الجمعة، مارس 15، 2019

دراسة عن الحراك الشعبي العربي الحلقة الرابعة


دراسة عن الحراك الشعبي العربي
الحلقة الرابعة
(4/9)
ثالثاً: موقع النظام العربي الرسمي:

حتى أواخر العام 2011، عام الهزيمة الأميركية في العراق، وصل الحراك العربي الرسمي إلى ما دون درجة الصفر، وحصل على مستوى عالٍ من الاستسلام والانحناءات أمام الأدوار الخارجية. وهذا ما أكدته كل الوقائع على الأرض وفي الأروقة الرسمية. وبمثل هذا الواقع أصبح القرار العربي بيد القوى الدولية والإقليمية. تلك القوى جاءت لتملأ الفراغ بشكل كلي وشامل، هذا إذا لم تكن قد خططت له لتغييب أي مرجعية حزبية وشعبية قومية تسترشد بها الجماهير العربية وكذلك الأنظمة الرسمية. وفيه تحوَّلت جامعة الدول العربية إلى منبر يقرر ما يُملى عليها. وبمراجعة سريعة لكل الأحداث التي عصفت بالمسرح العربي منذ ما يُسمى بـ(الربيع العربي)، ابتداء من تونس انتهاء باليمن، تؤكد مدى درجة الانحدار الذي بلغته الإرادة العربية.
وهنا، ربما كانت حالة الاستسلام العربي تختزن في نفسها نقيضها، وهو التمرد على الواقع المهين، فكيف أخذ النقيض يظهر ليحدث تغييراً في مسار واقع الاستسلام منذ البداية حتى موعد احتلال العراق، ذلك الاحتلال الذي كان من أهم أهدافه إيقاف حركة التغيير في مسار الأمة العربية؟
لقد كانت أهم التحديات التي تواجه القضايا العربية يُعبَّر عنها بالتساؤلات التالية:
-هل يبقى الاستعمار، الذي يشكل أهم التحديات أمام العرب، ممسكاً إلى الأبد بالقرار العربي، وصياغته بالشكل الذي يخدم حركة الاستعمار ومصالحه؟
-وهل تبقى الأنظمة الحاكمة الحليفة له راكدة الإرادة وخاضعة ومذعنة؟
-وهل سيكون لتجارب المواجهة العربية ضد قوى الاستعمار والصهيونية تأثير في تغيير مجرى واقع الاستسلام؟
-وهل ستبقى حالة المهانة التي تعيشها الأنظمة الرسمية قدراً لا مرد له؟ أم أن هناك عوامل داخل تلك الأنظمة تتفاعل لتصل إلى حدود الانفجار فتولد متغيرات أخرى؟
وتفسيراً لتلك التساؤلات نرى أن حركة معظم الأنظمة العربية، التي تشكَّلت بعد مؤامرة سايكس بيكو الأولى، كانت تصب في مصلحة التحالف بين تلك الأنظمة والقوى الاستعمارية، وكان من المرسوم لها أن تظل ثابتة طالما ظلت مصالحهما متطابقة. ولكن على الرغم من المسافة الزمنية الطويلة التي فصلت بين حالة التوافق بين أطراف التحالف، وبين حالة التناقض بينهما، على قاعدة أن كل حالة تحمل نقيضها في نفسها، فإنها ظلَّت كامنة وراكدة إلى الوقت الذي بدأت معالم التغيير في شروط التوافق تظهر على سطح الأحداث. فكانت تلك البداية الفعلية في الانسحاب الأميركي من العراق في العام 2011. ولم تكن وليدة ساعة زمنية مقطوعة الجذور عما سبقها، بل كانت استكمالاً لإعداد استهلك سنوات عديدة. وأما معالم شروط التغيير تلك فكانت ولادتها مترافقة مع البدء في تكوين مشروع جديد كان الطرف الاستعماري قد أعدَّه من أجل تقويض الأسس التي بُنيت عليها شروط اتفاقية سايكس بيكو.
على وقع تنفيذ هذا المشروع، خاصة أن بوادره الأولى ظهرت منذ أن سلَّمت الولايات المتحدة الأميركية العراق للنظام الإيراني قبل خروج قواتها المقاتلة منه. ومنذ ذلك الوقت استشعرت دول الخليج العربي خطورة المشروع الذي يتمَّ تنفيذه بجدية، فابتدأ المتغير العربي الأول بعد أن وصلت نقطة التلاقي بين مصالح الاستعمار ومصالح النخب الحاكمة إلى نقطة اللاعودة. وحينذاك أخذ هذا المتغير ينتج متغيرات أخرى على الصعيد العربي.
فما هي أهم المتغيرات على الصعيد العربي الرسمي، التي أخذت تتواصل بالظهور بعد أن دقَّ ناقوس الخطر؟
فإذا كان المتغير الخليجي، يشكل المتغير الاستراتيجي الأم، فقد عرفت الساحة العربية سلسلة من المتغيرات الأخرى. وهذه المتغيرات نوجزها بالتالي:
أولاً: المتغير العربي الخليجي، وقد اصطدم بعاملين أساسيين شكلا نقلة نوعية في بروز حالة عربية تنبئ بحصول معركة حول استعادة الإرادة العربية والقرار العربي، وهما:
1-كما دلَّت سياقات الوقائع، كانت حركة الإخوان المسلمين حليفاً لتركيا وأميركا، ونقيضاً للمملكة العربية السعودية. وإذا كانت المملكة حليفاً لكل منهما قبل انطلاقة (الربيع العربي). نعتبر أن حالة التحالف الثلاثي المذكور (السعودي الأميركي التركي) حمل نقيضه في نفسه بعد أن تغيرت قواعد تبادل المصالح بين أطرافه، فدخلوا في مواجهة مصيرية. فقد اعتبرت المملكة أن المواجهة مع تركيا من جهة، والولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى، على قاعدة إسقاط خيمة الإخوان المسلمين في كل من مصر وتونس، بعد موجة (الربيع العربي)، وقد نجحت في خطتها على حساب حليفيها.
2-وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن النظام الإيراني من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى، حليفين مشاركين في مشروع التقسيم الطائفي على المستوى القومي العربي انطلاقاً من العراق، وأن لكل منهما مصلحة في تنفيذه. ولما كان التنفيذ سوف يشكل خطراً كبيراً على المملكة جغرافياً وديموغرافياً ومذهبياً، فقد كان سبباً كافياً أمام المملكة، الحليف الأقدم تاريخياً، لتخوض معركة مواجهة مع أميركا الشريك الاستراتيجي لنظام ولاية الفقيه في إيران.
ولذلك فقد كانت عوامل التوتر بين الحليفين، السعودي والأميركي، ذات شقين: تناقضهما في الموقف من حركة الإخوان المسلمين، وتناقضهما من الموقف من نظام ولاية الفقيه في إيران. وبما تعنيه نتائج هذا التناقض من ضرب لأهم القواعد التي بُني عليها مشروع الشرق الأوسط الجديد. فلا حياة له من دون مشاركة حركة الإخوان (الجناح السُنِّي)، ومشاركة نظام ولاية الفقيه (الجناح الشيعي) فيه. ومن هذه الحقائق أخذ المشروع يتعثَّر، وازداد تعثراً بعد إسقاط النظام السياسي لحركة الإخوان في مصر.
مع إصرار المملكة العربية السعودية على إسقاط المشروعين المذكورين، وثباتها على موقفها، من المواجهة مع أميركا، فقد حصلت على متغيرات في السياسة الأميركية بعد وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة، وإعلانه فسخ الشراكة مع النظام الإيراني والعمل على حصاره وتحجيمه. ولكن تكون خواتيم الأمور بنتائجها. وطالما ظل الموقف السعودي ثابتاً، وإذا استمر الموقف الأميركي من دون التواءات وخداع فإن النظام الإيراني يسير على طريق الرحيل من التأثير في الوطن العربي وهذا ما سوف تكون له انعكاسات إيجابية عن وضع الساحات العربية المشتعلة بنيران استراتيجة (الفوضى الخلاقة). وكل ذلك يعني إقفال البوابة الشرقية للوطن العربي ابتداء من العراق.


ليست هناك تعليقات: