الجمعة، نوفمبر 18، 2016

نحو تأسيس مفهوم للبعد الإيماني: (الحلقة الخامسة)

نحو تأسيس مفهوم للبعد الإيماني
في فكر حزب البعث العربي الاشتراكي

(الحلقة الخامسة)

البعد الإيماني في نصوص صدام حسين:


رابعاً: البعد الإيماني في نصوص صدام حسين:
ولأننا أفردنا فصلاً خاصاً بالبحث عن البعد الإيماني في كتابات صدام حسين، في كتابنا (البعد الإيماني في الفكر القومي العربي نشر في العام 2005)، نحيل القارئ إلى العودة لتفصيلات البحث، على أن نقدم في هذه الدراسة موجزاً عن ثلاثة أبعاد حددها، وهي:
-البعد الأولمقاربته لعلاقة التراث الديني بالفكر القومي ، على قاعدة الاستفادة من التراث الديني بما يزرع حوافز لدى الأمة للاستنهاض، وبما يجعل من التراث قاعدة للتجديد والنظر إليه بعين المعاصرة التي لا تتناقض مع روح العصر الذي يُستعاد فيه.
-البعد الثاني: ويتمثل بفهم مدى العلاقة بين الفكر الديني والفكر القومي؛ فنجد أن الأمين العام يشدد على منع البعثيين من أن يتحولوا إلى رجال دين، وعلى ألاَّ يحاوروا الحركات الدينية مستندين إلى الإيديولوجيا الدينية، لأن الحركات الدينية أقدر على إدارة الحوار من البعثيين في الفكر الديني. أما البعثيون، من خلال تداخل الخنادق مع الحركات الإسلامية، وعلى قاعدة الحوار معها على أساس إيديولوجي فقد يوجِّهون سهامهم تجاه أهداف غير الأهداف القومية الحقيقية.
-البعد الثالث: منع التداخل بين وظائف الدولة ووظائف الدين، لأن غرق أجهزة الدولة في معالجة شؤون الناس بمناظير دينية قد يغرقها في متاهات الخلافات المذهبية.
ولأن المقاييس التي يستند إليها الأمين العام، في تقييم المواطن، هي مدى قيامه بعمله تصبح الانتماءات الدينية في دائرة الاختيار الفردي، بحيث يعترف حزب البعث بحق كل مواطن في اختيار العقيدة الروحية.
أما المسافة التي يراها الأمين العام فاصلة بين موقع الفرد قومياً ووطنياً وموقعه من حرية الاعتقاد الديني فهي رفض للإلحاد والدعوة إلى اختيار طريق الإيمان. ولهذا السبب دعا إلى شعار «القومية المؤمنة».
لكن أحدث هذا الشعار، بدوره، عدداً من الالتباسات في أذهان القوميين والعلمانيين بشكل عام والبعثيين بشكل خاص. وكان مصدر تلك الالتباسات يعود إلى اجتهادات متباينة مردها عدم مواكبة فكر الأمين العام بشكل شمولي، فكانت قراءتهم الناقصة سبباً لوقوعهم في استنتاجات سريعة. وكان من أهم مظاهرها سطحية في الاستنتاجات برزت عندما ربط القارئ الإيمان الديني، كمفهوم روحي عام، بالإيمان الديني الإسلامي، كإيديولوجية دينية تتعارض في جوانب عديدة منها مع الإيديولوجيات الدينية الأخرى.
وإذا تساءلنا عن أسباب اهتمام مؤسس البعث، وأمينه العام في مرحلة ما قبل المؤتمر القومي الثاني عشر، بمسألة الإيمان ببعده الديني، فسنجد الجواب في وثيقة (الظاهرة الدينية والظاهرة الدينية السياسية).فماذا جاء في الجواب؟
ينقسم الجواب إلى مسألتين، وهما:
أ-أستفحال الدور السلبي للحركات الإسلامية: وجاء في الوثيقة ما يلي: (كانت الحركات الإسلامية في مختلف البلدان العربية، خاصة خلال فترة الخمسينات والستينات، تقف إلى جانب القوى الرجعية المحلية، ..، تحت مظلة الشعارات الإسلامية ومحاربة الشيوعية).
و(خلافاً لمواقفها في الأربعينيات حيث كانت تهاجم النفوذ الأجنبي وقوى الإقطاع والرأسمالية، وتتحدث عن العدالة الاجتماعية والاشتراكية الإسلامية)، فهى الآن، ومنذ الخمسينيات من القرن العشرين، (كانت تقف مع الأنظمة الاستبدادية المتخلفة والمرتبطة بقوى الاستعمار الانجلو أمريكي، وتحارب حركة التحرر العربية بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي، والقائد العربي جمال جمد الناصر، والقوى الوطنية والقومية الأخرى).
بـ-حركة الحزب الوقائية من خطورة ذلك الدور: وجاء في الوثيقة ما يلي: (كان الحس النضالي والبصيرة التاريخية، عاملين مباشرين في دفع القائد المؤسس ...، إلى تجريد هذا السلاح العقائدي وصقله لمواجهة مؤامرة تاريخية مقبلة بغطاء جديد، هو غطاء الظاهرة السياسية- الدينية. وكذلك فعل الرفيق القائد صدام حسين، عندما عالج، في حديثه في اجتماع مكتب الإعلام، قبيل المؤتمر القومي الحادي عشر بتاريخ 11/8/1977 مسألة «الدين والتراث»).
وإذا كان المؤتمر القومي الثاني عشر قد أشار إلى دور الراحلين الكبيرين بالاهتمام بالظاهرة الدينية، واعتبر أن الاهتمام بها كان (أكثر من مجرد عودة نظرية لتوضيح الأفكار وشرحها..)،  بل (إلى تجريد هذا السلاح العقائدي وصقله لمواجهة مؤامرة تاريخية مقبلة بغطاء جديد، هو غطاء الظاهرة السياسية- الدينية). ولماذا مواجهة (ظاهرة تسييس الدين)؟ فلأنها كانت تتلقى مساعدة من النظام العربي الرجعي وقوى الاستعمار والصهيونية، منذ السبعينيات من القرن العشرين، لوضعها في مواجهة حادة مع القوى والحركات والأحزاب القومية، بحيث أن اتهام تلك الأحزاب بالكفر والإلحاد، يكفي لوضعها في مأزق العلاقة السلبية مع أكثرية شعبية عربية ثقافتها الأساسية دينية بشكل عام، وإسلامية بشكل خاص.
ولأن اهتمام الحزب بالظاهرة الدينية ليس اهتماماً أيديولوجياً، أي اهتمامه لم يكن لتفضيل ظاهرة دينية على ظاهرة دينية أخرى، أي تفضيل الظاهرة الدينية الإسلامية على الظواهر الدينية الأخرى، بل تم النظر إلى الإسلام بمنظار تاريخي حضاري، وليس بمنظار أيديولوجي.
لمثل تلك الأسباب قمنا بمحاولة للتمييز بين التاريخ الإسلامي والإيديولوجيا الإسلامية في فكر الأمين العام من جهة، ومن جهة أخرى قمنا بمحاولة لتعريف مفهوم إيماني ديني عام يقارب بين الواقعية الفلسفية التي لها علاقة بثنائيات «الروح والجسد»، و«المادة والروح» من جهة، واحترام الحزب لحرية الاعتقاد الديني من جهة أخرى.


ليست هناك تعليقات: