السبت، يونيو 27، 2015

مات ميشيل عفلق عاش حزب البعث


مات ميشيل عفلق

عاش حزب البعث

رحل ميشيل عفلق ورحيله سُنَّة الحياة يتساوى فيه البشر. ولكن رحيل الكثيرين ممن لا يتركون وراءهم ما يبقيهم أحياء في تاريخ أممهم، ليس كرحيل من سجَّلوا لأمتهم تاريخاً يعيشون في قلبه بحيث يرتبط ذلك التاريخ بحياتهم ومماتهم. وميشيل عفلق هو من أولئك الرجال الذين سجلوا للأمة العربية تاريخاً لن يُمحى من ذاكرتها، يحيا فيها ما دامت حيَّة.

لم يكن ميشيل عفلق في تاريخ الأمة العربية جسداً يفنى، بل كان روحاً وفكراً خطَّ للأمة العربية نهجاً لحياة لا تفنى. وهذا ليس حكاية نرجسية تمحوها رياح وأعاصير من الصعاب، بل هي حكاية تظل عبرة لأبناء الأمة التي تتعرض لكل أشكال الصعاب، بل وتظل دليلها ومرشدها. وبطل تلك الحكاية كان حزب البعث وما زال. ولأن الحزب كان ابتكاراً فكرياً من إنتاج ميشيل عفلق، ولأن الحزب ما يزال حياً يقاتل على الأرض العربية ويناضل حسب نهجه الفكري العقيدي والسياسي، فإن ميشيل عفلق قد مات، ولكن حزب البعث ما زال حياً، وبه ستبقى الأمة العربية حيَّة لن تقتلع مؤامرات كل المتآمرين وتداً من خيمتها الراسخة في الأرض كرسوخ الفكر الذي تسير على هدي أنواره.

مات ميشيل عفلق في العام 1989، وجُرف قبره في العام 2003، فعبثاً حاول الموت أن يلغيه، وعبثاً حاول من جرف قبره أن يلغي الحزب الذي سهر على تأسيسه، لأن الأحجار التي انبنت عليها قواعده صُنعت من فكر يستعصي على الإلغاء والاجتثاث. والفكر ليس مادة تستطيع عبوة ناسفة أن تذرو حروفها، ولا يستطيع موت الجسد أن يجرف معه تلك الحروف.

مات ميشيل عفلق، ولكن حزب البعث ظلَّ حياً. مات صدام حسين ورفاقه، وظل حزب البعث حياً. مات عشرات الآلاف من البعثيين وظل حزبهم حياً يعيش في قلب الأمة العربية يحتضنه، فيتبادلان الحماية، فهي تحميه وهو يضخ دم الحياة فيها.

وكما الأفكار لا تموت بموت مبتكريها وحامليها فإن حزب البعث، حزب الأفكار الخلاَّقة، التي وضع ميشيل عفلق لبناتها الأولى، وأبدع فيها من أبدع من رفاقه، سيبقى حياً يضخ نسغ الحياة في الأمة العربية، وستبقى الأمة عصية على الارتهان والاحتواء والاحتلال مهما بالغ أعداؤها بجرائمهم وعداواتهم.

حزب البعث ما يزال حياً يقاتل في الأندية الفكرية والخنادق العسكرية، يموت بعض البعثيين أو يُأسرون أو يشيخون أو يُهجَّرون أو.. أو، ولكن البعث لا يموت، لأن الأجيال التي تتعاقب على حمل فكر الرسالة العربية يجددون شباب الحزب ولا يتركونه يشيخ حتى. بل يظل الحزب الشاب الفتي يقارع المنون عن طول باع ودراية.

وهذا سر من أسرار الحزب، ولكنه ليس وهماً، وهذا السر لا يفقه معانيه إلاَّ من حمل فكره، وانخرط في صفوف النضال من أجل الأمة العربية. وهكذا يتجدد الحزب ويبقى حياً، وينبت هنا أو هناك من دون أن يحتسب أعداؤه من أين تأتي تلك القوة. وقد جربوا إماتته كثيراً، ونعوه آلاف المرات وأعلنوا وفاته، ولكنهم سرعان ما يخيب نعيقهم ونعيبهم، فيخرج البعثيون من كل زوايا النضال في سبيل أمتهم التي أحبوها وقدموا أرواحهم ودماءهم ثمناً لحياتها.

وهكذا تسير الأيام وتدور الأحداث وتتكاثر المؤامرات على الأمة ولكن يبقى البعث في القلب منها حياً ينبض، ينشر الفكر، يتوزع البعثيون خنادق النضال. وهكذا أيضاً مات ميشيل عفلق ورحل جسداً، ولكن بقي البعث حياً يلبي نداء الأمة في كل الخنادق.

 

ليست هناك تعليقات: