الاثنين، يناير 20، 2020

عقارب ساعة الثورة لا تعود إلى الوراء


من بيروت إلى بغداد: 
عقارب ساعة الثورة لا تعود إلى الوراء

من أهم دوافع الثورة هي حصول فجوة بين الحاكم والمحكوم. الحاكم الذي لا يؤدي وظيفته بأمانة لكونه مسؤولاً عن سياسة شؤون المحكومين. والمحكومون الذين يلحق بهم الضرر بشكل فادح.
قد يسكت المحكوم المتضرر، ولكن إلى درجة ما، ولكن إذا تجاوز الظلم حدوده إلى درجة لا تُطاق تبدأ الثورة ضد الظلم بالانفجار. وقد تكون مرحلة السكوت مؤقتة بمراهنة المحكوم على إصلاح ما يقوم به الحاكم من أجل تخفيف الضرر، ولكن إذا فقد المحكوم الأمل بالإصلاح، تصبح عملية بتر الحاكم ضرورية.
تلك هي من أهم معالم الثورة التي لن تعود عقاربها إلى الوراء طالما الظلم مستفحل ومستمر.
ليس من قبيل الصدف أنه عندما نتعرَّض إلى تحليل ما يحصل في العراق، نجد ما يماثله في لبنان. وسبب ذلك عائد إلى التماثل بينهما بأن النظامين الحاكمين في كل من القطرين يطبقان منهج نظام الطائفية السياسية، وهو قائم على قواعد استغفال الشعبين، بأن من أهم أهدافه هو حماية الطائفة، فأعطوا مبدأ حماية الطائفة أولوية، وهي خدعة انطلت على عقول الشريحة الأوسع من جماهير القطرين العربيين. وتحت ظل هذه الخديعة، ولأنها ترسِّخ أقدامهم للبقاء في الحكم، ألغوا أولوية مبدأ حماية الوطن. يستفيد أمراء الطوائف، سياسيون ورجال دين، الشيء الكثير عندما يغررون بقطاعات واسعة من الجماهير، وهي قابلة بذك،  لأنها منشدَّة إلى القشور في الظاهرة الدينية الدينية، ولا تعطي وزناً لما فيه من قيم ومُثُل ذات علاقة بمبدأي العدالة والمساواة بين البشر.
واستناداً إلى هذا التعليل، كان من أهم ما حصل في لبنان والعراق إعلان الجماهير الغاضبة شعارين على غاية من الأهمية: القفز فوق الحواجز الطائفية بالتقاء كل الأطياف الدينية في ساحات الاعتصام تحت شعار، فصل الدين عن الدولة.
ففي العراق رُفع شعار: (باسم الدين باغونا الحرامية)، أي باسم الدين سرقنا الفاسدون.
وأما في لبنان فقد رُفع شعار: (إسقاط النظام الطائفي السياسي)، أي فصل الدين عن السياسة.
سيَّان اعتبرنا الظاهرتين ثورة أو انتفاضة، يكفي أن نفهم أن وراء الشعارين أهدافاً ثورية؛ قد تتحقق في قطر بدرجة أسرع من القطر الآخر. ولكن هدف إلغاء الطائفية السياسية هو بحد ذاته إذا حصل يُعتبر ثورة حقيقة لأن بإسقاطه يشهد القطران تغييراً نوعياً بإسقاط السبب الذي أدى إلى استفحال الفساد واستغفال عقول البسطاء من الجماهير. وسهَّل أمامهم طرق الفساد الداخلي من جهة، وفتح طريق الاستقواء بالخارج من جهة أخرى.
إن السمات الثورية في الظاهرتين، هو أنه بعد أن كان أمنية عند قوى النخبة القومية الثورية، فقد أصبحت مطلباً لشرائح شعبية لا يُستهان بعددها ونوعية وعيها المتقدم. والأهم من كل ذلك أن النظرية نزلت من أبراجها العاجية الفوقية إلى أرض الواقع، وسلكت الخطوة التنفيذية الأولى على طرق الألف ميل.
وبناء عليه، سنُصلِّت النظر، من خلال ربط مقدمة المقال بالواقع الراهن، على الحقائق الثلاث، التي يجب أن تحوزها الثورة، وهي:
-الحقيقة الأولى: الوضوح في أهداف الثورة: وهذه الحقيقة ظهرت من خلال الوعي الجماهيري لأسباب التخلف وأعلنها بـ(إسقاط النظام الطائفي السياسي). ووضع هذا الهدف في قمة هرم الأهداف الثورية.
-الحقيقة الثانية: ملء الفراغ القيادي: وتظهر جلية واضحة في انضمام شريحة واسعة من المثقفين الثوريين إلى الساحات الشعبية، ليشكلوا الظهير العقلي الواعي للجماهير الثائرة. يصدقونها القول والرأي. وهذا ما لم يلمسه ائتلاف أحزاب السلطة، فأطلقوا جزافاً وتجهيلاً تهمة افتقاد الثوار للقيادة.
-الحقيقة الثالثة: شعبية الثورة وسلميتها: تبرز في أن الظاهرتين الشعبيتين تحولتا إلى مشهديات مليونية، تظهر دفعة واحدة أحياناً، وأحياناً أخرى في انتشارها على مساحات جغرافية تشمل ساحات الثوار والمنتفضين في معظم المناطق الجغرافية والإدارية.
وخلاصة القول،
إنه على الرغم من وجود ثغرة تفصيلية تحصل هنا أو هناك، فإن الشروط لقيام الثورة أصبحت ملك يمين الظاهرتين المشرِّفتين في العراق ولبنان. وهذا ما يسمح لنا بالقول: إن عقارب ساعة الثورة هما لن تعود إلى الوراء.

ليست هناك تعليقات: