الاثنين، يناير 25، 2010

تقديم ديوان (دموع البنفسج)

-->
تقديم ديوان (دموع البنفسج) للشاعرة هدى محمد
حينما شرَّفتني الشاعرة هدى محمد بكتابة تقديم لديوانها كنت أمام تحدٍّ كبير لعدة أسباب، من أهمها: أنني لست بأديب أولاً، وليس لديَّ إلمام بالفن الشعري ثانياً. لكن ما جذبني إلى القيام بمثل تلك المهمة  هو إحساسي بالدفق الوجداني القومي الذي تميَّزت به هدى محمد، وهو المشحون بسلسلة متلاحقة من الشعور بالمسؤولية الثورية. لقد قرأت بعقلي معادلة العلاقة بين الوجدان والثورة، ولكن من خلال قصائدها قرأته بقلبي وإحساسي فأعطى جفاف العقل شحنة مهمة من حرارة القلب والوجدان.
ترافقت المعاني في قصيدة هدى مع سيل من الدفق الثوري العربي الذي سطَّرته المقاومة العراقية. تلك المقاومة اخترقت حواجز خضوع الأكثرية وركوعها أمام إرادة الشر الأميركية. فقد حسبت الأكثرية أن إرادة الشر تلك ترتفع فوق مستوى المواجهة، كما حسبت أن كل من يتوهم أن بمقدوره مخالفتها فكأنه يرتكب عبثية ونرجسية.
جاء عشق هدى لثورة الزنود السمر العراقية، مستكملاً عشقها لحجارة الصوان في زنود أطفال الحجارة في فلسطين المحتلة، متكاملاً مع فتوَّة الزنود الوطنية اللبنانية التي طردت العدو الصهيوني من الأرض اللبنانية، مخالفاً ومتناقضاَ مع حسابات المتعقِّلين من أبناء الثقافة من العرب الليبراليين.
جاء الدفق الثوري في قصائد هدى محمد، وهي البعيدة جغرافياً عن مواقع الثوار، ليعطي دلالة عميقة وقصوى طالما عجزت الأبحاث العلمية عن البرهان عليها، وهي مدى تأثير الوجدان القومي العربي على إشعال فتيل الثورة أينما كان انتصاراً لكل ثائر عربي حتى وهو يقاتل باللحم الحي.
قفزت من فوق كل حواجز الجغرافيا المصطنعة، فقصَّرت المسافات بين الأقطار فعبرت من قطر إلى آخر من دون جواز سفر من تلك الجوازات التي تجعل من العربي غريباً وأجنبياً في رحاب أرضه العربية الواسعة. فاختصر ذلك الشعور كل المسافات وأخذ يتنقل من قطر إلى آخر ويحط الرحال حيث تضطرم الثورة ضد الاستعمار.
واختصر الشعور العفوي لهدى محمد كل مساحات الزمن فانتقل غير مستأذن روزنامات المشاريع السياسية الوحدوية فأعلن وحدويته ووحدته من دون اعتبار لمسافات عشرات الأجيال التي يراها السياسيون مدى زمنياً واقعياً للحاق بزمن الوحدة السياسية. وبدفق شعورها القومي أعلنت هدى محمد وحدة الشعور القومي وما يستتبعه من تأثيرات تجمع ماجدة الإمارات إلى ماجدات فلسطين والعراق ولبنان بل وسبقت بإعلانها »الحب على الأمة والثورة« كل آمالنا، وجعلتنا نعتز بتلك العروبة التي لن يجمعنا حولها  إلاَّ وحدة الشعور، وهل ينشدُّ بنو البشر إلى بعضهم بعضاً إلاَّ بأواصر الحب؟
تستثير المشاريع الفكرية والسياسية الوحدوية خلايا العقل، فتبرهن على الملموس من شؤون الحياة بالملموس. ولكن أواصر الشعور لا يمكن أن تبرهن عليه إلاَّ بالشعور، ولكن هل يُحسن الشعور برهاناً؟
لا يمكن للحب أن يكون خاضعاً لبراهين المنطق الفلسفي. بل الحب يكون من دون برهان. فحركة العين أو خفقة القلب أو لمحة الحلم هي من تلك البراهين التي لا تخضع لدليل أو برهان. فالحب يبتعد عن البرهان ويقترب إلى خلايا الوجدان. فلو ترجم المفكر أو السياسي الحياة بين بشرين إلى أرقام فهو لن يستطيع أن يختزل مخزون الشعور إلى رقم واحد إلاَّ وفقد الشعور ميزته وخاصيته.
ومن تلك النقطة جاء دور الشاعرة هدى محمد.
فإذا كانت الوحدة القومية ترجمة سياسية للفكرة القومية، أي يمكن ترجمتها إلى مصالح مشتركة، فإن الشعور اللاحم بين أبناء المجتمع القومي لا يمكن أن يكون غير الحب. والحب بين أبناء المجتمع الواحد يعني الحياة بتناغم معاً أو الموت معاً. ومن أجل حياة هادئة وسعيدة بين متحابين تحلو فكرة الموت والشهادة. ومن هنا تأتي أهمية الشاعر ونبضات كلماته الجميلة.
ومن أجل التعبير عن حب هدى محمد لأمتها، من خلال دفق وجداني عارم لفَّ كيان ابنة الإمارات، اندفعت لتضع يدها بيد قرينتها العربية أينما كانت لتصرخ لا لحياة العبودية بجملة مملوءة بالصدق والحب والوجدان، تستثير بها النخوة في قلوب رجالات أمتها متحدية بأنها لن تكون إلاَّ للماجد من الرجال الذي يقدم لها إكليل النصر على كل الذين استباحوا الأرض والعرض والثروة، وغزوا القلوب ليحولوا دونها واحتضان السعادة بالحبيب.
ولأن للأنثى خصائصها، كانت هدى محمد خاصية بذاتها، فهي وإن حالت حواجز الجغرافيا دون أن تقوم بما يمكنها أن تكون ثائرة بكل معنى الكلمة على أرض المواجهة المباشرة، جعلت من المرأة العربية مشاركة فعَّالة لأختها في كل مكان من أرض العروبة عندما امتشقت كلمتها الجميلة التي توحي بكل ملامح الثورة وفعلها وفجَّرتها ليس بوجه الاحتلال فحسب، وإنما في وجه المتقاعسين من رجالات ونسوة أمتها من الذين لوَّثوا الأرض بنذالتهم قبل أن يلوثها الاحتلال ويدنسها.
لقد اشتقنا يا هدى لماجدات العروبة في الزمن الغابر. فإذا بك تنبتين من التاريخ فتضمين قبضتك إلى جانب قبضات الفحول من رجالاتنا في أرض الثورة العربية فتتكاملان في ثنائية حب ولا أروع.
وهل يمكن أن يكون أجمل من ثنائي يجمع بين ثائرة وثائر؟
وهل هناك أجمل من ثنائي يقاتل من أجل أن يكون بيت المستقبل الذي يبنونه آمناً من كل ما ينغص عليهما لحظات الحب والسعادة؟
وهل هناك أجمل من بيت يطمئنون فيه إلى مصير أبناء يحميهم من الخطر والأذى؟
وهل أجمل من أن تكون أرض العروبة هو ذلك البيت الآمن الذي تحميه قلوب المرأة العربية والرجل العربي فيهنآن إلى الأبد؟
بوركت هدى، وبوركت المرأة العربية التي تنظر إلى بناء البيت القومي كأساس لا بُدَّ منه لبناء بيتها الخاص.



حمل الأن Emoticons عربية جديدة للماسنجر! حمل الأن

ليست هناك تعليقات: