الاثنين، يناير 25، 2010

نقد قصيدة مناحة النخيل

-->
نقد قصيدة مناحة النخيل
14/ 7/ 2004 مدخل إلى رؤية صدام حسين لمعركة التحرر القومي
وهل تتحول السياسة إلى قصيدة شعرية؟
وهل السياسي شاعر رومانسي يغزل وطنه ومستقبل وطنه كما يغزل الشاعر قصيدته؟ وهل هناك علاقة ما بين رؤية على مثال قصيدة حب للوطن ينشدها شاعر ورؤية على مثال مصنع يُنتج وبندقية تقاوم كما يخطط لها السياسي؟ وهل ينفصل الإنشاد والتخطيط عن بعضهما لدى مواطن يخطط لحياة دنيوية سعيدة يرى فيها نفسه محمياً من غائلة الجوع وغائلة العدوان؟
من الغرابة أن يبني كاتب رؤيته بجمع الروحي مع المادي، وقصيدة الحب مع لقمة العيش. أن يوازن بين قلبه ومعدته. أن يفكر بهما معاً. أن يخطط لحمايتهما من الاغتيال والاغتصاب والعدوان، ضد كل غوائل القدر!!
لا معدة بدون كائن حي، ولا قلب من دون إنسان، ولا إنسان من دون وطن، ولا وطن من دون محبة، ولا محبة لوطن من دون شجاعة الدفاع عنه.
رومانسي هذا الذي يجمع كل تلك الغرائب والعجائب. وإنما حلاوة الحياة بغرابتها. وهل الحياة إلاَّ لحظة يشعر بها الإنسان بأمان من غائلة الجوع والعدوان؟. وهل الأمن الغذائي وسيادة الوطن منفصلان؟ وهل الروحي والمادي متناقضان؟ وهل يعيب الروحي أن يكون مكملاً للمادي؟
الخطر والأمن متضادان. فالخطر حافز لضمان الأمن. فلا إنسان سعيد من دون أمنين، مادي وروحي. فالخطر صنو للتعاسة، والأمن صنو للسعادة.
وفي مجتمع بشري ليس الأمن مطلباً جماعياً فحسب، بل مطلباً فردياً أيضاً. ولأن الأمن ذو علاقة مع أرض، أصبحت الأرض روحاً، فتحوَّلت الأرض إلى رمز للوطن، حمايته تعني توفير الأمن للإنسان، وهنا يأتي دور الروحي في تحفيزه لكي يبني موجبات أمنه. ومن وظيفتيهما تتكامل قصيدة الشاعر مع تخطيط السياسي. فالسياسي شاعر قبل كل شيء، وللشعر وظيفة سياسية.
في حسم النصر لأحدهما، الأمن والخطر، يتقرر مصير سعادة الإنسان وبؤسه، ففي حدود الوطن الآمن تنتعش السعادة وتزدهر.
تلك قصيدة السياسي، وهي ليست قصيدة رومانسية، بل هي في منتهى الواقعية؟ وإذا كان الشاعر يأتي بالسعادة على جناح كلمة حلوة، ويحث على توفير الحوافز أمام السياسة، فقد يأتي بها السياسي على جناح مصنع يُنتج ما يلبي حاجة البشر المادية وجناح سور يحمي من عوامل الخطر.

فيتلاقى الشاعر والسياسي حول الغاية من سر الوجود الوطني. ويتكاملان برؤية السعادة من مناظير تعبيرية متوازية. فيلتقيان على حب وطن ويزرعان الحوافز للدفاع عنه، لذا خلَّد التاريخ الشاعر الذي زرع حوافز حب الوطن إلى حدود الموت من أجله، والسياسي الذي آمن بالموت من أجل الوطن فسار في طليعة المدافعين عن حياضه.
هل تنطبق المقارنة تلك على شعر هدى محمد؟ وهل هي إلاَّ سياسية تعبِّر عن إيديولوجيتها الوطنية بالكلمة المفعمة بالثورة؟
يحلو لبعض المثقفين الليبراليين أن يصفوها بالرومانسية، والرومانسية تعني بمنظورهم- مذمَّة لكل العرب الذين يدعون إلى حماية أوطانهم والدفاع عنها بكل الوسائل المتاحة في مواجهة كل صنوف التكنولوجيا الغربية. وردحوا بالدفاع عن الوطن على طريقة الشعراء. وأصبحت عندهم محبة الأوطان حلماً مذموماً. ولم تعد تعني وسائل الدفاع عندهم إلاَّ صاروخاً وطائرة تقصفان، ومدفعاً يمهد ساحة الحرب أمام الدبابة التي تحتل أو تدافع. وافتقدوا جانب الإحساس بالوطنية والسيادة الوطنية والكرامة الوطنية. وبمثل هذا الإحساس لم تبق الأرض عاملاً يشدهم إلى الدفاع عنها، وافتقدوا حس الدفاع ضد العدوان ودعوا للاستسلام له ما لم تقابل طائرة طائرة، ودبابة دبابة، ومدفع مدفعا. فأصبح الموت عندهم- من أجل الوطن قصيدة رومانسية تضر أكثر مما تنفع. وكثيراً ما شبَّهوا السياسي الذي يدعو للدفاع عن الوطن من دون تأمين مستلزمات التوازن العسكري التقليدي بالرومانسي. فتحوَّل صدام حسين، مثلاً، إلى رومانسي يقود شعبه إلى التهلكة إذا ما اختار طريق الدفاع عن سيادة العراق من دون تأمين مستلزمات القوة الموازية للقوة الأميركية.
نظرت هدى محمد إلى وطنها الكبير، كالحب: »الأحلى والأغلى«، والمثل »الأعلى والأكبر«. وجعلت من ترابه شخصاً تخاطبه، شخصاً تحوَّل إلى قطعة من وجودها. ورداً على كل الذين افتقدوا كل علاقة روحية بالوطن، حوَّلته إلى روح وعقل وقلب قائلة: »لن يفهمني غير ثراك«. فربطهما التفاهم بعلاقة مصيرية لن تحيا بدونه ولن يحيا بدون دفاعها عنه. وهنا نتساءل: وهل يحيا الإنسان بدون وطن؟
إن الوطن رمز روحي لن يكتمل إلاَّ بوجود عقد بين إنسان حي وأرض جامدة، يعطي كل واحد للآخر معناه، فيتبادلان الحماية، فيصبح أحدهما صنواً للآخر. وإذا انفسخ العقد بينهما، لسبب أو لآخر، لأصبح من المنطقي أن نلغي من قواميس المفاهيم الإنسانية مصطلح »الوطن«، و»الوطنية«، وبإلغائهما تتكسَّر الحدود أمام كل طامع وغازٍ ومالك لقوة الفتح والاغتصاب.
هنا تتَّضح الفروقات بين إنسانين: من يدعو إلى بقاء علاقة الحماية المتبادلة بين الأرض/ الوطن والساكن عليها مهما غلت التضحيات. وإلى من يدعو إلى فتح كل الأبواب أمام جحافل الاغتصاب والاحتلال بحجة افتقاد عوامل الحماية المادية.
إنحازت هدى محمد إلى الصف الأول، ودعت إلى قيام الإنسان من أجل القيام بموجبات شروط العقد بين ثنائية (الأرض الإنسان)، وأقسمت مع من يقفون إلى صفها قائلين: »ولسوف نقاوم يا وطني ولسوف نموت لكي تزهر«.
ولا يرتبط فعل المقاومة عندها بعامل التوازن في القوى المادية، بل تقول، على الرغم من أنني »عزلاءٌ .. ما عندي خنجر«، »سأقتل نفسي يا وطني بسلاح ٍ أخطر«، وليس هذا السلاح إلاَّ »بمتاعب عشقك يا وطني وفنون هواك«..
أوَ ليست تلك عبثية؟ وهل عشق الوطن يوازي رصاصة واحدة؟ أو دبابة واحدة؟ أو طائرة واحدة؟
علاقة الحب بين الأرض والإنسان، عامل أساسي في أن يقاتل الإنسان من أجل الأرض، وبدون علاقة حب بين الإنسان والإنسان لن نحصل على تعريف واضح عن التضحية التي يبذلها الحبيب من أجل حبيبه. وبدون غريزة الحب بين الأبوين والأبناء سيفتقد الأبوان أية دوافع أو حوافز للتضحية من أجل أبنائهم. ومن دون علاقة حب بين الأرض والإنسان ستبقى الأوطان مشاعاً لكل قوي، ولكانت الأوطان هي عطية الله للأقوياء فقط.
أن يفتقد الإنسان علاقة الحب مع وطنه، يعني أن يهون عليه الوطن/ الأرض. وأن يهون الوطن، يهون الأقرباء والأهل والأخوة. وأن تهون العلاقات الأسرية والقرابية يهون معنى الإنسان والإنسانية. فيصبح هذا النوع من البشر مطواعاً لكل غازٍ ومغتصب، ومأتمر بأوامره. ومنتهٍ بنواهيه. لابساً ما يلبسه إياه، وآكلاً ما يطعمه، ومقترفاً الموبقات التي يوفرها له. فيتحول الوطن إلى »نخل« »لقَّحه الريح الغربي«. أما ثمراته فلا تتناقض مع »مسوخ بني الأصفر«، فيتحوَّل الوطن إلى معادلة جديدة، إذ يصبح الوطن مرتعاً للغازي، ومستباحاً أمام كل رغباته من جانب، و»سجن عبيد« للمتقاعسين عن الدفاع عنه من جانب آخر.
أما الثمن الذي يحصل عليه العبيد، فليس أكثر مما يمنُّ به عليهم الأسياد. ولن يكون أكثر من فتات قذارات الحضارة المادية التي حملها الاحتلال إليهم يتلهون بها.
عرف التاريخ الذي ننتسب إليه حضارة كانت فاتحة خير للبشرية. لا نزال نحتفظ لرموز تلك الحضارة بمكانتها اللائقة بها، ولا يزال الأوفياء منا يضعون تلك الرموز في مواقعها اللائقة بها. وهنا تنفجر هدى محمد دفاعاً عنها- في وجه أولئك المرتزقة من الذين باعوا الوطن، وباعوا رموز الحضارة عندنا، وفي لهجتها مرارة مملوءة بحب الدفاع عما أنتجته الأرض التي عشقت. وكان أكثر قسوة عليها عندما فرضوا على حمورابي أن يحلق شاربيه وألبسوه »أقنعة (الهيب هوب)، وباروكة (صوفيا لورين)، وحمائل (نهديْ مونيكا)«.
ولم يقف الأسى عند هدى محمد عند ما ألحقه بائعو الوطن من إهانة بحمورابي -أبي الشرائع- فحسب، بل في أنهم جعلوا »عشتار« »تراقص ذاك الجرذ القابع في الجحر الأبيض وبعد السهرة تقبض شيكا« أيضاً. وفتحوا الأبواب أمام العدوان »واحتل العقرب حجرات وبرج العذراء«.
تلك إهانات لم تدع هدى محمد تعلن الهزيمة، على الرغم من أن أرض حمورابي أصبحت تحت الاحتلال، و على الرغم من أن »عبيد الاحتلال« قد هانت عليهم كراماتهم، فباعوا الوطن بعشرين من الفضة، بل استنجدت برموز التاريخ العربي ولم تفقد الأمل. استنجدت بهم وأعلنت المقاومة في الوقت ذاته.
»بغداد تنادي يا جدّي«...
»عزلاءٌ .. ما عندي خنجر
لكني من أجل علاك
سأقتل نفسي يا وطني بسلاح ٍ أخطر
بمتاعب عشقك يا وطني وفنون هواك«
وتلك هي مضمون المقاومة التي ترمز إليها هدى محمد، تلك المقاومة التي يخوضها، باللحم الحي، الذين أحبوا وطنهم. تلك هي الروح الوطنية التي تتحول إلى قوة أقوى من الصاروخ والطائرة والدبابة. وبها وحدها ينبت الرد على كل المثقفين الذين أرهبتهم قوى الحرب المادية، فاتهموا المقاومين، أو الداعين إلى المقاومة بالرومانسية. وهؤلاء هم الآن يقفون مستغربين كيف تتغلَّب رومانسية المقاومين، باللحم الحي، على آلة التكنولوجيا وتتحول إلى غالب، وتقع الدبابة والطائرة والجندي المدجَّج فريسة ضعيفة أمام قوة إيمان المقاومين بوطنهم ومحبتهم له. تلك صورة كانت أبعد من رؤى المثقفين الليبراليين وأبصارهم، وكانت واضحة المعالم في رؤى الرومانسيين، من الشعراء والسياسيين، لأنهم نظروا إلى أمن الوطن بعين القداسة/ الضرورة، فوجدوا أن الحياة والموت متساويان في الدفاع عن أمن الوطن وسيادته. بل لا معنى لحياة محاطة بالخطر، ولا معنى لسعادة من دون أمن الوطن والمواطن.
أيتها الأخت هدى
لقد عبَّرت في قصائدك عن رؤيا وجدانية تتعمَّق في استشراف تأثير الشعور القومي العربي، وهو جانب أساسي من جوانب الفكر القومي، أما الوجه الآخر الذي يتكامل معه، ولا ينفصل عنه، فيتعلق بالرؤية السياسية لمجتمع قومي موحَّد تحت قيادة سياسية تعمل على تأسيس مشروع نهضوي عربي يعيد للأمة العربية دورها الحضاري. وبه تواكب التطور الحضاري العالمي المعاصر، وتسهم في إغنائه وتجديده على أسس إنسانية شاملة.
وأنا أرى أنه لا يمكن لأي استنهاض قومي أن يكون جدياً إلاَّ من خلال تنظيمات حزبية على الرغم من أن وسيلة التغيير عن طريق التنظيمات الحزبية تعرَّض، ولا يزال، إلى الكثير من المحاربة والتشويه من قبل الأوساط التي تريد إبقاء الأمة مكبَّلة في قيود التجميد على شتى المستويات.
إن الحديث يطول حول هذا الجانب، وسوف أحاول من فترة إلى أخرى، أن أقوم بصياغة بعض المقدمات التي تسهم في توضيح جوانب السؤال، ليس بكون صدام حسين فرداً بل بكونه عضواً في مؤسسة حزبية تحترم إمكانيات الفرد، وتفسح للفرادة  الشخصية بقيادتها، ولكنها لا تنتهي بانتهائها، فالمؤسسة الحزبية لها صفة الاستمرار والتجديد في قياداتها.
وإذا كان لديك من الاستفسارات ما يساعدني على تحديد بعض التوضيحات سأكون شاكراً.
وأخيراً، يمكنك أن تختزلي أو تلغي الجزء الخاص بتوضيح بعض جوانب السؤال، ليصبح تقييم قصيدتك منفصلاً عنه. كما يمكنك الطلب من إدارة الموقع أن ينشر التقييم الخاص بالقصيدة في موقعه المناسب.
ملاحظة: أرى أيتها الأخت أن تبتدئي في قراءات سياسية وفكرية ذات علاقة بالسؤال المطروح. وأكون سعيداً إذا ابتدأت بقراءة الكتاب الذي قمت بنشره في تشرين الأول/ أوكتوبر من العام 2003م، وعنوانه »المقاومة الوطنية العراقية: معركة الحسم ضد الأمركة«. كما قام موقعا »المحرر (www.al-moharer.net)«، و»شبكة البصرة (www.albasrah.net)« بنشر نصه الحرفي. ويمكن العودة إلى أحدهما في قراءته.
كما أنني قمت، في حزيران/ يونيو 2004م، بنشر كتاب آخر تحت عنوان »المقاومة الوطنية العراقية: الإمبراطورية الأميركية بداية النهاية«. وسأقوم بنشره في بعض مواقع الأنترنت عندما يسمح الناشر بذلك.
وبناءً للتجربة السابقة، وتأكيداً على وصول رسالتي هذه، أرجو الإشارة إلى ذلك في البريد الخاص، حتى لو لم يكن هناك رد عليها.
حسن خليل غريب
***


حمل الأن Emoticons عربية جديدة للماسنجر! حمل الأن

ليست هناك تعليقات: