الاثنين، يونيو 11، 2012

جمود الخطاب الإسلاموي

-->
جمود الخطاب الإسلاموي عند حدود التحريض
يُفقد الحوار شروطه الموضوعية
في 9/6/ 2012             
جاء مقالنا رداً على مقال الدكتور رحيّل غرايبة، الذي نشره بتاريخ 5/ 6/ 2012، في جريدة العرب اليوم الأردنية تحت عنوان: (القوميون العرب والأنظمة القومية والإسلام). وسيجد القارئ الكريم نص المقال المذكور مرفقاً مع هذا الرد.
نص الرد
أينما توجهَّت إلى خطاب الإسلاميين قاصداً الحصول على موقف لهم من العروبة فلن تجد إلاَّ خطاباً تعبوياً تحريضياً على الفكر القومي، والدعوات القومية. وقلما تجد بين هذا الخطاب أو ذاك فروقاً جوهرية، وكأنهم بذلك يضعون العروبة دائماً بمواجهة الإسلام. وهذه من أكبر آفات الأمة التي تأكل من وحدتها في شتى الاتجاهات، سواءٌ أكانت في مواجهة الغزو الخارجي أم كانت في مواجهة ظلم الأنظمة وتعسفها.
وما يوحد خطابات الإسلاميين، من شتى الطوائف والمذاهب والأديان والحركات، ما يشبه العداء للقومية العربية إذا لم يكن عداءً كامل الأوصاف. وهو ما عبَّر عنه الشيخ القرضاوي، أحد أكبر الإسلاميين في المرحلة الراهنة، بقوله: (ما وُجدت القومية إلاَّ لمعاداة الإسلام).
وانطلاقاً من هذه المقدمة، واستناداً  لحق الرد على مقال الدكتور رحيّل غرايبة، الذي نشره بتاريخ 5/ 6/ 2012، في جريدة العرب اليوم الأردنية تحت عنوان: (القوميون العرب والأنظمة القومية والإسلام). أرجو من جريدة (العرب اليوم) الغراء نشر الرد التالي:
لقد شنَّ الدكتور غرايبة هجوماً لا هوادة فيه على القوميين والأنظمة القومية بمقال لم تتجاوز كلماته الستماية كلمة، وفيها وزَّع عشرات التهم، من دون أن يفنِّد أية تهمة بأسباب موضوعية وأسلوب علمي. وفي مقال وزَّع فيه عشرات الاتهامات التي لا يمكن أن يتم الرد عليها بأقل من العديد من المقالات، وكأننا به، ومن منطلقه التسليمي، يصدر أحكاماً مُبرَمَة لا تقبل الاستئناف. وهو بمثل هذا الأسلوب لا يعتبر (المتهم بريئاً حتى تثبت إدانته)، بل اعتبره مُداناً قبل أن يسمع دفاعه. وبمثل هذا الأسلوب غير الموضوعي دارت آلاف الحوارات بين إسلاميين وقوميين، منذ عشرات السنين، ولكنها كانت ومازالت تدور على قاعدة (عنزة ولو طارت). وأما السبب فيعود إلى أن الإسلاميين يناقشون على أساس مسلَّمات مقدسة لا تقبل الحوار، وترفض الرأي الآخر، ما كان يجب عليهم أن يناقشوه على قاعدة (رأيي صواب حتى يثبت خطؤه، ورأيك خاطئ إلى أن تثبت صحته).
ولو أردنا أن نعدد الإملاءات التي يسوقها الدكتور غرايبة في مقاله المقتضب،  لعرفنا من خلال تعداد بعضها على شكل أسئلة مدى خطورتها، ومدى التبسيط في طرحها. وهنا فليسمح لنا الدكتور غرايبة أن يجيبنا على السؤال التالي:
كيف يمكنه أن يعالج مسائل عديدة على مستوى من الخطورة بمثل هذا التسرع والتبسيط؟
-هل تقوم معالجة مواضيع (الدين والحضارة والفلسفة) على قواعد (المصالحات) في مؤتمرات تتكاثر فيها خطابات المجاملات؟
-كيف حكمتم على أن الأنظمة القومية في مصر والعراق وسورية وليبيا والجزائر تقف (الموقف العدائي والسلبي من الإسلام). وهل هذا صحيح؟
-لماذا اعتبرتم أن الإسلام وحده هو الذي (ملأ آنية العرب فكراً وحضارة وقيماً وأعرافاً، وجعل العرب أمّة لها رسالة حضارية راقية، وخطاب عربي إنساني متقدم...)؟. ومع اعترافنا بأن الإسلام شكَّل قفزة نوعية  في تاريخ الحضارة العربية، هل يجوز لنا أن نتجاهل آلاف السنين من التراكم الحضاري في بلاد ما بين النهرين، ووادي النيل،  والجزيرة العربية..... هذا التراكم الذي سبق الثورة الإسلامية؟
وهل يجوز لنا أن نتجاهل حركة النقل المعرفي من شتى حضارات دول العالم، تلك الحركة التي ترجمت المعارف القادمة من اليونان خاصة ومن دول الشرق الأقصى عامة؟ وهل يجوز أن نتجاهل عراقيل فقهاء الدين التي وًضعت في مواجهة عدائية مع تلك الثورة المعرفية؟
-وهل يتنكر القوميون فعلاً للحقائق التالية: (جاء القرآن باللغة العربية، وحفظ اللسان العربي، وجعل اللغة العربية لغة عالمية، ولغة حضارية، ونزل الإسلام في جزيرة العرب، وجعل العرب في مركز القيادة والريادة، لكل شعوب المنطقة)؟؟؟؟؟؟ أم أن هذه تهمة يلقيها الكثير من الإسلاميين على عواهتنها؟؟؟
-وعلى أهمية ما جاءت به الثورة الإسلامية، وهذا لايتنكر له إلاَّ حاقد أو مأفون، هل ما جاء في مقال الدكتور غرايبة، وهو أنموذج يردده معظم زملائه، إلاَّ تضخيم للذات؟ وأرجو سيدي الكريم أن تعيد قراءة ما دبَّجه قلمك: ( الإسلام أعطى العرب منظومة قيم نبيلة، وطوّر حياتهم في كلّ مجالات الحياة وشكل لهم نظاماً اجتماعياً فريداً ونظاماً للأسرة، ونظاماً للاقتصاد، ونظاماً تربوياً ونظاماً معرفياً شاملاً، وحرر العقل من الخرافات والأساطير، وأرسى قواعد المنهج العلمي في التفكير ورفع شأن المرأة، وحارب التمييز العرقي والديني والمذهبي، وأرسى قواعد الدولة المدنية، ودولة المواطنة،،،،)؟؟؟
وهنا لا بُدَّ من أن نتساءل:  هل لا يجوز نقد كل حكم من أحكامك الواردة أعلاه؟
-وهل صحيح أن (مُنظّري القومية العربية، تحاول إفراغ الذهنية العربية من الإسلام وقيمه، وتتجه إلى استيراد فكر اشتراكي). وهل يحمل الفكر الاشتراكي (بذور العداء للإسلام وحضارته وتاريخه)؟ وهل هذا حكم علمي وموضوعي؟
-وهل منظرو القومية العربية، والأنظمة القومية التي تزعمون أنها وقفت بعداء ضد الإسلام، هي التي خربَّت المجتمع العربي بآفات الطائفية والمذهبية؟
حكمتم بغير وجه حق يصل حد الافتراء، ولم تبرهنوا على ذلك بأكثر من عبارات تحمل التهويل والتجني، وإليك واحدة منها، حيث جاء نصكم الحرفي ليتهم الحركات القومية بأنها (تحاول طمس الهوية الإسلامية وتعمل على حفر خندق رهيب مليء بالقطيعة ومليء بحملة تشويهية مليئة بكل معاني الحقد والكراهية وافتعال حرب داخلية ضروس...). وهنا نسأل الدكتور غرايبة، وزملاءه: هل كل تلك المذابح الطائفية التي نسمع بها، ونشاهد فظاعتها، في عدد من الدول العربية، ويأتي العراق في المقدمة منها، هي من صنع المفكرين القوميين، والأنظمة القومية؟؟؟ وهل ما يجري في لبنان من حقن طائفي، هو من فعل أولئك المفكرين وتلك الأنظمة؟؟؟؟
وأخيراً، وكما ترى عزيزي الدكتور كان اقتضابك لعشرات التهم ضد القوميين محض افتراء وتهويل. فهل يمكننا التروي والهدوء في حوار بعضنا للبعض الآخر، مخافة أن تسقط بيزنطية العرب ونحن منشغلون بالسفسطة؟ وهذه هي تسقط ونحن نتلذذ بخلافاتنا الداخلية تحت أوهام وأضاليل وضع الإسلام في مواجهة العروبة، أو وضع العروبة في مواجهة الإسلام. وأما آن لنا أن نقلع عن خلافات وهمية يتم تحت ظل دخانها تنفيذ مشاريع خطيرة. أو ليس ما تزعمه خلافاً بين التيارين، أكثر من خلافات يتم تسعير أوارها لتمرير مثل تلك المشاريع التي لن يستفيد منها إلاَّ الأمبريالية والصهيونية ودول الجوار الجغرافي للوطن العربي؟

نص مقال الدكتور غرايبة
القوميون العرب والأنظمة القومية والإسلام
 05/06/2012
  د. رحيّل غرايبة                                               
موقف القوميين العرب والأنظمة القومية العربية من "الإسلام" ديناً وحضارةً وفلسفةً، موقف غريب ومستهجن، ويستعصي على الفهم، وغير قابل للتبرير، رغم محاولات المصالحة التي جرت في العقد السابق وما بعده وأثمرت إنشاء بعض المؤسسات تحت مسمى "المؤتمر القومي الإسلامي" وغيره، التي لا تخرج في مجملها عن بعض المجاملات واللقاءات والمؤتمرات، والمقالات الإنشائية التي لم تغيّر من الحقيقة المرّة شيئاً. أستطيع أن أتفهم موقف بعض الأحزاب القوميّة التركية المتشددة من الإسلام وحضارته، وكذلك موقف بعض الأحزاب الإيرانية القومية، المتعصبة للعرق الفارسي، التي ترى أنّ الإسلام أتى بالعرب إليهم فاتحين واستطاعوا إطاحة الإمبراطورية الفارسية العظيمة، التي لا بدّ من إعادة مجدها التليد حسب زعمهم، بعد أن أصبحت ملحقة بالقيادة العربية!! لكنّي لم أستطع أن أبرر موقف القوميين العرب والحركات القومية العربية التي استطاعت الهيمنة على معظم الأقطار العربية بعد الحقبة الاستعمارية من خلال الحكم الناصري في مصر، والحكم البعثي في كلٍ من العراق وسوريا، إضافة إلى جبهة التحرير في الجزائر، وحكم القذافي في ليبيا، وما لهذه الأنظمة والقوى من أتباع وامتدادات ومؤيدين على الرقعة العربية كلها. لماذا هذا الموقف العدائي والسلبي من الإسلام، مع أنّ الإسلام هو الذي ملأ آنية العرب فكراً وحضارة وقيماً وأعرافاً، وجعل العرب أمّة لها رسالة حضارية راقية، وخطاب عربي إنساني متقدم، محل فخر واعتزاز، ومحل تقدير عالمي رفيع؟ لماذا الموقف المتشنج من الإسلام الذي نزل على محمد العربي صلى الله عليه وسلم من ذروة أنساب العرب، وجاء القرآن باللغة العربية، وحفظ اللسان العربي، وجعل اللغة العربية لغة عالمية، ولغة حضارية، ونزل الإسلام في جزيرة العرب، وجعل العرب في مركز القيادة والريادة، لكل شعوب المنطقة، واستطاع النبي العربي أن يوحد شتات العرب خلال مدة قصيرة من الزمن؛ ليجعلهم أصحاب رسالة انطلقوا في أرجاء المعمورة فاتحين، واستطاعوا مقارعة أعظم الإمبراطوريات العالمية السائدة الرومانية والفارسية، وبقي سلطان العرب يعظم ويعظم على الصعيد العلمي والمعرفي، وعلى الصعيد الإنساني الحضاري، ليصبح العرب في موقع المزاحمة على قيادة العالم. الإسلام أعطى العرب منظومة قيم نبيلة، وطوّر حياتهم في كلّ مجالات الحياة وشكل لهم نظاماً اجتماعياً فريداً ونظاماً للأسرة، ونظاماً للاقتصاد، ونظاماً تربوياً ونظاماً معرفياً شاملاً، وحرر العقل من الخرافات والأساطير، وأرسى قواعد المنهج العلمي في التفكير ورفع شأن المرأة، وحارب التمييز العرقي والديني والمذهبي، وأرسى قواعد الدولة المدنية، ودولة المواطنة، وأسهم في رفع مستوى الأمّة العربية في رفع مستوى البشرية في كل الكرة الأرضية، إلى آفاق الحرية والكرامة الإنسانية المصونة
. القوميون العرب ينبغي أن يتبنّوا الإسلام ونظمه الحضارية ورسالته الإنسانية ويتعصبوا له من جهة الانتماء العرقي الفطري والقومي والمكاني، إن لم يكن بدافع عقدي أيديولوجي، وبإمكانهم أن يفتخروا بأنّ الحضارة الإسلامية منتجٌ عربيّ، ومن مصدر عروبي وولدت في حاضرة العرب وحاضنتهم، وجعل صحراءهم مصدراً ثراً للمعرفة والقيم النبيلة. لكن العجب العجاب أنّ الغالبية العظمى من مُنظّري القومية العربية، تحاول إفراغ الذهنية العربية من الإسلام وقيمه، وتتجه إلى استيراد فكر اشتراكي في الأغلب يحمل بذور العداء للإسلام وحضارته وتاريخه، وتحاول طمس الهوية الإسلامية وتعمل على حفر خندق رهيب مليء بالقطيعة ومليء بحملة تشويهية مليئة بكل معاني الحقد والكراهية وافتعال حرب داخلية ضروس بددت طاقات الأمّة وأهدرت فرصتها في النموّ والازدهار، وأنا لا أدري عندما يتمّ تجريد العرب من الإسلام، ماذا بقي لهم من التاريخ والحضارة والإنجاز والقيم والثقافة؟ الحقيقة الواضحة وضوح الشمس أنّ الإسلام والعرب صنوان، لا ينقسمان. والإسلام هنا بمعنى المشروع الحضاري، وبمعنى كونه فلسفة حياة، وثقافة بالإضافة إلى كونه ديناً وعقيدة جاءت لاستيعاب كل أصحاب الأديان السابقة في إطار الحرية والاحترام الذي ينفي كلّ عوامل الإكراه ومصادرة الإرادة الإنسانية والكرامة الآدمية.


ليست هناك تعليقات: