الاثنين، يناير 25، 2010

مقابلة صحفية مع مجلة المشاهد

-->
مقابلة صحفية مع مجلة المشاهد
العدد 254 تاريخ 21 27 / 1/ 2001

باحث في إشكالية العلاقة بين العروبة والإسلام
حسن غريب: لا بُدَّ من وحدة الفكر والبناء السياسي الداخلي
يشدِّد الباحث حسن غريب في بُنية أبحاثه الهادفة إلى قراءة معاصرة وصحيحة لإشكالية العلاقة بين العروبة والإسلام، ولإشكالية الهوية العربية ومفهوم القومية، على ضرورة تحقيق وحدة الفكر والبناء السياسي الداخلي للأمة العربية في مواجهة العدوان الخارجي. كا يشدِّد على ضرورة انتهاج الباحثين القوميين والإسلاميين على السواء،  منهج البحث الأكاديمي في سبيل تحديد هوية للأمة العربية لكي لا تصبح مشرذَمة مقسَّمة.
لقد حاول رصد نقاط الاتفاق والافتراق بين القومية والدين في ثلاثة مؤلفات مختلفة العناوين، لكنها موحَّدَة بشكل من الأشكال في البُنية والهدف. وهذه المؤلفات هي:
-     الردة في الإسلام (قراءة تاريخية وفكرية في الأصول والاتجاهات والنتائج)، وقد صدر عن دار الكنوز الأدبية في بيروت.
-     نحو تاريخ فكري سياسي لشيعة لبنان: وقد صدر عن دار الكنوز الأدبية في بيروت.
-     في سبيل علاقة سليمة بين العروبة والإسلام: وقد صدر عن دار الطليعة في بيروت.
وسيصدر له قريباً عن دار الطليعة في بيروت كتاب تحت عنوان: نحو طاولة حوار بين المشروعين القومي والإسلامي.

حول أبحاثه وكتاباته الفكرية والأدبية كان هذا الحوار:
        ·      تركِّز في كتاباتك وأبحاثك عل مسألتين: القومية والدين، العروبة والإسلام، لماذا أعطيتهما هذا الاهتمام الخاص؟
-لكل مجتمع خصوصياته الثقافية، ولا يمكن لأية عملية في التغيير أن تتم من دون نقد ثقافة المجتمع الذي تريد أن تقوم بالتغيير فيه. والخصوصيات الثقافية هي تلك القاعدة من العادات والتقاليد، على شتى المستويات النفسية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وهي التي تحدد  علاقة  الفرد بالمجتمع، وتحدد علاقة المجتمع بالمجتمعات الأخرى المتمايزة عنه ثقافياً. ومن هنا يأتي المحتوى الثقافي لمجتمع ما على درجة في غاية الأهمية.
وإذا حاولنا أن نحدد المحتوى الثقافي لمجتمعنا العربي لوجدنا أنه يستند إلى ثقافة إسلامية متوارثَة منذ مئات السنين، وتسود هذه الثقافة في شتى المستويات الشعبية والنخبوية. ولما كنا نشكو من التخلف والأمية بشكل شديد، فلا بد من أن نحمِّل المحتوى الثقافي السائد جزءاً كبيراً من المسؤولية.

        ·          فماذا تعني بالتخلف والأمية؟ ولماذا تُحمِّل المحتوى الثقافي هذا الجزء الكبير من المسؤولية؟
- بالإجمال لما كنا عرباً، ولما كانت الثقافة السائدة، أي التي ما زالت تحكم عاداتنا وأنظمتنا وعلاقاتنا، ذات جذور إسلامية، كان لابد في سبيل الخروج من حالة التخلف والأمية من أن نفتِّش عن أسبابهما في داخل أنفسنا، بصفتنا عرباً وبسبب أن ثقافتنا تُعدُّ ثقافة إسلامية.
ولما كانت هويتنا العربية، كما ينظر إليها كثير من الإسلاميين، على تناقض مع هويتنا الإسلامية. ولما كانت الشريحة الكبرى في مجتمعنا العربي تحسب أن الإسلام والعروبة شيئاً واحداً. ولما لم يكن النظام السياسي الإسلامي نظاماً عادلاً على مرِّ التاريخ، كما نحسب نحن، وجدنا أنه من الضروري، في ساحة الاختلاف حول تحديد أسباب التخلف، أن تنفتح أبواب الحوار على مصراعيها بين كل أبناء الأمة على تعدد انتماءاتهم ومشاربهم الفكرية والسياسية في سبيل تقييم موضوعي لأسباب التخلف التي نشكو منها جميعنا: قوميين علمانيين، وإسلاميين منفتحين على الحوار. من هنا كان تركيزنا بشكل لافت على طرفي إشكالية الصراع الفكري الثقافي الدائر على طول الساحة العربية وعرضها، وهما القومية والدين، العروبة والإسلام. ومن المستغرَب أن الإسلاميين من غير العرب يشكِّكون بالقومية العربية ويتهمونها بشتى أشكال العنصرية، في الوقت الذي لا يرشقون فيها قومياتهم بزِرٍّ من الورد. ومن المستغرب أكثر أن ينساق كثيرون من الإسلاميين العرب مع تلك الأطروحات وينجرّوا في طريق الاتهامات ضد القومية العربية!!!

        ·        إن المجتمع العربي مُثْقَلٌ بالمشاكل، وأنت تجاوزتها كلها وحسبت أنه لم يبق علينا فقط إلا أن نحل مشكلة العلاقة بين العروبة والإسلام لكي نصل إلى شاطئ السلامة. ونحن نرى أن التنوع بمعالجة المشاكل الأخرى وإعطائها مكاناً في أبحاثك هي من الأهمية بمكان، فلماذا لا تلتفت إلى هذا الجانب وتوليه اهتماماً، خاصة وإن كل أبحاثك المنشورة، حتى الآن، تدل على أنك تتناسى المشاكل الأخرى؟
-ما أشرت فيه إلى استئثار أبحاثي بعناوين متجانسة أركِّز فيها على حل إشكالية العلاقة بين العروبة والإسلام، هو صحيح. وأنا بالذات، عندما خضت غمار البحث حول إشكالية العلاقة بين العروبة والإسلام، لم أكن أتصور أن البحث كبير ومتشعب، وكنت أدرك أنها ليست الإشكالية الوحيدة على الساحتين العربية والإسلامية. ولكن بعد أن بدأت في البحث، وكنت أحسب أنها لن تستهلك أكثر من كتاب صغير الحجم، وجدت أن للموضوع حجماً أكبر وأكثر أهمية مما كنت أتصور قبل البدء في العمل. فعن موضوع الشيعة في لبنان، وهو الموضوع الأول الذي بدأت البحث فيه على قاعدة أنه لا يمكننا أن نفهم إشكالية الطائفية السياسية في لبنان من دون أن نفهم تاريخ الطوائف السياسي والفكري فيه، إصطدمتُ بإشكالية العلاقة بين القومية العربية والفكر الشيعي بعدما أُثيرَ كثير من الشكوك حول علاقة الفكر الشيعي بالشعوبية، السبب الذي دفعني إلى تأجيل نشر البحث عن شيعة لبنان كي أتمم البحث عن علاقة العروبة / القومية بالإسلام بشكل عام. وبعد أن أنجزت البحث الثاني، أثيرت في وجهي إشكالية أي إسلام نريد، أو أي إسلام يريده الإسلاميون؟ ولذلك أوقفت نشر بحث العلاقة بين العروبة والإسلام إلى الوقت الذي أتممت فيه البحث عن الردة في الإسلام الذي بيَّنت فيه أنه ليس هناك إسلاماً مُوَحَّدَاً ومُوَحِّدَاً. فأنصار كل فرقة أو مذهب في الإسلام يحسبون أن الإسلام كله هو ملك أيديهم.
 اكتملت تلك الأبحاث، ولكنها نُقِدَتْ من قبل كثيرين بسبب طولها، لأن مزاج القارئ لا يطيق الأبحاث المطوَّلَة. لكنني لم أجد بداً من التطويل فيها والسبب أنه لا يمكن النظر إلى المشكلة، وخاصة إذا كانت ذات تأثير كبير ومستمر كمثل المسألة الدينية الإسلامية، بشكل جزئي ومُبسَّط، إلا بمنظار تاريخي استراتيجي، لكي تُلِمَّ بشتى اتجاهاتها الفكرية. فالإسلام أفرز كثيراً من التشتت والفرقة بين أبنائه وهم أبناء دين واحد. فإذا كانت هذه هي صورة الدين الإسلامي الذي سادت ثقافته، وما زالت، بين أبناء الشعب العربي لقرون عديدة، فكيف بنا إذا كانت الأديان المتنوعة الأخرى غير الإسلام قد دخلت في حلبة الصراع على مقاعد الجنة في الآخرة؟
بعد أن اكتملت الأبحاث الاستراتيجية / المطولَّة تلك، أصبحت الصورة أمامي واضحة إلى حد كبير، ولذلك وجدت أن الاستمرار في البحث حول طرفي الإشكالية: العروبة والإسلام، هي موضوع كبير ومهم وأساسي. وإن معظم ما ينجم من إشكاليات سياسية واقتصادية واجتماعية ونفسية، لها علاقة وثيقة بحسم إشكالية الصراع بين القومية والدين. فإذا حُسم الصراع بين طرفيْ هذه الإشكالية، يُمَهَّد طريق الحلول لأكثر مشكلاتنا حدَّةً. وهنا نعطي مثلاً على ذلك: إذا أقرَّ العرب، مسلمين وغير مسلمين، بالولاء أولاً للوطنية أو للقومية، وليس للدين، يصبح بالإمكان أن نبني وطناً موحَّداً يحصل على ولاء كل أبنائه ورعاياه من كل الأديان. أما إذا بقي الولاء أولاً للدين فلن نستطيع أن نبني هذا الوطن الموحَّد، لأن أصحاب الأديان سيتطلَّعون إلى الخارج الذي يرتبطون معه بدين واحد أو حتى بمذهب واحد.
وعلى منوال هذا المثال يمكننا أن نأتي بعشرات الشواهد والمشاكل التي ترتبط بجذورها بحسم إشكالية الصراع بين القومية والدين. وأحسب أنني أوضحت بما يكفي حول السبب الذي دعاني إلى التركيز، حتى أستكفي كل ما أريد أن أقوله حول الإشكالية الأم، على إشكالية العلاقة بين العروبة والإسلام من جهة وحتى يحصل حوار موضوعي وهادف بين أنصار وتيارات كل طرف من طرفيْها من جهة أخرى.

     ·    إستطراداً، نؤكد على استفسارنا حول تركيزك على موضوع العلاقة بين العروبة والإسلام، فنتساءل: أَوَ ليس هناك إشكالية بالعلاقة بين الأممية الماركسية وبين القومية العربية؟ إلا تستأهل هذه الإشكالية وقفة نقدية في مشروعك؟
- بلى هناك إشكالية في العلاقة بينهما، ولكن على الرغم من أن الماركسيين قد جمَّدوا النص الماركسي وتحولوا من خلال تجميده إلى أصوليين يمنعون الاجتهاد فيه، إلا أنهم لم يصلوا إلى الحد الذي كفَّروا فيه الآخرين وهددوهم بمصير أخروي مكانه نار جهنم. ولم يسبغوا عليه صفة قدسية إلهية تحكم على الآخرين بتهمة الردة عنه، وتخضعهم للمحاكمة أمام محاكم التفتيش الدينية لتلقي بهم أمام أحكام التعذيب والقتل بحجة الدفاع عن حق الله، كما يفعل الإسلاميون.
لكن ... خاض الفكر القومي صراعات فكرية وسياسية مع التيارات الماركسية والأحزاب الشيوعية العربية في مرحلة ما بعد انهيار الأممية الإسلامية بعد الحرب العالمية الأولى. ومن بعدها أخذت تطل على الساحة السياسية تراجعات ملحوظة من قبل الماركسيين والشيوعيين اللاقوميين عن المواقف المتشنجة ضد القومية. وتكاثرت هذه المواقف التراجعية بعد انهيار أول تجربة سياسية أممية في أواخر القرن العشرين بعد انهيار منظومة الدول الإشتراكية في الاتحاد السوفياتي سابقاً. وابتداءً من تلك اللحظة تحوَّلت أنظار الماركسيين والشيوعيين العرب نحو خطاب قومي عربي لم يتجاوز، حتى الآن، الموقف النقدي للاتجاهات القومية الأخرى. فلا هم، أي الشيوعيون والماركسيون، وقفوا مؤيدين للمضامين الفكرية للتيارات القومية السائدة، ولا هم طلعوا علينا باتجاهات نظرية قومية واضحة تميزهم عن غيرهم من التيارات القومية الموجودة على الساحة العربية. مجمل القول نستطيع أن نحسب أن الشيوعيين العرب يمرُّون الآن بمرحلة مخاض فكري نقدي، يعمل لبلورة أفكار قومية على الصعيدين السياسي والفكري. ونحن نتمنى أن يتابع الشيوعيون العرب خطاهم، ولكن بوتيرة أسرع، للانخراط في ورشة العمل الفكري القومي بكل صدق استراتيجي، وأن لا تحكم خطاهم تكتيكات مرحلية يحكمها هاجس حالة العداء التاريخية بينهم وبين التيارات القومية العاملة منذ أواخر النصف الأول من القرن العشرين حتى الآن. وأن يتجاوزوا تلك المرحلة كما هو مطلوب الشيء ذاته من تلك التيارات القومية.
ولهذا فإن كان إحجامنا عن إعطاء حيز أكبر لنقد التيارات الماركسية والشيوعية فلأن ما يجمعنا معهم هو ابتعادنا كلينا عن ممارسة أسلوب التكفير والتبديع والتفسيق والحكم بالموت على من لا يؤيدنا أفكارنا، تحت ذريعة قدسية وإلهية نصوصنا. وإنما البديل هو أن نخوض غمار حوار هادئ موضوعي هادف حول اتجاهات وضعية من دون اتهام بالمساس بقدسية هذا أو ذاك من النصوص، التي نقبل، نحن القوميين والماركسيين، أن تلغى إذا ما دلَّت التجربة على عدم صلاحيتها لمصلحة المجتمع.

        ·          هل تحسب أن هذا كل ما تريد أن تقوله حول طبيعة أبحاثك؟
-إنني أرجو أن يكون توضيحي شفافاً حول إيلاء أهمية كبيرة لموضوعات الأبحاث التي أقوم بها الآن. وهي إن كانت وحيدة الجانب إلا أنه لها علاقة مع أكثر من إشكالية يعاني منها المجتمع العربي. ولهذا فإنني أتوجَّه من على منبر مجلتكم الكريمة إلى توجيه نداء صادق إلى كل المخلصين لأمتهم أن ينخرطوا في ورشة حوار مستمرة، وأن لا يعلنوا انتهاءها إلا متى توصلوا فيها إلى نتائج توحيدية قائمة على اعتراف الأطراف ببعضهم البعض في تعددية فكرية لا تقوم على إلغاء الآخرين ولا على تكفيرهم، بل أن يفتحوا أبوابهم لتتلقى رياح التغيير بدون أن نحمَّل أنفسنا وزر ذنوب ارتكاب آثام تؤدي بنا إلى نار جهنم. وعلينا، والكلام موَجَّه إلى الإسلاميين بشكل خاص، أن يلتفتوا بعد ألف وأربعماية سنة من التكفير والتكفير المضاد بين شتى الفِرَق الإسلامية إلى ما جاء في القرآن الكريم، وهو يقول: ] ولو شاء ربك لآمَنَ مَنْ في الأرض جميعاً، أفأنت تُكْرِهُ الناس حتى يكنوا مؤمنين[  ؟؟!!
المشاهد السياسي - بـيروت
***


حمل الأن Emoticons عربية جديدة للماسنجر! حمل الأن

ليست هناك تعليقات: