السبت، يوليو 28، 2018

أعيدوا ما سرقتموه من مال الشعب العراقي


أعيدوا ما سرقتموه من مال الشعب العراقي
بعد اندلاع موجة الانتفاضات في جنوب العراق على خلفيات مطلبية كهربائية ومائية وخدمات أخرى من أهمها البطالة واستشراء الفساد في شتى جوانب الدولة العراقية؛ اندلعت في المقابل موجات عارمة من التأييد للمطالب الشعبية، أخذ يتبارى بتحديد سقوفها كل المشاركين بالعملية السياسية التي أسسها الاحتلال الأميركي، وورث النظام الإيراني إدارتها بعد هزيمة القوات الأميركية في العراق.
كانت مرجعية السيستاني في طليعة من محضها التأييد وراح يحضُّ حكومة العبادي على تلبيتها. واعتبر العبادي، بدوره، أن دعوة السيستاني خطة طريق للإصلاح. وتهافتت من ورائهما كل القوى السياسية الأخرى، من رؤوساء ميليشيات إلى رؤوساء تيارات طائفية، على إعلان التأييد، والبكاء على مظلومية الشعب العراقي، وكأن من ظلمهم أتى من بلاد الواق واق. وغسلوا أيديهم من دم الصدِّيق.
لقد امتثل معظم سكان جنوب العراق لتقليد فتاوى رجال الدين ومنهم مرجعية السيستاني، وأوامر أسياد الميليشيات، بكل ما أفتوا به، ابتداءً بمنع مقاومة المحتل الأميركي نكاية بالنظام الوطني، بل حثُّوا على التعاون معه خوفاً من عودة ذلك النظام، وبالتالي تسليم القياد لـ(نظام ولاية الفقيه) تحت ذريعة أنه يشكل مرجعية للشيعة في العالم بشكل عام، وللشيعة في العراق بوجه خاص.
كان إذعان هؤلاء وأولئك للفتاوى الدينية والميليشياوية، ظناً من أنهم لن يخذلوهم كشيعة، بل بوعود لهم بأنهم سيتمتعون بلذة الحكم وعسله لأن الحاكمين الجدد هم من أبناء الطائفة، وما حسبوا أنهم سيخونون وعودهم وعهودهم، لأن من خان العراق وتعاون مع الأجنبي لن يعني لهم الوفاء لأبناء طائفتهم شيئاً.
لو قيل ما ورد أعلاه قبل خمسة عشر سنة لقالوا إن هذا من قبيل الظن والاستنتاج والدس والافتراء. وأما أن يقال هذا بعد مرور عقدين من السنين العجاف، والأشد وطأة منها، فقد أصبح من قبيل الواقع المؤكد تأكيداً قاطعاً الذي لا لُبس فيه عند سكان جنوب العراق. ولهذا كان جبل الصبر عند الجنوبيين يتململ كل سنة مرة تتمظهر بدعوات للانتفاضة والمطالبة بالحقوق، وكانت تحبطها مزاعم الحكومات المتتالية أن محاربة (داعش) في الجناح العراقي الآخر، لها الأولوية في واجبات الحكومة.
(راحت داعش)، (رجعت داعش)، كانت لعبة مكشوفة في آخر المطاف، لأنها كانت تشكل حقنة مسكِّن خادع لصوت الشعب الجائع المتروك لقمة سائغة للمرض، يعيش من دون ماء ولا كهرباً ولا وقود في بلد يمتلك كل مقومات الحياة.
وبعد عقود من السنوات العجاف آن للشعب أن يتساءل: وأين ذهبت ثروات العراق قبل داعش؟ وأين تذهب بعد داعش؟ وهل فعلاً كان حجم المعارك مع داعش يستهلك كل إنتاج العراق من النفط فقط؟
كان استمرار الانتفاضة، واتساعها على رقعة الجنوب بكامله، وتمددها باتجاه بغداد، نذيراً يؤكد أن زمن تصديق حكومة الاحتلال، بكل مؤسساتها، وشخوصها، وداعميها، قد ولَّى. وأن الوعود التي أخذ يرميها العبادي شمالاً ويميناً، وكذلك موجة التأييد التي ملأت تصريحات كل من أسَّس وأسهم، وشارك، بالعملية السياسية، حصل مثلها في تجارب سابقة. وما الرفض الشعبي لها جميعها، سوى تأكيد على أن وسائل الخداع التي يمارسها اللصوص والحرامية، وادعياء حماية المذهب من المتاجرين بالدين، قد ولَّى؛ وذهب الزمن الذي كان الشعب العراقي يصدِّق وعود من لا عهود لهم.
من متابعة مسلسل الانتفاضة، راحت بعض الحقائق تطفو على السطح، والتي أخذ الشعب يكتشفها، أن كل من أسهم وشارك في عملية الاحتلالين، الأميركي والإيراني، شركاء بالجريمة بالتساوي. وكلهم أسهموا بسرقة ثروات العراق، وكدَّسوها في حساباتهم المصرفية؛ وكذلك في العقارت الواسعة سواء تلك التي صادروها، أم اشتروها بالأثمان البخسة، أو تلك التي اشتروها خارج العراق. وتدلل الشعارات المرفوعة بالتظاهرات على أن الشعب لا يبرِّئ أحداً منهم، سواء من لبس العمامة أم من لبس ثياباً فرنجية، وحتى أولئك الذين سرقوا وكدسوا الثروات باسم عشائرهم....
إن الشعب العراقي، وكي يصدِّق كل من أيَّده واعترف بحقه، أن يعيد قبل أي شيء آخر الثروات المنقولة وغير المنقولة التي سرقوها من قوت الشعب وحبة دوائه. وأن ينتقلوا من المساكن والقصور الفارهة المبرَّدة إلى ميدان المعاناة التي يتذوَّق الشعب مرارتها. وبغير ذلك، فإن كل تصريحات التأييد والمساندة لن يصرفها الشعب العراقي بـ(شروى نقير) يملأ معدته، وقطرة من الماء تطفئ عطشه، وحبة من الدواء تشفي مرضاه، وبلمحة بصر من نور الكهرباء يكشح الظلام عنه.
إن كل فلس يعيده اللصوص إلى خزينة دولة يحكمها الوطنيون هو أكثر قيمة من تصريحاتهم الكلامية. ومن لن يفعل ذلك، فعبثاً يصنِّف نفسه بين داعمي حقوق الشعب.


ليست هناك تعليقات: