الأربعاء، أكتوبر 28، 2015

دراسة عن طرق الاحتيال الأميركية في الهروب من تحمل مسؤولية جرائمها


بعد اعترافات أوباما وطوني بلير بخطأ الحرب ضد العراق

كيف يتهرَّب القضاء الأميركي عن إحالة جورج بوش أمام قوس العدالة؟

(دراسة عن طرق الاحتيال الأميركية في الهروب من تحمل مسؤولية جرائمها)

أخذت اعترافات كبار القادة الأميركيين وغيرهم تتصاعد، وراحوا ينفضون الغبار عن المجازر التي ارتكبتها الإدارة الأميركية في العراق نتيجة قرار بالحرب ضده اتخذه رئيسها جورج بوش ونفَّذته القوات المسلحة الأميركية في العام 2003.

وبالإضافة إلى جريمة الاحتلال، فما زالت الجرائم تتصاعد بعد أكثر من عشر سنوات، حتى أصبح من الطبيعي أن توصف بأنها أكبر جرائم التاريخ، وهي محرقة أنزلتها الإدارة الأميركية بحق شعب عراقي آمن.

ويستنكر الكثيرون ويتساءلون لماذا لم يتحرك القضاء الأميركي، ومن بعده القضاء الدولي، لإحالة جورج بوش وكل من شارك معه في ارتكاب تلك الجرائم؟

ومحاولة لتفسير هذا التجاهل، سأقوم بتلخيص الفصل الأول من كتابي المنشور تحت عنوان: (الجريمة الأميركية المنظمة في العراق: التكوين الأيديولوجي والنهج السياسي).

ولذلك ومن أجل أن يكوِّن القارئ فكرة مكثَّفة قمت بتكثيف النص، وحرَّرته من الهوامش.

 

-أولاً: التكوين الإيديولوجي للجريمة الأميركية تغليب مصلحة النخب الرأسمالية

قام النظام الأميركي، منذ تأسيسه، على قاعدة تفوُّق العرق الأبيض، والتعامل مع الأعراق الأخرى، وفق نظرية التميز والتفوق العرقي للرجل الأبيض، أي بما يُعرف بثنائية (السيد والعبد)، فالسيد هو الأميركي الأبيض أما العبد فهو كل شعوب العالم الأخرى.

ولأن نظرية السيد، في المفهوم الأميركي، تعني «الإنسان المتحضر»، ونظرية العبد تعني «الإنسان المتوحش»، يحق في أعراف «السيد» أن يتخلَّص من «العبد» بأية وسيلة.

إن الدافع الرئيس للأيديولوجيا الأميركية هو وضع ثروات العالم في خدمة «الرجل الأبيض المتحضر».  فكانت الولايات المتحدة الأميركية، ومازالت، الدولة «الأشد دموية وعدوانية عبر التاريخ الإنساني كله، منذ أن بدأت تتشكل وحتى الآن، أي منذ إبادة الهنود الحمر إلى العدوان على العراق».

وامتلأ  تاريخها «بالجرائم المروعة التي لا تريد لها تاريخاً وتوثيقاً بما يكشف للعالم، وللأمريكيين أنفسهم، أن تاريخهم ليس إلا تاريخ إبادة للشعوب والحضارات الأخرى، وكيف أن تقدمهم العلمي والاقتصادي قام على سلب الأمم ثرواتها العلمية والبحثية والاقتصادية».

وتستند مفاهيم الجريمة الأميركية إلى عمق تاريخي سادت فيه «نظرية ترويض العبيد» التي احتلَّت حيزاً واسعاً من تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، وتعود أصولها إلى بداية (النهضة الأمريكية) التي قامت «على جثث ودماء وجهود الأفارقة الذين تم اصطيادهم مثل الحيوانات من الغابات والمنازل، أو تمَّ شراؤهم من الأسواق». كما أنها كانت مثار فخر وتباهٍ، عند الأميركيين. وتذكر بعض التقارير على أن «أبوات الرأسمالية الأميركية» قد جنوا ثرواتهم على جماجم الشعوب، وعلى أنهار من الدماء.

ثانياً: الإعلام الأميركي يغطي الجرائم ويكسوها بلباس إنساني:

وللتغطية على جرائمها وفَّرت الإدارات الأميركية المتعاقبة عبر التاريخ آلة إعلامية كاذبة ومخادعة للتغطية عليها، وتصويرها على أنها «أعمال إنسانية متحضرة» ضد بدائيين، كما كان الحال في الزمن القديم، أو ضد أناس يقفون ضد المبادئ الإنسانية، من إرهابيين وديكتاتوريين أو حتى معادين لحقوق المرأة والطفل. فهو يُغلِّف جرائمه بعُدَّة عمل إعلامية تظهرها بأنها شرعية وأخلاقية، بل إنها واجب إنساني، وإلهي أحياناً.

ثالثاً: السلطة السادسة لعصابات المافيا تحمي المجرمين:

لم تقتصر الإيديولوجيا الأميركية على تُراث تاريخي طويل، وإنما عقدت تحالفات مع ما يسميه (فرانك براوننغ) في كتابه (الجريمة على الطريقة الأمريكية) بـ«السلطة السادسة». وهي ليست إلاَّ تلك التي يمارسها عالم محترفي إجرام يعملون في خدمة الصناعيين والسياسيين من غير الشرفاء. وإن الأفراد الذين ينتهكون القانون، يعرفون أن باستطاعتهم الاعتماد على حماية (المنظمة)،  وعلى ضمان أموالها. وليست تلك السلطة إلاَّ سلطة عصابات المافيا في نيويورك.

 

رابعاً: جريمة الحرب الأميركية نهج إيديولوجي قبل أن تكون مسؤولية فردية

1-الجريمة نهج لرأس الهرم السياسي:

لما تسلَّم بوش الإبن رئاسة الولايات المتحدة الأميركية ألغى التوقيع على معاهدة «المحكمة الجنائية الدولية». لأنها، كما يزعم، يمكن أن تثير الفوضى للولايات المتحدة وتعرض الجنود والمسئولين الأمريكيين لمحاكمات ناتجة عن دعاوى تستند إلى أهواء ونوايا شريرة. بحيث فسَّر وزير الخارجية الأميركية، في الولاية الأولى لجورج بوش، إلغاءها، قائلاً: « إن الولايات المتحدة وجدت أن المعاهدة ليست مناسبة لرجالنا ونسائنا في القوات المسلحة أو دبلوماسيينا أو قادتنا السياسيين».

إن الدول العظمى تبعث الحياة في محاكمة «مجرمي الحرب» عندما تقتضي مصالحها ذلك، وتلغيها عندما تتعارض مع تلك المصالح. ولهذا   نرى أن «الولايات المتحدة مازالت تصر على استصدار قرار لحماية قادتها وجنودها من الإحالة (كمجرمي حرب) أمام المحكمة الجنائية الدولية لأنها تعرف مسبقاً أنهم مجرمون وأدلة إدانتهم متوفرة».

وعلى الرغم من تعنت الإدارة الأميركية حول حماية جنودها من ملاحقات «المحكمة الجنائية الدولية» فقد سخَّرت مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار، بتاريخ 30 حزيران/ يونيو من العام 2002م، يعفي جنودها من تلك الملاحقات، وذلك بمنحهم حصانة لمدة سنتين. وقبل انتهائها في 30/ 6/ 2004م، وقبل مناقشة طلب تجديد الحصانة في مجلس الأمن، سُرِّبت فضائح التعذيب في سجن أبو غريب في العراق، السبب الذي أجبر الإدارة الأميركية إلى سحب مشروع قرار تمديد الحصانة لعام آخر، خوفاً من رفض المجلس الذي كان يعيش تحت وطأة الرهبة مما حدث من فضائح.

وتصف منظمة (هيومن رايتس وتش) انعكاسات خرق الولايات المتحدة الأميركية لحقوق الإنسان على إمكانية تشجيع دول العالم الأخرى على خرقها، قائلة: «إنه عندما تنتهك دولة كالولايات المتحدة حقوق الإنسان علناً، فهي تدعو غيرها لذلك، وإن اعتداءاتها أضعفت قدرة العالم على حماية هذه الحقوق... فأمريكا لا يمكنها الدفاع عن مبادئ تخرقها بنفسها».

2-رأس الهرم في وزارة العدل الأميركية:

إن القضاء الأميركي، كمؤسسة للعدالة، يتجاوز القوانين الدولية، ويضرب بها عرض الحائط. وعن ذلك أجاب رئيس المحكمة المكلَّفة بالنظر في قضية معتقلي (غوانتامو)، عندما طالب أحد المعتقلين بحقه في الكلام والدفاع عن نفسه: «أنا لا أهتم بالقانون الدولي، ولا أريد أن أسمع عبارة القانون الدولي ثانية، نحن هنا لا نكترث به».

وتأييداً لذلك صدرت مذكرة عن وزارة العدل الأميركية في العام 2002م، جاء فيها: «إن أوامر الرئيس الأمريكي وفقاً للدستور تتقدم على القوانين والمعاهدات الدولية المناهضة للتعذيب».

وكذلك يتورَّط المدعي العام الأميركي، في مهمة استنباط الخدع القانونية، في صياغة السياسات المسئولة عن تفشي إساءة معاملة الأسرى ويعمل على تسهيل مهمة المحققين في الجيش الأميركي والمخابرات المركزية الأميركية المتعلقة بالحصول على معلومات من المساجين. ومن الخدع القانونية القول بـ«إن نشطاء القاعدة لا يقعون تحت حماية معاهدة جنيف».

3-رأس الهرم في وزارة الدفاع وقاعدتها:

وخلافاً لكل الادعاءات التي روَّجت لها وسائل إعلام الإدارة الأميركية، التي حمَّلت الأفراد مسؤولية جرائم التعذيب في المعتقلات الأميركية في العراق، فقد أثبتت الوثائق الأميركية المنشورة أن الإدارة تتحمَّل تلك المسؤولية. فالوثائق تشير، بشكل واضح، إلى مسؤولية دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأميركي، بتحديد وسائل التحقيق، ومن ضمنها أنواع وسائل التعذيب المسموح للمحققين بأن يستخدموها. وعن ذلك اعترف أحد ضباط المخابرات المركزية الأميركية بأن الإدارة، بما فيها رئيسها جورج بوش، يتحملون المسؤولية عن جرائم التعذيب التي يمارسها المحققون في المعتقلات.

وبهذا الصدد اتَّهم «الاتحاد الأميركي للحريات المدنية» الجنرال سانشيز، قائد القوات الأميركية السابق في العراق، باستخدام 29 تقنية استجواب «منها 12 تتجاوز بشكل كبير الحدود الواردة في دليل الجيش للعمل الميداني»، وتنتهك بوضوح اتفاقيات جنيف التي توفر الحماية لأسرى الحرب. وقال أمريت سينج المحامي باتحاد الحريات المدنية في تصريح للاتحاد: «خُوِّل الجنرال سانشيز بأساليب للاستجواب تنتهك بشكل واضح معاهدات جنيف ومعايير الجيش نفسه». وأضاف: «يتعين أن يتحمل هو وغيره من المسؤولين الكبار المسؤولية عن الانتهاكات الواسعة للمحتجزين».

كما قدَّم الاتحاد نفسه دعوى قضائية، أمام المحكمة الفدرالية في ولاية إيلينوي، بحق وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد متهماً إياه بالمسؤولية المباشرة في قضية تعذيب المعتقلين في أفغانستان والعراق. ويقول المدعون إن رامسفيلد خالف التعديلين الخامس والثامن من الدستور الأمريكي وجملة من الاتفاقيات الدولية التي تحرّم التعذيب والمعاملة القاسية للسجناء. وكان الجيش الأمريكي قبل ذلك ممنوعاً عليه بشكل صارم استعمال التعذيب أو غيره من وسائل الإهانات الإنسانية. والتقنيات التي وافق عليها رامسفيلد.

وتؤكد بعض المعلومات على أن ما جري في أبو غريب لم يكن من فعل حفنة من الجنود غير المنضبطين، ولكن كان سياسة واسعة، ولعل الإطاحة بريكاردو سانشيز، أكبر جنرال أمريكي في العراق محاولة لطي الملف. وبالفعل صدر تقرير عن البنتاغون، بتاريخ 24/ 4/ 2005م، تمت فيه تبرئة جميع القيادات العسكرية وكبار الضباط من القيام بأخطاء أو المسؤولية عن قضايا التعذيب للمعتقلين في العراق وأماكن أخرى. ولم يحمل تقرير البنتاجون الجنرال ريكاردو سانشيز و4 قيادات غيره أي مسؤولية.

وتتكرر الشهادات لتثبت أن ما يجري في السجون الأميركية ليست أعمالاً فردية، بل هي نهج تأمر به أعلى القيادات في البيت الأبيض.

4-الجريمة وظيفة من أهم وظائف المخابرات المركزية الأميركية:

وهل السجون السرية التي تديرها المخابرات الأميركية المركزية (سي آي إيه) هي قرارات فردية لحراس أو حتى لضباط كبار؟

أكدت مصادر صحفية أمريكية، وجود شبكة المعتقلات العالمية السرية التي تديرها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. فهي تحتجز في أفغانستان، وفى غيرها في كثير من الدول، العشرات من المعتقلين دون إخضاعهم لأي عملية قانونية، ودون علم أسرهم أو حتى مراقبة الصليب الأحمر ومنظمات حقوق الإنسان الأخرى.

كما أن وضع الشرطة العسكرية الأميركية، المكلَّفة بحراسة السجون، تحت سيطرة المخابرات العسكرية، ليست أعمالاً فردية. بل هي مسؤولية القيادات العليا. ولهذا صرَّحت النائبة الجمهورية (هيثر ويسلون) في جلسة الاستماع، التي جرت في مجلسي الشيوخ والنواب، أنها تعتقد أن وضع الشرطة العسكرية تحت سيطرة المخابرات العسكرية يتعارض مع نظم الجيش.

وتأتي شهادة المكلفين مباشرة بالتحقيق والتعذيب لتحمِّل الإدارات العليا مسؤولية ارتكاب الجرائم التي حصلت في سجن أبو غريب. وتحديداً وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.اي.ايه) التي أشرفت أحيانا على الانتهاكات.

5-تلزيم الشركات الخاصة مهمة تنظيم الجرائم وارتكابها:

ولا يفوتنا، هنا، أن نذكر دور الشركات الأمنية الخاصة التي تعاقدت مع البنتاغون للمشاركة في التحقيق والاعتقال. ولأن التقارير الرسمية الأميركية تشير إلى تورط بعض موظفي الشركات الأمنية الخاصة في التعذيب، لا يسعنا إلاَّ أن نضيف دليلاً آخر لتورط القيادات العليا في ارتكاب جرائم لا علاقة لها بالتصرفات الفردية. لأنه ليس من صلاحيات عناصر الشرطة العسكرية، أو حتى قياداتها، بالتعاقد مع تلك الشركات.

إن استقدام محققين متعددي الجنسية، لم يكن قراراً أو تصرفاً فردياً. بل يتحمل مسؤوليتها أعلى رأس سياسي في الإدارة الأميركية.  «إنه كان معروفًا أن هناك محققين غامضين لا يستطيع أحد الوصول إلى حقيقتهم ومنهم من يحمل أكثر من جواز سفر».

ولا يشكل تعاون الشركات الأمنية الخاصة، التي تستخدم المرتزقة المسلحين المأجورين، مع القوات النظامية أمراً جديداً بالنسبة للإدارة الأمريكية، فقد بدأ هذا التعاون منذ حرب فيتنام في الستينيات، لا سيما من قبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وذلك ضمن برنامج سري عرف باسم (العمليات السوداء).

لقد نتج استخدام المرتزقة عن خفض حجم الجيوش النظامية في الولايات المتحدة وغيرها وتخفيض ميزانياتها العسكرية، فلجأت إلى خصخصة الحروب، وكان رائدها وداعيها وراعيها في الولايات المتحدة، دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي، وكذلك نائب الرئيس ديك تشيني، ففي ظلهما وتحت رعايتهما جرى التوسع في بناء وتطوير شركات الخدمات العسكرية والأمنية الخاصة.

يؤكد (بيتر سنجر) محلل الشئون الأمنية في معهد بروكنجز بواشنطن أن: «خصخصة الحرب، آخذ في النمو، وقد بلغ في حرب العراق أعلى نقطة له».

6-أدلجة الجريمة الأميركية تتعرض إلى انتقادات حادة من منظمات حقوق الإنسان:

وحيث إن الأوامر بالتعذيب، كجريمة حرب، تؤكد دور القيادة العليا، والضباط الكبار، وصولاً إلى الحراس، منصوص عليها، يصبح حصر التهمة بالأفراد أمراً غير صحيح. لذا تتحمَّل المؤسسة السياسية العليا في الولايات المتحدة الأميركية، مجتمعة أو منفردة، مسؤولية كل خرق لحقوق الإنسان يرتكبه أي أميركي سواءٌ أكان واضعاً للتشريعات، أم آمراً بتطبيقها، أم منفِّذاً لمضامينها.

إنه بحسب القوانين الدولية، أن المسؤول يُحاسب عن أي جرائم يرتكبها آخرون تحت إمرته، ولا تجوز هنا حجة أو مبرر أنه كان لا يعلم.

 

-خامساً: التهمة جنائية بحق المجرم، وأخلاقية بحق محامي الدفاع، وإنسانية بحق الجهاز الطبي وتشريعات وزارة العدل الأميركية:

1-محامي الدفاع مشارك في أدلجة الجريمة:

إذا كان من واجبات الدفاع عن المتهم أن يُظهر كل الأسباب التي تثبت براءته، وهي واجبات مشروعة، فهل من العدالة أن يشرِّع محامي الدفاع التهم التي تتنافى مع الذوق والأخلاق والكرامة الإنسانية وشرائع حقوق الإنسان يبررها ويدافع عنها، على الرغم من أن المتهم اعترف بها، وهي مثبتة بحقه بالدليل غير المرتد، ويعتبرها إنسانية ومشروعة؟

وهذا ما حصل في أثناء محكمة بعض الأفراد عن التعذيب في سجن أبي غريب في العراق. وتلك مسألة تمس أخلاقية المهنة، وبها يتساوى كل من المجرم والمدافع عنه. فإذا كان المحامي عن حقوق الإنسان قد انحطَّ إلى مستوى تبرير الجرائم، ليس بتبيان ما يبرئ المتهم، بوسائل الدفاع المشروعة، بل بتشريع الجريمة ذاتها لإثبات براءة موكله؛ فهذا منهج جديد ومستغرب ومستهجن، وصلت إليه أطراف العدالة في الولايات المتحدة الأميركية.

وإذا كان تشريع محامي الدفاع للجريمة، واعتبارها حق من حقوق المجرم، من أجل إثبات براءة موكِّله. فإن الوجه الآخر للنهج الذي تتبعه الإدارة الأميركية هو العمل على تجريم الصغار وتحميلهم المسؤولية من أجل تبرئة الكبار منها.

2-وزارة العدل الأميركية شريك بتبرير ارتكاب الجريمة:

وتشارك وزارة العدل الأميركية في تسويغ الجرائم من «مكتب التشريعات القانونية في وزارة العدل الأمريكية»، التي تنص على أن جميع الأساليب التي لا تسبب عجزاً دائماً أو تؤدي لاقتلاع أحد الأعضاء الجسدية مسموح بها.

3-وطبيب السجن مشارك في الجريمة:

هناك دلائل على أن الأطباء والممرضين والعاملين في المهن الصحية كانوا متواطئين في جريمة تعذيب السجناء، وغيرها من الأعمال غير الشرعية، في العراق وأفغانستان وغوانتنامو. وأنّ الموظفين الطبيين أخفقوا في إبلاغ السلطات الأعلى بالجروح التي حدثت بشكل واضح بسبب التعذيب، وبأنّهم أهملوا اتخاذ الخطوات لإيقاف التعذيب.

إن الاتفاقيات الطبية المختلفة، وبشكل خاص: إعلان الرابطة الطبية العالمية، في طوكيو في 1975، يمنع كلّ أشكال التواطؤ الطبي في التعذيب».

وبلا ريب كان الأطباء الأمريكان في أبو غريب وفي أماكن أخرى على وعي بمسئوليتهم الطبية لتوثيق الإصابات. لكن الأطباء والموظفين الطبيين كانوا جزءًا من تركيب القيادة الذي شجّع، ونظّم التعذيب أحياناً إلى درجة أن يكون التعذيب تقليداً عادياً في بيئة السجن .وبهذا يكون الأطباء قد وفروا مكوّناً طبياً نفسياً يضاف إلى «حالة الفظاعة في السجن». فحتى بدون مشاركة مباشرة في التعذيب اعتاد الأطباء بيئة التعذيب بل قد يكونون ساعدوا بخبراتهم الطبية على تحمّله.

وقد أثبتت دراسة تاريخية الموضوع أن الأطباء الأمريكان، قد يتعرضون إلى الضغوط المؤسساتية لانتهاك ضميرهم الطبي. كتب البروفسور ستيفن مايلز، من جامعة مينسوتا، في دورية لانست الطبية، يقول إن بعض الأخصائيين الطبيين تواطأوا مع حراس السجن في ارتكاب انتهاكات. ودعا إلى فتح تحقيق في الدور الذي قامت به الطواقم الطبية في الانتهاكات. وأوضح أن الوثائق الحكومية تظهر أن النظام الطبي العسكري الأمريكي فشل في حماية حقوق المعتقلين، وفي بعض الأحيان تواطأ مع المستجوبين أو الحراس المنتهكين لهذه الحقوق.

 

سادساً: تزوير الوقائع وسيلة  الإدارة الأميركية في حماية نفسها من  جريمة الحرب؟

1-وسيلة تزوير النتائج في تقارير لجان التحقيق:

أظهر ما يُعرف بتقرير «الجنرال جورج فاي»، عن تحقيقات فضائح وانتهاكات معتقل أبي غريب، تورط الجنرال ريكاردو سانشيز، القائد الأمريكي السابق للقوات الأمريكية في العراق، بإصدار أوامر توافق على أساليب استجواب المعتقلين في أبو غريب تخرق بشكل واضح اتفاقية جنيف لمعاملة الأسرى. كما انتقد الجزء السري في التقرير الجنرال سانشيز الذي وافق على استخدام طرق تعذيب تعد  انتهاكاً واضحاً وخرقاً لاتفاقية جنيف لمعاملة الأسرى والمعتقلين. وخلص إلى أن سانشيز والقوات الخاصة ومحققي وكالة الاستخبارات مسؤولون عما حدث.

ولما كانت نتائج تقرير «الجنرال جورج فاي» تدين القيادات العليا في الإدارة، ومن أجل تأمين حماية استراتيجية لهؤلاء، كلَّف رامسفيلد، لجنة، برئاسة وزير الدفاع الأمريكي السابق جيمس شليزينجر، للنظر في الانتهاكات التي وقعت في السجن وكان الغرض منها رفع المسؤولية العامة عن الإدارة. لذا جاء في تقريرها: «لم تكن الانتهاكات مجرد إخفاق من جانب بعض الأفراد في اتباع معايير معروفة، وهي تتجاوز مجرد إخفاق قلة من القادة في تطبيق الانضباط السليم... ثمة مسؤولية مؤسسية وشخصية على مستويات أعلى». ويتلطى التقرير تحت نتائج الإدانة العامة ليس ليبرئ وزير الدفاع من المسؤولية فحسب، بل ليمتدحه أيضاَ».

 

2-الإدارة تستخدم وسائل الترهيب ضد الشهود:

وتنتقد تقارير صادرة عن أجهزة مخابرات أوروبية الإدارة الأميركية لأنها تستخدم وسائل شتى لإثبات المسؤولية الفردية عن استخدام وسائل التعذيب، ومن وسائل حماية نفسها، تستخدم الضغوط ضد بعض الضباط والشهود لمنعهم من تسريب أنباء التعذيب. كما تعرَّض المفتش الأميركي الذي كُلِّف بالتحقيق في فضائح سجن أبو غريب في العراق إلى ضغوط كبيرة لتمييع التحقيق، وإغفال النتائج والتوصيات التي يتم التوصل إليها.

 

3-قياديو الإدارة يحمي بعضهم البعض الآخر:

وفي هذا الإطار يحمي أعضاء إدارة جورج بوش بعضهم البعض الآخر. يترأسهم جورج بوش رئيس الإدارة ذاتها. وظهر ذلك جلياً عندما طالبت بعض الأصوات بمحاكمة دونالد رامسفيلد، سارع الرئيس الأمريكي ليدافع عن وزير دفاعه، وقال: «أنا فخور بالخدمات التي قدمها رامسفيلد لهذا البلد، فهو عضو مهم في فريق الأمن القومي الأمريكي، وأنا فخور بوجوده معي».

 

4-المحاكم الأميركية تزور الأحكام الحقيقية:

وعلى الرغم من أن (جاك سافيل)، الضابط الأمريكي المتهم كان يستحق عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة لوجود الأدلة الدامغة ضده، فقد خففت محكمة عسكرية أمريكية الحكم  بحيث يواجه عقوبة السجن لمدة تصل إلى عامين.

 

5-منع منظمات حقوق الإنسان من القيام بدورها:

كما تستخدم الإدارة الأميركية نفوذها من أجل منع منظمات حقوق الإنسان من الحصول على معلومات عن المعتقلين في سجونها، وعن أساليبها في الاعتقال والتحقيق، حتى لو أدى إلى طرد أو إقالة من لا يستجيبون لضغوطها. وفي هذا الإطار طُرِدَ من منصبه مُحقّقٌ دوليٌ يدعى شريف بسيوني، كانت قد أنيطت به مهمة التحري عن أوضاع حقوق الإنسان في أفغانستان، بسبب انتقاده احتجاز القوات الأمريكية للمشتبه بهم الأفغان في سجون سرية دون محاكمة، ومنعه من زيارتهم. وجاء طرده، بعد أيام قليلة فقط من تقديمه تقريراً من 24 صفحة لاجتماعات الدورة الـ61 لهيئة حقوق الإنسان في جنيف.

 

سابعاً: العالم يواجه الجريمة الأميركية المنظمة بتأسيس «المحكمة الجنائية الدولية».

وهنا تطرح وسائل الاحتيال الأميركي في تغطية جرائمها أسئلة لا بد من الإجابة عنها، ومنها:

-هل من المستحيل التصدي لتلك الوسائل؟

-وهل لا يمكن للضمير العالمي القيام بواجباته ضد دولة تضرب بعرض الحائط كل القوانين والتشريعات الدولية؟

يأتي الجواب، بأن العالم يواجه الجريمة الأميركية المنظمة بتأسيس «المحكمة الجنائية الدولية».

فكيف تأسست تلك المحكمة؟ وما هي أهدافها؟ وما هو دورها؟

شهد القرن العشرون أفظع الأحداث التي ارتكبتها السلطات الأميركية في تاريخ الإنسانية. وفي العديد منها ارتكبت جرائم تحت غطاء الحصانة. الأمر الذي شجع الآخرين على السخرية من القوانين الإنسانية. فهنالك حاجة ملحة لمحكمة مثل المحكمة الجنائية الدولية للتخلص من الانتهاكات الفظة للقانون الإنساني الدولي تحت غطاء تلك الحصانة.

تأسست المحكمة بناء على تشريع روما حيث تبنته 120 دولة في 17 تموز/يوليو من العام 1988. إنها أول محكمة جنائية دولية دائمة تقوم على أساس ميثاق موقع تكون مهمتها إعلاء سلطة القانون والتأكد من أن الجرائم الدولية البشعة لن تمر من دون عقاب.

تمت المصادقة عليها، في الحادي عشر من نيسان/أبريل 2002. ووفقاً لذلك أصبح ساري المفعول منذ 1/ 7/ 2002. وأي شخص يقوم بارتكاب أي من الجرائم المدرجة في لائحة التشريع، بعد هذا التاريخ، سيكون عرضة للوقوف أمام هذه المحكمة.

فالمحكمة الجنائية الدولية محكمة مكملة للمحاكم الوطنية، لتتمكن هذه المحاكم من التحقيق في جرائم القتل الجماعي وجرائم الحرب. لكنه عندما تتولى حكومة ما التحقيق في قضية كهذه، لا يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تتدخل إلا عندما ترفض الحكومة التحقيق، أو عندما لا تملك القدرة عليه.

هناك فروق بين المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية: فمحكمة العدل الدولية لا تملك سلطة قضائية جنائية يمكنها بواسطتها مقاضاة الأفراد. لأنها محكمة مدنية مهمتها الأساسية حل النزاعات بين الدول. وهي الجهاز القضائي الرئيسي في الأمم المتحدة بينما تعمل المحكمة الجنائية الدولية بشكل مستقل عن الأمم المتحدة.

وفي مواجهة مخاطرها، الولايات المتحدة الأميركية وقَّعت ثم ألغت توقيعها على المعاهدة، والكيان الصهيوني يرفض التوقيع عليها أيضاً.

وقَّع الرئيس الأميركي بيل كلينتون على معاهدة «المحكمة الجنائية الدولية»، بتاريخ 31 كانون الأول / ديسمبر من العام 2000، لكنه لم يقدمها لمجلس الشيوخ للتصديق عليها. وقد حاولت الولايات المتحدة الأميركية أن تخفف من أضرار «المحكمة الجنائية الدولية» على رعاياها، وعندما وجدت أن التعديلات لن تمنع محاكمة قادتها أمام المحكمة، أعلنت انسحابها من معاهدة تشكيلها، وأبلغت الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان بأن واشنطن لن تعتبر نفسها ملزمة بالمعاهدة، لأنها كما زعم كولن باول، وزير خارجية جورج بوش:

-أولاً: إنها «ستقلل من شأن السلطات القضائية الأمريكية وسيكون بمقدورها مراجعة الأحكام التي تصدرها المحاكم الأمريكية ضد أشخاص مثلوا أمامها»، معتبرًا أن ذلك يضر بالقوات والدبلوماسيين والقادة السياسيين الأمريكان.

-ثانياً: إن منح سلطة لمحكمة دولية لا يضمن أن القرارات في القضايا الدولية ستتخذ من قبل قضاة مستقلين عن التأثير السياسي، مما قد يتعارض مع مصالح الولايات المتحدة.

ولكن، بدورها، استنكرت منظمات لحقوق الإنسان منع المحكمة الجنائية الدولية من ملاحقة المواطنين الأميركيين. فالإعفاء يخلق معايير مزدوجة للعدالة ويتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة واتفاقية روما والقوانين الدولية الأخرى.

وكما فعلت الولايات المتحدة الأميركية، كذلك امتنع الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة عن توقيع المعاهدة: جاء ذلك على لسان المستشار القانوني لحكومة العدو الصهيوني، إلياكيم روبنشتاين، «إن إسرائيل لا يمكنها التصديق على المعاهدة التي أقيمت بموجبها المحكمة الجنائية الدولية بسبب إمكانية (تسييس) هذه المحكمة». وعبَّر عن خشيته من ملاحقة الدولة العبرية بتهمة ارتكاب «جريمة حرب» بسبب استمرار سياسة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية. كما أن «السلطات «الإسرائيلية» تخشى أن يتم اعتقال ضباط ومسوؤلين في أجهزة الأمن، أو مسؤولين سياسيين «إسرائيليين» وملاحقتهم في الخارج بأمر من هذه المحكمة».

 

-ثامناً: من المؤسف حقاً أن يهمل الجانب العربي الاستفادة من وظيفة هذه المحكمة.

تحتاج الدول إلى قليل من الجرأة بتمردها على الإملاءات الأميركية، إذ يمكنها الاستفادة من دور المحكمة الجنائية الدولية، وتأتي الدول العربية في طليعتها لكثرة ما يرتكب الأميركيون جرائم بحقهم، وهنا سنذكر الجرائم التي تقع ضمن صلاحية تلك المحكمة.

1-الإبادة الجماعية:

2-الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية:

3- جرائم الحرب:

وتعنى جرائم الحرب:  الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف وأي فعل من الأفعال التالية ضد الأشخاص أو الممتلكات الذين تحميهم أحكام اتفاقية جنيف ذات الصلة. وسنقوم، في هذا الموجز بتعداد أهمها، مثل:

 القتل العمد. والتعذيب. والمعاملة اللاإنسانية. وتدمير الممتلكات والاستيلاء عليها. والحرمان من المحاكمة العادلة. والهجوم على المدنيين. وتكبيد الخسائر العرضية في الأرواح والإصابات وإلحاق الأضرار بصورة مفرطة. وقتل أو إصابة شخص عاجز عن القتال. قيام دولة الاحتلال، على نحو مباشر أو غير مباشر بنقل بعض من سكانها المدنيين إلى الأرض التي تحتلها، أو إبعاد أو نقل كل سكان الأرض المحتلة أو بعضهم داخل هذه الأرض أو خارجها. إسقاط الأمان عن الجميع. تدمير ممتلكات العدو أو الاستيلاء عليها. النهب. واستخدام السموم أو الأسلحة المسممة. واستخدام الغازات أو السوائل أو المواد أو الأجهزة المحظورة. والاعتداء على الكرامة الشخصية. والاغتصاب. والتجويع كأسلوب من أساليب الحرب. والتشويه البدني. والمعاملة القاسية. والتعذيب. وإصدار حكم أو تنفيذ حكم الإعدام بدون ضمانات إجرائية.

4-جريمة العدوان

يذكر أن الدول العربية والعديد من دول العالم الثالث يعدون من أهم المدافعين عن وجود تحديد قاطع لجريمة العدوان. ومن أبرز النقاط التي تقترح الدول العربية إدخالها جريمة الاستيطان بوصفها أحد أشكال العدوان وليس الغزو المسلح فقط. كما أن بعض الدول الكبرى ( مثل الولايات المتحدة الأمريكية) ترى في وجود هذا التعريف القاطع خطورة على رجالها العسكريين.

 

 

ليست هناك تعليقات: