إسقاط مافيات الكهرباء هدف معجَّل
عما يجري على الساحة اللبنانية نسجل ملاحظتين أساسيتين تتناولان سمتين بارزتين ميزتا
الحراك الدائر الآن. ونلحقهما باقتراحين نضعهما برسم قادة الحراك المدني الوطني:
-أما الملاحظة
الأولى،
فهي: إن مظهر الأزمة الحالية، التي فجَّرت غضب الشارع الوطني، هي الأزمة المعيشية
بكل ظواهرها الاجتماعية والاقتصادية، ومن أهمها أنها قصمت ظهر الشعب اللبناني،
ودفعته إلى الصراخ والاعتصام والتظاهر في تجمعات مليونية، مثَّلت أكبر حشد جماهيري
مقارنة مع مثيلاته في الدول الأخرى. طبعاً نقيس هذه الحقيقة بقسمة عدد المحتجين
على عدد سكان لبنان، لنؤكد صحة النتيجة.
-وأما الملاحظة
الثانية،
فهي: إن الحراك الجماهيري اللبناني، قفز فوق الحواجز الطائفية وداسها بهتافاته
التسقيطية. وقفز فوق وصاية أمراء الطوائف، وتمرَّد على سياسية تدجين أنصارهم
وأزلامهم، وتخديرهم، وهي تُعتبر خطوة أولى وضرورية على طريق إسقاط النظام الطائفي
السياسي.
وأما
عن الاقتراحين، فهما:
-الاقتراح
الأول:
فقد نال إجماع المتظاهرين، وهو من المواقف المُعلنة التي رفعتها قيادة الحراك
المدني، كان هدف إسقاط النظام الطائفي السياسي هدفاً استراتيجياً. لأن هذا النظام
هو من بين أهم العوامل التي أسهمت في استفحال الفساد والرشوة بين السياسيين
اللبنانيين، خاصة أولئك الذين زعموا أنهم يدافعون عن طوائفهم في مواجهة غيلان
الطوائف الأخرى. ولأنهم جميعاً متساوون في سرقة أموال الشعب، ومتساوون في تضليله،
سكت البعض منهم عن فساد الآخر، لكي يقابله الآخر من الطوائف الأخرى في السكوت عن
مفاسده.
-الاقتراح
الثاني:
إذا كانت الأهداف الاستراتيجية هي التي تصوِّب مسارات الحراك الجماهيري، فإن العمل
من أجل أهداف مرحلية تُعتبر خطوة صحيحة، وذلك لأن الوصول للهدف الاستراتيجي تسبقها
عادة خطوات مرحلية، خاصة تلك التي تشكل عاملاً أساسياً من العوامل المطلبية الأكثر
حدة في تكوين الأزمات.
وبناء
عليه، فالعنوان الأبرز للأزمة الحالية، يمثل الأزمة الاقتصادية التي يعود أسبابها
إلى واقع الفساد والهدر، والتسابق بين أمراء الطوائف على نهب المال العام، هذه
العوامل أدَّت إلى حصول ما يشبه الانهيار المالي، وازدياد الأعباء على موازنة
الدولة، بحيث تنتقل من عجز إلى عجز أكبر منه.
وبما
أنه باعتراف جميع الأحزاب الحاكمة، تُعتبر الكهرباء في لبنان من أهم العوامل التي
أثقلت كاهل المديونية العامة للدولة اللبنانية.
وبما
أن أزمة الكهرباء، تعاني من خسارة تبلغ الملياري دولاراً أميركياً، منذ أكثر من
خمس عشرين سنة. وهو الأمر الذي رتَّب على الدولة ما يفوق السبعين ملياراً من
الديون، زائداً خدمة فوائدها.
وبما
أن الوصول إلى رقم صفر من خسائر الكهرباء، ليس بالأمر العسير، بل إن الحصول عليه
سهل أكثر مما نتصور؛ وذلك للأسباب التالية:
-جميع الأحزاب
الحاكمة لديها صورة أكثر من واضحة عن حجم الأزمة، بأسبابها ووقائعها، ومشاريع
حلولها.
-وإذا كان
حجمها معروفاً حتى لأقل اللبنانيين إدراكاً ومعرفة. فإن أسبابها تعود إلى جشع
المافيات التي تستفيد من تأهيل شبكات الكهرباء، وصيانة معاملها أو شراء معامل أو
مصادر طاقة بديلة. ومصادر الطاقة البديلة محصورة في شراء الفيول، وتنفيع المولدات
الخاصة، واستئجار البواخر وقبض عمولات التعاقد معها. أو إلى ما هناك من أسباب لا
تخفى على أحد من الأحزاب الحاكمة. تلك التي لم تكشف ما لديها من معلومات لأنها
جميعها تستفيد من العائدات التي يجنيها مافيات الكهرباء.
-إن تلك
الأحزاب تعرف تمام المعرفة دهاليز المافيات، التي لا تخرج عن صنع يديها، فإنها
تعرف أيضاً مشاريع الحلول البديلة للوصول إلى صفر هدر في الكهرباء، لا بل إلى
تحويلها إلى مصادر ربحية تعود على الدولة والمواطنين بالخير الوفير.
ولكي
تستفيد قوى الحراك الشعبي اللبناني من ظاهرة نزول اللبنانيين إلى الشارع، بكل تلك
المواصفات الإيجابية التي توجنا بها مقالنا هذا. وفي معرض تركيزها على الأهداف
الاستراتيجية أن لا تنسى التركيز بشكل أساسي على أزمة الكهرباء، التي يمكن
اعتبارها تعادل بأهميتها الهدف الاستراتيجي في هذه المرحلة.
وإذا
وجدت قيادة الحراك الشعبي، في وجهة نظرنا أهمية وفائدة، فعليها أن تتحرك بسرعة
بإعلان شعار: (إسقاط مافيات الكهرباء هدف معجَّل). وعليها أن تربط أي استمرار
للحراك بتنفيذ هذا الشعار، خاصة وأنه ميسور وواضح، ولا يقتضي تشكيل لجان لدراسته.
بل تكتفي الحكومة اللبنانية بتشكيل لجنة واحدة على أن تكون محايدة ومهنية ونزيهة،
من أجل تنفيذه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق