الجمعة، فبراير 26، 2010

مقدمات تمهيدية

مقدمات تمهيدية

في مواجهة الحركة النقدية التقليدية لحركة التحرر العربية

نشر في دورية العراق تاريخ 4/ 1/ 2004م

مضى على حركة التحرر العربية، منذ تأسيس أول كيان صهيوني على أرض فلسطين في العام 1948م، حين من الدهر لم تغيِّر تلك الحركة من آليات مفاهيمها النقدية للوضع العربي. فقد جمَّدت تلك الحركة نفسها على عدد من الآليات التي فرضتها طبيعة المعركة بين عدد من الجيوش العربية والجيش الصهيوني في العام 1948م.

كانت الحركة العربية الثورية منذ خمسين عاماً- تعيش تجاربها الأولى في الصراع مع الاستعمار الأجنبي. وفي الوقت ذاته كانت تقود معركة ضد التخلف في شتى ميادينه. وكانت تلك الحركة تخوض نوعين ن الصراع: أولهما التسابق من أجل قيادة حركة التحرر العربية، وثانيهما مواجهة الأنظمة بعد أن حمَّلتها وزر كل أنواع التخلف.

أما في الوجه الأول، فقد دخلت تيارات الحركة التغييرية في متاهات التنافس على البروز فدفعت جميعها ثمناً باهضاً لأنها كانت توفر على طرف الصراع الآخر (سواء كان خارجياً أو داخلياً) كثيراً من الجهد فيما لو كان يقف في مواجهة كتلة تحررية موحَّدَة.

أما في الوجه الثاني، فقد أعفت تيارات الحركة التغييرية نفسها وأعفت الجماهير الشعبية من أية مسؤولية في استمرار التخلف وإدامة أسبابه.

أما في مواجهة المشروع الاستعماري (الذي كانت ترثه قوة رأسمالية خارجية عن الأخرى، ومن أخطرها الكيان الاستيطاني الصهيوني على أرض فلسطين)، فقد حمَّلت تيارات الحركة الثورية العربية كل الوزر للنظام العربي الرسمي. فنقدته ووصمته بالعجز، ووضعت أوزار الهزائم في ظهره. بينما لم تتبيَّن أن ذلك النظام ليس إلاَّ من عجين الشعوب، فراحت تحرِّضها بدلاً من توعيتها وتحميلها مسؤولية في إدامة التخلف وفي إلحاق الهزائم بالأمة، فكان النظام العربي الرسمي هو صاحب الوجه القبيح، بينما وجه تيارات التغيير ووجه الشعوب ليست بذلك القبح، وكأنها هي الملاك الطاهر، بل هي مثال الثورية والنقاء.

تحوَّلت حركة النقد العربية، على المستويين الفكري والسياسي، إلى حركة من الندب لم تتوقف أبداً عن تكرار خطابها واجتراره.

إن من أهم مظاهر القصور في تلك الحركة أنها حوَّلت مفاهيم النصر والهزيمة إلى معادلة (نظامية نظامية). نظام يواجه نظاماً آخر، وجيش نظامي يواجه جيشاً نظامياً آخر. أما نتيجة الصراع (نظامي نظامي) فلن تكون رمادية، بل هي إما نصر وإما هزيمة. أما دور الحركات والقوى الحزبية والشعبية فكانت دائماً متعالية على النقد، وهي لا تحمِّل نفسها، لأنها كما أبرز خطابها النقدي الذاتي، هذا إذا كانت تمارسه- لا تتحمَّل أي وزر بالهزيمة، فالنظام هو الذي انهزم، والجيوش النظامية هي التي انهزمت.

إن ثبات تلك المعادلة أوقع تيارات الحركة العربية الثورية وآليات حركتها النقدية بالثبات أيضاً. وهي سوف تبقى ثابتة ولن تتغيَّر ما لم تعيد النظر بها.

من أوائل ما نرى أنه يكسر الدائرة التي دخلت فيها الحركة النقدية الثورية العربية، وكما هي الآن حالة أقرب للندب من النقد، هو أن تنتج معادلة أخرى تستند إلى تحميل مسؤولية في التقصير لنفسها وللجماهير العريضة. فتصبح المعادلة على شكل آخر من أن يكون الصراع (نظامي نظامي) إلى (نظامي - شعبي).

وحتى تكون تلك المعادلة مفهومة أكثر، نقول ما يلي:

1-ليست قوانين الصراع بين المتناقضات ثابتة، بل تتغير بتغير الظروف وخصوصياتها. فلو أثبت قانون منها فشله، فمن الخطأ تحميل منفذيه المسؤولية دائماً. ولما كان قانون الصراع (النظامي النظامي) عاجزاً عن تحقيق النصر للأمة العربية في مواجهة أعدائها فمن الخطأ أن نستمر إلى الأبد في تحميل النظام العربي الرسمي سياسياً وعسكرياً- كل المسؤولية.

2-لا يمكن الحصول على موازين القوى النظامية حالياً- لأننا أعجز من أن ننتج أدواتها ونوفر شروطها. وإن من نخوض الصراع معه هو من يجب أن نحصل منه على تلك الأدوات. وهو لن يعطيها لأنه كمن يحفر قبر مشروعه الاستعماري بيديه. فما العمل؟

وهل ندبنا على النظام العربي الرسمي من دون ممارسة نقدية ذاتية- يقدِّم أو يؤخر؟

ستكون الإجابة حتماً- لا.

هل نستسلم كتيارات حركة ثورية- لشروط أصحاب المشروع الإمبريالي، ونسلَّم لشروطه تحت ذريعة أننا لن نستطيع المواجهة؟(]). طبعاً لن نستسلم سوف يكون رد شتى تيارات الحركة الثورية(]*). فتغيير المعادلة / قانون الصراع هو المطلوب أولاً.

من مراجعة تاريخية، على المستويين العالمي والعربي، لم نجد أن قانون الصراع (النظامي النظامي) كان من المسلَّمات التي لا يمكن تغييرها، بل نرى أن أكثر حركات الاستقلال في العالم، وأكثر حركات التحرر من الاحتلال الأجنبي، قد غيَّرت معادلة الصراع من (النظامي النظامي) إلى معادلة أخرى (النظامي الشعبي).



]*] هذا منطق المثقفين الواقعيين ممن هم محسوبون على العرب، وهم يتلطون بذرائع الأنظمة العربية الرسمية.

(ونحن نؤكد استناداً إلى ما نراه من قراءتنا لاتجاهات ونضالات تيارات الحركة العربية الثورية- أن منطق الاستسلام غير وارد على الإطلاق).


ليست هناك تعليقات: