الخميس، أكتوبر 02، 2014

المستفيد الأساسي من التحالف الراهن هم تجار الحروب في الدول المشاركة

مقاربة أهداف وآليات التحالف العدواني ضد العراق بين الأمس واليوم

المستفيد الأساسي من التحالف الراهن هم تجار الحروب في الدول المشاركة

استندنا في دراستنا هذه إلى الفصل الأول من كتابنا المنشور (المقاومة الوطنية العراقية: الإمبراطورية الأميركية بداية النهاية)، ولأننا قمنا من خلال هذه الدراسة بالتجديد فيه بما يتناسب مع المرحلة الراهنة، ولكننا بقينا محافظين على الثوابت الاستراتيجية في أهداف الرأسمالية ووسائل تطبيقها، لذلك نرجو العودة إلى الفصل المذكور من أجل الاطلاع على تفصيل أكثر حول تلك الثوابت والوسائل.
وللمقاربة أكثر، نرى أنه لا بدَّ من الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأميركية لجأت إلى حشد تحالف دولي واسع في العدوانين: 2003، و2014. ولماذا تحرص الإدارة الأميركية على تشكيل كل تلك الحشود؟ ومن تختار؟
-أولاً: إن الإدارات الأميركية تنفِّذ الاستراتيجية الأميركية العامة على قاعدة تفوُّق العنصر الأبيض، وأن تتفوق في هذا العنصر النخب الاقتصادية الممثَّلة بالشركات الكبرى. لذلك يتغيَّر الرؤوساء والإدارات، وتتغير الأحزاب الحاكمة، ولكن الجميع يأتمرون بأوامر أصحاب الشركات الكبرى التي وُضعت إيديولوجيتها منذ تأسيس الولايات المتحدة الأميركية. وإن نجاح المشروع »يتوقف على تتابع تنفيذه دون أن يتوقف لمجرد تغيير أسماء الشخصيات أو الإدارات«.
-ثانياً: تستغل إيديولوجيا الطبقات الرأسمالية طاقات الطبقات الأخرى من أجل مصالح الشركات الكبرى.
-ثالثاً: على مكيال توظيف جهود الطبقة العاملة الأميركية، تعمل الإدارة الأميركية على توظيف جهود حلفائها الرأسماليين في كل دول العالم، وخاصة في أوروبا، لخدمة مصالح الطبقات الرأسمالية الأميركية.
-رابعاً: من أجل كل ذلك، تشكَّل »تحالف القوى الدولية المالية والمصرفية«، منذ العام 1922، وهو التحالف الذي يجير كل ثروات العالم لمصلحته. وتلك القوى هي التي تتحكم بقرارات الدول المنتمية إليها.
-خامساً: ولأن هذا التحالف اعتمد، منذ تأسيسه، على وسائل (استراتيجية التوتر)، فما زال حتى الآن يعتمد الأسلوب ذاته .
-سادساً: ولأن أسلوب (محاربة الإرهاب) هو  الغطاء الرئيسي لكل عمليات إثارة التوتر لذلك التحالف، فهو يقوم بتطبيقه حتى الآن. يبتكر عدواً وهمياً ينتدب نفسه لـ(محاربته). وهذا ما جرى منذ احتلال أفغانستان، مروراً بالعراق، واستطراداً هذا ما يتم تطبيقه في كل بؤر التوتر في الوطن العربي.
وقد أوجز هنري كيسنجر طبيعة الإيديولوجيا الأميركية، عندما قال: »على حلفاء أمريكا أن يواجهوا حقيقة أنهم جنود في إمرة القائد الأمريكي، وأن يقوموا بالتالي بأداء المهام المطلوبة منهم لأن في ذلك ضماناً لمصلحة أمريكا ولمصالحهم هم«.

مقدمات تاريخية
هذا ومن أجل البرهان على وجود تلك الثوابت، سنقوم بإيجاز مراحل تكوينها في مقدمات تاريخية.
عملت إيديولوجيا الطبقة البيضاء، القادمة من خارج الولايات المتحدة الأميركية، على مسارين متكاملين:
-الهيمنة الطبقية العرقية والاقتصادية في داخل الولايات، والهيمنة السياسية والاقتصادية في القارة الأميركية.
-والهيمنة على اقتصاد العالم، وهو ما عُرف في هذه المرحلة بالعولمة الأميركية أو »أمركة العالم«.
لذلك لم يهتم الشماليون في أميركا إلاَّ بالانتعاش الاقتصادي والتطور الصناعي، فأصبحت الولايات المتحدة الأميركية أكبر قوة اقتصادية في العالم. وتحوَّلت الشركات إلى اتحادات (تروستات) كبرى سيطرت على مجمل الحياة الاقتصادية الأميركية؛ وطبَّقت مبدأ داروين على الحياة الاقتصادية تحت شعار »إن الأقوى والأكفأ في الصراع مع الحياة هو المنتصر«.
تلك الحقائق استندت إلى موروث تاريخي أميركي، وهو: »أن الناس حول الأمريكان  البيض هم الذين يموتون دائماً، فالأمريكان البيض لهم حق العيش برفاهية، أما الآخرون فليس لهم هذا الحق. وانتقلت العدوى من نمط التفكير هذا إلى صراع طبقي داخل المجتمع الأميركي، ففرضت النخبة الاقتصادية نفسها سيداً على أبناء لونها من الطبقات الوسطى والفقيرة، وراحت تصنع منها أداة لتنفيذ مخططاتها الطبقية؛ وبهذا صنعت النخبة الاقتصادية الأميركية إيديولوجيتها الخاصة القائمة على قاعدة »البقاء للأقوى« داخل مجتمعاتها، وراحت تعمل على تصديرها إلى خارج الولايات المتحدة الأميركية على قاعدة »أمركة العالم«.
لذلك تقدمت الولايات المتحدة  الأميركية إلى وسط المسرح العالمي بكل هذه الأفكار المسبقة معززة بأسلحة نووية واقتصادية وما أن حلت الخمسينيات من القرن الماضي حتى أعلن الرئيس الأميركي بأن »القرن العشرين هو القرن الأمريكي«. وأصبح استيلاؤه على المجتمعات الأخرى يشكل الخطورة الأولى على البشرية.
بعد أن احتلَّت موقعاً متقدماً في نادي الدول الرأسمالية، استفاقت الولايات المتحدة الأميركية، على ولادة أكبر أخطبوط رأسمالي في العالم، فكان متمثلاً بتحالف بين أكبر الشركات الصناعية والتجارية التي تسلَّلت إلى مركز صناعة القرار السياسي، هذا إذا لم تكن هي بالذات صانعة لمراكز القرار.
ومن أجل تلك الأهداف، ومنذ العام 1919م، رعت عائلة روكفلر »مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك«، من أجل وضع الدراسات السياسية والاستراتيجية التي ترشد الشركات الكبرى لتحصين مصالحها. ولذلك استقبلت آلاف المؤهلين لصناعة التفكير. وأنشأت مئات المؤسسات التي تحمل أسماء أصحابها، كمثل: روكفلر، وراند، وكارنيجي وكان من أهم وظائفها: اكتشاف ورصد الفضاءات التي تخدم المصالح الكبرى. وإقامة علاقات تقارب مع دوائر القرار السياسي. وجعلت من أي صوت لا يلتزم بقواعدها يغرِّد خارج سربه.
ولكل ذلك، وعلى قاعدة تقاطع المصالح الرأسمالية انبنت علاقة ذات صلة بتبادل المصالح بين الرأسمال الصهيوني والرأسمال الأميركي، فأنتجت مخططات يشترك بتنفيذها أصحاب الاتجاهين، سواء على صعيد التأثير في الآلة الانتخابية الأميركية، أو تبادل الخبرات وتنسيقها خارج الولايات المتحدة الأميركية. وقد توسَّع نفوذ الشركات الأميركية الكبرى فبنت لها امتدادات مع الرأسمالية في العالم، وفي المقدمة منها الشركات الرأسمالية الأوروبية. وبهذا فقد حصَّن مشروع (نحو قرن أميركي جديد) نفسه، بـ»تحالف القوى الدولية المالية والمصرفية«. وينضوي هذا التحالف تحت لواء تنظيم عالمي تعود جذوره إلى مراحل ما قبل الحرب العالمية الثانية، في حينها أُطلقت موجة الدكتاتورية الفاشية في أوروبا خلال الفترة من عام 1922 إلى 1945.

ما أشبه اليوم بالبارحة
وهل ما يجري الآن، سوى أكثر من خلق بؤر للتوتر، وهو ما تتم تسميته بمحاربة الإرهاب؟ وهل تتميز الوسائل المستخدمة الآن عن الوسائل التي استخدمتها (الحركة الأوليجاركية) قبل الحرب العالمية الثانية؟
أينما اتجهت الأنظار يواجهك الإعلام الرأسمالي بنشر أخبار التوتر هنا أو هناك، وأخبار التوتر تكون مترافقة مع مصطلح الإرهاب. فهما صنوان لا يفترقان. فأينما تنطلق الدعوات لمحاربة الإرهاب، تكون بؤر التوتر مترافقة معها.
كانت هناك مؤشرات تدل على أن إدارة بوش هي جزء من الحركة السيناركية »تحالف القوى الدولية المالية والمصرفية« التي استخدمت في القرن الماضي الأساليب العنيفة من الفاشيين الجدد في إيطاليا وإسبانيا وأمريكا اللاتينية التي كانت تدير عمليات »الإرهاب الأعمى« و»استراتيجية التوتر«.
ولذلك عندما تنظر إلى شبكات الإرهاب، عماذا تبحث؟ ستجد مصرفيين وراء الفاعلين الحقيقيين الذين يديرون عمليات الإرهاب بالتعاون مع أجهزة استخبارات رسمية، مرتبطة بدوائر في حلف الناتو والمخابرات الأمريكية.
إن القوى المالية والمصرفية (السيناركية) هي التي وضعت هتلر وموسوليني في سدة الحكم ثم خرجت من الحرب العالمية الثانية دون أضرار تذكر لتسيطر من جديد على مجرى السياسات الغربية، هي ذاتها اليوم تريد السيطرة على مقدرات الشعوب الغربية بواسطة فرض دكتاتورية سياسية واقتصادية للمحافظة على مواقع قوتها. إنها تسيِّر قوى اليمين وغيرها من وراء الكواليس لخدمة أغراضها. وأحياناً تظهر في أساليب خلق حالة توتر وهلع بين شعوب أوروبا وأميركا لتسلبها، طواعيةً، حقوقها تحت ضغط تخويفها من حالات إرهاب غير منظورة.

 

فتِّش عن أميركا في كل وقائع التوتر والإرهاب

وإذا كانت هذه المعلومات تكشف عن طبيعة التحالف الرأسمالي، فكيف يتصور الأميركيون أن تكون علاقات النظام الأميركي مع المجتمع الدولي؟

إن العلاقة الطبقية الفوقية، التي تربط أية إدارة أميركية بالطبقات الأميركية هي ذاتها التي تربطها مع حلفائها في النادي الرأسمالي العالمي. ولذلك فقد أثارت أسس المخطط الأميركي مخاوف أصدقاء أميركا من سياستها الاقتصادية. ومن أهم مظاهرها:    
-تتلاعب الإدارة الأميركية بعملتها، لإخضاع اقتصاد العالم لرحمة الدولار، بما فيها من مخاطر على قرارات العالم السياسية، وهكذا فإن هدف إبقاء الدولار »عملة دولية« إلى الأبد، أثار مخاوف أصدقاء أميركا قبل الآخرين، فماذا يعني كل هذا؟
-إن »الولايات المتحدة معروفة بكونها أمة تقتل من أجل أن تقضي على كل ما لا يناسبها«. ولأن أية محاولة لإشراك عملات أخرى في تسعير المواد الخام يضعف من تأثيرات الدولار على رسم الاستراتيجيات السياسية والاقتصادية في العالم، دفع بأصحاب »القرن الأميركي الجديد« إلى الاستيلاء على كل حقول النفط في العالم من أجل إبقاء كل اقتصاد العالم تحت رحمتها.
-ولأن العراق، بما يمثل من خطورة على مشاريع الهيمنة الأميركية، ومن امتلاك لأهم احتياطي نفطي في العالم، ولموقعه الجغرافي المركزي، أصبح من أهم القضايا، وأكثرها إلحاحاً في منظار أصحاب القرن الأميركي الجديد، فهم باحتلاله يقمعون كل آمال الدول الأخرى في التمرد على الإرادة الأميركية، ويدفنون تلك الآمال إلى الأبد.
جراء المخاوف من الاحتكار الأميركي لثروات العالم، منذ أواخر القرن الماضي، وُضع المخطط الأوروبي الرامي إلى بناء استقلالية اقتصادية أوروبية، وبشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط. لذلك استعجل أصحاب »القرن الأميركي الجديد« تنفيذ مخططهم، لأن بناء أية مواقع ثابتة للأوربيين في المنطقة يضعهم أمام مأزق كبير يجبرهم على دفع أثمان غالية لإخراجهم منها. فكان التسريع في تنفيذ المشروع، فبتحقيقه يضع تلك الأقطاب أمام واقع جديد.
فاستناداً إلى أسس التحالف المذكور روَّج المتطرفون الأميركيون، وعملوا، وخططوا، من أجل بناء »القرن الأميركي الجديد«. ومنذ اللحظات الأولى التي وطأت فيه قدما بوش الإبن، بمواصفاته الفريدة، عتبة البيت الأبيض، وراحوا يعملون من خلال الفرصة التاريخية المتاحة لتنفيذ مخططهم، وكانوا من العجلة بمكان، لاستغلال فرصة السنوات الأربع، مدة رئاسته. فالتأخير يعني تفويت فرصة نادرة أعدوا لها منذ انتهاء حرب فييتنام في أوائل السبعينيات.
ولهذا، وفي العام 1987، وفي فندق Carlyle في مانهاتن في نيويورك، تم تأسيس أهم وأخطر شركة خاصة في العالم تحت أسم  مجموعة Carlyle، وقد بلغ عدد مكاتب الشركة في العام 2003 واحد وعشرون مكتباً  بأرصدة تقدر بمليارات الدولارات في أكثر من خمس وخمسين دولة. وتتخصص مجموعة Carlyle في الأساس بالنفط والحرب ( عقود وزارة الدفاع). المساهمون فيها، هم: بوش الأب، وبوش الابن، ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق جون ميجر، ودونالد رامسفيلد، وكولين باول، وبول وولفوفيتز، ومجموعة من الأمراء السعوديين ( من ضمنهم أعضاء من عائلة بن لادن)، ووزراء دفاع سابقين : كاسبر واينبرغر وفرانك كارلوسي. وجورج سورس. باختصار فإن حكومة بوش الثاني تتكون في قسمها الأكبر من  أفندية Carlyle.
وعلى هذا الأساس يمكننا فهم أهداف الخطة المصنَّعة لاجتياح العالم. فما هي أهداف الخطة؟
على خلفية الإيديولوجية الأميركية المتطرفة، وعلى مقاييس قوتهم العسكرية الكبيرة، فصَّل أصحاب القرن الأميركي الجديد أهدافهم.  وهذا ما يعبَّر عنه مشروعهم، الذي جاء فيه: »لقد علمنا التاريخ أننا عندما نكون الأقوى عسكرياً فإننا سنكون الأقوى في هذا العالم سياسياً واقتصادياً وثقافياً«. وإن نجاح المشروع »يتوقف على تتابع تنفيذه دون أن يتوقف لمجرد تغيير أسماء الشخصيات أو الإدارات«. ويعتمد التنفيذ على اختيار أهداف مضمونة، في  »المثلثات الاستراتيجية المستهدفة والتي تؤمن المصالح الأمريكية على المدى الطويل«. ولا يمكن تحقيق الأهداف الاستراتيجية الأميركية في أفريقيا وآسيا من دون السيطرة على الشرق الأوسط. وهذه السيطرة تمر بتعيين الأهداف الميدانية، فترى أن العراق هو الأنموذج الذي تصيب فيه الإدارة الأميركية أهدافها بدقة، ومن أهم الأسباب:
-إن للعراق قدرة حيوية على تجديد قوته العسكرية، وهو يمتلك ثروة نفطية تسمح له بتجديد تلك القوة، كما أنه يشكِّل نقطة العبور الكبرى في تنفيذ الخطط الأميركية لما يتميز به من إمكانات اقتصادية من جانب، ولقدرة واقعه الجغرافي على أن يكون نقطة ارتكاز لعدد آخر مهم من العمليات العسكرية التي ستشكل زاوية جديدة في بناء الشرق الأوسط. وتلك هي فرصة تاريخية للسيطرة على مركز الدائرة في بغداد لتكون النقطة الثابتة في الدائرة الأوسع المحيطة به.  ووجود قوات أمريكية في العراق يعنى أن سورية ستكون في وضع أصعب، لأنها بعد احتلال العراق تصبح مفتوحة من الشرق بوجود أمريكي، ومُحاصرة من الشمال بتركيا والوجود الأمريكي القائم على أرضها، وبمناطق الأكراد شمال العراق ـ إلى جانب إسرائيل من الجنوب ـ إلى جانب أن النظام في الأردن ليس صديقاً للنظام في دمشق ـ إلى جانب أن هناك عناصر في لبنان لا يرضيها أن تتحكم سورية في القرار اللبناني.
ومن أجل تصنيع رأي عام أميركي مؤيد لمشروعهم، ومن أجل إقناع الرأي العام العالمي بصوابية ذلك المشروع، اعتمد المحافظون الأميركيون الجدد جملة من الأساليب التي تشرف على وضعها مكاتب اختصاص في علم النفس والاجتماع والإعلام، ومن أهم أسسها قاعدة الكذب لتبرير ما يقومون به: أما حول أكاذيب الإدارة، فهو تلوينها المفاهيم والمصطلحات بما يتناسب مع الترويج لمخططاتهم، وتغليفها وتزويرها بالشكل الذي ينخدع فيها المواطن الأميركي العادي، ومن أهمها مصطلح »الإرهاب«.
وروَّجت إدارة بوش لحملتها على الصعيد الدولي، ودعت دول العالم إلى الانخراط فيها.  وتحت ستارها حصلت الإدارة الأميركية على تشكيل قوات متعددة الجنسيات لضبط الوضع في أفغانستان، ولما نجحت بذلك تابعت حملتها من أجل احتلال العراق وهو الهدف الأساس. وراحت تربط، كتمهيد لغزوه، بين نظامه الوطني ونظام طالبان والقاعدة.  وجرى تصويره  في وسائل الإعلام الأمريكية والغربية كقاعدة خلفية للإرهاب. فأصبح العراق في الخيال السياسي الأمريكي: بلد إرهابي يحكمه نظام إرهابي يملك سلاحاً نووياً وهو فوق ذلك كله متحالف مع القاعدة وبن لادن.

نتائج الدراسة:
بعد انسحابهم القسري من العراق، وبعد أن اطمأن الأميريكيون إلى أنهم بنوا نظاماً من عملائهم، وأسبغوا الشرعية عليها، تخيَّلوا أن الساحة العراقية أصبحت طوع بنانهم، حتى ولو أوكلوا الأمر الميداني للنظام الإيراني طالما أن العراق في ظل (العملية السياسية في العراق) أصبح ساحة معادية لكل توق وطني أو قومي. وطالما أن المعينين على إدارة تلك العملية يقبلون كل إملاء يصدر إليهم.
وحيث إن كل التقارير المحايدة كانت تؤكد أن نظام (العملية السياسية) كان من أسوأ الأنظمة على الكرة الأرضية بالفساد والإرهاب وفقدان الأمن والديموقراطية على قاعدة تجميع كل المنتفعين من المحاصصة الطائفية، فإن الإعلام الأميركي كان يصور الوضع بالعراق بعد الاحتلال وكأنه واحة من الديموقراطية.
وما إن اندلعت الثورة العراقية، وكان من أهم أسباب اندلاعها الثورة ضد الفساد والقمع، دبَّ الخوف في نفوس الأميركيين. والتقطوا خطورة الرسالة التي وجهتها تلك الثورة، لذلك لجأت إلى استخدام الإعلام الكاذب، وكتمهيد لتدخلها من أجل إنقاذ (العملية السياسية)، كانت التهمة الجاهزة هي أن الإرهاب هو الذي يعمل على تقويض أمن العراق المحتل.
المصطلحات هي ذاتها عند الإعلام الأميركي، ولذلك انطلقت بداية في عملية إقناع الأميركيين بخطورة الإرهاب القادم من العراق، وبعد أن استوفى الإعلام أغراضه، اندفعت الإدارة الأميركية إلى تشكيل تحالف دولي، فحصلت على موافقة عشرات الدول الرأسمالية. وكان ذلك التحالف شبيه بالتحالفات التي شكلتها الإدارة الأميركية في العامين 1991، و2003. وكانت الأسباب المعلنة والخادعة هي ذاتها. وتلك هي التجربة تتكرر في العام 2014.
وأما استجابة الدول الأخرى للانضمام إلى التحالف الذي دعت إليه أميركا فكأنها كان موسوماً بالثوابت الإيديولوجية الأميركية التالية:
-الثابت الأول: الذي عبَّر عنه هنري كيسنجر: »على حلفاء أمريكا أن يواجهوا حقيقة أنهم جنود في إمرة القائد الأمريكي، وأن يقوموا بالتالي بأداء المهام المطلوبة منهم لأن في ذلك ضماناً لمصلحة أمريكا ولمصالحهم هم«.
-الثابت الثاني:  استنهاض (تحالف القوى المالية والمصرفية الدولية) للمشاركة وإلاَّ فاتها أن تحصل على امتيازات إذا ما نجح التحالف بأهدافه.
-الثابت الثالث: الضغط الذي يمارسه تجار الحروب على حكوماتهم من أجل بيع السلاح، وتجار الحروب هم طرف أساسي في تحالف القوى المالية والمصرفية. ندرج ذلك لكي نفسِّر حجم الميزانية التي رُصدت للضربات العسكرية، وهو (500) مليار دولاراً، ستقوم دول الخليج بدفعها ثمناً للسلاح وأجوراً ونفقات الطلعات الجوية.
تعرف كل أطراف التحالف عبثية حماية (العملية السياسية في العراق) من الجو. والمعروف أن الطائرة لا يمكنها أن تحتل الأرض. ولكن المنفعة المالية من المشاركة هي مضمونة سواءٌ انتصر هذا الطرف أو ذاك بالصراع. وهي فلسفة تجار الحروب منذ الحرب العالمية الثانية.

وأخيراً ما هي النتائج المتوقعة لضربات التحالف؟ وما هو تأثيره على مسار الثورة العراقية؟
كتب الكثيرون عن عبثية التحالف الدولي والملابسات التي تحيط بتشكيله، وعدم جدواه العسكرية. ونحن نضيف الآن إلى ذلك بأن الثورة العراقية قد ازدادت زخماً عسكرياً، وما يجري في الرمادي وهيث وديالى والطارمية والسجر في الفلوجة، ومحطات عسكرية أخرى، لهو الدليل القاطع والبرهان العملي على أن الطلعات الجوية هي غير ذات فائدة. إضافة إلى أنها عمليات قشرة لا يمكنها أن تنال من ثوار منتشرين ليس لهم قواعد ثابتة، وهذا يقود للاستنتاج التالي: بعد أن فشلت القوى المحلية، من جيش وميليشيات ليس بالاستيلاء على الأرض المقصوفة فحسب، بل هي عاجزة أيضاً عن الإمساك بالبؤر التي كانت موجودة أصلاً فيها، يؤكد صورية الضربات الجوية.
وإذا كانت كل تلك القوى المذكورة عاجزة مع مشاركة إيرانية كثيفة عن إيقاف زحف الثوار، فهل هذا يدفع إلى تدخل عسكري مباشر للتحالف؟
إستحالة أخرى تواجه الولايات المتحدة الأميركية وتحالف القوى الرأسمالية مع كل أتباعها من الدول الملتحقة بها. لأنه ليس هناك من يوجد ليقامر بتدخل سيدفع ثمنه من أرواح جنوده، ويغامر بمستقبله السياسي.
وبناء على كل ذلك نستنتج بأن المستفيد من التحالف الراهن هم تجار الحروب في الدول المشاركة، فهذه تجارة رابحة لهم سواء انتصر هذا الطرف أو ذاك. ووقائع التاريخ تؤكد وجود مثل هؤلاء.


ليست هناك تعليقات: