العمالة العراقيين بأنها تخوضها دفاعاً عن (العتبات المقدسة) في مواجهة ما زعمت أنها تخوض حرباً ضد الإرهاب. وأعلنت لأول مرة، منذ احتلال العراق، إفلاس الخزينة، فاستفحلت ردود الفعل الشعبية، وانطلقت الانتفاضات الشعبية المتتالية والمتصاعدة أفقياً وعامودياً، وانتقلت في أواسط العام 2015 إلى العمق العراقي في الجنوب الذي توهَّم فيه الاحتلالان أنه عصيٌّ على الاختراق. ولاقت الانتفاضات صداها في العاصمة بغداد، ومن بعدها امتدَّت إلى أطراف العملية السياسية في كردستان العراق.

 

-على صعيد أداء حكومة العمالة الجديدة في الملف الأمني:

من أجل تمكين إيران أكثر في الملف العراقي، استثمر قاسم سليماني تكاثر الميليشيات الطائفية التي تدين بالولاء لنظام (ولاية الفقيه)، وعزَّز من نفوذها وجعل منها قوة خالصة الولاء للنظام الإيراني من أجل الضغط على حكومة العبادي، والقصد من ذلك تعزيز القرار الإيراني على حساب إضعاف القرار الأميركي الذي يمتلك حصة في شخص رئيس الحكومة.

ولأنه من المعروف خطورة أن تتولى قوى أخرى شؤون الأمن غير القوى الحكومية، أي أن يتحول الأمن المركزي إلى أمن بالتراضي، فقد حقق الحكم الميليشياوي خطوات متقدمة في استلاب أمن العراقيين. ولأن رؤوساء الميليشيات يتسابقون على الحظوة باستلام المواقع من أجل تعزيز موارهم المالية بالتشبيح والتهديد، فانتقلت صراعاتهم إلى الشارع، فكثرت الجرائم واستفحل الفساد وكثر الموت العشوائي. وهكذا انتقلت المحاصصات بين التيارات السياسية من داخل الحكومة إلى صراع بين الميليشيات ذاتها على تقاسم المحاصصات. فعمَّت الجريمة الميليشياوية المنظمة، وفقدت حكومة العمالة دورها المركزي.

 

-على صعيد أداء حكومة العمالة في الملف العسكري:

ورثت حكومة العبادي عن حكومة المالكي وسائل التهديدات والعنتريات الفارغة، واستلمت الحكم وأدارته بإمكانيات عسكرية هزيلة بعد أن أفرغت قوات الثورة الشعبية العسكرية مخازن الجيش الحكومي في عهد المالكي عبر عمليات استنزاف تكتيكية متواصلة. وإذا كانت قد تلقَّت إمكانيات أميركية وإيرانية فإنها كانت من الهزالة التي لا تُسمن القوات المقاتلة ولا تغنيها من جوع. هذا ناهيك عن أن القوات الأميركية التي أرسلت لمساعدة الحكومة كانت عبارة عن آلاف من الذين يتولون تدريب الجنود العراقيين وهم من الذين ليست لديهم عقيدة قتالية، وأقلها أنهم لا يريدون أن يتدربوا على عقيدة قتال شعبهم، وهم لا يملكون من الإرادة إلاَّ أن يحصلوا على راتب يقيهم من غائلة الجوع.

وإذا كانت الإدارة الأميركية قد وفَّرت لتلك القوات غطاءً جوياً،

وإذا كانت الإدارة الإيرانية قد وفَّرت غطاءً برياً،

وإذا كانت إدارة المرجعيات الدينية قد وفَّرت غطاء مذهبياً،

فقد ذهبت كلها هباءً منثوراً في مواجهة إرادة التحرير التي وفَّرتها المقاومة الوطنية العراقية، فكانت حصيلة عام كامل فشلاً ذريعاً للحشد الدولي الأميركي، والإقليمي الإيراني، والمذهبي العراقي، وهي بدلاً من أن تتقدَّم فقد تراجعت، في أكثر من موقع وضعفت في مواقع أخرى، فكانت من أهم تلك التراجعات، بل الانهيارات، ما حصل من انهيارت عسكرية استراتيجية في الرمادي وبيجي هذا ناهيك عن أن جنازير دبابات التحالف الثلاثي قد انغرزت على أبواب مدينة الفلوجة التي كانت عصية دائماً على الغزاة. وإذا أضفنا إليها ما يحصل من خسائر توقعها بعض العمليات داخل مدينة بغداد ومحيطها كما في بعض المناطق الأخرى، لكان بإمكان المراقب أن يرسم صورة مأساوية ليس لوضع حكومة العمالة فحسب، بل أيضاً للمآزق التي تعاني منها إدارتا الاحتلال الأميركي والإيراني معاً.

 

نتائج العام الفائت تصب في مصلحة مشروع تحرير العراق:

وإذا ما أضفنا إلى صورة المشهد ما حصل من متغيرات على الصعيد العربي، وأهمها المتغيرات على الصعيد الخليجي. خاصة منها التحول في فتح بوابة أمام المقاومة العراقية في الدوحة، وهو اللقاء الذي انعقد في الشهر الماضي، والذي ننتظر أن يستأنف أعماله في أوقات لاحقة، والتي إذا ما صدقت التقارير في أن اللقاء المذكور كان الخطوة الأولى التي ستُستكمل لاحقاً، فإنه سيكون متغيراً بالغ الأثر في مسار تحرير العراق. وهذا لن يُضعف من شأنه الإعلان عن تحالف رباعي (بين روسيا وسورية وإيران والعراق)، لأن هذا الإعلان كما تدل كل التوقعات الاستراتيجية أنه فقاعة إعلامية للاستهلاك، لأن دون تطبيقه يحول كثير من العوامل والأسباب. إلاَّ أن هذا لا ينبغي أن يحول دون توجيه اللوم للقيادة الروسية بأنها تراهن على أحصنة خاسرة لن تكسبها شيئاً بل تعود عليها بالخسارة بمراهنتها على أحصنة ليس لها في استمرار التحالف معها مصلحة مرحلية ولا استراتيجية لأن مداخيلها تصب في مصلحة المشروع الأميركي.

ليست هناك تعليقات: