الجمعة، فبراير 26، 2010

جدران العزل العنصري

جدران العزل العنصري

قمة الأزمة في وجه المشاريع الأنجلو صهيونية([1])

لا نبالغ إذا قلنا بأن هناك ترابطاً وتكاملاً بين المشروعين الصهيوني والأميركي يحيا أحدهما بحياة الآخر وينتعش بانتعاشه يموت بموته ويحتضر باحتضاره. فهما رئتان في صدر واحد، وهما رضيعان يتناولان الحليب من ثدي واحد.

أما الثدي فموبوء والرضيعان مصابان بالوباء. هكذا كانت فلسفة سايكس وبيكو. وهكذا هي فلسفة حفيديهما بوش وشارون.

لم يسمح التاريخ، على الإطلاق، بأن تستمر الحياة لأي مشروع فكري أو سياسي قائم على إلغاء الآخرين، وهل للمشروع العنصري البوشاروني، كرمز معايش للمشروع العنصري الأم، أن يحيا باتجاه معاكس للتاريخ؟

وهل تُكتَب الحياة للمشروعين، الصهيوني القائم على عنصرية الشعب المختار كوعد إلهي مزعوم، و(البوشي) القائم على حرب الأفكار لبناء إمبراطورية قائمة على القوة والاستيلاء لتنتزع عوامل الشر من العالم على أن يقودها جورج بوش كمبعوث لله على الأرض؟

أسئلة طالما وضعها الفكر السياسي العالمي بشكل عام والعربي بشكل خاص، وطالما شارك الآلاف من المفكرين في تحليله واستشراف أهدافه، وبالتالي الاسهام في وضع الرؤى والخطط التي تستهدف لجمه واحتواءه والقضاء عليه.

وبدورنا، نعمل على الاسهام في تلك الورشة لعلَّنا ننير شمعة في طريق إنهائه.

من الأساسي في كل عملية للتغيير أن يكون الفكر هو الرائد والبوصلة والموجِّه والمصوِّب، أو قد يكون الكاشف للحقيقة أو بعضها بما يؤسس لحالة تراكمية تؤدي في النهاية- إلى تحقيق الغرض من الصراع. وفي صراع العالم ضد العنصرية الصهيونية و»حرب الأفكار« عند المحافظين الأميركيين المتطرفين الجدد، ما يبشِّر بنجاحات كبيرة حتى ولو لم تكن واضحة ومنظورة عند الكثيرين.

ما نراه، كما يراه غيرنا، أن في مثال »جدار الفصل العنصري« الذي تبنيه الإدارة الصهيونية بين الكيان المغتصب لأرض فلسطين وحدود السلطة الفلسطينية الجغرافية. كما المثال الذي تعمل قوات الاحتلال الأميركي في العراق من أجل بنائه على قاعدة الخروج من المدن العراقية والانعزال في ثكنات خارجها. هو ما يؤكد على أزمة ومأزق يعاني منهما المشروعان الصهيوني والأميركي في كل من فلسطين والعراق.

إنها كما نرى- بداية النهاية للمشروعين معاً، أما البراهين فمنها التالية:

لا شك بأن حسم الصراع يكون دائماً بين مشروعين فكريين، وعلى مقاييس الحسم الأساسية يتجه الصراع في قواعده الأساسية نحو مرحلة من الوضوح تتجه نحو المزيد من العمق. فلقد تحوَّل الصراع الذي يحصره البعض بين طرفين (عربي وإسلامي) وطرفين (صهيوني وأمريكي) ليأخذ طريقه نحو صراع إنساني أممي (بعمقه الإنساني القيمي) ضد مشروع فكري سياسي (بعمقه العنصري المعزول).

لقد ظهرت أولى بوادر الهزيمة الفكرية في المشروع الصهيوني في بناء الجدار الإسمنتي، فهو ليس إسمنتياً بل جدار فكري يعبِّر تمام التعبير عن الأزمة والمأزق الفكري الذي تعانيه الإيديولوجيا الصهيونية، الإيديولوجيا التي وسَّعت نفسها إلى أكثر من الجغرافيا بين الفرات والنيل إلى الكرة الأرضية بأكملها منتعشة بالتحالف مع أممية رأس المال. فبوادر هزيمتها الأولى ظهرت في أن ذلك الجدار الإسمنتي هو تعبير عن أن الإيديولوجيا الصهيونية قد انزوت في حدود ضيقة جداً على حلمها الكبير. وهو بداية النهاية لذلك الحلم. والحجة هو أن الفكر الأممي للصهيونية عندما يرى أن حمايته تستند إلى مجرد عوازل من الإسمنت المسلَّح بارتفاعات كبيرة، يكون قد تعامى عن حقيقة أساسية هو أن مبدأ القلاع المحصنَّة قد سقط أمام ابتكارات التكنولوجيا واحداً بعد الآخر، وليس بالمستحيل على العامل الذي فرض على الأفكار الصهيونية أن تتحصَّن وراء الإسمنت أن يجتاز الجدار العازل الإسمنتي الجديد.

أما أولى مظاهر هزيمة »حرب الأفكار«، إيديولوجيا العنصريين الأميركيين الجدد، فتظهر واضحة من خلال القرار الاستراتيجي لإدارة بوش المبعوث الإلهي الأميركي لتحرير البشرية، في إخراج قوات الاحتلال الأميركي إلى خارج المدن العراقية، وقد لجأت قيادة قوات الاحتلال الأميركي في العراق إلى بناء جدران عازلة لحماية قواتها من نيران المقاومة العراقية. وهل تُحلُّ أزمة حرب الأفكار الإلهية ومأزقها عند صقور إدارة بوش وحمائمها في بناء جدران عازلة؟

لقد دخلت قوات »حرب الأفكار« إلى العراق لتشم رائحة الورود التي كانوا يتوهمون بأن العراقيين قد غرسوها في حدائقهم ليقدموها هدية إلى جنود النبي الكذاب جورج بوش. دخلت تلك القوات لكي تتمتَّع بالسباحة في مياه دجلة والفرات الدافئة. ولكي يأخذوا الصور التذكارية على ظهور »الجمال العراقية« يقودهم عراقي يجر الجمل. ولكي يأخذوا الصور لماجدات العراق وهنَّ سبايا يتوسلن سيدَّهن الأميركي. ولكي يؤهلوا أطفال العراق لدور العبيد السود أو الحمر الذين عليهم أن يكدحوا من أجل تكديس الثروات لسيدهم. وكأن ثروات العراق كانت تنتظر أسياد المناجم لاستغلالها وتوزيعها كغنائم حرب على الأسياد الصقور والحمائم في إدارة بوش النبي الكذَّاب.

لقد ضاع الحلم الأميركي السعيد، وتراجعت إيديولوجيا »حرب الأفكار« المقدسة لتنعزل وراء جدران من الإسمنت المسلَّح خوفاً عن عيون العراقيين الحاقدة في المدن، أطفالاً وماجدات وشيوخاً. وبعيداً عن التلذذ بمياه دجلة والفرات الدافئة التي ابتلعت الكثير من جثثهم، وخوفاً من ورود الطلقات القاتلة التي قتلت وجرحت وأصابت بالهستيريا عشرات الآلاف منهم.

إن جدران العزل العنصري التي يرفعها بناة الأفكار والإيديولوجيات العنصرية التلمودية المتعجرفة، والطامعة بحكم العالم واستعباده، لن تحمي أفكارهم وعنصريتهم بل إن المقاومة الفلسطينية والعراقية سوف تقتحم أسوارها من جديد وتعمل على هدمها، وهذه ليست إلاَّ البداية لنهاية الحلمين الإيديولوجيين الصهيوني والأميركي المتطرف. فابشر بطول مقام أيها المشروع الإيديولوجي الخبيث بين سندان الفلسطينيين ومطرقة العراقيين. فابشر لأن الخير مرهون بنواصي خيل المقاومة الوطنية في العراق وفلسطين، وهما اليوم- أنموذجان يعمِّقان خط الكفاح الشعبي العربي المسلَّح على طول الساحة العربية من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي.

هذه راية العروبة تخفق من جديد بعد أن أماتها الكثيرون، ويريد كثيرون أن تموت، وهي لن تموت، بل هي حية إلاَّ في أوهام الحاقدين وأسياد الحاقدين من المحيط الهادئ إلى المحيط الأطلسي.



([1]) المحرر العدد (170). والكادر 2 آذار/ مارس.

ليست هناك تعليقات: