السبت، نوفمبر 23، 2019

وصايا السكوت الذهبية كي تكون مواطناً غير متآمر


وصايا السكوت الذهبية كي تكون مواطناً غير متآمر
في زمن العهر السياسي تم تزوير المفاهيم، بحيث حولت الأنظمة الحاكمة الشعب إلى جلاد يأتمر بأمر لخارج، ومسخت نفسها ضحية لشعب متآمر.
وإذا كان الاستعمار والصهيونية يتباريان حول من يبدع أكثر في تغيير المفاهيم ومسخها، للنهش من لحم الشعوب الشيء الكثير. فما هي العلة التي أصابت عقل من يزعمون أنهم يقارعون الاستعمار والصهيونية، ويدافعون عن مصلح الفقراء والمساكين، فأغرقوا عقول الناس في تزييف المفاهيم؟ وما هو السبب الذي دفعهم للدخول إلى بوابة عهر الإعلام السياسي؟
تلك علة أصابت بالصميم الأنظمة الثلاثة في طهران وبغداد وبيروت، التي صوَّرت نفسها ضحية، عندما ثار الإيرانيون والعراقيون واللبنانيون للمطالبة بحقوقهم.
في آن واحد، راحت تلك الأنظمة يستنسخ الواحد منها عن الآخر وسائل العهر السياسي. ووحَّدتهم معزوفة اتهام الجماهير التي تطالب بالعيش الكريم بالعمالة للسفارات. هذا العهر هو أقذر ما يمكن أن ترتكبه أنظمة تزعم أنها ما وجدت إلاَّ للدفاع عن حقوق الجماهير الشعبية، والفقراء والمستضعفين في الأرض.
حكاية الجماهير اليوم مع تلك الأنظمة أصبحت ألف حكاية وحكاية. وحاكوا حول من يؤمن بأنه (لا يموت حق من ورائه مطالب)، ألف رواية ورواية.
تناسوا في طهران أن ما سُمِّي بثورة الملالي ضد الشاه قامت على تضحيات الشعب الإيراني لاستعادة حقوقه المسلوبة والمنهوبة. وتناسوا أن الشاه حينذاك اتهم الشعب بالتآمر مع قوى الخارج. وهذا هو الشعب الإيراني الآن يثور ضد نظام الملالي لاستعادة حقوقه المسلوبة والمنهوبة أيضاً، فاتهمه نظام الملالي بالتآمر مع الخارج. فليكن الله بعونك يا شعب إيران، كم أنت مظلوم.
وتناسوا أن العملية السياسية في العراق، قادها ممن ركبوا الدبابة الأميركية، ومن بعدها خضعوا للوصاية الإيرانية، لإسقاط ما زعموا أنه نظام ديكتاتوري. نظام زعموا أنه كان يقمع المعارضين للحكم، يغدق الامتيازات على فئة، ويحجبها عن فئة أخرى. فأغدقوا الوعود على العراقيين بأنهم سيضربون بسيف العدلة، وبأنهم سيشكلون ترساً للديموقراطية، ولكنهم لما ركبوا سفينة الاحتلال، كانوا أكثر من عاث بلقمة عيش العراقيين فساداً وسرقة ونهباً، هذا ناهيك عن العبث بأمنهم وحياتهم وأرواحهم. وعندما ثار الشعب العراقي اتهمه عملاء الاحتلالين بالتآمر مع الخارج.
وتناسوا أن العملية الطائفية السياسية في لبنان إنما كانت، كما زعموا، لحماية حقوق الطوائف. فكان أمراؤها هم أكثر من عاث فساداً بحقوق أبناء طوائفهم. وعندما انتفض الشعب اللبناني لاستعادة حقوقه المسلوبة والمنهوبة، اتهمته بعض أحزاب السلطة الحاكمة بالتآمر مع الخارج.
أصبحت حكاية الشعب مع حكامه الظالمين، في الدول الثلاث، ألف حكاية وحكاية. ولعلَّ أكثرها قذارة اتهام شعوبهم بالعمالة للأجنبي. فأصبح الجائع عميلاً، والمريض مريضاً بحبه للسفارات، والعاطل عن العمل عميلاً للخارج....
نتيجة لكل ذلك، سنقدم بعض النصائح للمنتفضين في الشارع. ومن أجل أن تنأى الجماهير عن تهمة العمالة للخارج، أن تفهم أولاً أن الإمام علي بن أبي طالب، عندما قال: (لوكان الفقر رجلاً لقتلته)، نجا بقولته الشهيرة، في زمانها ومكانها، من الاتهام بالعمالة؛ لأنه لو قالها اليوم لاتهموه بأنه (إمام السفارات)، لأنه يحرض الفقراء على قتل من كان سبباً في إفقاره.
فيا جماهير الشعب الفقير، أينما كنتم. ولكي تكونوا وطنيين، في نظر أولياء أموركم من حكام، وأمراء طوائفكم. ولكي تحموا مذاهبكم. عليكم الالتزام بالوصايا الذهبية التالية:
-لا تقل لولي أمرك أف، ولا تنهره. بل انصره ولو كان ظالماً. وصدَّقه ولو كان كاذباً. وأمِّنه ولو كان فاسداً.  وغير ذلك ستكون عميلاً للسفارات.
-لا تصرخ من جوع، ولا تشكو من مرض. لأنه كما يزعمون، إذا كنت يتيماً سيأويك، وإذا كنت مريضاً سيشفيك، وإذا كنت جائعاً سيكفيك. وإذا كنت ضالاً، كما تظهر اليوم في الشارع صارخاً، سيهديك. وغير ذلك فأنت عميل للخارج ضد ولي أمرك.
-لا تعترض على ما أصابك من أولياء أمرك. لأن من يعصيهم كأنه عصى الله. بل عليك أن تلوذ بالصمت لأنه من ذهب. فالسكوت  سفينة النجاة، لأنه لن يعرِّضك لتهديد ملائكة الرحمة الذين يحرسون بوابات الأمراء، ويفتدون أولياء الأمر بالدم والروح. وإن وضع الغطاء على العيون تعفيك من أن تصبح مخبراً صادقاً لعدو الخارج، فعليك أن تستر معايب حاكميك حتى لا يشمت عدو فيه وفيك. وعليك أن تسد أذنيك حتى لا تسمع من خطايا حكامك ما يندى له الجبين، ويضطرك للصراخ لأن فيه آفة تؤذيك.
وبعد، يا عزيزي الشعب المسكين، سلِّم أمرك لولي أمرك لأنه أقوى منك بعسسه وحملة المباخر الذين يسبِّحون بحمده صبحة وعشياً. إسمعها نصيحة مجانية، حتى لو سلمته رقبتك، فأنت ستكون الرابح.
إن وجودك بالشارع يعني التآمر مع الخارج على أمرائك. وأما أمراؤك فمسموح لهم وحدهم أن يبنوا علاقات مع من يشاؤن، لأنهم أكثر إدراكاً منك، وأكثر حرصاً على مصالحك. فهم يعرفون من أين تؤكل كتف المساعدات التي تأتيهم من ذلك الخارج اللعين.
-على المريض منكم أن يعض على جرحه ومرضه، لأن صرخته تفيد الخارج، واستفادة الخارج من صراخك، لهو تآمر على أمن جيوب أمرائك. فهم يعرفون كيف يستوردون الدواء بأرخص الأسعار، ويبعيونها لك بأغلاها.
-على من لم يجد عملاً، فلأن فتاوى فقهاء الأمراء يعتبرون أن الله يغنيك. ولماذا عليك أن تشكو من البطالة، وهناك أمراء يغرونك بمساعدة مما يقبضوه من سفاراتهم التي يعتمدونها أو مما سرقوه منك.
-ولماذا على ابنك أن يتعلم، طالما أولاد الأمراء يتلقون العلم في أرقى الجامعات وأكثرها تكلفة. ألا يكفيك أن ابن الأمير يتعلم عنك، ويتوظف عنك، وسيرث عن أبيه ما يمكنه أن يشتري سكوتك ببضع من الدريهمات في كل دورة انتخابية. ألا يكفيك أن تقلد رجل الدين فيجرَّك إلى الاستسلام. ألا تكفيك مائة دولاراً تقبضه في كل دورة انتخابية؟ فلماذا صراخك إذن.
-أيها الفقير ألا يكفيك الصبر على فقرك؟ ولماذا تقنط من رحمة الله؟ ولأن الله يرزق من يشاء بغير حساب، وإذا لم يرزقك حتى الآن فلأن دورك لم يأت بعد.
-أيها المتظاهر الشارد في الشوارع تهتف بٍإسقاط أولياء أمرك، أنت تخالف مشيئة الله التي تحض على طاعة أولي الأمر منكم. ألا تعلم أن هتافك ضد ولي أمرك هو عصيان لأوامر الله، وأنه خدمة مجانية تقدمها للاستعمار والصهيونية؟
وأخيراً، عليك أن تلوذ بالسكوت لأنه من ذهب. فتنال إحدى الحسنيين: رضى أميرك وولي أمرك. وضمان سلامتك وسمعتك وحياتك.



ليست هناك تعليقات: