الأحد، مايو 29، 2011

إخترنا لكم من أرشيف (طليعة لبنان الواحد)


الافتتاحية
طليعة لبنان الواحد (أيار 2011)
في الفجوة بين الحراك الشعبي وترهل الأحزاب العربية
تكمن الأزمة الحقيقية
ما يجري في الشارع العربي يُلحُّ علينا بالسؤال: لماذا يتحرك الشعب ولا تظهر الحركة الحزبية العربية في قلب الحدث، أو أقله على سطحه؟ وإذا كانت من أولى مهمات الحزب الثوري أن يصنع الثورة ويقودها، فلماذا نرى الحركة العربية الثورية ضعيفاً قياساً مع ما يجري الآن في الشارع العربي؟
إن المقياس الذي نكيل به ثورية الأحزاب هو حجم دورها في صناعة الحدث الثوري وحجم مشاركتها فيه، ورؤيتها لتطور مراحله. واستناداً إلى هذا المقياس نتساءل: لماذا تجري الحركة الحزبية العربية اليوم لاهثة وراء أكبر حدث عربي طالما انتظرناه؟
وقبل مساهمتنا في وضع بعض ما يساعد على تأسيس حركة نقدية، على الحركة الحزبية العربية أن تقوم بها، علينا أن نحدد مفهومنا للمصطلح الذي علينا أن نطلقه على الحراك الدائر الآن في الشارع العربي، فنرى أنه حدث ثوري لأنه يتحرك وفق أسس شعبية، وهي أسس جديدة من دون شك، فهو قد قفز فوق المفهوم التقليدي للتغيير، أسس لم نعهدها في تاريخنا المعاصر الذي طبعته سمة الانقلابات العسكرية. وهو بالتالي لم ينتظر الحركة الحزبية العربية لكي تفجره وتعد له أسباب نجاحه، بل سبقها في قلب المعادلة التي كانت تعتمد على أن الحزب الثوري هو الذي يخطط ويقود ويشارك ويصوِّب.
إن الحركة الحزبية العربية لم تستفد حتى الآن من أنموذج التجربة الثورية في العراق، التجربة التي حازت، بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي، على الشروط الأربع الأساسية: التخطيط للمقاومة الشعبية المسلحة، وقيادتها، ودورها في الفعل النضالي الميداني، ودوره في تصويب اتجاهات المقاومة. ولأن الحزب أستكمل شروط الثورة فقد أنجز نتائج تاريخية لم تنجزها أية حركة ثورية في التاريخ.
لنا، في هذا الجانب، مثالاً حياً يمكننا على أساسه أن نحفر أنموذجاً نقيس على منواله رؤيتنا للمفهوم العميق لدور الحزب الثوري، وبالتالي نحدد رؤيتنا لما نراه ونشاهده على سطح الأحداث الثورية التي نتابع فصولها الآن على الساحة العربية من المحيط إلى الخليج.
لقد كانت ظاهرة المقاومة الشعبية العربية المثال الذي يُحتذى في التجربة العربية، والتي من خلال رؤيتها نظرياً وممارستها عملياً، أثبتت أنها الاستراتيجية الأساسية التي تعوِّض فيه الأمة عن النقص في مسألة التوازن العسكري بين قدرات الأمة وأعدائها.
هذه الظاهرة كانت تشكل الاستراتيجية المحورية في فكر حزب البعث العربي الاشتراكي، وكانت التجارب الوطنية في فلسطين ولبنان محور الدراسة والتقييم عند قيادة الحزب في العراق، وأولتها عنايتها القصوى عندما اتخذت القرار في مواجهة أي احتلال أميركي كانت ملامحه واضحة قبل احتلال العراق بسنوات طويلة. ولذلك كانت هذه القيادة قد وضعت خطتها قيد التنفيذ في الظرف والمكان المناسبين، وكانت انطلاقتها في الوقت المناسب وراحت تسكتمل ما بدأته القوات العراقية النظامية، وما بذلته من بطولات قبل وصول قوات الاحتلال إلى مشارف بغداد.
وإذا كنا نشير إلى المقاومة العراقية برمزية صدام حسين، قائدها في بداياتها، وإلى عزت الدوري باستئنافه القيادة حتى الآن، فإنما لنصل إلى استنتاج نعبِّر فيه عن اعتزازنا بأن السلف والخلف كانا يسيران على خطى حزبهم الثورية. وبذلك أثبت حزب البعث ثوريته عندما كان في قلب حدث المقاومة العراقية الثوري قبل أن يفرض الحدث نفسه على كل وسائل تجهيل المقاومة العراقية، كما على كل وسائل اجتثاث هذا الحزب العظيم.
إنها صفة الإبداع التي تتلازم مع البعث في العراق، إنها صفات التضحية والتجديد المستمر في مستوى الأداء، إنها صفة الحيوية التي يتميز بها البعثيون في العراق. إنه الحزب الذي وعد أميركا بالانتحار على أسوار بغداد وفعل. إنها السرعة بالإنجاز.
قالها القائد الملهم الذي ما رحل إلاَّ بجسده، وظلَّ حياً في نفوس رفاقه، بدليل استمرارية قيادة المقاومة بكل جدارة الثوريين الذين يعتبر الرفيق عزت الدوري رمزاً لهم. إنه الحزب الثوري الذي أبدع وابتكر، ناضل ودفع الثمن، إنه الحزب الذي يتجدد بفعل نفوس أبنائه التي تمتلئ شباباً وحيوية.
إنه الحزب الذي وضع رؤية نظرية، وخطط لتطبيقها، ونزل إلى الخندق ليقود منه أعظم ثورات التاريخ، فكان الحزب الذي يمتلئ حيوية. وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل: أين هو موقع الحركة الحزبية العربية الآن؟
لقد استلهم الشعب العربي رؤيته للثورة من قلب المعاناة، ونزل إلى الشارع، ودفع الثمن من دمه وروحه. وظلت الحركة الحزبية العربية من دون حراك. وانقلبت الرؤية رأساً على عقب، إذ بدلاً من أن تقود الأحزاب حركة التغيير الشعبية، فإذا بحركة التغيير الشعبية هي التي تبادر إلى قيادة نفسها، بينما الحركة الحزبية تقف على أرصفة الانتظار، تراقب وتنتظر، وكأنها على حياد مما يجري. والدليل على ذلك أن قوى الثورة المضادة تسرح وتمرح وتعمل على قطف ثمار الثورة الشعبية بتحريفها وتضليلها وسرقة نضالاتها. وهذا الذي يفرض علينا التساؤل التالي: ما هي أسباب انعكاس صورة المعادلة في العلاقة بين الحزب والشعب؟ والتساؤل عمن يقود من؟
إذا كنا نوجز انقلاب المعادلة بأن الشعب يثور والحزب العربي يقف على أرصفة الانتظار، إنما يعني هذا أن الحزب فقد الحيوية في كل الاتجاهات النظرية والقيادية والنضالية، وتحول من مستوى العطاء إلى مستوى الأخذ، وبذلك تعطَّلت قوانين العلاقة بين الشعبي والحزبي بمفاهيمها التي أثبتت فيه التجارب التاريخية صحتها، وأسطع دليل عليها كانت علاقة الشعبي والحزبي في العراق.
وإذا كنا لن ندع اليأس يأكلنا، فإننا ندعو الحركة الحزبية العربية إلى تجديد شبابها في كل الاتجاهات من أجل أن لا يصل المواطن العربي، الذي لا يزال وعيه حاضراً بأهمية الحركة الحزبية ومؤمناً بدورها الطليعي إلى حافة اليأس، على الحركة الحزبية العربية أن تستعيد زمام المبادرة حتى ولو للحظة واحدة. وتنفض الغبار عن نفسها فتضفي الحيوية على واقعها الداخلي في تجديد آلياتها النظرية والتنظيمية والنضالية وطرق تفكيرها واتجاهاتها.
فهل لأحزاب الحركة العربية الثورية، قبل أن تنثر نقدها للديكتاتورية شمالاً ويميناً، أن تنتفض على نفسها ولو لمرة واحدة؟ وهل آن لها أن تخرج من ديكتاتوريتها المقنَّعة بالثورة على نفسها لإحداث انتفاضة داخلية تخرج فيها من سجون التجميد إلى رحاب التجديد؟ وإذا كان تجميد التاريخ الفكري والسياسي والاقتصادي وطريقة الحكم من أهم مساوئ الديكتاتورية، فهل التجميد في الحركة الحزبية العربية إلاَّ أكثر مظاهر الديكتاتورية التي تمارسها على نفسها؟

ليست هناك تعليقات: