الأربعاء، مارس 16، 2016

المقاومة الوطنية العراقية: (معركة الحسم ضد الفرسنة) (الحلقة الثالثة)


المقاومة الوطنية العراقية
(معركة الحسم ضد الفرسنة)

(الحلقة الثالثة)

(3/ 7)


من مقاومة الاحتلال الأميركي ودحره

إلى الثورة الشعبية المسلحة لتحرير العراق بشكل كامل

يفصلنا، عن الانتهاء من سحب القوات الأميركية في 31 كانون الأول من العام 2011، ما يقارب السنوات الخمسة. وفي المساحة الفاصلة بين التاريخين المذكورين حصلت جملة من التطورات والمتغيرات في عمل المقاومة العراقية، وهي التالية:

-المرحلة الأولى: التمهيد للثورة الشعبية وتمتد من أوائل العام 2012 إلى اوائل العام 2013.

-المرحلة الثانية: مرحلة البدء بالحراك الشعبي على أسس مطلبية وامتدت من أوائل العام 2013 إلى أوائل العام 2014.

-المرحلة الثالثة: الانتقال من الحراك السلمي إلى الثورة الشعبية المسلحة، وتمتد من أوائل العام 2014 وما تزال.

وسنقوم بتحليل تلك المراحل بعد مقدمة تمهيدية تتناول المتغيرات التي حصلت في العراق قبل إعلان الإدارة الأميركية انسحابها من العراق. ومن بعدها سنقدم عرضاً عن التطورات اللاحقة.

 

مقدمة تمهيدية

منذ أن تأكدت الإدارة الأميركية من عجزها عن احتواء المقاومة الوطنية العراقية، راحت تعد البدائل لحكم العراق بصياغة أسس لعملية سياسية مرتبطة بها ومؤتمرة بأوامرها. أي أن تستبدل وجودها العسكري ببديل سياسي يكون شديد الولاء لها، ولهذا قامت بالخطوات التالية:

-على الصعيد السياسي الداخلي:

صياغة دستور يضمن بقاء العراق مقسماً لثلاثة أقاليم، أي إبقاء عامل التوتر قائماً بين الأطياف العراقية المشاركة بالحكم، وضمان بقاء العراق محكوماً بعقلية (المحاصصة الطائفية)، إذ أنه ليس هناك أكثر ضمانة للاستقواء بالخارج من إبقاء دولة مشرذمة على القاعدة الطائفية. خاصة أن احتلال العراق حصل على قاعدة تشكيل نظام سياسي جديد في الوطن العربي، يشكل العراق أنموذجاً له. وهو البدء بتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي أعلنت نسخته المعدة للتنفيذ. وتداولته وسائل الإعلام الأميركية والغربية.

وأما العملية السياسية التي أعدتها الإدارة الأميركية فترتكز على نظام (المحاصصة الطائفية) في توزيع مقاعد السلطة. وهذا النظام بمثابة لغم مزروع قابل للانفجار في كل لحظة يختلف فيها الحاكمون على نسب توزيع المصالح بين نخبها. ومن أجل إظهارها بوجه شرعي، فقد أجريت انتخابات نيابية لإضفاء الشكل الديموقراطي على العملية السياسية. وما أثبتته التجارب في أن النظام الطائفي السياسي يكون ملكاً لمن يؤسسون أحزاباً تدين بالولاء للمذهب على حساب الولاء للوطن. ولهذا نجح حزب الدعوة العراقي، بما لديه من مؤسسات دينية وميليشياوية ونخب سياسية، أن يمسك بقيادة العملية السياسية. فإذا لم تكن القيادة لهذا من حزب الدعوة فإنها ستكون لذاك من الحزب نفسه. ولأن الطائفية السياسية نظام يستند إلى الاستقواء بالخارج، كان حزب الدعوة هو الأكثر تعبيراً عن إيديولوجيا ولاية الفقيه، ولذلك أصبح الأكثر قرباً من النظام الإيراني، فوجد الدعم الكبير منه. وهذا ما ينطبق على دور (الحزب العراقي الإسلامي) الذي انتزع تأييد الأكثرية السنية، وحظي بدعم من العمق السني في النظام السياسي العربي.

-على صعيد أداء حكومات العملية السياسية:

ومما يجدر ذكره أن مؤسسات الدولة، السياسية والعسكرية والأمنية والإدارية كانت ممسوكة من نخب تشكلت من كل الشخصيات التي جاءت مع الاحتلال، وتواطأت معه بالعدوان. وهكذا نخب لم تعد إلى العراق لتبني دولة (القانون والمؤسسات)، بل استلمت مقاليد الحكم لكي تبني مصالح خاصة وتعمل على حمايتها، هذا بالإضافة إلى حماية مصالح الدول التي شاركت بالاحتلال أو تواطأت على تسهيله.

لقد عمًّ الفساد والرشوة والقتل وفرض الخوات، وسُرقت ثروة العراق، حتى أصبحت (دولة للصوص والخونة). ولهذا لم يعرف العراق المحتل أي نوع من أنواع الاستقرار الأمني ولا السياسي والاقتصادي والاجتماعي. فتضرر العراقيون بالجملة، إذ كانت عائدات العراق الكبيرة تعود إلى جيوب الاحتلال الأميركي والإيراني، وما بقي منه كان يعود إلى جيوب سماسرة الحكم ولصوصه.

 

-على صعيد تأثير الدور الإقليمي:

كان لكل من الأنظمة السياسية للدول المجاورة، من أجنبية وعربية، مصالح في العراق. ولأن العملية السياسية قامت على أساس المحاصصة الطائفية، وجدت كل دولة مجاورة للعراق حصتها بين الأحزاب والنخب الحاكمة، فتوزعت فيما بينها عوامل التأثير على السياسة الداخلية العراقية. ولهذا كان له الأثر الكبير في احتواء العملية السياسية من قبل النظام الإيراني لأكثر من سبب، ومن أهمها مشاركته باحتلال العراق، وكذلك وجوده المباشر من خلال حزب الدعوة وميليشيات بدر وفيلق القدس وهي التي تربت على عقائد نظام ولاية الفقيه. وقد تلقى كل منها الدعم والمساندة والتأهيل الثقافي والعسكري عندما لجأ المسؤولون عنها إلى إيران أثناء الحرب الإيرانية العدوانية على العراق.

 وبسبب هذا التأثير، كان  لا بد للإدارة الأميركية من الاستعانة بالنظام الإيراني بعد أن قرَّرت سحب قواتها من العراق. وبفعل التنسيق والتفاهمات بينهما اعتمدت تلك الإدارة على النظام الإيراني في الإشراف على مصالحها فيه.

تلك الفرصة كانت ثمينة لذلك النظام، الذي راح يعد نفسه للهيمنة الكاملة عليه. فعمَّق وجوده السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي، فوصل نفوذه إلى مستوى العمل على (تفريس) المؤسسات العراقية على شتى المستويات. فعلى مستوى (التفريس) الديموغرافي عمد النظام الإيراني إلى تجنيس مئات الآلاف من الإيرانيين وإعطائهم الهوية العراقية. وعلى مستوى الهيمنة السياسية فقد عُيِّن قاسم سليماني، المسؤول الإيراني، حاكماً للعراق، وكانت صلاحياته شبيهة بصلاحيات بول بريمر الحاكم الأميركي الأسبق.

وأما تأثيرات دول الجوار الجغرافي الأخرى للعراق فلم تكن شيئاً يُذكر أمام ما تمتع به النظام الإيراني من امتيازات، ومن عمق الهيمنة. ويشمل هذا الواقع تأثيرات دول وإمارات الخليج العربي، إذ راهنوا على اقتطاع حصة من النخب السنية المشاركة بالعملية السياسية. وتبيَّن لها لاحقاً أن هؤلاء كانوا من دون تأثير أمام هيمنة النظام الإيراني وعملائه. ولذلك زرع هذا الواقع مخاوف شديدة عند أنظمة الخليج وخاصة النظام السعودي، وازدادت تلك المخاوف فيما بعد الانسحاب الأميركي من العراق عندما تركت الإدارة الأميركية فراغات كثيرة استغلها النظام الإيراني لمصلحته، ولعل أخطرها هو أنه فتح بوابات جغرافية مشرعة نحو الخليج العربي من جهة، ونحو سورية والبحر الأبيض المتوسط من جهة أخرى. وهذا ما أدى إلى حالة احتقان خليجية كانت تنبئ بالانفجار في اللحظة المناسبة، وفعلاً وجدت لحظتها المناسبة لاحقاً وخاصة في المرحلة الأخيرة التي سبقت انطلاقة الثورة الشعبية المسلحة.

 

-على الصعيد العسكري والأمني:

-على الصعيد الأمني الداخلي: ولكي لا تترك شغوراً أمنياً قد تملأه قوى أخرى، بذلت إدارة الاحتلال كل جهدها من أجل بناء مؤسسات عسكرية وأمنية، من أهم عقائدها أنها غير مؤهلة لمهمة الدفاع عن الوطن، بل هي عبارة عن تجمعات تدين بالولاء لزعمائها السياسيين. ومن وظائفها القيام بمهمة المحافظة على الأمن الداخلي. ولذلك كانت تتربى على مبادئ القسوة والغلظة في مواجهة أي حركة اعتراض أو معارضة. وأُطلقت أيدي قادتها في العبث والفساد، بحيث كانت تتم عمليات شراء لتلك المواقع، لأن إنتاجها من عمليات الابتزاز والتشبيح كان مربحاً. وللاستدلال على دورها نذكر من أهمها قوات سوات، أي (قوات المهمات القذرة)، ولواء الذيب وغيرها... وهذا ناهيك عن تشريع تسليح الميليشيات الطائفية التي تلعب دوراً قذراً للإمساك بما يسمونه أمن منظماتهم وزعاماتهم.

-على الصعيد العسكري الخارجي: ولأن القطعات العسكرية لـ(الجيش الحكومي) غير مؤهلة لواجب الدفاع عن الوطن، وفي هذا ما فيه من تواطؤ على دور الجيوش العربية، فإن حل تلك الجيوش أو تفتيتها لهو وظيفة حماية الأمن الصهيوني على المدى الطويل. فإن الإدارة الأميركية، وكتطمين لحكام (العملية السياسية) فقد أظهرت تلك الإدارة حرصها على ضمان حماية حدود العراق عبر وسيلتين، وهما:

-الإبقاء على خمسين ألف جندي أميركي في قواعد متعددة منتشرة في أنحاء مختلفة من العراق.

-عقد اتفاقيات ومعاهدات أمنية وعسكرية تنص على إشراف أميركي متواصل على الأجهزة العسكرية وتضمن تزويدها بالسلاح المناسب لمهماتها الداخلية، وبالتالي أن تقوم الولايات المتحدة الأميركية بضمان حماية العراق، إذا ما تعرض لأي اعتداء خارجي.

هذا هو المشهد الذي كان عليه العراق عندما سحبت الإدارة الأميركية القسم الأكبر من قواتها. وأخذ الإعلام الأميركي والإيراني يلمِّع صورة العملية السياسية ويدعمها بكل أسباب القوة من أجل أن يضمن استمرارها، لكي يضمن الطرفان استمرار مصالحهما، وإنه بانهيارها تنهار تلك المصالح.

وهكذا انتهى الاحتلال الأميركي مهزوماً على أيدي المقاومة الوطنية العراقية، بحيث كان من أخطر نتائج الهزيمة على الولايات المتحدة الأميركية أنها أحدثت متغيرين كبيرين على وضعها الدولي، وهما: إخلالها بميزانيتها إلى حد العجز الكبير، وإضعاف هيبتها العسكرية التي كانت تخيف أكثر الدول تقدماً.
لقد أدى هذان المتغيران إلى بداية صياغة نظام عالمي متعدد الأقطاب بعد أن استفردت به لعقدين من الزمن ابتدآ في العام 1991 بانهيار الاتحاد السوفياتي، وانتهيا بإعلان هزيمة أميركا في العراق في نهاية العام 2011. وبتلك النتيجة ابتدأت مرحلة جديدة في مسار المقاومة كان من أهمها تغيير ظروف المعركة وشروطها ومستلزماتها، وهذا ما يسمح بالدخول إلى دراسة مرحلة ما بعد الهزيمة الأميركية.

ليست هناك تعليقات: