الأحد، يونيو 21، 2015

بين القتل الطائفي والقتل الطائفي المضاد


بين القتل الطائفي والقتل الطائفي المضاد

فتِّش عن أصابع مشروع الشرق الأوسط الجديد الخفية



مع تصاعد موجة نشر مشروع الشرق الأوسط الجديد، تتصاعد موجة القتل الطائفي في معظم ساحات الحراك العربي، والقتل في العراق يتصاعد منسوبه أكثر من أي ساحة حراكية أخرى، وأما السبب فيعود إلى اعتبار العراق ساحة التجربة الأولى في تنفيذ ذلك المشروع، وهذا ما أكَّده بول وولفويتز، أحد صقور إدارة جورج بوش، حينما جاء في تصريح له بتاريخ 12/ 4/ 2003، قائلاً: (طموحات واشنطن لن تتوقف عند بغداد، وان كان استخدام القوة المسلحة غير مطروح بالضرورة بالنسبة لدول أخرى). وفي تصريحه ما يؤكد على أن احتلال العراق كان يشكل الخطوة الأولى في تنفيذ مخطط مشروع الشرق الأوسط الجديد، وتقسيم العراق كان اللبنة الأولى التي كان على إدارة جورج بوش أن تبني عليها حينما تقرر نقل التجربة العراقية إلى أقطار عربية أخرى. ولكن...

لم تسمح المقاومة الوطنية العراقية لقوات الاحتلال الأميركي بتثبيت قواعد احتلالها، وإنما أرغمتها على الخروج من العراق في أواخر العام 2011. وبهذا تكون تلك المقاومة قد أعاقت استكمال تنفيذ المشروع لتسع سنوات. كانت فيها الإدارة الأميركية تعمل جاهدة وبشتى الطرق للعودة من جديد إلى العراق، لأن إدارة جورج بوش اعتبرت أن العراق يمثل مركز الدائرة في منطقة جغرافية إذا نجحت الإدارة الأميركية في إسقاطه تسقط معه كل أحجار الدائرة المحيطة به، أي إذا نجح الاحتلال في تقسيم العراق ستنجح حتماً مشاريع تقسيم الدول العربية المحيطة به.

ولأن الإيديولوجية الاستعمارية الأميركية تؤكد على اجتثاث أي تفكير قومي عربي وحدوي، كان عليها أن تجد غريماً إقليمياً يكن العداء للقومية العربية ويشاركها هدف تقسيم الوطن العربي، كما يشاركها في تنفيذه. وقد وجدت ضالتها المنشودة في إيديولوجية (ولاية الفقيه)، وهي الإيديولوجية التي يعتنقها نظام الملالي في إيران.

إن العداء للقومية العربية ومنع توحيدها جمع بين الإدارتين المذكورتين، وهذا ما يفسِّر لنا السبب الذي دفع بالإدارة الأميركية لتلزيم النظام الإيراني الوضع السياسي والأمني والعسكري في العراق بعد انسحاب الجيش الأميركي في التاريخ المذكور أعلاه.

واستطراداً لكل ذلك، وبمراجعة نصوص المشروع الأميركي، ونصوص المشروع الإيراني، يؤكد لنا أن طرفيْ التحالف الأميركي الإيراني، لن يخدع أحدهما الآخر إيديولوجياً ولا استراتيجياً، إلاَّ أن ذلك لن يلغي خلافاتهما لاحقاً على مقادير حصة كل منهما من كعكة تقسيم الوطن العربي.

القتل الطائفي يتصدر المشهد الراهن في العراق

من كل ذلك يمكننا أن نقوم برسم مشهد الساحة العراقية في هذه المرحلة فنجد أن وسائل القتل الطائفي قائمة على قدم وساق تحت مظلة خادعة، وهو اتفاقهما على محاربة الإرهاب. ولو كانت تلك أهدافهمان الحقيقية لكان عليهما إعادة النظر بوسائلهما وأهدافهما التي تعتبر قمة الإرهاب. ولذلك نستغرب، ونتساءل: هل يقوم يقوم إرهابي بمحاربة الإرهاب؟

وإذا كان مشروعا الإدارتين المذكورتين يقوم على استراتيجية التفتيت الطائفي فلأنه تفتيت يتناسب مع أيديولوجيتهما، وهذا يؤكده الواقع السائد الآن، والماثل في أنهما يرعيان كل الميليشيات الإرهابية سواء أكانت سنية المذهب أم شيعيته وهذا يتناسب مع دعمهما لتلك الميليشيات. ولأن البناء على غير تلك الحقيقة سيكون نوعاً واضحاً من الكذب والخداع، وبناء عليه، فما يجمع الإدارتين الآن على الساحة العراقية، هما مسألتان:

-الأولى: تجهيل الواقع الثوري الذي تمثله المقاومة العراقية، والقائم على رفض التقسيم أولاً، وبناء تجمعات جبهوية ذات عقيدة وطنية وقومية تضم كل أطياف الشعب العراقي.

-الثانية: تشجيع مبطن لكل أنواع الإرهاب السني والشيعي، لأنه ليس بمقدورهما أن يحققا مشروع تقسيم العراق بغير ذلك.

مشروع المقاومة العراقية الوطني هو الضامن الوحيد لمنع انتشار الفتن الطائفية المتنقلة

في مواجهة تجهيل الواقع الثوري في العراق من جهة، وتشجيع الإرهاب الطائفي من جهة أخرى، تقف المقاومة العراقية حائلاً دون وصول المشروع الأميركي الإيراني إلى خواتيمه السعيدة. وأصبح من الواضح تماماً للمتابع أن المقاومة العراقية، منذ انطلاقتها الأولى، هزمت المرحلة الأساسية الأولى التي كانت ماثلة بالاحتلال الأميركي الذي أعلن مشروعه بوضوح على لسان بول وولفوويتز. ولولا نضال المقاومين العراقيين لكان من المرسوم لمشروع الشرق الأوسط الجديد أن ينتقل من المرحلة العراقية إلى مراحل أخرى، ومن أجل كل هذا فقد بيَّتت الإدارة الأميركية نواياها على العودة إلى العراق من بوابات أخرى لاستئناف مشروعها في تفتيت الوطن العربي من أجل تمزيقه لاحتوائه، فكانت البوابة الإيرانية هي البوابة التي راهنت عليها تلك الإدارة.

من أجل استغلال تلك البوابة، ولأن البوابة الإيرانية تحمل مشروعها الشيعي، فقد بذلت الإدارة الأميركية كل جهدها لتسريع قيام المشروع السني، وقد فعلت ذلك بإخراج ذلك المشروع بثوب حركات إسلامية انتشر بسرعة البرق بشكل أسطوري في أقل من سنتين في أكثر من ساحة عربية، ما فتئت الإدارة الأميركية تنفخ فيه عوامل التوسع السريع، فدخل إلى العراق ليشكل المشروع الذي يتقاتل مع المشروع الإيراني، وهكذا دخل الصراع الطائفي في العراق في دورته الدائرية الجهنمية المغلقة.

وبين المشروعين الخبيثين، ظلَّ مشروع المقاومة العراقية حياً يقف على رجليه ليقدم إلى العراق وإلى الأمة العربية البديل الصحيح من أجل اختراق محيط دائرة الصراع الطائفي الجهنمية. ومن أجل ذلك أصرَّت الإدارتان الأميركية والإيرانية على منع مشروع المقاومة من الاستمرار. وليس من الخفي أن كليهما وقفتا في وجه تمرير إلغاء قانون اجتثاث البعث والمادة 4 إرهاب.

 

ليس كل ما يخطط له أعداء الأمة مضمون النجاح

إن هذا الواقع الذي يحاول الثنائي، الأميركي الإيراني، أن يُعتِّما عليه لن يمر طالما ظلَّت قوة رافضة للتقسيم نظرياً وعملياً، وتلك القوة الرافضة تملك وزناً سياسياً وبشرياً وعسكرياً واضح المعالم والتأثير. ولذلك كله تكاثرت جرائم القتل الطائفي في هذه المرحلة لأن طرفيْ المؤامرة في عجلة من أمرهما قبل أن تواجههما عوامل ومتغيرات أخرى تعمل على عرقلة المشروع المشترك. وفي تقديرنا لا نرى في أفق المرحلة الراهنة ما يدعو إلى التخفيف عن كاهل المواطن العراقي في مناطق التوتر العسكري من قتل وتهجير وتطهير عرقي أو مذهبي طالما ظلَّت القوى العربية المتضررة من هذا الواقع مشتتة الجهود. فالمؤامرة تتصاعد، ولن تصل إلى خواتيم  هادئة طالما أن عوامل الضغط المضادة لها لم ترق إلى المستوى  المواجهة الحقيقية.

وعن ذلك، وإذا كانت القوى العراقية من وطنية وقومية وإسلامية تشكل الضامن لاستمرار المواجهة، فإن هذا يضمن منع نفاذ المشروع ويؤخر تنفيذه ولكنه لن يلغيه في المدى المنظور. ولهذا نعتبر أن القوى العراقية المشار إليها تُعتبر مركزاً لدائرة الجذب التي من المفروض أن تتحول إلى كرة من الثلج تجمع حولها كل العوامل الأخرى المتضررة مما يجري على الساحة العربية بشكل عام، وفي العراق بشكل خاص. وتلك العوامل تتوزع على الأصعدة العراقية والعربية، أنظمة ومنظمات وأحزاب، كما أنها ستجد لها أصداء إيجابية على المستوى الدولي.

-فعلى الصعيد العراقي لن نشير إلى قوى عراقية رافضة أو نصف رافضة أو أخرى تضمر الرفض للواقع القائم، بل نشير إلى أن مسألة الشعور بالسيادة الوطنية تعتبر عاملاً مكبوتاً عند قطاع غير قليل من تلك القوى، سيظهر إلى العلن حينما تجد نفسها مطمئنة لوجود ضوء للخلاص في آخر النفق.

-وعلى الصعيد العربي، أنظمة رسمية ومنظمات حزبية وشخصيات اعتبارية، يمكن المراهنة على ظهور أكثر من مؤشرات إيجابية راحت تعلن رفضها لما يجري وتبدي استعدادها للقيام بدور في المواجهة. وهنا، لا بُدَّ من أن نثير مسألة المتغيرات التي تحصل على الصعيدين الرسمي والشعبي:

1-على الصعيد الرسمي يأتي التحالف المصري الخليجي الجديد، وما نبنيه عليه من آمال، ونعقد عليه من مراهنات، فنرى أن تلك المتغيرات إذا لم تتسارع خطواتها فإن خطوات التحالف الأميركي الإيراني المذكور ستكون أسرع منها. فالسرعة البطيئة ستكون ذات آثار سلبية، ولن تصب في مصلحة التغيير المنشود. فالتغيير المنشود هو ليس وقف التداعيات فحسب بل يكون أيضاً بتكوين قوة وازنة على الصعيدين العسكري والسياسي من أجل دفع المشروع إلى التقهقر للوراء على طريق اجتثاثه كلياً.

2-على الصعيد الشعبي يُلاحظ المراقب أن هناك قطاعات شعبية وحزبية لا يُستهان بها أخذت تكشف اللثام عن خطورة الدور الإيراني بعد أن كانت مُضلَّلة بشعاراته، وقد اكتشفت ذلك عبر المقارنة بين ما بذله من وسائل للصراع مع العدو الصهيوني وبين ما يبذله من جهود ونوايا للاستيلاء على العراق بالدم والقهر أولاً، وبما صدر على لسان مسؤوليها الكبار من نوايا بناء الإمبراطورية الفارسية ثانياً.

إن تكامل التحولات على الصعيد الرسمي مع التحولات على الصعيد الشعبي كفيل بتغيير وجهة المعركة بين المحافظة على وحدة الأقطار العربية أو تفتيتها إلى دويلات طائفية متصارعة.

-وأما على الصعيد الدولي، أنظمة رسمية أو مؤسسات مدنية، وبناء على القاعدة الثابتة التي تُبنى عليها العلاقات الدولية، والتي تنص على أنه (لا عداوات دائمة، ولا صداقات دائمة، بل هناك مصالح دائمة)، فنرى أن تحالفات سابقة قد تزول عندما تتضارب المصالح، وأن صداقات تُبنى إذا تلاقت المصالح. وبناء عليه نقيس مستوى العلاقات الأميركية الخليجية، ونتوقع أن تسير تلك العلاقات إلى الأسوأ إذا ما استمرت الإدارة الأميركية في لعبها على حبال التوفيق في العلاقة بين ضدين لن يلتقيا، وهما طبيعة المصالح الخليجية والعربية وطبيعة المصالح الإيرانية.

إستناداً إلى هذه الحقيقة نعتبر أن لا شيء حتى الآن يوحي بأن تعود العلاقات طبيعية بين الإدارة الأميركية ودول الخليج العربي طالما أن تلك الإدارة لن تسعى إلى إعادة النظام الإيراني إلى رشده، ومنعه من الاستمرار في تهديد الأمن الخليجي بشكل خاص والأمن العربي بشكل عام.

واستناداً إليها كذلك، نرى بأن الإدارة الأميركية لن تلغي علاقاتها مع النظام الإيراني طالما ظلَّت متمسكة بمشروع الشرق الأوسط الجديد.

كما أننا نعتقد بأنه ليس كل مشروع خُطِّط له من قبل التحالف الأميركي الإيراني قابل للنجاح طالما أن هناك حالة اعتراضية تقوم بمواجهته وتلك الحالة متوفرة في مشروع المقاومة العراقية، وستتجذَّر أكثر كلما أُضيف إلى جهدها عوامل إيجابية أخرى، وتلك العوامل ستكون موفورة في أكثر من جانب على الصعيد العراقي الداخلي، وعلى الصعيد القومي العربي، وكذلك على الصعيد الدولي. وانتظاراً لما ستؤول إليه المتغيرات الجديدة سيبقى القتل الطائفي استراتيجية دائمة للحليفين الأميركي والإيراني في العراق وغيره. وتلك ما نعتبره معركة العض على الأصابع بين مشروع التوحيد الذي ترعاه المقاومة العراقية بالدم والروح، ومشروع التفتيت الذي ترعاه أميركا بمشاركة من إيران. كما نتوقع أن تصرخ الإدارة الأميركية أولاً، وهذه النتيجة مبنية على حقيقة أزلية تقول: إن من يتعرض إلى عدوان سوف لن يلقي سلاحه إلاَّ عندما يزيل آثار العدوان بشكل كامل.

ليست هناك تعليقات: