الأربعاء، أغسطس 03، 2016

المنهج التجاري الجشع، وليس الضمير الديني، هو الموجِّه لنظام ولاية الفقيه

في صراع المصالح الدولية والإقليمية
يبقى المنهج التجاري الجشع،  وليس الضمير الديني،  هو  الموجِّه لنظام ولاية الفقيه


من غرائب الأمور في الثوابت الإنسانية والأخلاقية أن يلتقي الخير والشر معاً، وكأنهما صنوان متكافئان، أحدهما يدعم الآخر فيتكاملان في القيمة. وهذا لم يظهر بشكل واضح في تاريخ القيم الإنسانية سوى في قصة العلاقة بين رجل الدين والشيطان التي كتب عنها جبران خليل جبران منذ أكثر من قرن من الزمن. وفي تلك القصة يقنع الشيطان رجل الدين بقوله: إذا قتلتني هل ستجد من تحرِّض ضده بعد موتي؟ فأجابه رجل الدين: كلا. ومن بعد ذلك عقدا اتفاقاً أن لا يقتل أحدهما الآخر.
كان جبران يرمز من تلك القصة، بشكل ساخر، إلى إمكانية تزاوج المتناقضات عندما تتغلَّب المصلحة الشخصية لأحد من طرفيها، ليصل إلى أن رجل الدين إذا باع مبادئ الدين الأساسية التي تبشِّر بمحاربة الشر، فإنه يتحول إلى تاجر يتبادل المصالح حتى مع الشيطان نفسه.
وهنا، نتساءل: كم ينطبق هذا الرمز القصصي على العلاقة التي تربط بين (الولي الفقيه) الإيراني و(الشيطان الأكبر) الأميركي في العراق؟ وكذلك العلاقة التي تربطه مع الروسي في سورية؟ علماً أن (الشيطان الأميركي) على تضاد مع روسيا في كل من العراق وسورية، بشكل خاص، ناهيك عن علاقة التضاد بينهما على أكثر من مستوى دولي من أبرزها استكمال أميركا حيازتها على إرث الاتحاد السوفياتي في أوروبا الغربية، لتصل إلى أعماق المياه الدافئة في الوطن العربي.
فكيف يجمع (الولي الفقيه) الإيراني بين علاقتين تتناقضان حتى حدود الاحتراب والصراع كما هو ظاهر بوضوح على الساحة السورية؟
-أولاً: لا يمكن الجمع بين المتناقضات، وهكذا تؤكده قواعد المنطق السليم. والمعروف في قواعد المنطق الهيغلي، أن هناك قانون للصراع بين متناقضين، وليس هناك قانون للجمع أو التوفيق بينهما، ولم يفعلها سوى منطق (الولي الفقيه الإيراني).
-ثانياً: فكيف جمع الولي الفقيه الإيراني بينهما: علاقته الإيجابية مع أميركا في العراق. وعلاقته الإيجابية مع روسيا في سورية؟
-ثالثاً: كيف يركن كل من أميركا وروسيا إلى صداقة مع هكذا حليف يعمل على تزويج المتناقضات؟
-رابعاً: لأن تزويج المتناقضات تتنافى مع قواعد المنطق الفلسفي، والمنطق الديني، والمنطق الإنساني. ولأنه لا يخفى على أميركا وروسيا شذود ذلك التزويج، وعلى الرغم من معرفتهما بشذوذه، فإنهما يشرِّعان تلك العلاقة ويعمل كل منهما على توطيدها وإنجاحها. ولكنه يدفعنا إلى التساؤل عن سر ذلك العامل الذي يساعد على تزويج المتناقضات.
إنه عامل المصالح بكل تأكيد الذي يجيز ما لا يجيزه المنطق والمبادئ الإنسانية. فالمصالح المادية هي من دون قلب أو ضمير، أو مبادئ. فمبادؤها لا تقبل صداقات دائمة، كما لا تقبل عداوات دائمة، فمبادؤها المرسومة تقع حيث تكمن الثروات في باطن الأرض أم على سطحها، في جيوب التجار أم في صناديق المصارف. ولا تتميز مبادئ التاجر الذي يخضع لنظام ديني، عن مبادئ الذي يخضع لنظام إلحادي. فهذا يؤمن بأن (الله يرزق من يشاء) متناسياً أن الديانات السماوية لا تجيز الرزق المتراكم على جوع الفقراء. وذاك يؤمن بأن المبادئ الرأسمالية هي غول لا يشبع مهما ألقمته من فرائس، ويشجع الرأسمالي على أن يكدِّس أمواله على حساب عرق الكاحين العاملين في مصانعه ومزارعه.
وإن حكاية عقد الاتفاق بين (الراهب والشيطان) ترمز بوضوح إلى حجب مصالح التجار تحت غطاء نظام ديني، لأن ذلك الغطاء ليس أكثر من أكذوبة، تعمل على حلب أبقار الفقراء لحساب من يزعمون أن الله فاض عليهم بالرزق، وحاشا الله أن يرزق من يشاء ويغنيهم على حساب الفقراء. فقد قيل في الكنيسة عندما حكمت أوروبا: (إن خليفة الحواريين قد وُكِّلَ بأن يقود غنم الرب إلى المراعي، لا أن يجزَّ صوفها). ونحن نقول لنظام ولاية الفقيه في إيران: إن الأئمة لم يكدسوا أموالاً منقولة أم غير منقولة، ولم يجيزوا أن يغنى أحد من تابعيهم على حساب تابع آخر. كما أنهم لم يجيزوا أن يشبع أولياء الأمر فيهم ويتخموا على حساب دماء شعب آخر وأقواته وثرواته. فهم لا يجيزون للفقهاء بينهم أن يستغلوا عمائهم لتضليل الفقراء من أجل امتصاص عرق جبينهم، ودعوتهم إلى الصبر على فقرهم بالقول: (إن الصبر على الفقر مفتاح الجنة)، في الوقت الذي تتحول فيه حياة أصحاب العمائم إلى جنات دنيوية يرفهون فيه ويسعدون.
فلكل من يساند النظام الإيراني لسبب إسلاميته نقول: كفى استغفالاً لعقولنا، فأنتم إما مضلَّلون، وإما مشاركون في سرقاته من ثروات الشعب العراقي، والحبل على جرَّار أقطار عربية أخرى.




ليست هناك تعليقات: