الجمعة، مايو 06، 2016

المتغيرات في الوضع الإقليمي (2/ 3)


بعد انقضاء خمس سنوات على بدء (الربيع العربي)

المتغيرات التي حصلت على الصعيد الدولي والإقليمي والعربي؟

الحلقة الثانية

(2/ 3)

المتغيرات في الوضع الإقليمي:


لما كان النظامان الإيراني والتركي، البلدان المجاوران للوطن العربي، هما من أكثر دول الجوار الجغرافي أهمية وتأثيراً في التاريخ العربي، نرى من العلمية أن نبدأ بتأصيل المبادئ الإيديولوجية التي يؤسس النظامان الإقليميان علىها مشروعيهما السياسيين. وهو ما يساعدنا على تحديد المتغيرات التي حصلت في مرحلة (الربيع العربي) على الوضع الإقليمي، والتي حصلت على وقع مسارات الحراك الشعبي العربي، عندما كان محافظاً على شعبيته، وقبل أن تُسرَق نضالاته، ويتمَّ توظيفها لصالح القوى المعادية للأمة العربية والجماهير الشعبية العربية.



1-نظام ولاية الفقيه في إيران:

وحيث إنه كُتب الكثير عن المضمون الفكري والأهداف السياسية لنظرية ولاية الفقيه، نرى من المفيد إعادة التذكير بتكثيف معمَّق لأهم تلك المضامين والأهداف، بما يمكِّننا من فهم الدور الإيراني في المرحلة التي ندرسها.

جاءت نظرية ولاية الفقيه لتخترق تابو الفكر السياسي الشيعي الإثني عشري الذي لا يجيز قيام نظام سياسي قبل ظهور الإمام المهدي المنتظر، والاختراق حصل عندما أجازت نظرية ولاية الفقيه قيام نظام سياسي قبل الظهور، ولكن على شروط أن يتولى الولي الفقيه كامل السلطات، يساعده على الحكم رجال سياسيون يديرون شؤون الحكم على أن يأتمروا بأوامر (الولي الفقيه) ويعلنون الطاعة لأوامره تحت طائلة الحساب استناداً إلى الآية القرآنية التي تقول: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُم﴾، ومن تعاليم الخميني عن ذلك، يقول: من خالف ولي الأمر، فقد خالف الرسول، ومن خالف الرسول فكأنه خالف الله. وبمثل تلك المبادئ يضع الخميني (الولي الفقيه) في موقع من القداسة ترقى إلى موقع النبوَّة، وتضع أوامره في موقع الأوامر الإلهية. واستطراداً تعتبر تشكيل (الحكومة العالمية)، التي شرع النظام الإيراني بتطبيقها، بمثابة أمر إلهي، يتم تكفير من لا يلتزم بها.

لقد أطلق الخميني مشروع بناء (الحكومة الإسلامية العالمية)، أي أنه أوكل لدولة (ولاية الفقيه في إيران) تلك المهمة. ومن المعروف أن بناء هكذا حكومة يقضي باختراق حدود الدولة الحديثة لتوسيع الامتداد الجغرافي لها، ومن الواقعي حسب النظرية- أن يبتدئ التنفيذ بالجوار الجغرافي العربي، بدءاً من العراق ومروراً بالسعودية وصولاً إلى أقاصي الدنيا. وبغير ذلك فليس هناك من معنى لقيام تلك الحكومة. ولهذا رفع الخميني شعار (تصدير الثورة)، وهو الشعار الذي يترجم بالفعل أوامر الولي الفقيه، التي هي معادلة لأوامر النبي، والأوامر الإلهية.

ابتدأ الخميني بتنفيذ ما يعتبر أنها أوامر إلهية بالعراق، وفشل مشروعه بالتصدير، بعد حرب دامية دامت ثمانية أعوام. لكن هذا الفشل لم يكن يعني دفن المشروع، وتغيير الأهداف، بل تبييتها لفرصة أخرى، إلى أن سنحت فرصة الاحتلال الأميركي للعراق. في حينها، وفي الوقت الذي كان يتعرض جيش الاحتلال الأميركي لنيران المقاومة الوطنية العراقية وحمم براكينها، كان النظام الإيراني يبني قواعده في العراق و يُدعِّمها، ويُعمِّقها بتأسيس الميليشيات من جهة، وتدعيم مواقع عملائه في حكومة العملية السياسية من جهة أخرى. وسنحت الفرصة الثانية وهي أثمن فرصة للنظام الإيراني فكان الانسحاب الأميركي من العراق في أواخر العام 2011، وحينها قامت الإدارة الأميركية بتلزيم إيران إدارة الساحة العراقية. ولذا يُعتبر هذا التاريخ محطة مفصلية في صياغة تاريخ المشروع الإيراني. ولما ترافق هذا التاريخ بانطلاقة الانتفاضات الشعبية في معظم أقطار الوطن العربي، لم يفوِّت النظام الإيراني الفرصة بل عمل على الاستفادة منها بشكل سريع وراح يقطف ثمارها.

وعن تلك الانتفاضات وإن كانت نتيجة حاجة شعبية عربية عامة لمواجهة النظام العربي الرسمي القمعي والمستهتر بقضايا الجماهير وتوقها للعدالة الاجتماعية والحريات السياسية، فقد أكدت التقارير والمعلومات على أنها ستكون الستار الذي سيتم تحت سقفه وسحب دخانه الإشارة لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، أي تقسيم الأقطار العربية إلى دويلات دينية.

ولذلك دخلت إيران بكل زخمها وإمكانياتها لانتهاز الفرصة الثمينة، التي ربما اعتبرها الفكر الغيبي للنظام بأنها جاءت بمساعدة إلهية، وفلت حبل إيران على غاربه، فكان العراق الهدية الأكثر إغراء، جاء بعدها التدخل الكبير في الساحة السورية، هذا ناهيك عن تأثيرها الكبير على الساحة اللبنانية. وقد توَّجت كل تلك الفرص عندما وجدت في اليمن مسرحاً كبيراً، ساعتئذ أعلن كبار المسؤولين الإيرانيين قيام الإمبراطورية الفارسية وعاصمتها بغداد.

وهنا، لا بُدَّ من الإشارة إلى أن التفاهمات الأميركية الإيرانية فبل احتلال العراق كانت المدخل الأساسي لبداية العمل من أجل تحقيق الأحلام الإيرانية، وكان الانسحاب الأميركي في العام 2011، بداية العمل لتحقيق مشروعها الأكبر، خاصة وأن أيدي نظام ولاية الفقيه قد أُطلقت من دون حسيب أو رقيب في العراق. وهذا الواقع في العلاقات الأميركية الإيرانية يستند إلى وحدة الهدف في مشروع الشرق الأوسط الجديد القائم على تقسيم الأقطار العربية إلى دويلات طائفية، وهو المشروع الوحيد الذي يتيح لنظام ولاية الفقيه الفرصة من أجل تحقيق أهدافه.



2-نظام حزب العدالة والتنمية في تركيا:

حزب العدالة والتنمية، حزب سياسي تركي، يصنف نفسه بأنه يتبع مساراً معتدلاً، غير معادٍ للغرب، يتبنى رأسمالية السوق. وهو نظام ذو جذور إسلامية، وتوجه إسلامي علمانى، على الرغم من أنه ينفي أن يكون (حزباً إسلامياً).  ويحرص على ألا يستخدم الشعارات الدينية في خطاباته السياسية. ويقول إنه حزب محافظ. ويصنفه البعض على إنه يمثل تيار (الإسلام المعتدل). وصل الحزب إلى الحكم في تركيا في العام 2002. ويعلن أن (العثمانية) مرجعيته التاريخية، كما يصرِّح مؤسسه أحمد داوود أوغلو.

تشكل الحزب من قبل نواب جناح المجددين  المنشقين عن حزب الفضيلة الإسلامي، الذي كان يرأسه نجم الدين أربكان، والذي تم حله بقرار صدر من محكمة الدستور التركية في 22/ 6/ 2002.

وعلى الرغم من ذلك، وفي الوقت الذي يحاول فيه التجديد في الفكر الإسلامي بما يتناسب مع أهدافه السياسية بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إلاَّ أن اعتداله هذا لا يلغي طموحاته بأن يتزعم حركة إسلامية، خاصة في جواره العربي. لأن تلك الحركة تعطيه وزناً على الصعيد الدولي. هذا ناهيك عن أهدافه بالحصول على حصته من عملية تفتيت الوطن العربي إلى دويلات دينية.

وإننا نشير هنا إلى أمر لافت، قد يعزز استنتاجاتنا أعلاه، هو أنه بعد بدء الانتفاضات الشعبية، وبشكل مترافق معها، تأسست فروع للحزب في عدد من الأقطار العربية، ونذكر منها:

-حزب العدالة والتنمية في مصر تأسس رسمياً في 16/ 10/ 2011.

-حزب العدالة والتنمية السوري تأسس في شهر حزيران 2011.

-حزب العدالة والتنمية في ليبيا تأسس بعد سقوط نظام القذافي.

-حزب العدل والتنمية التونسي تأسس في 24 نيسان من العام 2011.

وإيذاناً ببناء علاقة مع الإسلام المعتدل، في حزيرن من العام 2006، أطلق أوباما، الرئيس الأميركي دعوته للتلاقي مع الإسلام على قاعدة نبذ العنف والتطرف أولاً والتعاون مع الإسلام المعتدل ثانياً.

ولا يشك أحد أن الإدارة الأميركية تعتبر أن حزب العدالة والتنمية التركي، وبعض فصائل حركة الإخوان المسلمين هي الأكثر اعتدالاً من بين الحركات الإسلامية التي انتشر تكوينها كالنار في الهشيم، ولا نحتاج في هذه الدراسة إلى استحضار الدلائل والبراهين عنها. ولذلك، كما أن الإدارة الأميركية عقدت معاهدات وتفاهمات مع النظام الإيراني من أجل تحقيق مشاريع التقسيم فقد فعلتها مع النظام التركي وحركة الإخوان المسلمين.



مقاربة بين أهداف النظامين التركي والإيراني:

بمراجعة معمَّقة لإيديولوجيا النظامين الإقليميين، إيران وتركيا، نستنتج ما يلي:

-إن كلاً منهما ركب موجة الحراك الشعبي العربي من أجل اقتسام تركة (النظام الرسمي العربي المريض)، والذي أخذ يتهاوى كأحجار الدومينو، ابتداء من تونس فمصر فليبيا فسورية فاليمن...

-لكل من الإيديولوجيتين والمشروعين تطابقات مع مشروع الشرق الأوسط الجديد، أي المشروع المشترك بين الامبريالية الأميركية والحركة الصهيونية العالمية.

-والبرهان على واقعية الاستنتاجات أعلاه، هو أن الولايات المتحدة الأميركية ترتبط بعلاقات وثيقة مع النظامين الإيراني والتركي. ولهذا فقد أوكل المخطط الدولي المذكور دوراً لكل منهما في قضايا الوطن العربي:

-فبالنسبة لإيران لديها مشروع بناء دولة شيعية.

-وأما بالنسبة لتركيا، فلديها مشروع بناء دولة سنية.

وما ظهور تيارات الإسلام السياسي في قيادة الحراك في كل من مصر وليبيا وتونس وسورية واليمن إلاَّ البرهان على أن الحراك قد حُرٍف عن مساراته. وأخذت النتائج تصب لمصلحة الثلاثي المشارك فيه، الثلاثي المتمثل بالغرب الأميركي والأوروبي ودولتيْ الإقليم إيران وتركيا.


ليست هناك تعليقات: