الجمعة، فبراير 26، 2010

حسني مبارك

-->
حسني مبارك
«كاسحة ألغام عربية» أمام المشروع الأميركي
شباط 2005
 
-->
إن حسني مبارك وريث شرعي وأمين لنظام أنور السادات. لقد بدأ الأخير خطوة الألف ميل في مسيرة الاستسلام للمشروع الصهيوني بتدريب وتوجيه وتخطيط «عزيزه» هنري كيسنجر. وتابع حسني مبارك تلك الخطوات باتجاه كسح الألغام من أمام مشاريع أعزائه الكثيرين من رؤوساء الإدارة الأميركية. وكان أكثرهم خطورة المشروع الذي ينفِّذه جورج بوش «العزيز الأهم» لحسني مبارك. فإذا كانت الخطوة التي اتخذها السادات في فصل مصر عن الجسم القومي من خلال اتفاقية «كامب ديفيد» خطيرة، إلاَّ أن الأكثر خطورة هو الدور الذي لعبه، ويلعبه، حسني مبارك.
فهو «ولاَّدة» لأكثر من اتفاق مع العدو الصهيوني. كما هو «ولاَّدة» الإشراف على تكثير «نسل تلك الاتفاقية» المشؤومة. فهو كان عرَّاباً لكل الاتفاقيات اللاحقة ك«اتفاقية أوسلو»، و«وادي عربة». كما أنه ال«ولاَّدة» لأكثر من قرار، وأكثر من تسوية، وأكثر من اتفاق وراء الكواليس في مسلسل التآمر على العراق. ولعب حسني مبارك دور ال«فزَّاعة» للعراق قبل العدوان عليه، وقبل احتلاله، فكان «نقَّالة» للتهديدات الأميركية إلى الرئيس صدام حسين بقصد دفعه للاستسلام إلى أحضان المشروع الأميركي الصهيوني. وإننا لن ننسى، بعد الرفض القاطع الذي واجهه به الرئيس صدام حسين، عبارته المشهورة: «اللهم إني قد بلَّغت».
وكان قد لعب الدور ذاته في العام 1990م، ولكن عن طريق الخداع، على طريقة الخداع الأميركي. فهو، منذ العام 1990م، وتحديداً منذ الثاني من آب، مارس سلسلة طويلة من المهام المشبوهة والمسؤوليات التآمرية على أكثر من صعيد وأكثر من ساحة.
لقد ابتدأت مهمته الأميركية، بشكل معلن، منذ أن «فبرك» قمة عربية، في الثامن من آب من العام 1991م، كانت مثال التواطؤ مع الإدارة الأميركية حينما منع تعريب الأزمة بين العراق والكويت، والتي كانت مؤهلة لإنهائها في داخل البيت العربي. وكانت البداية لتدويلها حينما استصدرت الإدارة الأميركية العديد من قرارات مجلس الأمن. فكانت مسألة التدويل إجهاض لتجربة المؤسسات السياسية العربية، وكان من أهمها مؤسسة «القمة العربية». ونحن نرى، على الرغم من قصورها، أنها كانت رمزاً وحدوياً يمكن تطويره وتجديده وتعميقه. أما خطورة الإلغاء فهي إحداث فراغ وحدوي عربي، حتى ولو بشكليته، يسمح للعولمة الأميركية بإملائه. وكانت تلك من أهم ما يستند إليه «مشروع الشرق أوسطي الكبير». ذلك المشروع الذي، بواسطته، تسيطر الإدارة الأميركية على القرار العربي وتستفرد به.
وتحت منهج تدويل القضايا العربية يستمر حسني مبارك بلعب دور الـ«فزَّاعة»، والـ«خوَّافة» لسوريا. فقد نقل أمينه المخابراتي عمر سليمان إلى القيادة السورية الإنذار تلو الإنذار من الإدارة الأميركية من أجل دفعه للاستسلام أمام شروطها وتهديداتها لكي ينحر «الأمن القومي العربي» في سبيل خلاص رأس الإمبراطور الأميركي المعلَّق على حراب المقاومة العراقية، كما هو معلَّق على حراب المقاومة الفلسطينية.
لقد أنجز حسني مبارك، «خوَّافة العرب»، و«كاسحة الألغام» أمام القطار الأميركي الصهيوني، مهمته –بجدارة- في كسح ألغام المقاومة الفلسطينية في كواليس «مؤتمر شرم الشيخ»، مما جعل الإمبراطور الأميركي يتنفَّس الصعداء، وليجعله مرتاحاً، منفرج السريرة في خلال زيارته لأوروبا في أواخر شهر شباط من العام 2005م. ولأنه ك«حكيم» للعرب أنجز مهمته في فلسطين، كلَّف أمين سر مخابراته ك«دوَّارة» كفؤ في الذهاب إلى دمشق لمتابعة مهمة معلِّمه لينقل إليها، للأسف، ليس تضامن مصر عبد الناصر إلى سوريا «جول جمَّال»، بل نقل إليها ب«حكمة»، وب«تخويف»، وب«تهديد» نصائحه التي حفظها عن ظهر قلب. وقد مهَّد لمهمة موفده قائلاً من دون خجل: «سوريا لن تقوى على مواجهة الضغوط».
كانت الإدارة الأميركية، وربيبتها الصهيونية العالمية عالقة بين مأزقين: مأزقها في الأرض الفلسطينية المحتلة حيث كانت انتفاضة «أطفال الحجارة» تتحوَّل بسرعة لافتة إلى «مقاومة مسلحة». ومأزقها الكبير في العراق، حيث المقاومة العراقية تستنزف، بكفاءة لافتة، دم جنود الاحتلال وحياتهم، كما تستنزف مئات المليارات من دولارات المكلَّف الأميركي.
وبالإضافة إلى مأزقيْها، كانت علاقات الإدارة الأميركية مع حلفائها من أنظمة الرأسمالية الأوروبية في غاية من السوء. أما ذلك السوء فهو عائد إلى استفراد الإدارة بالقرار الدولي، ونتيجته أودت بالعالم كله إلى أسوأ حالاته. فأينما حلَّ الجندي الأميركي يحوِّل المكان إلى خراب ودمار، وحرب وموت. السبب الذي دفعه إلى حياكة قرار يعود فيه إلى المجتمع الدولي من أوروبا، كأهم بواباته. وثمناً لهذا الرجوع كان عليه أن يدفع شريكه شارون، رئيس وزراء العدو الصهيوني، إلى تقديم تنازلات في غزة وأريحا لتهدئة الوضع هناك، من أجل أن يتفرَّغ كلياً لمواجهة مأزقه في العراق من جهة، ولكي يعطي للأوروبيين دوراً ومساحة في حل النزاع الفلسطيني -الصهيوني. كما كانت الهجمة تجاه لبنان وسوريا، التي شارك الأوروبيون، وعلى رأسهم فرنسا، تستهدف الحصول على مكسبين: أوروبي – فرنسي بإعادتها إلى المنطقة من بوابة حلفاء فرنسا في لبنان. أما المكسب الآخر، فهو تجريد سوريا من أوراق الأمن القومي العربي الذي يتعلّق بأمن المقاومة العربية في لبنان وفلسطين، وتأتي المقاومة العراقية من أهمها.
وكي لا تظهر الهجمة وكأنها شبيهة بهجمة «صليبية» كان «العراب المصري»، حسني مبارك هو القشرة التي عليها أن تُظهر للعالم أن ما يجري لا علاقة له ب«الصليبية». وهكذا تولَّى «ولاَّدة» الاتفاقات والمبادرات دور «الفزَّاعة» من جديد تجاه سوريا.
وإذا كان مما يمكن أن نقوله لحسني مبارك، فهو ليس أكثر من أن الكرامة العربية تقتضي مواجهة الخطر الأميركي، والاجتياح التوراتي الصهيوني للمنطقة، مهما بلغ الثمن وغلا.
كما نقول له إن القوة الأميركية لا تثير الفزع في نفوس أصحاب الكرامة الوطنية والقومية، هذا على مستوى القيم. أما على صعيد الميزان الواقعي فنقول إن تلك القوة ليست إلاَّ نمراً من ورق، وإذا أردت أن تتأكد فيمِّم وجهك تجاه «قبلة» المقاومة العراقية فتُنبئك «الخبر اليقينا».
أما إلى دمشق فنقول: دعوا جورج بوش يدخل إلى الأرض السورية، وليرى أن جنوده لا يستطيعون أن يركبوا على خازوقيْ المقاومة في العراق والمقاومة في سوريا في وقت واحد. وما لنا إلاَّ أن نستشهد بما قاله المفكر الأميركي، إيمانويل تود: »أميركا ليست تلك القوة العظمى، ولا يمكنها -في المرحلة الراهنة- أن تُرهب سوى الدول الضعيفة، وإذا أصرَّت على أن تثبت قوَّتها الهائلة، فإنها لن تفلح أكثر من أن تكشف للعالم عن عجزها«.
-->

ليست هناك تعليقات: