الخميس، مايو 28، 2020

الحلقة الثانية من كتاب الردة في الإسلام (2/ 6)


عرض كتاب (الردة في الإسلام)
الحلقة الثانية (2/ 6)
الفصل الثاني:
مرحلـة التأسيس لتكفير الجماعـة

وفي الفصل الثاني، تحت عنوان (مرحلـة التأسيس لتكفير الجماعـة)، واستناداً إلى رواية خطبة الوداع، التي اختلف ناقلوها حول نصها: نقل الباحث روايتين مختلفتين، وهذا نص كل منهما:
-الرواية الأولى: «إني قد بلّغت وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلّوا أبداً،  أمراً بيّناً،  كتاب الله وسنّة نبيّه ».
-الرواية الثانية: لم يرد فيها (...سُنَّة نبيه...)، بل ورد نص (... وأهل بيتي...).
يُمهِّد الباحث للفصل بالقول: بعد وفاة الرسول ولما ابتدأ عصر الخلافة الراشدة، كان يُعَدُّ العهد الذي أسَّسَ لأكثر الإشكاليات التي رافقت تاريخ الإسلام حتى يومنا هذا. علماً أنه في حياته كان يجد من يعارضه من أصحابه حول الكثير من الأمور. واستمرَّ الأمر بعد وفاته.
وكانت بداية الإشكاليات في تعيين خليفة له. ولعب نص خطبة الوداع وتطبيقه دوراً كبيراً، بالإضافة إلى الخلاف حول من له الحق بها من الأنصار والمهاجرين. وما زاد طين الخلاف بِلَّة، طلب الرسول، وهو على فراش الموت، قلماً وورقة، قائلاً: (هلِمُّوا أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً). رفض البعض من أصحابه، وقبل البعض الآخر، وهي الرواية التي فسرها أنصار علي بن أبي طالب بأن الكتاب كان سينص على خلافة أهل بيته.
خصص الباحث هذه المسألة في المقطع الأول من الفصل، وسرد بإسهاب كل الروايات ذات العلاقة بالخلاف، فوجد بينها التباينات العميقة التي لم يستطع التاريخ الطويل أن يردمها، لا بل كانت تزداد عمقاً ومسافة الأمر الذي يعبر عنه عنوان الفصل. الذي ابتدأ في حياة الرسول بتكفير الفرد إلى تكفير الجماعة. وبها لم تستطع العقيدة الدينية أن توحِّد المسلمين طوال التاريخ حتى الآن.
ويتابع الباحث بوصف مرحلة الخلافة الراشدة بأنها أسست لكثير من الفتن. وعن ذلك، يقول الباحث، إن المسلمين واجهوا بعد وفاة الرسول محنتين كانتا في غاية الجِدَّة؛ وكانت لهما تأثيرات بالغة الأهمية في تاريخ الدعوة الإسلامية، وهما: الخلافة ومسألة الردة العامة.
وبعد أن يستعرض بإسهاب مواقف كل المذاهب، ينتقل الباحث إلى المقطع الثاني الذي جاء تحت عنوان: (الخلافـة الـراشدة: مرحلة التأسيس لشقوق عاموديـة في داخل الدعوة الإسلامية). واستلَّ في المقطع الثاني من الفصل نصوصاً تاريخية تضفي الأوصاف السلبية على مرحلة الخلافة الراشدة، والتي تؤكد ما ذهب إليه. ونقل ما قيل في عهد كل خليفة من الخلفاء الراشدين الأربعة، وهذا ما جاء حول كل منها:
يمهِّد الباحث للمقطع الثاني، بأنه إذا استلَّ من تاريخ الخلفاء الراشدين الجوانب السلبية، فهذا لا يعني إغفالاً للجوانب المضيئة.
1-خلافة أبي بكر الصدِّيق (11-13هـ=632-634م) (البيعة الفلتـة): وهي فلتة تمت في ظل الخلاف بين المهاجرين والأنصار. وبين الأنصار أنفسهم. والمهاجرين أنفسهم. وكاد الخلاف أن يتحوَّل دموياً. وعنها قال عمر بن الخطاب: «لا يغرَّنَّ امرءًا أن يقول إن بيعة أبي بكر كانت فلتة [من دون تدَّبُر وتمهُّل]؛ فقد كانت كذلك، غير أن الله وقى شرَّها».
فكانت النتائج الأولية أن انقسم المسلمون إلى ثلاث فرق: الأنصار والمهاجرون وبنو هاشم.
وواجهت الخليفة أبو بكر أربع مشاكل حادة، وهي: الردة العامة للقبائل العربية، وبعثة أسامة بن زيد، وإشكالية ميراث الأنبياء: بين أبي بكر وفاطمة، وبينه وبين عم الرسول وزوجاته. وإشكاليـة ما حصل بين خالد بن الوليد ومالك بن نويرة.
وأما الأولى فقد أنهاها بالسيف. وأما الثانية فقد أنفذها على الرغم من معارضة أكثر صحابته. وأما الثالثة، وموضوعها مطالبة فاطمة بنت الرسول بميراث أبيها. فإنها لم تجد حلاً، ولذلك اعتبر الباحث أنها أسست لانقسام عامودي في الدعوة الإسلامية، ولعلَّ أهم مظاهرها المستمرة حتى الآن، الخلاف بين السنة والشيعة. وقد نقل الباحث تفاصيل تاريخية موثَّقة حول المشكلات الأربع.
2-خلافـة عمـر بن الخطَّـاب  ( 13 -23 هـ = 634 - 644م): (الاستخلاف خوفـاً من الفتنة). وهذا ما قاله أبو بكر عندما استخلف عمر، خوفاً من تكرار الخلاف بين المسلمين بعد وفاة الرسول. وبعد نقله صورة المشهد التاريخي في ظل استخلاف عمر بن الخطاب، ينهي الباحث ذلك بقول لإبي بكر («اللهم إني لم أرد بذلك إلا صلاحهم، وخفت عليهم الفتنة».
وعالج الباحث أربع مسائل حصلت في عهد عمر، وهي: عهد التوَّسُع بالفتاوى الجديدة، والتوسع بالفتوحات الإسلامية، وجزاءاتها الاقتصادية، وإشكاليـة اغتيالـه.
أفرد الباحث موقعاً متميزاً لعمر بن الخطاب، من حيث الجرأة على الاجتهاد والتجديد في النص الإسلامي. ولأهميته ننقل تقييمه له حرفياً: (اشتهر عمربجرأته على التعارض مع الرسول ببعض المواقـف من جهة؛ وعلى توافقه مع النص القرآني والرسول من جهة أخرى. ربما تكون هذه السابقة قد أكسبته حصانة نفسية بالتعاطي، مع النص الكتابي والسُّنِّي، بأقل ما يمكن من الخشية النفسية، وحرَّرته من عقدة الخوف والرهبة؛ فميَّزته عن غيره من الصحابة، الذين تعاطوا مع النص بخشية وتحفُّظ. واستكمالا لبنائه النفسي - الاجتماعي المتميِّز، تابع عمر سلوكه السابق في التعاطي مع الشأن العام، من بعد أن أصبح وليِّا لأمر المسلمين، صاحب السلطة السياسية والدينية في الدولة الإسلامية). ومن أهم الفتاوى الجريئة التي سجَّلها الباحث، ووثَّقها بنوع من التفصيل، ما يلي:
- كان أول عمل قام به عمر أنه ردَّ سبايا أهل الردة إلى عشائرهم، وقال: إني كرهت أن يصير السبي سُـنَّة على العرب.
- قام بعزل خالد بن الوليد عن إمرة الجيش في الشام، وكان عمر سيِّءَ الرأي في خالد. وهذا ما لم يفعله الرسول، أو أبو بكر الصديق.
- سنَّ عمر قيام شهر رمضان، وكتب بذلك إلى البلدان.
- ولعمر بن الخطاب أوليَّات (أي كان هو أول من سنَّها) مثل: أنه أول من تسمَّى بأمير المؤمنين- وأول من كتب التاريخ بالهجرة- وأول من نهى عن بيع أمهات الأولاد- وأول من حرَّم المتعة...
-الـثاني: التوسُّع في الفتوحات، والثورة في الثروة: وعن هذا ثبَّت الباحث لخلافة عمر أنه وضع تشريعات تتناسب مع المتغيرات الجديدة، عدَّها البعض أنها مخالفة للنصوص الدينية. وقد وثَّق الباحث للتشريعات الجديدة بشيء من التفصيل.
- الثالـث: إشكاليـة اغتيـال عمر بن الخطـاب: يروي ابن عبد ربه: إن من قتل عمر بن الخطاب هو غلام نصراني يدعى أبو لؤلؤة، بسبب ثقل الخراج المفروض عليه. ولكن اختلفت الروايات حول أسباب حادثة الاغتيال، قام الباحث بتوثيقها.

3 - خلافـة عثمان بن عفَّـان (23-35هـ =644-657م ): (الشـورى ونخبـة النخبـة):
اختير من بين ستة أسماء. ويُروى أن المشاكل ابتدأت في أواخر عهد عمر بن الخطاب، وبموته ضعُفَ التوجيه والرقابة، فظهرت الآثام وانتشرت الشرور بين بعض الناس؛ واستفحلت في خلافة عثمان بن عفان، ولذلك امتاز عهده بكثرة الإشكاليات والتأسيس لنشأة المعارضة المسلحة في وجه السلطة: وأخذ عثمان «يعمل أشياء لم يعملها سابقوه؛ أشياء رآها بعض المسلمين أخطاء، ورآها عثمان صواباً أو ضرورة، وكانت هذه الأعمال هي الشرارة الـتي انطلقت منها الفتنة العارمة». والتي أدت إلى قتله. وعلى وفق منهجه التوثيقي قام الباحث بنقل كل الآراء التي دافعت عنه، والآراء التي نقدت عهد خلافته. وذلك قبل أن يدلي برأيه. وعن ذلك يقول:
لو كان عثمان هو الباغي، وهذا الأرجح، استناداً إلى أنه لم يجد من الصحابة أحداً من كان يُقِرُّه على أعماله، ومنهم عائشة، وعبد الرحمن بن عوف، وعلي بن أبي طالب. فقد عَنَّفَه الجميع، ودعوه إلى تصحيح أخطائه؛ بينما كان من الواجب عليهم، تطبيقاً للنص القرآني، أن يقفوا إلى جانب المعارضة للضغط عليه وإلزامه بأن يفيء إلى أمر الله، وإجباره على نزع نفسه من الخلافة، أو أن ينتزعوها منه. لكن مواقفهم، بدلاً من ذلك، انقسمت بين حامل لقميصه، وبين من يسعى للتبرؤ من دمه.

4-خلافـة علي بن أبي طالب (35-40هـ = 656-661م): (بيعـة الهروب من الفتـنة إلى الفتن):
كثرت الفتن بين المسلمين بعد اختياره خليفة، يعبر عنها الباحث بالعنوان: انتشار الفتن، واشتداد المعارضة المسلحة: وسببها أنه لما قُتِلَ عثمان، وبُويِعَ لعلي، ذرَّت الفتنة قرونها، وتجمعت المعارضة ضد علي في سرعة النار في الهشيم، واتجهت في اتجاهين رئيسين:
- الأول: تَجمُّع المعارضة في مكة بقيادة عائشة، ثم انتقل التجمع إلى البصرة؛ ومن هناك انطلقت حرب الجمل.
-الثاني: تَجمُّع آخر للمعارضة في الشام بقيادة معاوية بن أبي سفيان، ومنها انطلقت حرب صفِّين.
وأما عن الأولى، فقد انتشرت للمطالبة بدم الخليفة عثمان بن عفان. ومعظمهم من الذين حرَّضوا عليه، ولم تنفع كل أنواع المفاوضات في تقريب وجهات النظر، حيث نقل الباحث وقائعها من مختلف الاتجاهات. وانتهت بهزيمة المعارضة. وكانت نتائجها كارثية على المسلمين، إذ بلغ عدد القتلى من الطرفين ما بين العشرة آلاف والخمسة عشر ألفاً.
-الفتنة الثانية: إشكالية حرب صفِّين بين علي ومعاوية (37هـ=658م):
وفي مقابل جبهة البصرة كانت قد سبقها فتح جبهة الشام، وفيها وضع معاوية قميص عثمان على المنبـر ليراها الناس وندبهم للأخذ بالثأر له. فتوجَّه علي إلى الشام ورفض معاوية أمر علي بالاعتزال عن ولاية الشام، ودارت حرب صفين لم يستطع أحد منهما أن ينتصر فيها. ولكنهما اتفقا على مسألة التحكيم المشهورة، التي انتصر فيها الخبث السياسي، عندما خلع الأشعري صاحبه، بينما ثبَّت ابن العاص صاحبه. علماً أن عدد ضحايا حرب صفين بلغ خمسة وسبعين ألفاً من الفريقين، فكانت من نائجه أيضاً  انقلاب بعض أصحاب عليِّ عليه. وبرزت فرقة الخوارج من صفوف أنصار علي لأنهم حمَّلوه خطأ (التحكيم). وهذا ما كان السبب في فتنة ثالثة.
-الفتنـة الثالثـة :إشكالية حرب النهروان بين علي والخوارج:
ولما فشِلَ الحوار بين علي والخوارج، التحمت الحرب بينه وبين الفئة التي أصرَّت على الخروج عليه. قُتِل جميع الخوارج في وقعة النهروان (39هـ=660م). وهذا السبب الذي أدى إلى اغتيال علي بن أبي طالب، على أيدي ابن ملجم، أحد فرقة الخوارج.
د - قـراءة حول انتشار الفتن المسلَّحـة.
وإذ يستعرض الباحث آراء مختلف مذاهب الفقهاء، وعلى العكس من مواقف الفقهاء الشيعة، لخَّص تلك المواقف، بما جاء في نص عبد الرحمن النجدي عن الحروب بين الصحابة قائلاً: «وأما الحروب التي وقعت بين الصحابة، فالصواب فيها قول أهل السُنَّة والجماعة وهو السكوت عما شجر بينهم، والترضِّي عنهم، وموالاتهم، ومحبتهم كلهم رضوان الله عليهم أجمعين. ».
ويعلن الباحث رأيه متسائلاً: هل تساءل الفقهاء المسلمون عن حقوق الضحايا؟ كأن يُقال: هل ماتوا بحق أم أنهم كانوا من المظلومين؟ وهل يحصلون على حقوقهم إذا قيل إن فلاناً قد اجتهد بالحرب فأخطأ؟ هنا يصبح الطريف بالأمر أن المسؤول، عوضاً عن أن ينال جزاءه العادل، يُعطى أجراً واحداً، أي نصف أجر المجتهد المصيب، وهو رابح دائماً، سواءٌ أكان الأجر كاملاً، أم نصف أجر.
ثانـياً: الخـلافـة الراشدة :القضايا - التقاطعات .
يرى الباحث أنه على الرغم من تظهير عهد الخلفاء الراشدين بأنه العهد الأمثل في تاريخ الإسلام أن ما قمنا باستقرائه يدلنا على أنها كانت من أشد المعضلات حِدَّةً في تاريخ الدعوة الإسلامية. ولأن القرآن والسنة لم يأتيا بنص صريح واضح ومحكم، من أجل الاستناد إليه في تنظيم هذه المسألة، تحولت إلى إشكالية شائكة. وسوف تستمر هذه الإشكاليات طالما بقيت مسألة الخلافة مطروحة كحل أساس لأي نظام سياسي إسلامي.
لقد دلَّ استقراء الوقائع التاريخية على أن النص الإسلامي افتقر إلى وجود أسس تنظّم مسألة الخلافة؛ لهذا السبب بقيت هذه المسألة عرضة لشتى الاجتهادات والتقديرات الفئوية، مما دفع بالتأويلات المذهبية، فيما بعد، إلى أن تصوغ نصوصها المنظمة لمسألة الخلافة؛ وبهذا أخذ الأمر يبدو وكأن كل نص مذهبي حول الخلافة وكأنه نص مقدَّس. وباتت، بعدها، كل فرقة من الفرق الإسلامية تكيل التهم لغيرها من الفرق، فتبدِّعُها أو تفسِّقها أو تضلِّلُها تحت حجة مخالفتها لنصوص الكتاب والسنة النبوية.
وبعد أن يستعرض النصوص التي تعبِّر عن رأي أهل السُنَـّة، والنصوص التي تُعبِّر عن رأي الشيعة. يختم الباحث الفصل الثاني، بالقول: نحن ندري أننا لن نعيد التاريخ لنحاكمه في سبيل أن نحكم لهذا أو لذاك بالحق والإصابة، أو أن نحكم على الآخر بالباطل والخطأ فنحن ندري، أيضاً، أن ذلك لن يجدي نفعاً إلا بالقدر الذي يسهل فيه الحوار في سبيل ردم ثغرات التاريخ الغابر بما يدفعنا للاستفادة منه في عصرنا الحاضر. وذلك بعد أن سقطت الضحايا بالملايين على مذبح الصراع في سبيل إثبات صحة مواقف هذا أو ذاك من صحابة الرسول أو من مواقف التابعين أو تابعي التابعين، والكل يمتشق -في دائرة الصراع- سلاح النص، فيجد كل طرف ما يؤيد اعتقاداته. ولم ينتج الصراع إلا مزيداً من النصوص، ومزيداً من الدماء والأحقاد والضغائن. وهذا ما سوف يستعرضه الباحث في الفصلين الثالث والرابع.




ليست هناك تعليقات: