الأحد، فبراير 28، 2010

ولادة الثورة

--> --> -->
ولادة الثورة قبل السلطة
يستوجب المحافظة عليها
يشكل رحيل ياسر عرفات، رائد الثورة الفلسطينية المعاصرة، مفصلاً مهماً في الاستفادة منه في تحديد مهام الثورة الفلسطينية في المرحلة الراهنة. ولكي تكون الاستفادة، بعد رحيله، قابلة للتطبيق –في هذه المرحلة التي تُعاد فيه صياغة الوضع الفلسطيني- يمكننا أن نحدد عدداً من الثوابت التي تقينا من الوقوع في العثرات، وتشكل مكيالاً نقيس عليه خطوات المستقبل.
من أولى الثوابت التي نرى أن على قادة الرأي والسياسة والفكر، على الساحتين الفلسطينية أولاً والعربية ثانياً، أن يضعوها أرضية تصحح كل المواقف السياسية والتنظيمية، هي أن القضية الفلسطينية ليس فرعاً للصراع العربي الصهيوني بل هي أصل، وكل ما نتج عنها ليست إلاَّ فروعاً. ولهذا نرى أن كل ما يخرج من مواقف بعيداً عن تلك الحقيقة / الثابت لن يصب في مصلحة القضية المركزية.
ومن ثاني تلك الثوابت هي أن الحالة الثورية التي أسَّسها ياسر عرفات تحت مسمى «حركة فتح» كانت الأرضية التي أعادت إنتاج مسار القضية الفلسطينية ووضعته على «سكتها» الصحيحة. أي أنها خلَّصت القضية الفلسطينية من بين أيدي النظام العربي الرسمي ووضعتها بين أيدي الجماهير على خطى الكفاح الشعبي المسلح.
ومن ثالث تلك الثوابت تبرز من أنه لا بدَّ للحالة الثورية والحركة الثورية من أن تتمركز حول نواة أساسية تشكل الضامن لوحدة الثوريين في إطار تنظيمي متماسك يمنع النواة والكتلة التي تتشارك معها من التشظي تحت شتى الأسباب والعوامل.
وقد عملت المخططات المشبوهة من أجل إعادة الحالة الثورية إلى «سجون النظام العربي الرسمي»، وجهدت من أجل إخراج المقاومة من الساحة اللبنانية، وافتعلت حرباً أهلية لسنين طوال من أجل ذلك الغرض. وقد نجحت في ذلك على إثر العدوان الصهيوني على لبنان في العام 1982م.
بعد خروج قيادات منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، في العام 1982م، سلكت الصهيونية مع الإمبريالية الأميركية، أساساً، طريق سلب القضية الفلسطينية سر قوتها، أي سلبها المسار الثوري وإعادتها إلى حظيرة النظام العربي الرسمي. وبسبب من عوامل كثيرة شديدة التعقيد أُسرت، بعد اتفاقية أوسلو في العام 1993م، الهيئات القيادية في جزء من الأرض الفلسطينية. وفي مثل تلك المتغيرات كانت تراهن الأوساط الصهيونية على وضع تلك القيادات تحت مطرقة حديدية تجبرها على التنازل عن مسار الثورة، ولكن ياسر عرفات كان يحول دون الوصول إلى ذلك الهدف، وإن كان الأمر يتم على طريقته الخاصة.
فكانت تلك المهمة التي وازن فيها الثائر الراحل بين مهمات السلطة ومهمات الثورة من أهم العوامل التي أحبطت محاولات تمزيق الجسم «الفتحوي» فبقي متماسكاً. وأحبطت محاولات تمزيق وحدة مؤسسة منظمة التحرير الفلسطينية فاستمرت تلعب دور الضامن للوحدة بين شتى الفصائل. حتى ولو كان هناك الكثير مما يُقال عن انحياز جزء كبير من الجسم الفتحوي أو جسم منظمة التحرير الفلسطينية إلى جانب الدفاع عن السلطة وامتيازاتها على حساب الثورة، نرى أن الأوان لم يفت بعد من أجل المحافظة على جوهر الثورة.
نعيد التذكير بتلك الحقائق لأن ما نسمع به –في هذه المرحلة- فيه ما يخيفنا ويدعونا إلى إبداء الرأي في قضية استهلكت معظم سنوات عمرنا في الإسهام بالنضال من أجلها، ليس ترفاً فكرياً ونضالياً، بل لأن في مسارات حسمها ما يؤذي العمق القومي العربي، وينال منه بشكل سلبي أو إيجابي.
إن ما أبقى جذوة النضال الفلسطيني مستعرة لم يكن إلاَّ على أرضية وحدوية فلسطينية متعددة الاتجاهات والرؤى، تعمل على قاعدة منع التفريط بالوحدوية الفلسطينية أولاً وقبل كل شيء. ومن أجل ذلك أفرزت تلك الأرضية عدداً من المؤسسات الفلسطينية التي ضمنت بقاء تلك الوحدة وحافظت عليها، وهي لا تزال مستمرة حتى الآن. ونحن، على الرغم من أن الشعب الفلسطيني قد أفرز –بعد الانتخابات الفلسطينية الأخيرة- قيادات جديدة نالت رضى البعض ولم تنل رضى البعض الآخر، نقول بأن هذا شأن فلسطيني لا يعنينا منه كعرب أكثر من أن يحافظ على وحدوية فلسطينية من أهم همومها الاحتفاظ بالحالة الثورية والمحافظة عليها.
بدأت سمات المرحلة، التي لا تزال في طور المخاض، تبرز للعلن بنشاط ملفت للنظر أخذت الإدارة الأميركية تمارسه بشتى الوسائل والأساليب. وارتفعت وتيرة مطالبة السلطة الجديدة، التي أعقبت الانتخابات الرئاسية في التاسع من كانون الثاني ، من أجل محاربة ما تسميه تلك الإدارة بـ«الإرهاب»!!
ولم تقف وسائل الإدارة الأميركية في ضغوطها عند حدود «السلطة الفلسطينية» بل راحت تمارس كل أنواع الضغط على الجوار العربي لفلسطين من أجل «اجتثاث» كل احتضان للحالة الثورية. وتبدو الإدارة الأميركية في عجلة من أمرها لإنجاز مخططها المشبوه بالنسبة للقضية الفلسطينية لعلَّها، بإنهائها، تحصل على بعض الارتياح والتقاط الأنفاس في مأزقها الكبير في العراق.
ليست الحرارة الأميركية في متابعة الملف الفلسطيني ببعيدة عن فصل قضايا الثورة العربية وتمزيقها من أجل إسكات أو إهماد ما هو مشتعل حيثما تستطيع ذلك، والسبب هو أن ما تستطيع إخماده يساعدها على التفرغ للملفات الأكثر سخونة. ولأن أشد ما يؤرقها هو الحالة الثورية في العراق تعمل الإدارة من أجل تقديم تنازلات هنا أو هناك حتى تتفرَّغ للملفات الأكثر سخونة. وما دعوة كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الأميركية، لشارون، رئيس وزراء العدو الصهيوني، لتقديم تنازلات مؤلمة إلاَّ محاولة لهضم الملف الفلسطيني مرحلياً من أجل التفرغ للملف العراقي الذي وإن انتصرت فيه سيبقى إغلاق كل الملفات الأخرى سهل المنال.
ومن هنا يُخشى أن تقدِّم الإدارة الأميركية، من خلال الضغط على شارون، تنازلات للطرف الفلسطيني وهي لن تكون إلاَّ تنازلات مرحلية لن تغني القضية الفلسطينية من جوع. ولأننا نخشى من وعود «خُلَّبية» ندعو الفلسطينيين إلى الابتعاد عن الفخ المنصوب.
وإذا كان من غير الواقعي أن يتخلى الفلسطينيون عن المفاوضات استناداً للوضع المرحلي إلاَّ أنه من الخطورة بمكان أن يفهموا رسالة «دموع التماسيح الأميركية» على غير حقيقتها. وإذا كان عليهم أن يحملوا «غصن الزيتون» بيد فعليهم أن لا يفرِّطوا ب«بندقية الثورة»، بل عليهم أن يتشبثوا بها، لأنها هي الوسيلة الوحيدة التي تُبقي القضية الفلسطينية على قيد الحياة وتحول دون تصفيتها.
وإذا كانت ديبلوماسية الإدارة الأميركية تنوب اليوم عن «وحشية شارون» فليست إلاَّ ديبلوماسية لكسب الوقت من أجل هضم «الفريسة العراقية». لا يجوز للطرف الفلسطيني أن يكون أقل ذكاء ليلعب ورقة «المقاومة العراقية» ويوظفها لصالحه بأن يدع المخطط الأميركي أسير نفسه متخبطاً وحائراً في كيفية الخروج من مآزقه.
وليس ما هو مطلوب من الأمناء على القضية الفلسطينية إلاَّ أن يحافظوا على الثوابت التي وضعتها الثورة الفلسطينية في غرف نومهم، فالتفريط بها لن يجعلهم إلاَّ خائفين في تلك الغرف. وأن لا ينسوا –على الإطلاق- أن الثورة هي التي أنتجت سلطة حتى ولو كانت منقوصة، فالمحافظة عليها –على قاعدة حماية الوحدة الوطنية- يعني الحؤول دون تصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد.

ليست هناك تعليقات: