الاثنين، أبريل 16، 2018

دور البعث في تحضير الشباب


دور البعث في تحضير الشباب لبناء مستقبل الأمة العربية

منذ تأسيسه وضع البعث في صلب أهدافه مسألتين استراتيجيتين، وهما:
1-التحرر من الاستعمار والصهيونية كعائقين رئيسين يقفان دون استقلال الأقطار العربية، ويمنعان وحدتها، كي لا تتحول إلى قوة تبني دولة تقارع أهدافهما في الهيمنة على إرادة العرب، وتحولان دون تحولهم إلى قوة اقتصادية وسياسية تضعهم في مصاف الدول المتقدمة التي تضاهي في إمكانياتها الدول الكبرى.
2-التنمية في الداخل لتحويل الأمة العربية من مرحلة التخلف الاقتصادي والاجتماعي إلى مرحلة الإنتاج بدخول أبواب الصناعة والزراعة كعاملين أساسيين لبلوغ مرتبة الدول التي تأكل مما تزرع وتلبس مما تصنع.
كان هدف تحرير الأمة من الهيمنة الخارجية، احتلالاً عسكرياً وتبعية سياسية واقتصادية، يمثل الوجه الأول من وجوه حلول الأزمات التي تعيشها، وهدف نقلها من مصاف الدول المتخلفة التي تعرف كيف تستهلك، وتجهل كيف تُنتج يشكل الوجه الآخر من تلك الأهداف. ولأن الهدفين متلازمان كان النضال من أجل الواحد منهما مكمِّلاً للهدف الآخر، يسيران جنباً إلى جنب، لا ينتظر تحقيق أحدهما استكمال الآخر. بل كلما تحقق إنجاز في وجه فإنه يردف الآخر، ويساعد على تحقيقه.
وإذا كانت وسائل النضال تحتاج إلى يد مدرَّبة على حمل السلاح لمكافحة الاستعمار، فإنها بحاجة أيضاً إلى سواعد فتيِّة تبني في الداخل. وإذا كانت حكمة الشيوخ ضرورة وحاجة للتعبئة والتخطيط ونقل التجارب الناجحة للأجيال الشبابية الجديدة، فإن فتوَّة اليد والساعد تحتاج إلى حيوية الشباب. وهنا لن ننسى عامل التكامل بين حكمة الشيوخ وحيوية الشباب.
وعلى هذا المثال النظري، انخرط الحزب في ورشة نضالية ترابطت فيها أهداف التحرر من الاستعمار، وأهداف التحرر من التخلف. وإذا كان الحزب في مراحل نضاله السلبي مبشِّراً ونذيراً، فإنه في مراحل نضاله الإيجابي، كان عاملاً وخبيرا. يبشِّر بما يفكِّر بالمبادئ، ويقاتل بما يملك من سلاح. وفي المراحل التي وصل فيها إلى السلطة، فقد وظَّف إمكانياتها لتحقيق أهدافه النظرية. وكانت ثورة 17 تموز من العام 1968 الأنموذج على ذلك.
لقد وعى الحزب في هذا المسار أهمية دور الشباب، فعمل على إعداده لكي يصبح مؤهلاً للنزول إلى شتى الميادين التحررية، فانخرط في ميدان المقاومة ضد العدو الصهيوني في فلسطين ولبنان والأردن، ومن بعدها في مقاومة الاحتلال الأميركي في العراق. كما انخرط في ميدان التنمية البشرية عندما استلم السلطة في العراق منذ العام 1968.
ولأن مسار المجتمعات، من حيث التقسيم العمري، تسير دائماً بشكل متصاعد، وإذا فُقدت حلقة من حلقاته العمرية، يصيب المجتمع خللاً في توازنه، فتتوقف دورة الحياة، وبالتالي تتوقف حركة التصاعد في بناء المجتمع. وإذا كان هذا التصنيف العمري صالحاً لتقسيم المجتمعات حتى القديمة منها، فإن هذا التصنيف يتغيَّر جوهرياً في المجتمعات الحديثة. ونقصد بذلك التالي:
1-التصنيف العمري يمر ثلاث مراحل: مرحلة الولادة والطفولة، وهي مرحلة غير منتجة بالمعني الاقتصادي لأنها عاجزة عن العمل اليدوي، بل هي مرحلة تعد للانتقال إلى مرحلة الشباب، بعد عمليات تأهيل، وتستمر حتى بلوغ الشباب العشرين سنة من العمر. ومرحلة الشباب هي مرحلة الإنتاج، وعصب المجتمع الذي يوفر أهم شروط الإنتاج، وهي لا تتجاوز سن التقاعد لتصل إلى الستين. ومرحلة الشيخوخة، وهي المرحلة التي تتناقص فيها القدرة على العمل اليدوي، بينما تكون التجربة في أوج نضجها.
2-تأتي بين المراحل الثلاث مرحلة الشباب التي تمثل الحلقة الوسيطة، ولعلَّها الأكثر أهمية. ولأن المجتمعات بحاجة إلى من يوفر لها أسباب الاستمرار والعيش الكريم، والعيش بكرامة، تأتي مرحلة الشباب لتشكل أولوية في بناء مجتمع سعيد، لأنها القادرة على العمل بشتى أشكاله اليدوية والفكرية. وهنا يمكننا أن نتصور مدى فداحة التقصير في إعداد الشباب وتأهيلهم لبناء هذا المجتمع. كما يمكننا أن نتصور النتائج الإيجابية على المجتمع إذا غاب الاهتمام بهذا الإعداد.
3-نتيجة لكل ذلك، فقد أولى دستور الحزب أهمية لمرحلة الشباب، تحت عنوان نظرة الحزب إلى تنظيم العمل، لأن الشباب هم في القلب منه.
وعن هذا جاء في المادة (41) منه، والتي تتضمن العناوين العامة التالية:
أ-العمل إلزامي على كل من يستطيعه وعلى الدولة أن تضمن عملاً فكرياً أو يدوياً لكل مواطن. وأن يكفل مورد العمل مستوى لائقاً من الحياة.
بـ-على الدولة أن تسنَّ تشريعاً عادلاً للعامل يصون حقوقه.
 جـ-تأليف نقابات حرة للعمال والفلاحين. على أن يتم تأليف محاكم خاصة للعمل تمثل فيها الدولة ونقابات العمال والفلاحين.
وأولت المادة (42) : اهتماماً بمنظمات الشباب، بتأسيس النوادي وتأليف الجمعيات والأحزاب ومنظمات الشباب في تعميم الثقافة القومية وترقية الشعب. كما اهتمت بالعمل الفكري واعتبرته أقدس أنواع العمل، ودعت  الدولة لحماية المفكرين والعلماء.
وإذا كان الدستور يولي الاهتمام بالثوابت الأساسية، وهذا ما فعله البعث منذ إحدى وسبعين سنة، فقد جاءت التجربة في العراق لتترجم تلك الثوابت إلى فعل تنفيذي. ولأن عناوين التجربة كبيرة وكثيرة، سنولي اهتمامنا ببعض تلك العناوين، ومن أهمها:
-عندما أمَّمت ثورة 17 30 تموز الثروة البترولية، فهي قد استعادت ثروة الشعب العراقي من أجل توظيفها لخدمة الشعب. وكانت المسألة الأساسية عند الثورة ليس في استعادة الثروة الوطنية فحسب، بل والأهم منها أنه كان عليها أن تعرف كيف توظفها لمصلحة الشعب أيضاً. وهذا هو السر في الثورة. لأن هناك الكثير من الدول التي تمتلك ثروات تفوق ثروات العراق، ولكنها تجهل، أو تتجاهل كيف توظفها.
-الأساس الذي اعتمدته ثورة تموز في توظيف الثروة، هو أنها استندت إلى أنه من المستحيل توظيف الثروة توظيفاً سليماً من دون القيام بتنمية شاملة. وإذا كانت التنمية الشاملة تعني، فيما تعنيه، الاهتمام بالتنمية الاقتصادية، فإنها كانت تدرك أن للتنمية الاقتصادية شروطاً وأسساً ومستلزمات تسبقها، وسيكون غياب تلك الشروط بمثابة خطوة تنفيذية عمياء، تعرف من أين تبدأ ولكنها تجهل أين تنتهي. ولذلك ولأنه من أهم شروط التنمية الاقتصادية أن يقابلها تنمية بشرية، سنُعنى بهذا الجانب في هذا المقال.
-تستطيع الدولة أن تشتري المصانع، وآليات تطوير الزراعة، والمواد الأولية لتشييد المرافق العامة. ولكن كل تلك الآليات لن تستطيع أن تدير نفسها بنفسها. بل لا بُدَّ من أن تتوفر الأيدي العاملة لتقوم بتشغيلها. وإذا قامت الدولة أيضاً باستيراد الأيدي العاملة فكأنَّ الدولة لم تفعل شيئاً، ومن الأوفر عليها أن تستورد السلع المصنَّعة من الخارج، ويبقى الشعب أداة للاستهلاك، يأكل مما لا يصنع ومما لا يزرع. وتلك هي أهم عوامل التخلًّف التي تصيب شعباً من الشعوب، وهذا ما يلبي حاجة الدول الرأسمالية التي تريد أن تُبقى العرب كل العرب في مصاف الدول المتخلفة.
-أدركت ثورة 17 30 تموز في العراق أنه لا يمكن نقل العراق من صفوف الدول المتخلفة إلى مصاف الدول المتقدمة سوى بتطوير مشاريع التنمية، وتأتي في الأولوية منها مشاريع التنمية البشرية، والتنمية البشرية هي بتأهيل الشباب وتعليمهم وتخصيصهم لتولي إدارة المصانع والمزارع، ففرضت دولة ثورة تموز إلزامية التعليم. ولهذا بنت المرافق التربوية بدءاً من التعليم الابتدائي وصولاً إلى الجامعات التي تمنح طلابها أعلى مراتب التخصص العلمي. وبمثل هذا الإجراء وفَّرت الأدمغة المخططة، والأيدي العاملة كل في اختصاصه. وكان ما يخيف الدول الرأسمالية، في هذا، تحويل العراق من بلد مستهلك إلى بلد منتج. وازدادت المخاوف الرأسمالية كلما كانت الدولة العراقية تنفِّذ المزيد من مشاريع التنمية الاقتصادية. وأكثر البراهين وضوحاً على تلك المخاوف، مسألتين بارزتين في تاريخ العراق، هو التهديد الذي وجهه جيمس بيكر، وزير خارجية جورج بوش الأب، في العام 1990، إلى العراق بواسطة طارق عزيز، وزير خارجية العراق في تلك المرحلة، وكان مضمونه (إعادة العراق إلى ما قبل العصر الصناعي)، وهو الدليل الأوضح على صعود العراق إلى مصاف الدول الصناعية. وأما البرهان الثاني، فهو الجرائم التي ارتكبت بحق آلاف العلماء العراقيين بعد احتلال العراق في العام 2003، وقد اغتيل الآلاف منهم، واعتقل آلاف، وتم احتواء آلاف أخرى.
-إن تدمير البنية التحتية في العراق لنتائج التنمية البشرية، التي قامت بها الدول الاستعمارية ، وهي الثروة الأهم في بناء الدولة المعاصرة، لهو الدليل الأوضح على نوايا العدوانيين الذين تكالبوا على احتلال العراق لمنعه من الدخول إلى عصر الإنتاج. لقد قامت الدول المشاركة في احتلال العراق بتدمير نتائج التنمية البشرية التي أعدتها الدولة العراقية، عندما لجأت إلى تخصيص ملايين الشباب العراقيين، بدءاً بالعامل الفني المؤهل للعمل في مشاريع التنمية الصناعية والزراعية، وانتهاء بتأهيل الكوادر البشرية في شتى الاختصاصات العليا، والتي هي وحدها القادرة على بناء مجتمع سعيد، لا مكان فيه لعاطل عن العمل، ولامكان فيه لمواطن لا يشارك في عمليات التنمية والإنتاج.
-وقد أكَّدت الوقائع، بعد احتلال العراق، أن الشباب كانوا المستهدفين وذلك بنشر الجهل والأمية، واستيعاب الشباب في صفوف الميليشيات المسلحة، واستفحال سوق العاطلين عن العمل. وفوق هذا كله، ليس إعادة العراق إلى ما قبل العصر الصناعي، بل إعادتها إلى ما قبل نشأة الدولة الحديثة أيضاً. وقد راع كل المراقبين ما آلت إليه الأوضاع في العراق من سوء، خاصة في القضاء على أي مظهر من مظاهر فتوَّة الدولة وشبابها.
ليس من قبيل الاستعراض الفارغ أن نستنتج أهمية الدور الذي لعبه حزب البعث، ونظامه الوطني، في الإمساك بأهمية دور الشباب في بناء الدولة الوطنية المعاصرة، ومعرفة مدى الحقد الاستعماري الذي اختزنته الدول الرأسمالية ضد تحويل أي قطر عربي من مصاف الدول المتخلفة اجتماعياً وعلمياً واقتصادياً، ونقله إلى مصاف الدول المتحضرة. وكان من أهم جرائم الحكم الوطني، في مناظير تلك الدول، تأميم الثروات الوطنية، وكان الأكثر خطورة منها تلك الثورة في إنتهاج وسائل التنمية البشرية التي أحدثت في بنية الشعب العراقي ثورة ذات أهمية كبرى عندما عرفت كيف توظِّف ثروات العراق الطبيعية أولاً، وإنتاج ثروة أخرى فكانت الثروة الشبابية العراقية ثانياً. إذ لا أهمية لثروة وطنية طبيعية من دون استثمارها بأيد وطنية واعية وأمينة عليها كي تعود مردوداتها وتوضع في مصلحة الشعب العراقي.

ليست هناك تعليقات: