في الكوارث
الوطنية الكبرى تحل صناديق الإغاثة الطائفية بديلاً للصندوق الوطني الجامع:
المفهوم
الرابع من المفاهيم الشاذة في معاجم الأنظمة الطائفية السياسية
في المفهوم الوطني العام لصناديق الإغاثة في الكوارث:
لأن كل دولة مسؤولة عن مواطنيها جميعاً من دون
تمييز طائفي أو عرقي، ولأن الدول معرَّضة لكوارث طبيعية أو اجتماعية أو اقتصادية
أو أمنية، عادة ما تواجه الدول تلك الكوارث بإنشاء صناديق إغاثة عاجلة لتلبية
حاجات المنكوبين ممن وقعوا ضحايا لتلك الكوارث. ولهذا تُنتخب لإدارة تلك الصناديق
هيئة وطنية يتم اختيار أعضائها من ذوي الكفاءة والنزاهة لكي تقوم بإيصال المساعدات
إلى مستحقيها.
في مفهوم الأمر الواقع لصناديق الإغاثة في أنظمة
الطائفية السياسية:
جرياً على عادة تقاسم الحصص في أنظمة الطائفية
السياسية، كما هو حاصل في لبنان، يخضع تشكيل لجان الإغاثة حسب التمثيل الذي يزعمون
أنه عادل بين الطوائف، بحيث يتقاسم رؤوساء الكتل السياسية الطائفية، والمؤسسات
الدينية الملتحقة بها، تسمية أعضاء تلك اللجان بعيداً عن قواعد الكفاءة والنزاهة.
ولأن المؤسسات الطائفية، وحسب قواعد حماية الطائفة
المزعومة، تعمل جهدها لكي تنال كل منها أكبر حصة من حصص الإغاثة لرعاياها من
الطائفة. وبهذا الشكل، وللمساواة في توزيع الحصص بين الطوائف يعمل ممثلوها، بشتى
الوسائل، للحصول على الجزء الأكبر من مساعدات الإغاثة، وهذا ما يؤدي إلى وصول بعض الكثير
منها إلى من لا يستحقونها. والبعض منها يذهب إلى جيوب أمراء الطوائف وتابعيهم
وصناديق أحزابهم.
كيف واجهت المؤسسات الطائفية في لبنان الكوارث التي
حصلت؟
لقد واجه لبنان الكثير من المحن، خاصة بعد الحرب
الأهلية في العام 1975. ولعلَّ أكثرها حدَّة عمليات التهجير الطائفي في الحرب
الأهلية. وتلك التي كانت نتيجة للعدوان الصهيوني على لبنان، منذ ما بعد العام
1969. لا شك بأنها كانت تشكل كوارث أمنية واجتماعية. ولهذه الأسباب أنشيء عدد من
الصناديق والمجالس الخاصة، ومن أشهرها:
1-مجلس الجنوب الذي وُضع تحت رعاية أحزاب الشيعة
الطائفية. وكانت الأهداف من إنشائه معالجة تأثيرات العدوان الصهيوني على الجنوب،
قبل الحرب الأهلية وبعدها. واعتداءات آذار 1978. وعدوان حزيران 1982. وعدوان
عناقيد الغضب في العام 1996.
2-صندوق المهجرين الذي وُضع تحت رعاية مارونية
ودرزية بشكل عام، واستفادت من السرقات فيها أحزاب طائفية أخرى.
3-المساعدات العربية بعد عدوان تموز 2006. ورعتها
تنظيمات الأمر الواقع الشيعية. وأغدقت فيها تزويراً على أتباعها ومناصريها، أو كل
من حظي فيها بوساطة مسؤول فيها أو وجد حظوة لديها.
4-في مواجهة كارثة الانهيار المالي في العام 2020،
ولأن الدولة فقدت إمكانية معالجتها لأن حكومة أحزاب الطائفية السياسية كانت السبب
في نهب كل مواردها. ولأن الدول العربية والعالمية حجبت المساعدات عن لبنان لأسباب
سياسية، حالت دون تشكيل صناديق جامعة للطوائف، أنشأت كل منها صناديقها الخاصة التي
حصرت نشاط توزيع ما تيسَّر لها من أموال بمساعدة ليس أبناء طائفتها كلهم، بل
بمساعدة أزلامها وميليشياتها فقط.
وكانت تلك التجربة من أبشع ما يمكن أن يجري في دولة
واحدة، يزعم فيها أمراء طوائفها أن مجلس نوابها يمثِّل كل لبنان، في الوقت الذي
بالكاد يمثل جزءاً من طائفته. وهو الجزء الذي أعلن انتماءه لميليشيات تلك الطوائف
طمعاً بالحصول على مساعدة قد لا تملآ معدة، أو تروي غليل.
وإذا ما أضفنا تجربة ما بعد الانفجار الكارثي الذي
حصل في مرفأ بيروت في الرابع من آب من العام 2020، إلى لائحة الصناديق المشبوهة
باللوثة الطائفية؛ لوجدنا أن المفاهيم الشاذة تنخر في تشويه تلك الكارثة، وتعززها،
وتشارك فيها الدول الأجنبية الراعية للطوائف. وإذا استثنينا المساعدات العربية
التي نعتبرها فرض عين على أنظمتها الرسمية بحكم الانتماء القومي، والتي استُغلَّت
لمصالح أمراء الطوائف أيضاً، يمكننا أن نرى صورة المساعدات الأخرى التي وصلت من
الدول الأجنبية. وأما الصورة فكانت جلية واضحة أن ما جاء من الدول الإقليمية فقد
تم توزيعه حسب الانتماء الطائفي لتلك الدول. وما جاء من دول غربية فقد اتجه بمسالك
ومسارب طائفية أيضاّ. وظلَّت النُتف القليلة مما سلم من سطو أمراء الطوائف بأيدي
المنظمات المدنية التي على الرغم من هزالها فقد استخدمتها تلك المنظمات ووزعتها
على قواعد وطنية وإنسانية. وهي على الرغم من ذلك شكَّلت الأنموذج الوطني الإنساني.
واختصاراً فقد عمَّ الشذوذ في لبنان، حسب مفاهيم
أحزاب السلطة الحاكمة، وأخضع فيه كل ما هو إنساني أو وطني إلى مكاييل طائفية
ينخرها السرقة والفساد والتزوير والضحك على ذقون هذا الشعب المسكين والمقهور
والمقموع. ووُضعت المعونات والمساعدات في خدمة تعزيز مواقع أمراء الطوائف، والتي
يُضرب المثل فيها بابتكار شتى طرق الاحتيال لنهب ما يتبقى منها لمصلحة صناديق
تمويل الأنصار من الميليشيات المقنَّعة هنا أو هناك في دهاليز أحزاب السلطة الطائفية.