مفاهيم شاذة في معاجم أنظمة الطائفية السياسية (المفهوم الأول)
-المفهوم
الأول: الوحدة الوطنية في مفهوم أحزاب الطائفية السياسية:
تمهيد للملف
تؤكد كل دساتير العالم على أن وحدة الأرض والشعب من
أساسيات بناء الدولة العصرية. وعلى كل مواطن أو مجموعة واجب المحافظة عليها، والدفاع
عنها. وخلافاً لهذا المبدأ نجد في نظام الطائفية السياسية في لبنان، وكذلك في
العراق ما بعد الاحتلال، مفاهيم شاذة لا علاقة لها ببناء وطني سليم.
ومن أجل الكشف عن تلك المفاهيم، سنفتتح ملفنا هذا
بالنظر ببعض ما استطعنا التقاط فكرته من تلك المفاهيم التي تتناسب مع مصالح أحزاب
الطائفية السياسية ولكنها تتناقض تماماً مع مصلحة الوطن ولذلك اعتبرناها شاذة. وهي
شاذة فعلاً لأن لكل طائفة من طوائفه مفاهيمها الخاصة حنى ولو تناقضت مع المفاهيم
الوطنية.
ولكي نحيط بها كلها لتشكل ثقافة موحَّدة للوطنيين
من الرافضين لنظام الطائفية السياسية، نعتبر هذا الملف مفتوحاً أمام كل من يلتقط
فكرة حول مفهوم شاذ منها، ولذلك ندعو الأحزاب الوطنية، والكتاب والمثقفين
والمفكرين في لبنان من أجل الإسهام في هذه الورشة وذلك من أجل الكشف عن واقع أحزاب
النظام الطائفي السياسي ومفاهيمه الشاذة التي يعمل كل حزب منها على تثبيتها على
حساب وحدة الثقافة الوطنية.
-المفهوم الأول: الوحدة
الوطنية في مفهوم أحزاب الطائفية السياسية:
من أهم مفاهيم الدولة الحديثة أن ينقسم المواطنون
إلى فئتين: فئة حاكمة، وفئة معارضة. تلك معادلة تفرضها الأعراف والقواعد
الديموقراطية. تتسلم الحكم فيه أكثرية نيابية حازت على أكثرية المقاعد في المجلس
النيابي. ولها وحدها صلاحية الحكم في شؤون الدولة الداخلية والخارجية. ويكون من
صلاحية المعارضة أن تراقب وتعلن رأيها في كل ما يصدر عن الحكومة من قرارات. ولا
تُسمى أية حكومة بأنها (حكومة وحدة وطنية) إلاَّ في حالات الطوارئ القصوى لمواجهة
حدث طبيعي أو بيئي أو أمني.
وأما في لبنان والعراق، القطران المحكومان بنظام
الطائفية السياسية، فتختلف المقاييس التي تُصاغ بها مفاهيم (حكومة الوحدة
الوطنية)، وتحلُّ بها مقاييس مصالح الطوائف بدلاً من المقاييس الوطنية الجامعة.
وفي تشكيلها تعتمد الأحزاب الطائفية الممثلة في المجلس النيابي مبدأ توزيع المقاعد
الحكومية بين تلك الأحزاب. ولذلك على رئيس الحكومة المكلَّف أن يمثَّل في حكومته
جميع المكونات الطائفية باعتماد مبدأ (مقاييس توزيع الحصص على الطوائف). ولذلك فلا
يمكن أن تمر أية حكومة لا تعتمد تلك المقاييس. وإذا حصل العكس من ذلك، ترتفع أصوات
من لم يتمثل فيها بالاعتراض والاتهام بأنها ليست حكومة لـ(الوحدة الوطنية).
إن مفهوم الوحدة الوطنية في هذين النظامين، لا شكَّ
بأنه مفهوم شاذ. لأن العدالة في هذا المفهوم لا يقوم على أساس الكفاءة والنزاهة،
والعدالة والمساواة بإعطاء كل المواطنين فرصاً متساوية في حق التمثيل النيابي أو
الحكومي، أي أن تختار الحكومة لإدارة الدولة من هو أكثر كفاءة في حقله وأكثر نزاهة
بعيداً عن مقاييس التمثيل الطائفي. وبدلاً من ذلك تلتزم (حكومة المحاصصة
الطائفية)، التي زعموا أنها (حكومة وحدة وطنية)، بتوزيع المسؤوليات حسب التمثيل
الطائفي، حتى ولو كان ممثلو الطائفة أقل كفاءة ونزاهة من غيرهم من الطوائف الأخرى.
وعن هذا، والأكثر شذوذاً هو أن يتم اختيار ممثلي
الطوائف في مؤسسات الدولة، السياسية والإدارية والعسكرية والأمنية، من قبل الحلف
المعقود بين الأقلية السياسية الحاكمة والمؤسسات الدينية المتحالفة معها، بحيث لا
يحظى بالوصول إلى وظيفة إدارية أو سياسية من لا يرضى عنه ذلك التحالف. وبهذا
الامتياز يبقى من الصعب اختراق صفوف الطبقة الحاكمة لأنها تتحكم بمفاصل الدولة من
أكبرها وصولاً لأصغرها. وحيث إن الأقليات الحاكمة للأحزاب الطائفية تشارك كلها
بالحكم، لن تجد معارضة جدية في ظل هكذا نظام، وتتحول الحكومات إلى نسخة مصغَّرة عن
المجلس النيابي. وبدلاً من أن يشكَّل المجلس سلطة رقابية على أداء الحكومة فإنه
يتحوَّل إلى سلطة تغطي على الحكومات أداءها السيء، وبمثل هذا الدور تختفي المعارضة
وأهميتها في تشكيل رقابة على الحكومة.
واستناداً إلى هذا الواقع أصبح مفهوم (حكومة الوحدة
الوطنية) من مهازل نظام الطائفية السياسية. وارتكبت أبشع الجرائم السياسية
والاقتصادية والاجتماعية بحق الشعب اللبناني. وما المشهد الذي يظهر به لبنان في
هذه المرحلة سوى أكبر تلك المهازل، وهو من النتائج البارزة التي أظهرت كم أصبح
مفهوم الوحدة الوطنية هشاً ومزوراً وشاذاً في مكاييل حكم الطوائف. ولأن كل طائفة
تأتمر بقرارات الدول الخارجية المرتبطة بها وبمصالحها تحولت ما تُسمى بـ(حكومة
الوحدة الوطنية في لبنان) إلى حكومات الارتهان إلى إرادة الخارج ومصالحه.
وكذلك الحال في العراق، لا يصل إلى المجلس النيابي
أو إلى توزيره في الحكومة كل من ليس مدعوماً من حزب طائفي. ولن يصل أي حزب طائفي
إلى المجلس النيابي أو يتمثَّل في الحكومة إلاَّ من كان مدعوماً من قوة خارجية.
ولأن قوة التأثير قبل العام 2011 كان للحاكم العسكري الأميركي كان الرضى الأميركي
هو كلمة السر لوصول من يريد أن يصل إلى الحكم والإدارة. وبعد العام 2011 تحول
التأثير للحاكم المخابراتي الإيراني، أصبح رضاه يشكل المفتاح للوصول إلى السلطة
السياسية أو للسلطة الإدارية في المؤسسات. ولأن كل الميليشيات الفالتة في العراق
تحوز على رضى القوة الخارجية المؤثرة، ولأن كل ميليشيا طائفية لها الحق بأن تتمثل
في المجلس النيابي أو في الحكومة، تحول مفهوم (حكومة الوحدة الوطنية) إلى مفهوم
شاذ يشارك فيها كل من ارتضى أن يتنازل عن قرار بلاده المستقل والخضوع إلى إرادة
وقرارات القوة الخارجية المهيمنة.
وإنه عن هذا المفهوم نتج الكثير من المفاهيم الشاذة
الأخرى التي سنضعها تحت مناخل النقد والكشف عن مساوئها ومخاطرها ليس على مستوى
علاقة الحكم مع المواطن في لبنان والعراق في الشؤون الداخلية فحسب، وإنما ستتكشف
الكثير من الجرائم على مستوى علاقة كل من الدولة اللبنانية والعراقية مع الدول
الخارجية أيضاً.
وأما المفاهيم التي سننشرها تباعاً، فهي التالية:
-المفهوم الأول: الوحدة الوطنية في مفهوم أحزاب
الطائفية السياسية:
-المفهوم الثاني: سقوط مفهوم الأمن الوطني الواحد، لمصلحة
ميليشيات الأحزاب الطائفية .
-المفهوم الثالث:
مصادرة حق الدولة في عقد الاتفاقيات مع دول خارجية والمحافظة على وحدة المؤسسات
الأمنية.
-المفهوم الرابع: في الكوارث الوطنية الكبرى تحل
صناديق الإغاثة الطائفية بديلاً للصندوق الوطني الجامع:
-