الثلاثاء، يونيو 02، 2015

هل بدأت مرحلة الابتزاز الأميركي لدول الخليج العربي؟


من تفجير مرقديْ الإمامين في سامراء إلى تفجير مسجد القديح في السعودية

هل بدأت مرحلة الابتزاز الأميركي لدول الخليج العربي؟

في شهر حزيران من العام 2007 حدث تفجير لمئذنتيْ مرقديْ الإمامين العسكريين في سامراء، وما أثار التساؤلات حول هوية الفاعلين هو أن المرقدين كانا خاضعيْن لحراسة قوات الشرطة وقوات من الجيش الحكومي العراقي تحت حماية سلطة الاحتلال الأميركي.

عن تلك الجريمة قال جورج كيسي، القائد السابق لقوات الاحتلال الأمريكي في العراق، في كلمة ألقاها خلال مؤتمر عقدته المعارضة الإيرانية في باريس، بتاريخ 22/6/2013: (إن نظام الملالي في طهران مسؤول مسؤولية مباشرة عن مقتل الآلاف من العراقيين) .. مؤكداً أن إيران فجّرت المرقدين العسكريين بهدف إشعال الفتنة الطائفية بين أبناء الشعب العراقي. ومما نشرته التقارير في ذلك الوقت، أن كثيراً من العراقيين تنبهوا لذلك، كان على رأسهم الصحفية أطوار بهجت رحمها الله، والتي كشفت هذا ميدانياً، فقتلتها اليد نفسها التي نفذَّت التفجير. وإن هناك تفاصيل دقيقة عن تلك الجريمة، منها: أن الذي أدار عملية التفجير هو شخص إيراني يدعى (منصور حقيقة بور) وهو من أخطر قادة ما يسمى بالحرس الثوري الإيراني بالعراق، وقد ظهر اسمه بعد حادثة تفجير سامراء حيث نسبت له عملية تخطيط وتنفيذ تفجير مرقدي الإمامين في سامراء.

كما اتهم عبدالله الجبوري الذي كان نائب محافظ صلاح الدين في تلك المرحلة، في تصريح له إلى صحيفة الحياة الاستخبارات الإيرانية بالضلوع في تفجيرات سامراء، وأشار إلى أن (عثور قوات الأمن المحلية على أدلة تؤكد ارتباط مسلحي «القاعدة» في سامراء بهذه الاستخبارات)، وقال: (سبق أن ضبطنا وثائق وأسلحة إيرانية ومبالغ نقدية إيرانية في أوكار هذه الجماعات(، مؤكداً وجود اتصالات ولقاءات بين قيادات القاعدة وضباط إيرانيين داخل العراق وخارجه. وهذا يؤكد الرأي أن القاعدة في العراق هي قاعدات وليست قاعدة واحدة. فقسم يعمل لأهدافه، وآخر مرتبط بإيران، وهناك قسم مرتبط بأمريكا.

وهنا يلفتنا تصريح جورج كايسي بعد مرور حوالي سبع سنوات على الحادثة، وهذا يدفعنا للتساؤل: كان جورج كايسي في ذلك الوقت قائداً لقوات الاحتلال الأميركي، وكانت من أهم مهماته أن يتحمَّل مسؤوليته كاملة، وذلك بأن من واجباته أن يكشف عن الفاعلين الإيرانيين في وقت حصول الحادثة، خاصة أنه يتحمل مع إدارته مسؤولية الوجود الإيراني في العراق. ولذلك جاء تصريحه اللاحق ليدينه ويدين إدارته. وهو في معرض التنصل من المسؤولية يكشف اللثام عن مدى تواطؤ الإدارة الأميركية مع النظام الإيراني. كما أن هذا يدل على أنهما متفقان على حصول أي جريمة تحصل على أن يغطي أحدهما على الآخر لأن نتائج جريمة، كجريمة تفجير مرقديْن للشيعة، تعني أن الهدف منها كان إشعال فتيل الحرب الأهلية على قواعد طائفية، وهي القواعد المقصودة بذاتها، من أجل تقسيم العراق بناء للخريطة التي رسمها الكونغرس الأميركي ووافق عليها.

وفي 22 أيار من العام 2015، حدث انفجار في مسجد الإمام علي، في قرية القديح  في المنطقة الشرقية من السعودية، ومعظم سكان القرية المذكورة هم من الشيعة. وأشارت إصبع الاتهام إلى تنظيم (داعش) في السعودية.

وكمثل ما حصل للمرقدين في سامراء، ولكي يتم تجهيل الفاعل الحقيقي ألقى التحالف الأميركي الإيراني التهمة على القاعدة. وهذا السيناريو سوف يتكرر أيضاً في تفجير مسجد القديح، إذ راحت الاتهامات بداية تتجه نحو (داعش).

إلى هنا، كان لا بُدَّ من أن نربط المشهدين معاً. وأما السبب فهو أن كل عمل إرهابي يحصل ضد مقام ديني، أو ضد مكوِّن ديني، يستهدف من دون شك ما يلي:

1-خلق بؤرة للاقتتال الطائفي بين المكونات الوطنية في القطر الواحد. والاقتتال الطائفي له هدف واحد وأساسي هو تفتيت اللحمة الوطنية للمجتمع القطري الواحد، على طريق تعميمه على المستوى القومي من أجل إعادة رسم الحدود الجغرافية بين المكونات القومية على أسس الفرز المذهبي والديني.

2-التأكيد على وحدة الوسيلة في التنفيذ الذي يتم على قاعدة تجهيل القائم الفعلي، وذلك بإلقاء التهمة على أداة ذات مسمىات طائفية دأب المشروعان الأميركي والإيراني على ابتكارها. فكانت القاعدة في التفجير الأول، وأصبحت تحمل اسم داعش في التفجير الثاني.

3-ولأن التنظيمات التي أطلق عليها المشروع المشترك مسميات طائفية، يجب على أي تحليل أن يفتش قبل أي شيء آخر عن المستفيد من الاقتتال الطائفي. ولأن المشروع المشترك بين الإدارتين الأميركية والإيرانية هو إعادة تقسيم الوطن العربي إلى دويلات طائفية، يصبح من الموضوعية أن تتجه أصابع الاتهام إلى الإدارتين معاً.

4-وأما لماذا يجب توجيه الاتهام إلى المستفيديْن معاً، فقد نجد جواباً له في وقائع التصريحات التي صدرت في شهر أيار الماضي على لسان الرئيس أوباما من جهة، وعلى ألسنة كبار المسؤولين في إيران، ويمكننا إيجازها بالفقرتين التاليتين:

أ-التصريح-التحذير الذي أطلقه أوباما للمسؤولين السعوديين عندما نفى أن يكون التهديد آت من إيران بل أشار إلى أن مصدره داخلي سعودي.

ب-تصريحات المسؤولين الإيرانيين التي أكَّدت أن مشروع الإمبراطورية الفارسية تسير على طريق التطبيق.

5-ولأن السعودية بشكل خاص، ودول الخليج العربي بشكل عام، تقف عقبة في وجه تمرير الاتفاق حول المشروع النووي الإيراني. تشارك الحليفان الأميركي والإيراني في وحدة هدف جديد، قد تكون أولى معالمه البدء في تعميم وقائع (الربيع العربي) على دول الخليج على أن يبدأ هذا (الربيع) من السعودية. ولهذا نضع تفجير مسجد القديح في دائرته الافتراضية التي تقول بأنه لما لم تُذعن السعودية إلى تطمينات إدارة أوباما، ما كان من حل أمام تلك الإدارة إلاَّ أن تنتقل من وسيلة الترغيب إلى وسيلة الترهيب. وهذا الأمر يطرح المخاوف الكثيرة من أن يكون تفجير مسجد القديح الشرارة الأولى في بدء تنفيذ (الربيع السعودي).

من الفرضية النظرية إلى التنفيذ العملي سيكون تفجير مسجد القديح مقدمة ستتسع رقعتها.

لما كانت من مبادئ الميكافيلية السياسية أن لا صديق دائم وليس هناك من عدو دائم، بل هناك مصالح دائمة، ولو لم يكن هذا المبدأ صحيحاً لما كنا نتوقع بأن يتحالف (الملاك الإيراني) مع (الشيطان الأميركي) في العراق أولاً وعلى صعيد الوطن العربي ثانياً.

وهنا نتساءل، كما قد يتبادر إلى أذهان الكثيرين من القراء: وهل يتحول تفجير مسجد في قرية صغيرة إلى قضية كبرى بحجم مشروع تقسيم الأقطار العربية؟

ولأننا نعرف أن بروز القضايا الكبرى التي كانت تتحول إلى حروب كبرى، كانت شرارتها حوادث صغيرة، وما أحداث (الربيع العربي) إلاَّ شواهد حيَّة في ذاكرتنا. هذا ناهيك عن أحداث تاريخية كبرى ما تزال ذاكرتنا تقوم باختزانها.

وإذا كان مشروع الشرق الأوسط الجديد يقوم على قواعد تقسيم طائفي. ولأن تقسيم السعودية جزء من هذا المشروع، فيحق لنا الافتراض بأن تفجير مسجد القديح، والتفجيرات التي سبقته على قلَّتها، يمكن أن يشكل الشرارة الأولى في تعميم الحريق الطائفي على الساحة السعودية. ولأن فرضيتنا مستندة إلى أسباب واقعية، فأن تكون نتائجها في دائرة الاحتمالات الضعيفة، إلاَّ أنه لا يحول دون أن نحسبها في دائرة الممكنات القوية.

ولما كان مشروع تقسيم السعودية ليس موضوعاً على نار حامية، فإن رفض الإذعان السعودي للإملااءات الأميركية، سوف يضع مشروع تقسيم السعودية في مقدمة الأولويات، وذلك باستخدام عصا التفجيرات الأمنية وسيلة من وسائل الترهيب التي قد تتسارع وتيرتها طالما يظل الرفض السعودي قائماً ومستمراً.

الخضوع السعودي لوسائل الترهيب الأميركي سيفاقم مشكلة التقسيم ولن يقلل من منسوبه:

ما كان التحالف الإيراني الأميركي حقيقة واقعة لو لم تلتق أهدافهما على تنفيذ مشروع تقسيم الوطن العربي. ولهذا نعتبر أن وسيلتيْ الترهيب والترغيب الأميركي تُستخدمان لهدف واحد هو تقسيم السعودية كجزء متمم ولاحق لتقسيم العراق. والحقيقة هنا هو أنه أمام السعودية نتيجة واحدة هي التقسيم، بواسطة أحد خيارين لا ثالث لهما: إما قبوله راضية، أو رفضه ومقاومته للمشروع. وفي حالة الخضوع فإن التقسيم سيكون أمراً واقعاً لا مردَّ له، وأما في حالة الرفض فإن إفشال المشروع سيكون احتمالاً قوياً. وما على السعودية إلاَّ أن تنخرط في مواجهة جدية للإملاءات الأميركية من أجل إحباط المشروع المشترك الذي تقوم بتنفيذه الإدارتان الأميركية والإيرانية.

التلهي بإخماد ألسنة اللهب خطأ استراتيجي، بل يجب العمل من أجل إخماد خزان الوقود:

أصبح من المعروف والواضح أن خزان الوقود الملتهب موجود في العراق منذ أن التقت الإدارة الأميركية مع النظام الإيراني بعد احتلال العراق في العام 2003. وفي الوقت الذي انحسر فيه التأثير الأميركي في العراق بعد العام 2011، أخذ التأثير الإيراني بالتصاعد. فلا الانحسار الأميركي أقلق الإدارة الأميركية، كما لم يقلقها تصاعد التأثير الإيراني. وهذا مؤشر شديد الوضوح على تلاحم جهود الإثنين معاً في سبيل الاحتفاظ بالعراق، لأن كل واحد منهما سينال حصته في النهاية. وإن انتصار واحد منهما هو انتصار للآخر.

تلك أصبحت من البديهيات التي على المتضررين من كليهما، أو على المتضرر من أحدهما، أن يأخذها على محمل الجد. كما على المتضررين أن تتكامل جهودهم في إطفاء خزان الوقود في العراق وعلى أرض العراق، وليس على أي أرض أخرى. فكل ساحة غير ساحة العراق تمثل ألسنة الحريق وليس الخزان الذي يغذي الحريق. والحقيقة كذلك، ولأن المقاومة العراقية العسكرية وضعت كل ثقلها في العراق، وتحوَّلت المقاومة إلى ثورة شعبية لها حاضنتها في جميع مكونات الشعب العراقي، فما على دول الخليج إلاَّ أن تضع ثقلها هناك لإطفاء خزان الوقود الرئيسي الذي مصدره إيران في هذه المرحلة، لأنها بإخماد نيرانه تكون قد قضت تلقائياً على ألسنة اللهب المتفرعة على هذه الساحة العربية أو تلك. ويأتي في المقدمة منها إطفاء ألسنة اللهب التي من المحتمل أن تصل إلى السعودية على أجنحة (الإرهاب) التي يطير بواسطتها كل من الإداراتين المذكورتين.

 إن المقاومة العراقية تنتظر في وسط الطريق أي جهد عربي تتلاقى أهدافه مع أهدافها. تلك المقاومة التي يمكن المراهنة عليها وهي التي ألحقت الهزيمة بالاحتلال الأميركي وحيدة فريدة. تلك المقاومة التي تحولت إلى ثورة شعبية بفعل التفاف مئات الآلاف من الشعب العراقي. وهي ستتضاعف قوتها إذا وُضعت إمكانيات أنظمة رسمية عربية في خدمتها. وتلك هي الفرصة المناسبة التي على دول الخليج بشكل عام، والسعودية بشكل خاص، أن تلتقطها.

إن لعامل الوقت تأثير كبير، فكلما كانت حركة تلك الدول أسرع كلما كانت النتائج الإيجابية أسرع أيضاً. بينما كلما كانت الحركة بطيئة يحكمها التردد فسيلعب عامل الوقت لمصلحة المشروع الأميركي الإيراني. ولأن التحالف الأميركي الإيراني مُصاب بالإرباك في هذه المرحلة، فلن تسنح تلك الفرصة مرة أخرى، لأنه حينها سيكون الحريق قد امتدَّ إلى الأراضي السعودية والمجتمع السعودي. وتصبح مواجهة الحريق صعبة إذا لم تصبح مستحيلة. وهنا لا بُدَّ من التساؤل: هل يُسرِّع النظام السعودي خطواته باتجاه إخماد خزان الوقود الإيراني المشتعل في العراق؟

 

ليست هناك تعليقات: