الجمعة، فبراير 26، 2010

إشكالية العلاقة بين القومية والدين

إشكالية العلاقة بين الفكر القومي والفكر الديني

قُدمت في سهرة حوارية في منزل الدكتور (م. ي.) في أيلول 2002
ما هي أسباب طرح إشكالية علاقة الفكرين القومي والديني؟
-كانت الدولة الدينية مفتوحة الحدود، فكانت هوية الدولة الدينية هوية لرعاياها، فتخضع المجموعات لتشريعات الدولة التي يعيشون تحت رعايتها، وتصطدم المجموعات الأقلية بتشريعات دينية أو مذهبية لا يؤمنون بصلاحيتها. فكانت المجموعات التي لا تنتمي إلى دين الدولة أو مذهبها تستطيع الانتقال من دولة إلى أخرى بدون أية عقبات. وهنا تبرز نزعة ديكتاتورية الفكر على الرغم من أنها تعبِّر عن رأي الأكثرية.
-أصبحت الدولة القومية مُغلَقة الحدود، مما يمتنع على المجموعات الأقلية أن تنتقل بحرية من دولة إلى أخرى. فعلى المجموعات الدينية في داخل الدولة القومية أن يتعايشوا في ظل تشريعات تحفظ لها حقوقها بالتساوي، من دون النظر إلى أكثرية أو أقلية، وهنا تبرز ديكتاتورية الأقلية الفكرية، التي تريد أن تنتزع حقوقاً من الأكثرية على الرغم من إرادة الأكثرية الفكرية.
استناداً إلى تلك المقدمات تنشأ إشكاليات العلاقة بين الفكرين القومي والديني.
واقع الدولة الدينية القديمة كان يحقق مصلحة الأكثرية الدينية، ولا يلتفت إلى مصالح الأقليات. بينما يفرض واقع الدولة القومية الحديثة على الأكثرية أن تتنازل عن بعض حقوقها لتتساوى مع الأقليات.
هل علينا أن نمتثل لإرادة الواقع الذي فُرِض فيه وجود دولة قومية؟ وهل من الممكن أن نغيِّر واقع الدولة الحديثة التي تفرض ديكتاتورية الأقلية الدينية أو المذهبية، ونعود بها إلى واقع الدولة الدينية التي تفرض ديكتاتورية الأكثرية الدينية؟
هناك مسائل لا يمكن معالجة إشكاليات العلاقة بين الفكرين القومي والديني من دون أخذها بعين الاهتمام، وهي:
-الأولى: إستحالة العودة إلى مرحلة الدولة الدينية المفتوحة الحدود، أو حتى إلى مرحلة الإمبراطوريات المفتوحة الحدود أيضاً.
-والثانية لها علاقة بطبيعة الفكر الديني، وأساسها معاني المقدَّس الملتبسة: فما هو مقدس عند مجموعة دينية ليس مقدساً عند مجموعة دينية أخرى.
-والثالثة فهي قيام الدولة الدينية تحت ذرائع التكليف الإلهي الشرعي، بتنفيذ تشريعات إلهية، يُعدُّ من يخرج عنها من الكافرين، فيتحول الصراع بين رعايا الدولة الدينية بين كافر ومؤمن.
-والرابعة، استناداً إلى المقدس والأمر الشرعي الإلهي، فهي الإشكاليات التي يفرضها الفكر الديني، بشكل عام، حول علاقة رعايا الدولة الدينية بين بعضهم البعض.
-أما الخامسة، فهي التباس العلاقة بين المنتمين إلى الأديان والمذاهب في داخل الدولة القومية مع أبناء دينهم أو مذهبهم ممن هم من خارج حدود الدولة القومية.
بالنسبة لاستحالة العودة إلى مراحل الدول الدينية، هو خضوع العالم بأكمله لواقع التقسيمات القومية، المحمية بالإرادة الدولية.
أما بالنسبة إلى المسائل الأخرى، فهي عجز الدولة الدينية عن فرض العدالة والمساواة السياسية حتى بين المذاهب التي تنتمي إلى دين واحد من جهة، وعجزها، أيضاً، عن تحقيق العدالة بين شتى المنتمين إلى أديان مختلفة. فالمشكلة دينية ومذهبية.
ينشأ من إشكالية العلاقة بين الفكرين الديني والقومي إشكالية أخرى، وهي: ما هو مكان الدين في الدولة القومية؟
من خلال معالجة هذه الإشكالية تتولَّد إشكالية تعريف الدين. وهنا نتساءل: هل تعريف الدين هو تعريف مُوَّحَد في داخل مذاهب الدين الواحد؟ وهل هو مُوَّحَد عند المنتمين إلى شتى الأديان؟
ولأننا نرى أنه ليس هناك تعريفاً موحَّداً ندعو إلى توحيده لأنه مدخل أساسي لتحديد مكانه في الدولة القومية.
من رؤية العديد من تلك الإشكاليات نجد أنه لا بُدَّ من تحديد عناوينها. ونحن، في هذه الجلسة المحدودة الوقت، لا نستطيع أكثر من أن نحدد العناوين الرئيسة، التي هي موضوعات جديرة بالدراسة، والدراسة جديرة بالحوار، والحوار هو وحده الذي يساعدنا على تحديد مصطلحات وتعريفات تكون الجامع الموحِّد بيننا.
أما العناوين الرئيسة، فهي:
1-هل يمكننا تغيير واقع الدولة الحديثة، أي الدولة القومية، والعودة إلى مرحلة الدول الدينية، أو مرحلة الإمبراطوريات الكبرى؟
2-أي نظام نريد: دولة دينية أم دولة قومية، وهذا يستتبع البحث حول أية تشريعات تؤمن مصالح الدولة القومية: التشريعات الدينية، أم التشريعات الوضعية؟
3-إذا كان الخيار هو الدولة القومية، فأين هو موقع الدين في تشريعاتها؟
4-البحث عن تعريف واحد للدين: هل هو التعريف المختلف عليه بين الأديان والمذاهب، أم أن هناك تعريف آخر على الدولة القومية أن تستند إليه؟
5-ما هي الأسس الرئيسة التي تستند إليها تشريعات الدولة القومية، والتي تتساوى فيها مصالح كل شرائح المجتمع القومي؟
6-بما لهذا التحديد من علاقة مع المجموعات الدينية أو المذهبية الخارجية بشكل خاص، نرى أهمية في الاتفاق حول تعريف لأولوية رابطة انتماء المواطن: أهي الرابطة المذهبية؟ أم الرابطة الدينية؟ أم رابطة الانتماء إلى الدولة القومية؟
-->

ليست هناك تعليقات: