الثلاثاء، ديسمبر 10، 2019

كلمة (ولكن..) منهج شيطاني بالالتفاف على حقوق الشعب


كلمة (ولكن..) منهج شيطاني بالالتفاف على حقوق الشعب

بالأمس، وكما قبله، كنت أستمع إلى أحد المعممين في مناسبة اجتماعية، والذي استهلَّ كلامه معترفاً بمطالب المنتفضين والثناء على حركتهم. فاستبشرت خيراً، وحسبت أن الفرج آتِ لا محالة. فهذا المعمم سيحث الحاضرين على النزول إلى الشارع ليرفعوا الصوت في وجه ظالميهم الفاسدين الذي ملأوا جيوبهم حتى التخمة، وأفرغوا جيوب الفقراء إلى حدود الإفلاس والعجز عن توفير ثمن (منقوشة) لأطفالهم. وحسبت أنه ممن يؤمنون بـ(أن أفضل الجهاد كلمة حق تُقال بوجه ظالم).
ولكنني صُعقت بالمعمم وهو يتابع خطبته قائلاً: (ولكن...)،
ساعتئذٍ تعوَّذت بالله من الشيطان الرجيم. وأصاب حدسي لأنه بعد كلمة (ولكن..) استطرد بتحذير الجياع والمرضى والمحتاجين من الوقوع في فخ المؤامرة التي تنصبها سفارات الغرب وأجهزة المخابرات الصهيونية. وختم (اللاكن) داعياً أصحاب الحقوق للعودة إلى منازلهم لإحباط المؤامرة الأميركية - الصهيونية. ومن بعدها نزل عن المنبر مبتسماً وكأنه أدى وظيفة كُلِّف بها من السلطان الذي يقبع تحت خيمته.
ونتيجة لهذه الحادثة، ومثلها المئات التي تحصل على المنابر الطائفية، وعلى شاشات التلفزيون، أتوجه إلى فقهاء السلاطين ومثقفيهم مرة أخرى، طالباً أن لا يخونوا صوت الجائعين والمرضى والفقراء والمحتاجين، و... وعليهم أن يخرجوا من تحت عباءة الفاسدين، لأن الدفاع عنهم وبمنطقهم خروج عن حدود التعاليم الدينية والإنسانية والأخلاقية. وعليهم أن لا يتنكروا لكلمة حق تقال في وجه ظالم، وأن لا يتجاهلوا الدعوة الثورية التي أطلقها الإمام علي بن أبي طالب التي تقول: (لو كان الفقر رجلاً لقتلته)، وهو أعلنها صريحة واضحة خالية من مصطلح التضليل الشيطاني الذي تتضمنه كلمة (ولكن...).
يا فقهاء السلطان ومثقفيه
لعلَّ في تكرار، ما نقوله بشكل دائم، فائدة. لذلك نعيد ما يلي:
بعد أن عجزت أحزاب الحكومة اللبنانية، ومثقفيها وبعض فقهائها، عن إطفاء الشعلة الثورية في الشارع اللبناني، وإسكات صوت الجياع والمرضى.
وبعد أن فشلت أكاذيبهم بترهيبهم بالتخوين والوقوف على أبواب السفارات. والشعب يعرف أنهم وحدهم من ملأت السفارات جيوبهم حتى حدود التخمة.
وبعد أن انكشفت خدعهم بالتهويل بانتشار الفتنة وحصول الانهيار الاقتصادي. والشعب يعرف أنهم وحدهم يمتلكون أدوات الفتنة ووسائلها وإمكانياتها. وأنهم وحدهم كانوا السبب في الانهيار الاقتصادي لكثرة ما سرقوا من جيوب الناس ونهنبوا.
وبعد تخويفهم باندلاع حرب أهلية، متجاهلين أنه ليس بمقدور جائع أو مريض أن يمتلك ثمن مفرقعة واحدة. بينما هم وحدهم يكدسون الأسلحة بكل أصنافها وأحجامها وقوة تدميرها.
وبعد أن فرغت جعبهم وجعبكم من كل أدوات الترهيب النفسي والجسدي.
أخذتم يا فقهاء أحزاب الحكومة ومثقفيها تلتفون على أكاذيب أحزابكم وتبتلعونها. فكان أكثر ما لفت الانتباه، انتقالكم إلى ضفة الاعتراف بالمطالب ومشروعيتها بعد أن اشبعتموها تخويناً وتخويفاً وتهويلا. يا ليتكم لم تردفوا الاعتراف بـ(ولكن..)، لأنكم باستخدامها ألغيتم اعترافكم، الذي كان يمكن أن يكون نبيلاً من دونها.
لقد تحولَّت كلمة (ولكن..) إلى منهج شيطاني بالالتفاف على حقوق الشعب. وحقوق الشعب ليست رمادية، فهي حقوق كاملة وتحقيقها غير مشروط بأي سبب كان. المطالبة بها ليست تآمراً أو مشوبة بالتآمر، وإنما العكس هو الصحيح، فكل من لا يعترف بها بشكل واضح ويعمل أو يساعد من أجل تنفيذها هو التآمر بحد ذاته. فلا تسوية بين ظالم ومظلوم على الإطلاق. فالظالم يجب أن يُعاقب لظلمه، والمظلوم يجب أن يُجزى باستعادة حقوقه. والساكت عن الحق شيطان أخرس. والمانع عن الحق هو من تلبسته عفاريت المؤامرة، وليس المتآمر من يطالب بحقوقه.
وأخيراً، يا فقهاء السلطة ومثقفيها عودوا إلى ضمائركم، لأنه عندما تنتصر صولة الحق، سيدفع الظالمون والفاسدون الثمن، فاتركوهم منذ الآن وخلصوا أنفسكم من حكم دينونة الشعب، فتلفظكم كما لفظت أسيادكم. وتذكروا أن فقهاء السلاطين قد دانهم التاريخ، وأصبحوا أمثولة سيئة يُضرب المثل بهم ولكل من يقلدهم ولكل من لم يتَّعظ من تجربتهم السيئة والمدانة.

ليست هناك تعليقات: