استقلال لبنان 2020
عيد مقاعده خالية من المحتفلين
يحتفل اللبنانيون في هذا العام بعيد استقلالهم من الانتداب الفرنسي، بما كان يعنيه عيد استقلال يُدخل البهجة في قلوبهم، ويحيي الآمال في نفوسهم ببناء لبنان لا يكون ممراً للاستعمار وممنوع فيه أن يكون له مستقراً,. وإذا كانوا سيحتفلون هذا العام فإنما يتآكلهم الخوف من كثرة من يمرون منه، ومن كثرة من يستقرون على أرضه، إلى الدرجة التي ضاق الخناق فيه على صدورهم حتى وصلوا من كثرة المارين والمستقرين إلى وضعهم في قلب مآوي الفقر، وحوانيت المرض، وشوارع التسول، والتفتيش في حاويات القمامة عما تركه لهم أغنياء السلطة من فضلات.
لا يظهر أن اللبنانيين سيحتفلون بعيد الاستقلال
لأنه ليس عيدهم، بل هو عيد الذين قيدوه في لوائح القوى الخارجية التي تقدمه ذبيحة
لمصالحهم ومصالح الأحزاب التي تأتمر بأوامرهم لقاء أجر يُنعمون بالقليل منه على
أنصارهم يضمنون بها لقمة من العيش تكاد لا تشبع أمعاءهم في الوقت الذي يتضوَّر فيه
جار لهم، أو أخ أو أخت رفضوا أن يأكلوا من سحت استجداه أمراؤهم من الخارج.
لن
يحتفل اللبنانيون بعيد استقلالهم هذا العام، لأنه ليس استقلالاً، بل هو عقد وقَّعه
أمراء الطوائف مع أمرائهم في الخارج. وراحوا يتبارون حول من يستطيع الحصول على
(السحت الحرام) من أمراء الخارج المجبول بالعبودية والرقيق. وبدلاً من قيد مندوب
سامي واحد أصبح في لبنان مندوبين ساميين بعدد طوائفه. وبدلاً من أم حنون واحدة
أصبح لكل طائفة أماً حنونة.
في
لبنان قبل الاستقلال كان للبنان مندوب يتكلم الفرنسية. وبعد الاستقلال استوردت كل
طائفة مندوباً سامياً لها، البعض منهم يتكلم الفرنسية، والثاني يتكلم الإنكليزية،
والثالث يتكلم بلكنة عربية، والرابع يتكلم التركية، والخامس يتكلم الفارسية...وكاد
لبنان أن يتحول إلى مشهد سوريالي لتعدد القوى التي تصادر القرار الوطني المستقل.
في
ظل هذا الواقع السوريالي، باع أمراء الطوائف الوطن من أجل ما يزعمون أنه حماية
طوائفهم، فخسروا الوطن ولم تربح الطوائف شيئاً. لقد ضاع الوطن وتقاسمته القوى
الخارجية واستقرت على أرضه جهاراً نهارا. وأمراء الطوائف سرقوا الوطن لملء جيوبهم
وخدمة أنصارهم، وبقي القسم الأكبر من كل الطوائف جائعاً منهوكاً مريضاً، يفتش
البعض منهم عن لقمة خبز في حاويات القمامة.
ولحرص
المؤسسات الدينية على استمرار العلاقة مع أمراء الطوائف خدمة لمصالحها، فقد حمت
سرقاتهم بالقول إنها رزق من الله أغدقها على أغنياء السلطة من غير حساب، وتناسوا
أنه ما أصاب امرؤ من ثروة إلاَّ وكان من أموال الفقراء، والكادحين وصغار الكسبة
والعمال والفلاحين، ومن عائدات الضرائب على شتى أنواعها. فأكلوها وأكلت معهم
المؤسسات الدينية من دون حساب.
ومن
يريد من تلك المؤسسات أن يبرئ نفسه فليفقأ في عين الشعب حصرمة وينشر خطاباً دافع
فيه رجل دين عن الفقراء، وحثَّ فيه رجل سياسة على أن يرد ما نهبه من أموال
الفقراء. أو على الأقل أن يُنهيه عن استكمال مشاركته في الفساد، وفي أضعف الإيمان
أن يبرر سكوته عن فساد أمراء السلطة، وغير ذلك فإن الفاسد والساكت عنه يُبحران في
قارب واحد.
واختصاراً،
إن
الشعب اللبناني لن يشارك بالاحتفال بعيد استقلال أتخمه وارثوه بالأوزار والخطايا
الشيء الذي لا يُحصى ولا يُعدّ. فقد ارتكبوا جريمتين كبريين، وهما:
-الأولى: أنهم شوَّهوا
معنى الاستقلال وفسروه بأنه استغلال الشطار لكدح الكادحين، وعرق العمال والفلاحين.
فاستقلوا بقرارهم في النهب والفساد، ونهشوا في لحم اللبنانيين ولم يتركوا حتى
العضم الذي عرقوه، كما تعرق النمل العضام.
-الثانية أنهم نقلوا
لبنان من دلف انتداب واحد إلى مزاريب انتدابات متعددة الجنسيات. ولذلك ضاع لبنان
2020 بين معارك الآخرين وتصفية حساباتهم على أرضه. فازداد اللبنانيون جوعاً على
جوع، ومرضاً على مرض، وحاجة على فاقة...
والأدهى
من كل ذلك، ينتظر اللبنانيون عام الـ 2021، بخوف على خوف، بينما أمراء السلطة
أفاقوا واستفاقوا كأهل الكهف يمسكون بتلابيب نظام طائفي سياسي أكل التاريخ عليه
وشرب، وهم الآن لا يبصرون أسمال الفقراء، ولا يسمعون أنين المرضى، ويسكتون عن آلاف
الجرائم التي ارتكبوها.
واستنتاجاً،
والحال
على هذا المنوال، لم يبق أمام الشعب المغلوب، إلاً أن يملأوا الشوارع لإقفال
بوابات الهروب أمام الفاسدين واللصوص. ولعلَّ الشعب بذلك يؤسس لاحتفالات استقلال
حقيقية في العام القادم، على أن يكون استقلالاً جميلاً خالياً من أمراء للطوائف.
وإذا كانت الدنيا لا تؤخذ بالتمنى فإن غلاب الشعب هو الحل الأمثل، والأقرب إلى
الواقع. اللهم إذا ظل مؤيدو أحزاب السلطة سادرين في سكوتهم وصمتهم، فعلى الأقلية
أن تحتفظ بحقها في متابعة النضال والكشف عن الفساد وملاحقة اللصوص أينما حلوا
وأينما رحلوا أو عملوا على تخليص رؤوسهم من القطع.