في مواجهة التطبيع الرسمي مع العدو الصهيوني
يبقى الرفض الشعبي هو السلاح الأقوى
تمهيد:
لم نتوهَّم
يوماً أن النظام العربي الرسمي يضع من بين أهدافه وحدة العرب السياسية، وذلك على
الرغم من أنهم يدركون أن (قوة العرب في وحدتهم). كما لم نتوهَّم يوماً أن مواجهة
العدو الصهيوني يمكن أن تكون عبر التوازن في القوى العسكرية النظامية لأن الدول
التي تملك السلاح لن تسمح للعرب بأن يصلوا إلى مرحلة التوازن تلك.
طالما أن هدف
الأنظمة الرسمية العربية المحافظة على السلطة لتنمية أرباح حكامها وتكديس الثروات
في خزائنهم دون النظر إلى مصلحة المجتمعات التي تحكمها. وهو منهج رأسمالي أكثر توحشاَ
من المنهج الرأسمالي السائد لأن الرأسمالية التقليدية تضمن حرية الأفراد
الاقتصادية ولكنها في الوقت ذاته تعمل على ضمان مطالب شعوبها.
وطالما هدف
الرأسمالية العالمية السطو على ثروات الشعوب الأخرى، وطالما تدير الصهيونية حكومات
خفية في العالم بقوة رأسمالها، فإنها سوف تحافظ على التفوق العسكري للعدو الصهيوني
من جهة، وأن تضمن بقاء الدول العربية ضعيفة تحتاج إلى حمايتها.
هذا الواقع هو
ما خططت له الرأسمالية في مؤتمر كامبل بانرمان في العام 1905، ومن أهم أهدافه
الاستراتيجة أن تمنع العرب من إقامة وحدة سياسية بعد تقويض الإمبراطورية العثمانية
في الحرب العالمية الأولى، فقد وافقت بناء لطلب من الصهيونية العالمية إعطاء ما
أطلقوا عليه (وطن قومي لليهود) في فلسطين، خاصة أنه يتميز بعاملين اثنين: صداقته
للغرب، وعداؤه للعرب.
في المعادلة
التاريخية بين رأسمالية الأنظمة العربية الرسمية المتخلفة، ورأسمالية الصهيونية
المتوحِّشة وحلفائها من الدول الغربية، نستطيع أن نفسِّر الأسباب التي أدَّت إلى
إعلان التطبيع الرسمي بين الإمارات العربية المتحدة ودولة البحرين من جهة، مع
العدو الصهيوني من جهة أخرى.
ولأن بقاء هذه
الأنظمة حاكمة، سواءٌ منها تلك التي أعلنت التطبيع أو التي لم تعلنه حتى الآن، يصب
في مصلحة الصهيونية العالمية والرأسمالية الدولية. ولأن هذه المعادلة تضمن مصلحة
الطرفين، يبقى الشعب العربي هو المتضرر من اتفاقيات التطبيع لأن الثروات التي يجب أن
تُصرف في سبيله، يتقاسمه فريقان: فريق نظامي رسمي، وفريق أجنبي رأسمالي صهيوني.
وهذا ما يدفعنا إلى رؤية خطورة المشهد الراهن من زاوية شعبية، وليس من زاوية
الرؤية القاصرة التي تعالج فيها تلك الأنظمة خطورة ما يجري وما يُحاك من مخططات
التطبيع.
-أولاً: فلسطين
قضية قومية عربية:
كانت قضية
فلسطين في مخطط مؤتمر كامبل بانرمان، محطة مفصلية في بداية التاريخ العربي الحديث
والمعاصر، ليس لكونها قضية توراتية يهودية فحسب، بل أيضاً لأنها قضية استعمارية
يُراد منها فصل الجزء الآسيوي للوطن العربي عن الجزء الأفريقي من أجل تسهيل
السيطرة على الوطن العربي بكامله. وهذا بحد ذاته هدف استراتيجي ينال من حقوق الشعب
العربي في ثرواته بكل أقطار الأمة العربية. ولهذا اعتبرت الحركة الثورية القومية
العربية قضية فلسطين قضية مركزية. واعتبارها قضية قومية مركزية فلأن المقصود منها
ليس احتلال أرض فلسطين واقتلاع الفلسطينيين من أرضهم فحسب، بل المقصود أن يكون
احتلال فلسطين الخطوة الأولى في المشروع الصهيوني الذي اتَّخذ من فلسطين ذريعة
توراتية، تحت شعار (أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل)، لتنفيذ مشروع رأسمالي
يحكم العالم بقطبية صهيونية واحدة.
فالقضية
الفلسطينية ليست قضية حقوق الإنسان الفلسطيني بقدر ما هي قضية الحق العربي في
الدفاع عن نفسه لإحباط أكبر مشروع استيطاني يهدف إلى احتلال الهلال الخصيب من
الوطن العربي، الذي يشمل فلسطين ولبنان وسورية والأردن والعراق، وصولاً إلى أرض
النيل. ففلسطين هي البداية حيث لن تتوقف أطماع المشروع الرأسمالي عند حدودها، بل
على طريق الخطوة خطوة ستمتد لتضم كل المساحة الجغرافية المحددة في أهداف الصهيونية
العالمية.
من هذه الحقيقة
تبدو خطورة المشروع واضحة لكي تنبِّه الغارقين في أحلام الحركات الإسلامية
السياسية في بناء دولة دينية، والغارقين في أحلام بناء دول قطرية تعمل على النأي
بنفسها عن الصراع العربي – الصهيوني بحجة
حماية أنفسها. وكذلك الغارقين بأوهام اعتبار القضية الفلسطينية مجرد قضية من قضايا
حقوق الإنسان.
إن قضية فلسطين
ليست قضية صراع (فلسطيني – إسرائيلي)، بل
هي قضية وجودية تنال بخطورتها كل المكونات الدينية والطائفية والقطرية في الوطن
العربي. تأتي خطورة المشروع من أنه مشروع استراتيجي مفتوح أمام أهداف التوسع إلى
أي جزء من أجزاء الأمة العربية. ولهذا يصبح قضية أمة عربية بأكملها، إذ أنه عندما
يكتمل بناء المشروع سوف يصبح قضية الأردن ولبنان وسورية والعراق ومصر. ومنه لن
تتوقف عجلته بل تمتد لتشمل الوطن العربي بأكمله وسوف يتحول إلى أرض وشعب مسلوبان
السيادة على ثرواتها، وعلى قرارتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية. وتشمل
خطورته كل هذه القضايا، خاصة أن الاستراتيجية الصهيونية ليست توراتية فحسب لبناء
دولة دينية يهودية، بل هي مسألة تعمل من أجل الاستيلاء على ثروات العالم، وفي
المقدمة منها ثروات الوطن العربي.
-ثانياً: مقاومة
التطبيع مهمة نضالية شعبية عربية:
ولأن الأنظمة
الرسمية بقصور منابتها الفكرية وضعف شعورها بالوطنية وانتماءاتها القومية، حصرت
اهتماماتها بحماية نفسها وثروات المشاركين فيها. ولأن خطورة المشروع تتخطى الشعب
الفلسطيني لتصل إلى الشعب العربي، وتتخطى الأرض الفلسطينية لتصل إلى الأرض
العربية. ولأن الشعب العربي هو المتضرر من مناهج الأنظمة العربية الرسمية خاصة
بتحالفها مع القوى الاستعمارية، وأخيراً تطبيعها مع المشروع الصهيوني. لكل ذلك
نعتبر أن مقاومة التطبيع مهمة شعبية عربية بامتياز.
مقاومة التطبيع:
وظائفها وآلياتها:
ليست مقاومة
التطبيع شعبياً مهمة نظرية فحسب، بل لها قواعدها وأسبابها الواقعية والملموسة التي
يجب أن تلامس مدارك كل المستويات الثقافية للمجتمع العربي، وبالأخص منها المستويات
الشعبية. ولكي نترجمها إلى حالة ثقافية ، تقع على عاتق أحزاب وقوى وتيارات حركة
التحرر العربي مسؤولية صياغة أسس لثقافة شعبية تختص بإبراز مخاطر التطبيع على
المصالح الشعبية استناداً إلى مخاطر المشروع الرأسمالي الغربي – الصهيوني. وفي هذا الإطار سنبرز بعض
الجوانب، ومن أهمها ما يلي:
1-خطورة بناء
دولة دينية يهودية:
إن بناء دولة
دينية يهودية، وهذا ما وافق عليه (الكنيست الإسرائلي) منذ سنوات قليلة باعتبار
(الدولة الإسرائيلية) تقوم على أيديولوجية قومية يهودية، يعني الاعتراف ببناء دولة
دينية تعمل على تطبيق المبدأ التوراتي الذي ينص على أن اليهود هم (شعب الله
المختار). هذا المبدأ الذي يمتلك، كما يزعم، حقاً إلهياً، بقيادة شعوب الأرض
الأخرى.
ومصدر الخطورة
في هذا المبدأ أنه يمتلك الحق بنسخ كل ديانة سماوية أخرى، وبالأخص منها الديانة
المسيحية، التي تعتبر تعاليمها متناقضة مع المصلحة اليهودية. والبرهان على ذلك كان
منذ أن وافق اليهود، في العصر الروماني، على التضحية بالمسيح من أجل حماية مصالح
اليهود من غضب الرومان. ولولا موافقتهم لما كان الإمبراطور الروماني قد وافق على
الحكم بموته صلباً.
وإنه باستثناء
جماعة اليمين المسيحي المتطرف، المنتشرة في أميركا بشكل رئيسي، أي الجماعة التي تؤمن
بالتمهيد لمعركة هرمجدون على أرض فلسطين، أي المعركة الأخيرة بين الخير والشر، فإن
إعادة صلب المسيحيين كلهم أمر وارد مرة أخرى في التاريخ، وسوف يحصل ذلك عندما
تكتمل فصول إعادة بناء هيكل داوود تمهيداً لاستعادة النواة الأولى للأرض المقدسة
التي رُمز لها بشعار توَّج بوابة (الكنيست الإسرائلي): (أرضك يا إسرائيل من الفرات
إلى النيل).
ماذا تعني
الانتهاء من تلك المرحلة؟
منذ اللحظة
التي يحقق فيها العدو الصهيوني تلك المرحلة ستبدأ مرحلة اجتثاث المسيحية، وسوف
يليها مرحلة اجتثاث الإسلام. وهذا كله يعني بداية حروب مقدَّسة ملوثَّة بالدماء لن
تنتهي إلاَّ بتحقيق الحلم التوراتي والذي ينص على سيادة (شعب الله المختار) على
العالم كله.
إن تطبيق
التطبيع الرسمي للعدو الصهيوني مع بعض الأنظمة الرسمية العربية، تحت حجة نشر
السلام، ليس هو بأقل من أكذوبة يستخدمها الصهاينة من أجل تذليل العقبات أمام تنفيذ
مشروعهم الخطير. وهو وإن استطاع أن يخدع بعض تلك الأنظمة، وهو قادر على خداع القسم
الآخر منها، فلأن تلك الأنظمة لا ترى القضايا سوى بعين المحافظة على أموالها، هذا
في الوقت الذي عليها أن تدرك فيه أن أموالها ستتحول إلى إهراءات الهيكل اليهودي
عاجلاً أكان أم آجلا.
2-الأيديولوجيا
الصهيونية عنصرية دينية متزمتة:
ليست الصهيونية
سوى طبعة حديثة لليهودية، ولأن اليهودية تأمر بقتل حتى الأب أو الأخ أو غيرهما...
إذا دعا إلى دين آخر غير الديانة اليهودية، كما تنص التوراة، فهي لن تكون على حياد
بين الاعتقاد اليهودي وغيره من الاعتقادات بأديان أخرى. وهي لن تؤمن، كما آمن
السيد المسيح، (أن من ضربك على خدك الأيمن فدر له الأيسر). وكما دعا القرآن الكريم
المسلمين بـ(أنكم كنتم خير أمة أُخرجت للناس)، بل ستقابل الدولة التوراتية كل تلك
الدعوات بـ(أن تقتلهم قتلاً)، وإذا دخلت أرضهم، فعليها أن تقتل الأطفال وتبقر بطون
الحبالى وتحرق الزرع وتهدم الحجر.
لن ينج أحد من
شرور العنصرية الصهيونية، التي تحصِّن نفسها بنصوص توراتية تعتبرها نصوصاَ مقدسة.
وإن من يعمل على التطبيع مع الكيان الصهيوني العنصري، هو كمن يساعد على تقريب
أهدافه ويجعلها سهلة المنال. وهو بدلاً من أنه يتخيَّل بأن التطبيع سيحميه، فإنه
يوقِّع على قرار إعدامه بمحض اختياره.
إن هذه الحقيقة
لن تكون بتأسيس دول دينية مسيحية أو إسلامية لمقاومة الدعوة الصهيونية، كما تحث
على ذلك الحركات الدينية السياسية، إسلامية أو مسيحية؛ بل إن الحلول لا بُدَّ من
أن تكون بتأسيس دول مدنية تحترم حرية الاعتقاد وتحميها. وإنها بغير ذلك فإنها تعمل
على بناء دول تحمل فيروسات القتال المقدس، الذي ستصب نتائجه لمصلحة من يملك المال
والسلاح، ومن يملكهما هي الصهيونبة العالمية من دون منافس. وهيهات أن تحصل الحركات
الدينية الأخرى على مثل تلك النتائج.
3-الأيديولوجيا
الصهيونية رأسمالية متوحِّشة:
لقد طبَّقت
اليهودية مبدأ (الاقتصاد محرك للتاريخ) منذ البداية. وكدَّس اليهود، قبل ظهور
الحركة الصهيونية العالمية، الأموال بشتى الوسائل. وكان جشعهم قد انفلت من أية
قيود أخلاقية، وذلك باستخدام الربى الفاحش. وكان لتأثير استخدام اليهود الوسائل
اللاأخلاقية في تجميع الأموال في المجتمع الأوروبي ردتان من الفعل:
-الأولى: كراهية اليهود
كرهاً وصل إلى حدود العنصرية. وكان من أهم تأثيراتها العمل على الخلاص منهم
بمساعدتهم على تأسيس نظام سياسي في المنطقة العربية، وعلى أرض فلسطين.
-الثانية: الرضوخ إلى
الإرادة الصهيونية تحت تأثير قوة رساميلهم. ولهذا مثَّل الصهيونية في مؤتمر كامبل
بانرمان أحد أعضائها، فكان له مقعد جنباً إلى جنب ممثلي الدول الأوروبية.
وأما بالنسبة
للأولى، فقد عبَّر عنها شكسبير، الشاعر الإنكليزي، بمسرحيته الشهيرة (تاجر البندقية)،
عندما صوَّر (تشيلوك) المرابي اليهودي في مدينة البندقية في إيطاليا، بأبشع صور
الوحشية، وذلك بعرضه لمشهد تقديمه بدعوى ضد مواطنه (أنطونيو) الذي عجز عن سداد دين
له كان قد استلفه من تشيلوك نفسه. ولما عجز عن السداد طلب تشيلوك من القاضي اقتطاع
كيلو غرام من لحم أنطونيو بدلاً من المبلغ المدين.
وأما بالنسبة
للثانية، فقد خضع العالم الأوروبي، قبل الحرب العالمية الأولى، لطلب مندوب
الصهيونية الذي حضر مؤتمر كامبل بانرمان (1905 – 1907)، بإقامة دولة يهودية على أرض فلسطين لتكون
حاجزاً يمنع التقاء الجزئين الآسيوي والأفريقي من الوطن العربي، حيث جاء في
المقررات أن إعطاء هذا الوعد يضمن لتلك الدول وجود شعب يهودي في فلسطين يكون
صديقاً للغرب، وعدواً للعرب.
فإلى من طبَّع
من الأنظمة الرسمية، ومن هو آت على التطبيع في المستقبل، عليهم أن يدركوا بأن
التطبيع مع (عدو للعرب) تصرف غير مسؤول، وإنه ليس تطبيعاً من (أجل السلام)، بل هو
توقيع على المزيد من الحروب التي لن ينجو منها أحد منهم. وسيكون أولها قطف رؤوس
أولئك المسؤولين عن تلك الأنظمة، وتوقيع على أنهم يقبلون بقيود الاستعباد
الصهيوني.
إذا
كانت مشهدية المسؤولين المطبعين على صورتين: صورة العبيد الذين يخدمون في بلاط
الإمبراطورية الصهيونية على هذا المثال، فكيف ستكون عليه مشهدية الشعب العربي؟
إنها بلا شك سيكونون بمثابة عبيد يخدمون عبيداً.
4-الإيديولوجيا الصهيونية نقيض للأيديولوجيات الدينية الأخرى،
ونقيض للأيديولوجيات الوضعية التي تنشد العدالة الاجتماعية:
كما
تبرهن الحقائق أعلاه، وإذا قُيِّض للأيديولوجيا الصهيونية أن تحقق حلمها، ستضع
نفسها أمام تناقضات لامتناهية مع الأيديولوجيات البشرية كلها. سواءٌ أكانت منها
الدينية أم كانت الوضعية.
-على صعيد الأيديولوجيات الدينية: إن مبدأ (شعب الله المختار)،
كما تنص عليه التوراة، لا يمكنه العيش في ظل تعددية دينية. وما على الدول الدينية
الأخرى سوى حل من اثنين لا ثالث لهما، الرضوخ للشعب اليهودي بقوة (الأمر بالقتل)
الذي تؤمن به الديانة اليهودية، أو الغرق بحروب مقدِّسة لن تنتهي. وغالباً ما ستكون
النتائج لمصلحة (شعب الله المختار) لأنه يمتلك سلاحيْ المال والآلة العسكرية.
ولذلك
يُعتبر النداء موجهاً للحركات الدينية المسيحية والإسلامية بالإقلاع عن أوهامها
التي تزعم أنها (إلهية) أيضاً، لسحب الذرائع التي تتلطى بها اليهودية – الصهيونية لإعادة بناء هيكل سليمان لإعادة
ما تزعم أنها حقوق تاريخية لليهود في فرض السيادة على العالم. ولأنها بغير ذلك،
ستوفِّر الذرائع لتدعيم أهداف الأيديولوجيا الصهيوينة. ولن ينتزع تلك الشرعية
المزعومة سوى الدعوة لقيام أنظمة مدنية تضمن حرية الاعتقاد الديني وتحميها.
-على صعيد الأيديولوجيات الوضعية: إن المخطط اليهودي
التاريخي كان يعمل على مراكمة الرأسمال اليهودي بشتى الوسائل والطرق، من دون رادع
أخلاقي أو إنساني، إلى الدرجة التي نعتقد بها أن المنهج اليهودي في تكديس الرساميل
كان مبنياً على أن من يملك المال يملك العالم، أي إن الاقتصاد (محرك للتاريخ) ومن
يملكه يسيطر على العالم. وليس من المستغرب أن يكون المنهج الرأسمالي ابتكار يهودي
بامتياز. وبسبب سيادة هذا المنهج سيكون خصماً شرساً في مواجهة المناهج الاقتصادية
الأخرى، وخاصة المناهج الاشتراكية، وما يستتبعها من فصائل تنادي بالعدالة
الاجتماعية والمساواة السياسية.
إن
وظيفة امتلاك الرأسمال، حسب المنهج اليهودي، لن تكون لمصلحة غير اليهود، فالله (الذي
اختار شعباً) فلكي يكون سيداً وليس عبداً أما من كان غير يهودي فعليه أن يكون
عبداً للشعب المختار. فوظيفة الرأسمال بالمفهوم اليهودي، أكثر قسوة من المفهوم
الرأسمالي التقليدي الذي يعمل على مساواة كل المواطنين بالحقوق الاقتصادية
والاحتماعية والسياسية. ولذلك تتمثل الخطورة في أن المفهوم الرأسمالي اليهودي أشد
وحشية من المفهوم الرأسمالي التقليدي.
من كل هذه المقدمات نعتبر أن مقاومة التطبيع مع
العدو الصهيوني هو مهمة إنسانية شمولية، لأن المشروع الصهيوني يستهدف العالم
بأسره، بأديانه وأعراقه، بمناهجه الدينية والوضعية. ولكن لأن مهمتنا قومية عربية
سنخصص العرب والمسلمين بنتائج هذه الدراسة.
-ثالثاً: وسائل المواجهة الشعبية لمشاريع التطبيع:
إذا
كان الوجه النظري واضحاً أمام الشعب العربي، فإن تحديد وسائله والعمل على تنفيذها
هو الوجه الآخر، المكمِّل، ولهذا نرى ما يلي:
1-المقاومة الإعلامية:
بداية،
ومن أجل تعميم ثقافة رفض التطبيع على المستوى الشعبي، هناك العديد من الوسائل،
تبدأ بوسائل التواصل الاجتماعي، كأبسط وسائل الإعلام المتاحة، وتمر بالبوسترات،
والمقالات، ونقل أخبار جرائم العدو الصهيوني، والكشف عن أكاذيب الدول الاستعمارية،
وغيرها، الكثير من الوسائل والقواعد. وربما استحداث صفحات خاصة لمخاطر التطبيع،
وكل ما يتفتق عنها من وسائل أخرى، خاصة من قبل من هو مختص بإعلام وسائل التواصل
الاجتماعي....
2-المقاومة الشعبية السلمية:
باعتبار
القضية الفلسطينية قضية عربية قومية، مركزيتها الساحة الفلسطينية، يمكن تحديد
المهمات وتوزيعها على مستويين: فلسطيني وقومي عربي.
أ-على المستوى الفلسطيني: في الأرض المحتلة، وفي الشتات:
كل
ما سوف نقوم بتحديده أو الإضاءة عليه، يتعلَّق بعامل أساسي واحد، وهو وحدة القوى
السياسية على الأرض المحتلة، أو ما تُسمى بمنطقة الحكم الذاتي. ولكن ما تجب
الإشارة إليه هو أن الشقاق الواقع بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ضاعت فيها القضية
الفلسطينية الأم، وراح الإعلام يُروِّج، بحسن نية أو بسوئها، باستخدام مصطلحات
تفتيتية تارة (قطاع غزة)، وتارة أخرى (الضفة الغربية)، بدلاً من استخدام (القضية
الفلسطينية) كمصطلح جامع وذي دلالة وطنية. وعن ذلك ندعو القيادات الفلسطينية
المعنية إلى الاتفاق لرفع اللًبس عن استخدام تلك المصطلحات.
-على مستوى الأرض المحتلة: وخاصة في الضفة الغربية وغزة.
بالإضافة
إلى حركة الانتفاضات الشعبية، ولأن ما أنجزته الانتفاضات المتواصلة منذ الثمانينيات
من القرن الماضي وصولاً إلى هذه اللحظة، نعتبر أن الشعب الفلسطيني خلاَّق في
ابتكار الوسائل والأساليب. ولأننا نعتبر أن تلك الساحة أساسية لأنها تجذب اهتمام
وسائل الإعلام الدولي، كما تجذب اهتمام الحركات المدنية والإنسانية، نعتبر كذلك أن
تجربة الفلسطينيين غنية، وعليهم أن لا يغفلوا أهمية دورهم ومركزيته، واعتبار أي
دعم شعبي عربي أو دولي له علاقة كبيرة يخدمها عوامل الإدامة والاستمرار والتجديد
في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة.
-على مستوى الوجود الفلسطيني في الشتات:
حيثما
تسمح الظروف، على شتى الفصائل الفلسطينية، أن تعتمد الإعلام الموحد المباشر في نشر
ما يساعد على الكشف عن مخاطر التطبيع، هذا إضافة إلى استخدام شتى وسائل التحركات
من تظاهرات واعتصامات، وندوات، ومحاضرات من أجل منع التعتيم على الحقائق مما قمنا
بتحديده في بداية هذه الدراسة.
بـ-على المستوى القومي العربي:
عود
على إعادة التذكير باعتبار القضية الفلسطينية قضية قومية عربية مركزية، لا يسعنا
سوى إلقاء عبء مسؤولية ترجمة هذا المبدأ الاستراتيجي إلى حركة نضالية شعبية عربية
في مواجهة مشاريع التطبيع الرسمي. ومن أجل توسيع بوابات ثقافة الرفض الشعبية. ومن
دون الخوض في تفاصيلها لأن أطراف حركة التحرر العربية لها تجاربها وأفكارها
الخلاَّقة. ولكن ما نتمناه هو إعادة تفعيل تلك الوسائل وهو أضعف الإيمان.
-رابعاً:
من
نتائج الدراسة:
نختم دراستنا بالقول: إذهبوا بتواقيعكم الرسمية
ظناً منكم أنكم ستحمون ثرواتكم من المرابين الصهاينة الأكثر وحشية في التاريخ.
ولكنكم لن تنالوا بتوقيعكم سوى الرفض الشعبي، لأن الشعب العربي، إضافة إلى الرفض
الشعبي العالمي، يحمون كرامتهم من العبودية للرأسمال الصهيوني، ويعملون على خلاص
دولهم من العبودية للصهيونية. وحتى لا تُتَّهم دراستنا بالتحريضة الخالية من
المضمون الموضوعي، نضع أمام الرأي العام الفلسطيني والعربي، بشكل خاص، الأسئلة
التالية:
-ألم تتساءل الأنظمة الرسمية العربية: ماذا
ستجني من الاتفاقيات الجديدة؟ وإذا لم يدركوا مآلات من سبقهم بالتوقيع عليهم أن
يضعوا نصب أعينهم الإجابة على التساؤلات التالية:
-هل
توجهوا إلى النظام المصري بالسؤال: ماذا جنى الشعب المصري من اتفاقية كامب ديفيد؟
وهل يجهلون أن السادات عندما قام بتوقيعها كان يريد توفير نفقات الحرب عن كاهل
الشعب المصري؟ وإذا كانوا يجهلون تلك النتائج فليسألوا (القطط السمان المصرية)، في
عهد حسني مبارك، كم جنى الشعب المصري من فوائد؟
-هل
توجهوا إلى النظام الأردني بسؤال: ماذا جنى الشعب العربي في الأردن من فوائد اتفاق
وادي عربة؟ وإذا كانوا يجهلون تلك النتائج فليسألوا: هل الاقتصاد الأردني نجا من
كوارث اهتزازه في أية لحظة؟
-هل
توجهوا بالسؤال إلى السلطة الفلسطينية: ماذا جنى الشعب العربي الفلسطيني من فوائد
اتفاق أوسلو؟ وإذا كانوا يجهلون ذلك، فليسألوا السلطة: كم بقي من بنود من تلك
الاتفاقية لم تسط عليه أكاذيب العدو الصهيوني الذي وعده الفلسطينيين بالسلام؟
وأخيراً،
وإذا
كان تشيلوك اليهودي قد طالب باقتطاع كيلو غرام من لحم أنطونيو الإيطالي لأنه عجز
عن سداد دينه، فكم ستقتطع الصهيونية العالمية من ملايين الأطنان من لحم الشعب
العربي لسداد الديون التي تسلِّفها صناديق النقد الدولية لأنظمتهم الرسمية؟
وأما
الحل في مواجهة التطبيع الرسمي فسوف يكون بالرفض الشعبي الذي هو السلاح الأقوى في
مواجهة التطبيع من جهة، ومواجهة المشروع الصهيوني – الاستعماري الخبيث من جهة أخرى.