عرض كتاب
(تهافت الأصوليات الإمبراطورية)
(الحلقة الثالثة 3/ 4)
(الفصل الخامس والسادس)
المرحلة الثانية:
الحل في المفهوم القومي والدولة القومية المدنية
الذي افترض فيه الباحث أن الحل لا بدَّ من أن يكون عبر المشروع القومي
العربي. ولهذا خصص الباحث لها ثلاثة فصول، الخامس والسادس والسابع. وتوَّج البحث
بخاتمة تسهم في تأسيس أفكار ومشاريع تصب في خدمة الحل القومي العربي.
-الفصل
الخامس:
قبل ردم المسافة بين الديني السياسي وبين
القومي، إشكاليات والتباسات للمعالجة:
يستهل الباحث هذا
الفصل بتحديد العلاقة بين الطبقات الاجتماعية والتيارات السياسية، بمن فيها
التيارات الدينية والقومية، بالإضاءة على أهمية عوامل التعاون بينها في معارك
الاستقلال الوطني، التي من دون الحصول عليه، فلا معنى للعمل من أجل تجميل الدولة
ورأسها مهدَّد بالقطع. ويصل إلى البرهان أنه بالإمكان توحيد الجهود على تلك
المستويات من خلال ثورات التحرر الوطني في أكثر من قطر عربي. وأما السبب فلأنه
(حيثما تشارك الديني والوطني في معارك الاستقلال السياسي كانت تذوب المشاعر
الدينية لصالح المشاعر الوطنية، لكنه
عندما تعجز السلطة الوطنية عن الغاء هواجس الخوف المتبادل بين الإثنيات الدينية،
أو عن إحداث مصالحة بينها، أو بالتالي عندما تعجز
عن توفير العدالة والمساواة الطبقية، فإنها كانت تترك مساحة فراغ يتسلل
إليها أي اتجاه معادي ويعمل على ملئها وتعميقها).
ويستطرد الباحث
من أجل ردم الهوة بين التيارات القومية والدينية، مسجلاً: (وكما أن التأسيس
للمجتمع القطري يتمُّ عبر استبدال نخب المجتمع بالمجتمع النخبة، كذلك يتم الانتقال
من المرحلة القطرية إلى المرحلة القومية، في العمل على توليد المجتمع القومي
الواعي الذي يجد، نظرياً على الأقل، أن المرحلة القومية هي حاجة ضرورية لحماية
المكتسبات القطرية وليست عبئاً عليها أو مصدراً لخوفها).
وكانت أسباب
الريبة بين شتى التيارات السياسية والحزبية والفكرية العربية، تعود إلى أن
(الخصوصيات التاريخية التي حملت، أو ما زالت تحمل الاتجاهات الانفصالية.
فالاتجاهات الدويلاتية كانت، في أسوأ حالاتها، مرتبطة مع المركز المرجعي السياسي
(الخلافة) بالولاء والطاعة والجزية). و(كان الإسلام هو المؤثر الفاعل في صياغة
التاريخ الوحدوي للمنطقة العربية، وكان له الأثر في تعميق الشعور الوحدوي، السبب
الذي طبع العلاقة بين القومية والدين (العروبة والإسلام) أحياناً إلى حدود الاندماج.
فبدا الإسلام وكأنه يصنع التاريخ العربي
لوحده، في الوقت الذي كانت تتفاعل فيه، عوامل الإثنيات الدينية الأخرى غير الإسلام. تلك الإثنيات لم تفقد الأمل في أن
يكون لها دور ما، يبعد عنها حالة التهميش، التي كانت تمارسها المرجعية الوحدوية
الإسلامية، عليها). لذا كانت الاثنيات الدينية، غير الإسلام، لا تشعر بالانجذاب،
نحو المرجعية الإسلامية، فموقفها هذا نابع من أنه غير معترف لها بالمساهمة في صنع
التاريخ). ولهذا انقسم العرب، إلى فئتين:
الأولى: فئة
العرب المسلمين: تشعر بأن التاريخ العربي الإسلامي هو تاريخها، والأمجاد أمجادها،
فارتبط عندها العقائدي- الديني بالتاريخي- السياسي.
أما الثانية فتشعر أنها تقف على حافة ذلك
التاريخ، فهي لا تنجذب إليه إلاَّ بالمقدار
الذي يتحرر فيه من أحادية التأثير العقائدي الإسلامي؛ كما أنها تتطلع إلى
المشاركة والمساهمة في صنعه؛ وهي لا تملك خياراً آخر، بحكم ارتباطها القومي باللغة
والجغرافيا، وهذه الفئة من الذين يشعرون بالانفصام بين العقائدي الديني، والتاريخي
السياسي).
ولهذا (كانت
المؤثرات العرقية والطبقية والمذهبية، حجر الأساس في تنمية الاتجاهات الانفصالية)،
وعن هذا يؤكد الباحث على أن التطمين الداخلي، عامل أساسي يساعد تلك الإثنيات
للاتجاه نحو الوحدوية الداخلية؛ لهذا يرى أن الانتقال من الانفصالية إلى الوحدوية
له علاقة بالتفاعل بين النظام الفكري/ الثقافي للانفصالية القطرية، وبين النظام
الفكري/ الثقافي للوحدوية القومية. وإنه بالقدر
الذي تكون فيه تلك المضامين ومكوناتها واضحة، تضمن بدقة مصلحة الإثنيات
المتعددة، تتسارع إمكانيات الانتقال بسهولة؛ عبر عملية تربوية نفسية وفكرية سياسية
مستمرة وطويلة الأمد.
ويُنهي الباحث
هذا المقطع بالتساؤل التالي: أية حضارة نريد، أمادية هي أم روحية ؟ وأي روحي نريد؟
هل هو الروحي الذي له علاقة بالقيم الأخلاقية؟ أم هو الروحي الديني الذي له علاقة
بالماورائي الذي أسبغ حتى على الزمن السياسي صفة المقدس؟
ومن أجل رؤية
واقعية للإشكاليات المطلوب دراستها، ووضع حلول لها، يُفرد الباحث المقطع الثاني من
الفصل، لدراسة التجربة العراقية بعد الاحتلال.
لقد احتلَّت
القضية العراقية بعد الاحتلال مساحة واسعة من الاهتمام العربي والعالمي، بما
أظهرته من إشكاليات والتباسات كان لا بُدَّ من التوسع في دراستها، ولهذا يرى
الباحث أن الإشكالية العامة في دراستها، تتمظهر في منطقين ومعادلتين:
-المعادلة
الأولى: بما أن الحق خاضع لمنطق الأقوى على الأضعف أن يأخذ من حقه ما يجود به
القوي، ويتهم أصحاب تلك المعادلة الآخرين، إذا ما ناضلوا لاستعادة الحق كاملاً،
بالرومانسية تارة، وبالسوريالية تارة أخرى.
-أما
المعادلة الثانية، فتربط منطق الحق مع السيادة بالحق في تقرير المصير الوطني،
وبالتالي له ارتباط بمفهوم الكرامة الوطنية والقومية.
منطلقون من
موقفهم السياسي السلبي من النظام الوطني في العراق، أعلن بعض المثقفين والمفكرين
العرب، تأييدهم لمنطق الاحتلال، واستندوا في إعلانهم، إلى شهادات المعارضة
العراقية. ولما كان على العقل الموضوعي أن يستند إلى شهادات موثوقة، فقد سقطت
مصداقية النتائج التي توصل إليها هؤلاء المفكرون والمثقفون بعد أن تأكدت لا وطنية
أطراف تلك المعارضة. وتمظهرت تلك اللاوطنية بأنها استقوت بالقوى المعتدية على
الأمة العربية وعلى العراق أولاً، وبأنها عادت إلى وطنها العراق على دبابة
الاحتلال الأجنبي ثانياً، وأنها أتمرت بأوامر قوى الاحتلال ثالثاً.
وهكذا يترتَّب
على النظر إلى القضايا الوطنية والقومية بمنظار الغرض السياسي، وليس بالمنظار
الفكري الموضوعي، الكثير من القصور والأخطاء في النظر إلى كل قضية وطنية قطرية
عربية. وهذا ما حصل بالفعل من أخطاء في النظر السياسي إلى القضية العراقية، ومنها
ظهرت بعض الإشكاليات، ومن أهمها: الخطأ في تحديد الأولويات الوطنية والقومية
النضالية. والنظر إلى استقواء المعارضة المحلية بالخارج خيانة موصوفة. والازدواجية
بين ظاهرة تتعرض للنقد وأخرى مسكوت عنها. والتناقض بين دعاة «الواقعية»، ودعاة
«الرومانسية». وإشكالية شرعية تصدير الثورة من الخارج بوسائل القوة.
وفي
المقطع الثالث من الفصل الخامس، يقدِّم الباحث بعض الأفكار التي تسهم في تصويب
مهام الفكر العربي، لمعالجة تلك الإشكاليات، يطرح السؤال التالي: كيف يستفيد الفكر
القومي العربي من تجربة العراق؟ ليجيب:
لقد ظهرت من
خصوصيات التجربة العراقية عدة مسائل في غاية من الأهمية، ومنها:
-الالتباس
في الموازنة بين الديموقراطية المحلية والسيادة الوطنية.
-أما
الثانية فهي الالتباس في الموازنة بين الولاء للمذهب أو الدين والولاء للوطن أو
القومية.
-أما الثالثة فهي
الالتباس في الموازنة بين تحقيق الديموقراطية بنضال يقوده الوطنيون أو طلب
المساعدة من قوى معادية خارجية للقيام بالنيابة عنهم في تحقيق الغرض.
ويختم الباحث
الفصل الخامس، بما يلي: (وإذا كان من المطلوب أن نحدد مدى استفادة العرب من محنة
العراق نرى أنه لن يتم ذلك إلاَّ على قاعدة أن تتشكَّل حركة ثقافية عربية تأخذ على
عاتقها تفعيل حركة العقل العربي المجرَّد المرتبط بقضايا أمته ومشاكلها من تعقيدات
ومزالق الفعل وردَّات الفعل).
-الفصل السادس:
شروق العصر القومي تحول جديد في
مفاهيم نهاية التاريخ.
يقسم الباحث هذا
الفصل إلى أربعة مقاطع وخاتمة: وفي المقطع الأول يؤكد الباحث على أن النظرية
القومية العربية حالة ثابتة عصية على الاجتثاث والإلغاء، والدليل على ذلك، أنها ما
زالت حية تقاوم ثلاثة أنواع من الإمبراطوريات الجديدة: الاستعمار الأميركي
والصهيونية العالمية، ومشاريع الأممية الاشتراكية، ومشاريع الحركات الإسلامية
السياسية.
-وأما
عن النوع الأول: يعتبر الباحث أن انتقال النظرية القومية إلى المقاومة الشعبية منذ
انطلاقتها الأولى بعد الحرب العالمية الأولى؛ وتصاعدها وتوسعها بعد الحرب العالمية
الثانية، وتعميقها في تجربة المقاومة الوطنية العراقية في العام 2003، هو دليل على
أنها نظرية واقعية، يسطر نهاية التاريخ
الرأسمالي الإمبراطوري.
-وأما
عن النوع الثاني، وعلى الرغم من المخاطر الاستعمارية، لم تلجأ الحركة القومية
العربية إلى الارتماء في أحضان المعسكر الشيوعي، بل إنها عقدت معه تحالفات على
قاعدة المصالح المشتركة. وأخيراً انهار ذلك المعسكر، واستمرت الحركة القومية
العربية تنبض بالحياة تناضل حتى في ظل استفراد الرأسمالية الاستعمارية بحكم
العالم.
-وأما النوع
الثاني، فقد اكتشفت الحركة القومية العربية مخاطر مشاريع حركات الإسلام السياسي
وتأثيراته على تفتيت الوطن العربي إلى دويلات طائفية متناحرة، تحمل أوبئة التقسيم،
ولا تنفصل مشاريعها عن مثيلاتها الاستعمارية والصهيونية. وهذا ما يقوم الباحث
بتفصيله في المقطع الثاني من الفصل. وفي المقطع الثاني الذي يحمل عنوان: (نهاية
صلاحية الدولة الدينية التوسعية) يبرهن على رفض الحركة القومية لقيام دولة دينية.
ويعيدها إلى أربعة أسباب:
-الأولى: في
عصر مبادئ حرية الشعوب بتقرير مصيرها، تستحيل العودة إلى مرحلة الدولة الدينية
المفتوحة الحدود.
-والثانية:
واستحالة الاتفاق على مفاهيم المقدَّس عند العشرات من الأديان والفرق المتفرعة
عنها.
-والثالثة:
مفاهيم التكفير، وثنائية المؤمن والكافر، تؤدي إلى اقتال دائم بين رعايا الدولة
الواحدة.
-الرابعة،
التباس مبادئ الانتماء والولاء إلى دين أو مذهب، أو الانتماء والولاء إلى الدولة
الوطنية.
ويُنهي الباحث
هذا المقطع إلى استحالة العودة إلى عصر الدول الدينية. ليبدأ بإعطاء البديل في
المقطع الثالث المعنون: لماذا نراهن على صلاحية الدولة القومية؟
يبدأ الباحث
بالتأكيد على أن النظام السياسي القومي في أوروبا حقق للمجتمعات الأوروبية ثلاثة
مكاسب، وهي:
-الأول:
استقلال سياسي واقتصادي يعيدان صياغة أسس جديدة لمجتمع متجانس قومياً، يوظف
إمكانياته وثرواته لمصلحة المجتمع القومي نفسه.
-الثاني:
استقلال
فكري غير محكوم بدوغمائية دينية متسلطة بمقدسات لا تبيح حرية الفكر، سلطة دينية
طالما لاحقت وحاكمت وأحرقت العلماء والفلاسفة.
الثالث:
وفَّرت عوامل الاستقرار والحوار بين قوميات أوروبا.
وبعيداً عن
النزعات الاستعمارية التي سادت المجتمعات الأوروبية، كان من المؤكد أن بناء
الأنظمة القومية، دفعت شعوب أوروبا إلى بناء نفسها، بناء نهضوياً حديثاً.
وبعد أن يقوم
بتفصيل مسهب لفضائل قيام نظام قومي عربي وانعكاساته الإيجابية على كل الأقطار
العربية، ومن خلال هذه الرؤية، وبناء على نتائجها، ينهي الباحث هذا الفصل، بالمقطع
الرابع، وخاتمة الفصل، تحت عنوان (رؤيتنا للمستقبل مشرقة، وكيف يمكننا منع النظرية
القومية من أن تتحول إلى أصولية أخرى؟).
يعالج الباحث في
هذا المقطع، مميزات نظام الدولة المدنية، تحت العناوين التالية:
1-ثوابتنا وطنية
وقومية، لا ثوابت دينية ومذهبية:
2-ثوابتنا
تكاملية بين أبناء الوطن الواحد، وإنسانية بين قوميات العالم:
أ-الثوابت على
صعيد الأنظمة القومية
ب-المضمون
السيادي للقومية:
ج-المضمون
العلائقي في المجتمع القومي:
-المضمون الطبقي
القومي منع استغلال طبقة لطبقة أخرى:
-المضمون الروحي
القومي التزام وليس إلزاماً:
د-ثوابت إنسانية
في العلاقة بين القوميات:
-المضمون
الإنساني للقومية عولمة قيمية:
-مضمون تنظيم العلاقات
بين التنوعات الثقافية العالمية
ويختم الباحث
الفصل السادس بخاتمة تحمل العنوان: (الشعور القومي ليس نزعة رومانسية).