كيف يستفيد العرب من المتغيرات الدولية ما بعد عهد ترامب؟
لا
عداوات دائمة في السياسة، وفق العلاقات الدولية، كما أنه لا صداقات دائمة، بل
تبادل المصالح هي القاعدة الثابتة. وإنه من المنطقي أن يتَّبع العرب تلك القاعدة،
ولكن على أساس تبادل المصالح المشتركة.
إن
القاعدة الشاذة في تيادل المصالح السائدة، منذ الاحتلال الأميركي للعراق في العام
2003، تقوم على ضمان المصالح الأميركية ومصالح حلفائها على حساب مصالح الدول
الأخرى، وقد وقع النظام العربي الرسمي أسيراً للخضوع لتلك القاعدة الشاذة، فأصبح
تابعاً لأميركا تحت ذريعة حماية أمن تلك الأنظمة.
بعد
فشل الاحتلال الأميركي باحتلال العراق، وتسليمه للنظام الإيراني لقمة سائغة. وبعد
فشل مخطط مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي رعته أميركا بتحالف وثيق مع العدو
الصهيوني وأنظمة الحركات السياسية الدينية، إيران وتركيا، يقف العالم اليوم على
مشارف مرحلة جديدة، وعنوانها، إنكفاءً حاداً لكل المشاريع التي بدأ تنفيذها بعد
احتلال العراق. ولأن العالم اليوم يشهد مرحلة جديدة يتصارع فيها الأقوياء، نتساءل:
ما هي الاستراتيجية العربية التي بها يمكن للعرب أن يستعيدوا دورهم على طاولات المفاوضات
القادمة التي نُصبت أو ستُنصب لوضع حلول سياسية لكل أزمات العالم، والتي تحتل فيها
الأزمات العربية القلب منها.
كيف
ينتقل العرب من دور التابع إلى دور الفاعل؟
من
أجل ذلك، ولاستكمال التحليل، نقسم المقال إلى ثلاثة أقسام رئيسة، وهي:
-المتغيرات
على الصعيد الدولي، وخاصة الأميركي والأوروبي:
-المتغيرات
على الصعيد الإقليمي:
-كيف
يوظِّف العرب أوراق القوة التي يمتلكونها؟
أولاً: المتغيرات على الصعيد الدولي، وخاصة الأميركي والأوروبي:
1-المتغيرات
على الصعيد الأميركي:
لقد
ابتدأت المتغيرات على الصعيد الأميركي منذ بداية عهد الرئيس دونالد ترامب، الذي
أعلن استراتيجية تصحيح العلاقات مع النظام الإيراني. وتلك الاستراتيجية كانت ذات
شقين، وهي:
-الأول:
استعادة نهب العراق لمصلحة الرأسمالية الأميركية، وإعادة الدور الإيراني إلى وضعه
كما كان في البدايات الأولى للاحتلال.
ولأن
النظام الإيراني، بعد أن استلم ملف احتلال العراق من قبل إدارة أوباما، حقَّق ما
لم يكن يحلم به منذ تأسيس نظام ولاية الفقيه في العام 1979، ولأن موارد العراق
رفدته بكل الإمكانيات المادية وخسارته تعني خسارة لحلم كبير، فقد رفض أوامر دونالد
ترامب، ولذلك انفتحت أبواب التهديدات بينهما عالية الصوت والحدة، التي لم تتم
ترجمتها إلى أعمال حربية ذات شأن. وإنه في ظل واقعة الاشتباك بينهما كان نظام
ولاية الفقيه يعمل على تأجيله انتظاراً لتغيير إدارة ترامب، إذ كانت المراهنة تقوم
على أساس أن وصول بايدن الديموقراطي سيعيد للدور الإيراني حيويته لاستئناف مشروعه
الكبير.
ولأننا
قمت بمعالجة هذا الجانب في مقالات سابقة، نكتفي بالتذكير بنتائجها التي نختصرها
بما يلي: استراتيجية الرأسمالية الأميركية واحدة تخضع لحكومة خفية واحدة، ويقوم
بتنفيذها الحزبان الجمهوري والديموقراطي، والفارق بينهما هو طريقة التنفيذ وليس
تغيير الأهداف. وكان على النظام الإيراني أن يعي، إذا كان قد بقي لديه ذرة من
الوعي، أن تسليمه العراق كان مرحلياً مبنياً على نتائج تنفيذ المشروع الاستعماري
الأشمل، المعروف بمشروع الشرق الأوسط الجديد. ولأنه لا يمكن تنفيذ مشروع قائم على
تقسيم الوطن العربي على أسس دويلات طائفية، كان الدور الإيراني باتجاهاته الطائفية
ضرورة وحاجة أميركية - صهيونية، وكذلك كان الدور التركي باتجاهاته الطائفية
المتناقضة مع اتجاهات نظام ولاية الفقيه ضرورة وحاجة للمشروع الأم أيضاً. ولأن
المشروع تعثَّر بل فشل، فلا حاجة إذن بقيت للدورين معاً، فكان لا بُدَّ من أمام
أوباما، الرئيس الأميركي الأسبق الذي سلم العراق للنظام الإيراني، من أن يفعل ما
فعله دونالد ترامب لو تم التجديد له لولاية ثالثة. ولهذا لن يستطيع جو بايدن سوى
أن يتابع خطى ترامب لاستعادة العراق، جغرافياً واقتصادياً، لتقوية النفوذ الأميركي
في المنطقة العربية، لا بل في منطقة الشرق الأوسط، وإنه كان سيفعل ذلك ولو بوسائل
أخرى.
-والثاني تهدئة
المخاوف العربية من خطورة الدور الإيراني، وخاصة مخاوف دول الخليج العربي.
ما
كان لأوباما أن يساوم على صداقته لدول الخليج العربي، ويستبدلها بصداقة وثيقة
للنظام الإيراني، لو لم يكن يراهن على أن نجاح مشروع الشرق الأوسط الجديد سيؤدي
إلى تقسيم إيران نفسها، وتقسيم السعودية ودول الخليج الأخرى، أي بما يعني أن
أميركا لن تكون بحاجة إلى صداقة أي منهما، لأن خرائط التقسيم الجديدة، ستفرز أنظمة
طائفية صغيرة ومفككة، شبيهة بالدويلات الطائفية التي قوَّضت الدولة العباسية،
وشبيهة بدويلات أمراء الطوائف التي قوَّضت الدولة العربية في الأندلس. وتلك
الخرائط الجديدة للدويلات الطائفية الجديدة ستكون ضعيفة إلى الحد الذي ستطلب فيها
الحماية الخارجية، والتي لن تضمنها سوى دولة أميركية قوية مرهوبة الجانب.
ولأن
المشروع الأخطر في التاريخ، والذي كان سيفكك الدول القطرية القائمة، قد فشل في
أكثر جوانبه، كان لا بُدَّ أمام الحكومة الخفية، التي تحكم أميركا، من أن تعود إلى
نقطة البداية في تحالفاتها، سواءٌ أكان ترامب الجمهوري، أم كان بايدن الديموقراطي.
ولهذه الأسباب لن يستطيع بايدن أن يقفز فوق حقائق الأمر الواقع، إذ عليه أن يعيد
صداقات أميركا الخليجية كما كانت سابقاً.
إن
استعادة صداقة أميركا لدول الخليج العربي،
لن يكون أقل من إعادة النظام الإيراني إلى حجمه القديم. أي أن يعود إلى نمر ن دون
أظافر. وإن هذا سيؤدي إلى فقدان ثقة أصدقائه الذين طالما حابوه وجاملوه وهو قوي،
ولكنهم سيتفرقون من حوله بعد أن تحول إلى نمر ضعيف، لن يستطيع حتى إقناع الشعب
الإيراني بصلاحيته للحكم.
2-المتغيرات
على الصعيد الأوروبي الغربي:
في
بداية عهد دونالد ترامب، وقفت الدول الأوروبية بالضد من إعلانه إلغاء الاتفاق
النووي الإيراني من جانب واحد. كان ذلك الإلغاء، في ظرفه ومكانه، يعني وقوع الضرر
الفادح بالمصالح الأوروبية في إيران وفي العواصم التي أعلن النظام الإيراني سيطرته
عليها. ولكن قبل أشهر قليلة من الانتخابات الأميركية، في شهر تشرين الثاني من
العام 2019، أخذت الاتجاهات الأوروبية طريقها نحو التغيير، مما يعني أنها لم تعد
تراهن على بقاء النظام الإيراني قوياً.
آخذة
مواقف أكثر الأنظمة العربية الرسمية سلبية باتجاه النظام الإيراني، وجدت الدول
الأوروبية أنها ستكون خاسرة في المدى الاستراتيجي المنظور إذا انهار النظام
الإيراني. فهي لها مصالح أكبر في الدول العربية الأخرى، لذلك أقلعت عن المراهنة
على حصان إيراني خاسر، وشهدت مواقفها متغيرات كبرى تقوم على أن إعادة المفاوضات
بشأن ملف المفاعل النووي الإيراني يجب أن لا تكون منفصلة عن مسألتين أساسيتين،
وهما: فتح ملف الصواريخ الإيرانية الذكية، وملف منعها من تهديد أمن جيرانها.
-ثانياً:
المتغيرات على الصعيد الإقليمي:
مما
لا شكَّ فيه، أن دول الإقليم، تركيا وإيران، ارتكبت خطأين استراتيجيين، في علاقاتهما
مع العرب.
-الأول:
لقد أنس كل منهما قوة وهمية حلم فيها أنه أصبح بمثابة الدول العظمى، ولعلَّ المنهج
الأيديولوجي الديني هو الذي غرس تلك الأوهام الاستراتيجية عندما تخيَّلا بأنهما
ينفِّذان مشروعاً إلهياً، يقضي ببناء أنظمة سياسية ذات اتجاهات أممية تقوم على
مبدأ (التشريع الإلهي) الذي يرفض المساواة بينه وبين الأنظمة الوضعية، لا بل يضع
نفسه في حرب ضروس معها، وهذا ما يلخصه الحكم الشرعي القائل: (لا حكم إلاَّ لله).
-الثاني:
إن الأحلام الغيبية التي راودتهما فتوهَّما بأن كلاً منهما منصور بقوة إلهية،
ألهتهما عن بناء علاقات حسن جوار مع العرب. وأزدادت أحلامهما عمقاً عندما استعان
بهما المشروع الرأسمالي – الصهيوني لتنفيذ حلمه
بالسيطرة على الوطن العربي، وكذلك جواره الجغرافي، بتقسيمه إلى دويلات دينية. وإذ
ذاك راح كل منهما يقتطع لنفسه من قرص الجبنة العربي حصته. والقصة معروفة منذ بداية
ما يُسمى بـ(مشروع الشرق الأوسط الجديد).
إن
الأمرَّ من كل ذلك، هو أنه وعلى الرغم من أن المشروع أصيب بهزيمة كبرى، وكذلك
أصحاب ذلك المشروع أعلنوا موته ودفنه، هو أن كلاً من النظامين حسب أنه يمكنه أن
يتابع تنفيذه من دون مساعدة أحد. وبذلك
أخذت استراتيجيتهما تتخبط بشكل عشوائي، ولم يستفيقا، ولو بعد طول مكابرة، سوى على القذائف
السياسية والمخابراتية التي أخذت تنطلق باتجاههما من كل حدب وصوب.
وإذا
كان ما يمكن أن نشير إليه، هو أن ندعو النظامين المذكورين، ولو كانت الدعوة قد
تكررت مئات المرات، إلى صحوة ضمير ديني وأخلاقي في أن يعودا إلى رشدهما، وأن يتجها
باتجاه مصالحة سليمة مع جيرانهم العرب، بتصحيح أساليبهما طوعاً، قبل أن تفرض
عليهما دول العالم، وأميركا والدول الأوروبية في المقدمة منها، العودة إلى رشدهما.
وخلاصة
وضع كل منهما، في هذه المرحلة، هو أنهما يمران بمخاض عسير يجعلهما على حافة
الإنهاك، فالضعف، فالتلاشي.
ثالثاً:كيف
يوظِّف العرب أوراق القوة التي يمتلكونها؟
صحيح
أن لدى العرب عوامل قوة كثيرة لم يوظفوها في مسارها الصحيح، ولو فعلوها لكانوا في
مصاف الدول الكبرى. ولكي ننطلق من وقائع الأمور، التي لا يجوز أن نأخذ بها إلاَّ
لأن الإنهاك الشديد، واستسلام الأنظمة الرسمية، والتحاقها بركب الدول الكبرى، هو
الذي وضع العرب في أدنى سلم الضعف. ولذلك، كيف يستفيد العرب من متغيرات المرحلة،
والتي عليهم أن لا تنطلي الخدعة التي انطلت على النظام الإيراني، عندما اعتبر أن
الخلاص أصبح معلَّقاً برقبة حصان جو بايدن، الرئيس الأميركي الجديد. وإذا كان ذلك
النظام ينتظر الخلاص في عهد جو بايدن، على الأنظمة العربية الرسمية أن لا تخشى من
عهده، بل عليها أن تعتبر أنها هي وحدها تستطيع أن تفرض شروطها عليه، وأن لا تنتظر
أن يفرض شروطه عليها، لأن أوراق القوة بيدها هي وليست بيده. فهو بحاجة لمميزاتها
الجغرافية الاستراتيجية وثرواتها الهائلة، وأسواقها الاستهلاكية الواسعة. لذا
يترتب عليها أن تبدأ الخطوة الأولى على طريق الألف ميل، على أن تضع نصب أعينها أنه
إذا كانت المصالح سيدة المواقف، وهي مشروعة، لكن على أن يكون تبادلها على قدم
المساواة.
ومن
قبيل قراءة تاريخ العلاقات بين الأنظمة العربية الرسمية من جهة، والقوى الدولية
العظمى وفي المقدمة منها أميركا من جهة أخرى، تشير إلى أن تلك الأنظمة تقف موقف
الخاصع للقوة الأميركية بسبب خوفها على إسقاطها بالطرق المخابراتية الملتوية التي
تسلكها أجهزة المخابرات الأميركية، بالتآمر واستبدال الحاكم غير المطواع بطريقة الاغتيال أو الإبعاد وتغييره بمن يكون
مطواعاً أكثر. وإنه في مواجهة الخطر الذي يخشاه رؤوساء وملوك تلك الأنظمة فهو
بأيديهم، ونراه كما يلي:
عادة
ما تصنع الأنظمة السياسية التقليدية أعداءها بأيديها. وتلك الصناعة تجري كما يلي:
-وضع
الأكثرية العظمى من الجماهير في مواجهة مع الأنظمة: إذا كانت الاشتراكية بعبعاً
تاريخياً تخشى الطبقات الحاكمة سلوك وسائله، فإن الأنظمة الرأسمالية الحديثة قد
طبَّقت ما يعادلها وفق مناهج العدالة الاجتماعية. وهذا ما سلكت معظم الدول
الأوروبية دروبه، وحتى الأنظمة الملكية منها، سلكت تلك الدروب. وإذا كان مقال لا يستوعب
التوسع في هذا الجانب، فمختصر القول: إنه بالقليل من العدالة الاجتماعية تضعف شدة
النقمة الشعبية ضد الأنظمة. وهنا نلفت النظر إلى ما جرى في الحراكات الشعبية في
أكثر من دولة عربية، في مرحلة تنفيذ ما يُسمى بـ(الربيع العربي)، تلك المرحلة التي
تفجرت فيها شوارع مدنها وساحاتها وامتلأت بصراخ الجائعين والمرضى والعمال
والفلاحين، وأصحاب الدخل المحدود. ولولا استغلالها، لكانت تُعدُّ من أهم الثورات
التي كان يمكنها أن تغير وجه الواقع في الوطن العربي.
وإذا
كان من حل تخرج به تلك الأنظمة من أزمتها المستمرة مع الجماهير الشعبية، فعليها أن
تلجأ إلى تطبيق مبادئ العدالة الاجتماعية ولو كان التطبيق يجري بالشكل الشبيه الذي
تطبقه الأنظمة الرأسمالية.
-صنع
معارضة داخلية وتعميقها نتيجة القمع والاضطهاد، والامتناع عن سلوك الوسائل
الديموقراطية في إيصال الأنظمة إلى كراسي الحكم. وإذا كنا ندين أي استقواء
للمعارضة الداخلية بقوى أجنبية مهما كانت ذرائعها، فإننا لا يمكننا أن نعفي
الأنظمة الرسمية من مسؤوليتها في تغييب الحقوق الديموقراطية واستخدام أجهزة
المخابرات في ملاحقة المعارضين لأنظمة الحكم. وبناء على متغيرات المرحلة التي لا
يجوز التغافل عنها منذ الآن، هو أن تتجه جهود الأنظمة الرسمية إلى تعميق المبادئ
الديموقراطية وتطبيقها من دون خوف أو خشية منها، لأن أية خسارة ستدفعها الأنظمة
الحاكمة نتيجة تطبيق الديموقراطية، ستكون أقل بكثير مما ستدفعه في حالات انتشار
الفوضى والحروب الأهلية التي يمكن لأية معارضة أن تلجأ إليها.
-صناعة
بيئة حاضنة لشعارات الحركات الدينية السياسية: تقوم شعارات الحركات الدينية
السياسية على إعلاء أهداف الفقراء والمساكين للتحريض ضد الأنظمة الوضعية الحاكمة،
أو حتى تلك الأنظمة الدينية المعارضة لمذهب مثيلاتها. وإذا كانت تلك الحركات تريد
من تحريض الجياع والفقراء وذوي السبيل كسب المؤيدين لها، والعمل على إسقاط الأنظمة
الوضعية، أو التي لا تدين بمذهبها الديني، فإنها في الوقت نفسه لا تملك الحل، لأنه
لو استطاعت تطبيق مناهجها في الحكم، فإنها سوف تكون أكثر ديكتاتورية وابتعاداً عن
العدالة الاجتماعية من تلك التي تعمل على إسقاطها.
وإذا
كنا في السابق نراهن نظرياً على فشل مشاريع تلك الحركات، فقد جاءت تجارب الحكم،
بعد مرحلة ما تسمى بـ(الربيع العربي) لتؤكد خطورتها، وذلك كما حصل في تونس وليبيا
ومصر، وما ارتكبته تلك الحركات في اليمن وسورية وفي العراق، وبالأخص منها نظامها
الأكثر تخلفاً الذي حكم العراق، ولا يزال، بعد الاحتلال الأميركي والإيراني.
واستناداً
إليه، وإذا كانت مشاريع حركات الإسلام السياسي قد سقطت سقوطاً ذريعاً في التجربة،
فهذا لا يعني أنها فقدت تأثيرها في المفاصل العربية الشعبية الرخوة، طالما ظلَّت
الأنظمة الرسمية بعيدة عن توفير العمل لتلك الأوساط الشعبية، وكذلك سبل الحياة
الكريمة. وإذا ظلت مناهج الأنظمة الرسمية بمنأى عن تلك الإصلاحات فإنها تترك
الأوساط الجماهيرية الواسعة تحت رحمة تحريض تلك الجماعات.
وإذا
كانت تلك العناوين الواسعة بحاجة إلى تفصيلات أكثر، فهذا يقع على عاتق الحركة
الثقافية للمنظمات الحزبية، والتجمعات الثقافية الوطنية الأهلية.
ونختم
المقال بأن للحراكات والانتفاضات والثورات الشعبية في كل من العراق ولبنان وتونس
والجزائر والسودان، مجال آخر للاستفادة من المتغيرات الدولية والإقليمية، ولها
مجال أوسع في الكتابة عنها، ويكفيها سلميتها وشعبيتها وشموليتها الوطنية، والحرص
على منع اختراقها، واستمراريتها. ويكفيها، وعلى الرغم من عدم التنسيق بينها إلاَّ
أنها تمثل ثورة قومية بأهدافها ووسائلها.