الثلاثاء، نوفمبر 22، 2016

نحو تأسيس مفهوم للبعد الإيماني: (الحلقة السادسة والأخيرة)

نحو تأسيس مفهوم للبعد الإيماني
في فكر حزب البعث العربي الاشتراكي

(الحلقة السادسة والأخيرة)

                                                                               في نتائج الدراسة

خامساً: في نتائج الدراسة
وبعد أن قمنا بتحديد مفهوم حزب البعث العربي الاشتراكي لمصطلح البعد الإيماني، نرى من المفيد للقارئ أن يتعرَّف على مفهوم هذا البعد بإيجاز في المقدمات النظرية التي تناولته في شتى مراحل تاريخ الفكر الإنساني. وقد استعنا بذلك بما جاء في كتابنا المنشور (البعد الإيماني في الفكر القومي العربي والمشار اليه أعلاه). والذي فيه قمنا ببحث نقدي لنصوص المصادر الأساسية في دستور الحزب، ونصوص المؤتمرات القومية، ونصوص ميشيل عفلق مؤسس الحزب، وكذلك نصوص صدام حسين، الذي شغل موقع الأمين العام للحزب منذ أواسط العام 1989 حتى تاريخ استشهاده في آخر العام 2006. كما شغل موقع رئيس الدولة في العراق منذ العام 1980 حتى تاريخ استشهاده في أواخر العام 2006.
وختاماً للدراسة نعيد إيجاز عدد من النتائج التي توصلنا إليها من خلال البحث في مصادر الحزب  الفكرية:
-نتيجة أولى: من قراءتنا لمبادئ الحزب الأساسية نجد أن حرية الاعتقاد بمفهوم ديني محدّد، ليس مبدأً ثابتاً. والدليل على ذلك اعترافه بحق كل عربي في أن يحدد طريقة معتقده الديني، والاعتراف بالتعددية يعني أن مفهوم الحزب الديني متغيِّر وليس ثابتاً، بل يحصر مفهومه بقدسية الإيمان بالله من دون أن يتصدى لمساءلة العربي عن طريق الوصول إلى عبادته، بل حفظ حق من يعتقد به بالطريقة التي يرتاح إليها. أي أن قدسية الله هي ثابت بينما يعتبر الحزب أن طرق الوصول إليها متعددة. والمبدأ الثابت الآخر الذي يأتي مباشرة في مبادئ الحزب هو الإيمان بـ(القومية العربية وبالحرية).
وإذا كان الإيمان الديني متغيراً، لكن دستور الحزب أكَّد على قدسية حرية الاعتقاد، على أساس أنه لم يلزم أياً من مواطني الدولة القومية بالاعتقاد بدين محدد. فالالزام بدين محدد لا يستقيم مع مبدأيْ: (حرية الاعتقاد على مستوى الدولة القومية)، و(الانسجام والتعاون بين الأمم على المستوى الإنساني العالمي)، لأن المجتمع القومي متعدد الانتماءات الدينية، ولأن الأمم الأخرى تدين بأديان أخرى غير الإسلام، كالمسيحية واليهودية والبوذية... إلخ...
-نتيجة ثانية: لم يرد في المبادئ العامة لدستور الحزب، أي ذكر للإيمان بمعناه الديني، بل إن ما اعتبره مقدساً بالنص هي القومية الخالدة، والشعور القومي المقدَّس.
-نتيجة ثالثة:وإذا كانت عبارة مؤسس البعث (العروبة جسد روحها الإسلام)، التي جنح البعض إلى تفسيرها بأفق أيديولوجي إسلامي، تدل كما يحسب ذلك البعض على تفضيل للأيديولوجيا الإسلامية على الأيديولوجيات الدينية الأخرى، فإنه سبق القول فيها تاريخ إقرار دستور الحزب. ولأن إقرار الدستور وإعلانه لم يضع نصاً يؤكد ما جاء في قول مؤسس الحزب، يعني ذلك أن قوله، المشار إليه، لا يُعتبر ثابتاً إيمانياً دينياً ملزماً للمواطنين في الدولة القومية المدنية. بل إن في قوله، وهذا هو الأرجح، ما يربط تاريخ المرحلة الإسلامية بتاريخ التكوين الرئيسي للأمة العربية. ففي تاريخ المرحلة الإسلامية انتقل العرب من شعوب وقبائل إلى وحدة جمعتهم لأول مرة في مرحلة تاريخهم ما قبل الإسلام. وما يعزز هذا التفسير هو ما جاء في المادة 17 من الدستور، التي تنص على أن الحزب يعمل على: «تعميم الروح الشعبية (حكم الشعب) وجعلها حقيقة حية في الحياة الفردية، ويسعى إلى وضع دستور للدولة يكفل للمواطنين العرب المساواة المطلقة أمام القانون والتعبير بملء الحرية عن إرادتهم...».
-نتيجة رابعة: حيث ضمن دستور الحزب حرية الاعتقاد الفردي بأي دين أو مذهب، يعني أنه يمكن للمجتع العربي أن يكون متعدد الأديان والمذاهب، لكن هذا لا يعني أنه ترك للعربي حرية اختيار القومية التي يريد. بل أكد على أن للانتماء إلى العروبة شروط، وهي (اللغة، والعيش على الأرض العربية، أو لمن تطلع إلى الحياة فيها، أو من آمن بانتسابه إليها) (المادة 10 من المبادئ العامة). وفي المقابل دعا إلى إبعاد كل من دعا أو انضم إلى تكتل عنصري، وكل من هاجر إلى الوطن العربي لغاية استعمارية). (المادة 10 من المبادئ العامة).
إن الاعتراف بتعدد الأديان يعني أن الانتماء إلى العروبة غير مشروط بالانتماء إلى دين واحد محدد، فالدين إذن متغير. وتحديد شروط الانتماء إلى العروبة، هو الإيمان بالانتساب إليها، يعني اعتبار العروبة ثابت لا يتغير. وإن كان البعث قد أعتبر في المبدأ الثاني من الدستور أن (الأمة العربية تختص بمزايا متجلية في نهضاتها المتعاقبة، ...)، يعني أنه اعتبر أن مرحلة الإسلام، وما قبله وما بعده، حلقات نهضوية متعاقبة. وإذا كان قد ركَّز على أهمية المرحلة الإسلامية في تاريخ العروبة، فلأنها الأكثر تأثيراً وفعلاً، في زمانها ومكانها، في تكوين الأمة العربية، وكذلك بما أفرزته من قيم تحررية، وحركة تاريخية أسهمت إلى حد بعيد في قيادة العالم المعروف آنذاك، كانت بمفاهيم ذلك العصر خطوة ثورية وضعت العرب في مصاف الأمم المرهوبة الجانب، خاصة بعد تحرير الأرض العربية من سيطرة، الفرس والروم، كأكبر إمبراطوريتين في ذلك العصر.
وإذا وضعنا أقوال ميشيل عفلق، مؤسس البعث، ذات العلاقة بإعطاء أرجحية للإسلام، أمام مقاييس ما اعتبره الدستور من الثوابت التي لا يمكن الاجتهاد فيها وحولها، لخرجنا بنتيجة واحدة هو أن من مهمات تلك الأقوال أن تدبَّ ثقة العرب بأنفسهم في معركة التحرر من الاستعمار الأوروبي، ووريثه الاستعمار الأميركي وكل من يعتقد أن باستطاعته في ظل معطيات استهداف الأمة العربيّة أن أمجاد أمبراطوريته يمكن أن يعاد تكريسها أو إنشاءهاعلى حسابها، وتعطيهم الأنموذج الإسلامي، وأهمية الدافع الروحي الديني في تحرير الأمة سابقاً من براثن استعمار الفرس والروم. ولأنه أدرك فشل الدولة الدينية في إقامة نظام عادل يساوي بين كل مكونات المجتمع الواحد، فقد دعا إلى رفض قيام الدولة الدينية من جديد، والحض على إقامة الدولة المدنية العلمانية التي عليها أن تسنَّ القوانين والتشريعات التي تضمن المساواة بين جميع أبناء المجتمع القومي الواحد.



ليست هناك تعليقات: