الأربعاء، أبريل 14، 2010

لماذا حزب البعث؟ (4)

-->
لماذا حزب البعث؟
حزب البعث ضرورة فكرية نضالية
وحاجة قومية وحدوية
(وجهة نظر في تحليل الأسباب والمراحل)
المرحلة الرابعة
لماذا الحزب القومي العربي؟
(مهامه التوحيدية والتحررية)
لا تعاني أمة من الأمم ما تعاني منه الأمة العربية. فمن خصوصياتها أنه في الوقت الذي انهارت فيه الإمبراطورية الإسلامية العثمانية، آخر إمبراطورية في التاريخ، لجأ كل شعب ينتسب إلى قومية من القوميات التي كانت تابعة لها إلى بناء كيانها السياسي الوحدوي باستثناء الشعب الذي ينتمي إلى القومية العربية، فقد حالت الدول الغربية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى دون وحدته السياسية عن سابق تصور وتصميم.
بالإضافة إلى عوائق الوحدة الخارجية نشأت على ساحات الوطن العربي تيارات وقوى وأحزاب وحركات لا تعترف بالمفاهيم القومية، واستطراداً بالمفاهيم الوحدوية السياسية، وشكلت على مدى قرن من الزمن مضى عائقاً داخلياً أربك حركة القوميين العرب وأدخلتهم في معارك وصراعات جانبية. وإن تلك التيارات والأحزاب والقوى، وإن كانت تقف من بعض أهداف الصهيونية والاستعمار على الطرف النقيض؛ إلاَّ أنها في موقفها السلبي، والمعادي في أكثر جوانبه، من المسألة القومية، قدَّمت لهما خدمات جلى عندما اقتطعت جزءاً مهماً من الشعب العربي وعملت على تضليله ثقافياً وسياسياً، وحرفه عن الاهتمام بالوحدة القومية، وليس هذا فحسب، بل وضعته أيضاً في الموقع المعادي للقومية العربية والوحدة العربية.
ففي هذه الحلقة سنلقي أضواء موجزة على أهداف القوى الخارجية والقوى الداخلية وعلى مواقفها المعادية للفكر القومي، والوحدة السياسية بين أقطار الوطن العربي.
أولاً: تحالف الاستعمار والصهيونية:
وإذا كانت الأسباب التي حدت بتلك الدول للحؤول دون تحقيق العرب لوحدتهم السياسية أصبحت معروفة في ثقافتنا القومية، فإن التذكير بها بإيجاز يخدم السياق الموضوعي لمنهجية دراستا هذه.
بإيجاز نختزل تلك الأسباب بموضوعتين: الأهداف والوسائل.
1-الأهداف:
أما الأهداف فتعود إلى أن بناء كيان عربي موحد سياسياً سيعرقل أهداف الدول الغربية في السيطرة على الوطن العربي الممتد من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي. ولأن السيطرة على هذه البقعة الجغرافية، التي تضمن أهداف تلك الدول، تعني التالي:
أ-الاستيلاء على منطقة ذات أهمية استراتيجية جغرافية تربط الغرب الأوروبي والأميركي بالشرق الأقصى الهندي والصيني.
ب-الاستيلاء على خزان اقتصادي غني بالبترول والثروات الطبيعية يشكل العصب الأساسي للآلة الصناعية الغربية الحديثة. وينطبق الأمر على الآلة العسكرية الغربية، وهي الحقيقة التي عبر عنها أحد الرؤوساء الأميركيين قائلاً: (من يسيطر على النفط يستطيع أن يحكم العالم).
ج-الاستيلاء على خزان بشري يُعد المستهلك الأكبر للسلعة الصناعية التي تنتجها المصانع الغربية الرأسمالية.
2-الوسائل:
حددت الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، وكانت كل من فرنسا وبريطانيا تمثلان طليعتها، وسائل ضمان تفتيت الوطن العربي، وهما:
أ-اتفاقية سايكس بيكو التي رسمت خطوطاً جغرافية بين أجزاء الوطن العربي، واعتبرت كل جزء منها دولة كاملة السيادة. وتوزَّعتها كحصص فيما بينها، وأعلنت كل منها انتدابها على الأقسام التي حددتها تلك الاتفاقية.
ب-وعد بلفور، أعطاه وزير خارجية بريطانيا للصهيونية العالمية، من أجل بناء ما يسميه «الوعد » وطناً قومياً لليهود.
واستمرت بريطانيا وفرنسا بفرض سيطرتهما على المنطقة العربية إلى أن ورثتهما الولايات المتحدة الأميركية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، واحتلت موقع الصدارة في التأثير على المنطقة العربية واحتوائها اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً وأمنياً. فتكون قد استفادت مما أسسته الدولتان، ولكنها لم تغيِّر من استراتيجية الهيمنة ومن احتضانها للكيان الصهيوني شيئاً، وإنما أخذت منذ أواخر الثمانينيات من القرن العشرين تعد لاستراتيجية تفتيت أخرى أطلقت عليها:
ج- مشروع الشرق الأوسط الجديد: وهو مشروع يحافظ على استراتيجية تفتيت الوطن العربي، ومنطقة جواره الجغرافي، ليس على أساس خطوط جغرافية، بل على أساس خطوط أيديولوجية طائفية وعرقية. أي بناء دويلات طائفية وعرقية، وهي تؤسس لمشاريع اقتتال دائم فيما بينها. وبذلك تصبح أي دعوة للوحدة العربية في طي النسيان، لأن كل دويلة إثنية ستعمل للمحافظة على كيانها المستقل، وستستعين حكماً بقوى خارجية تساعدها على حماية كيانها في مواجهة الكيانات الأخرى خاصة المجاورة لها.
إن أهداف الاستعمار والصهيونية أصبحت واضحة تتلخص بمنع الوطن العربي من تحقيق وحدة أقطاره السياسية. وكلما أعيتهما وسيلة تقومان بابتكار أخرى.
ثانياً: الدعوات الأممية العابرة للقوميات:
لا شك بأن وحدة الإنسانية حلم جميل، خاصة على قاعدة المثل العليا المطلقة. لكن هذا الحلم الجميل تحوَّل على مدى المسار التاريخي للبشرية منذ نشأتها إلى كوارث وأزمات طالما عانت منها الشعوب في مرحلة ما تُعرف بأطوار النزعات الإمبراطورية. وفي تلك الأطوار سادت مبادئ سيطرة شعب من الشعوب على مقدرات الشعوب الأخرى، واستعبدتها واستغلت ثرواتها واعتاشت على جهد الشعوب المغلوبة.
وإذا كنا نعتبر أن أهداف الاستعمار والصهيونية هي نفسها أهداف النزعات الإمبراطورية التي سجلها التاريخ، فإننا نعتبر أيضاً أن الدعوات الأممية التي سنتكلم عنها هي نزعات إمبراطورية، عابرة للقوميات، وإن أتت بأثواب فلسفية مادية، كالمشروع الماركسي. أم بأثواب دينية ما ورائية كمشاريع إعادة الخلافة الإسلامية التي تعمل من أجلها التيارات الدينية السياسية لـ «الإخوان المسلمين»، و«ولاية الفقيه».
1-الأممية الماركسية: استناداً إلى مبادئ الماركسية، التي اعتبرت أن الفكر القومي هو فكر «شوفيني»، متعصب، وقفت الأحزاب الشيوعية العربية موقف العداء من الفكر القومي العربي واستطراداً حاربت فكرة الوحدة العربية. لكن بعضها غيَّر موقفه من المسألة القومية منذ بداية السبعينيات من القرن العشرين واعترف بها، إلاَّ أن تلك المواقف لم تتعمَّق حتى الآن ولم تجد لها ترجمة واضحة على أرض الواقع والفكر، فهي لا تزال مترددة حتى الآن باعتبارها استراتيجية ثابتة.
2-الأممية الدينية: تلخص الموقف من الفكر القومي العربي عند التيارات الإسلامية السياسية بالقاعدة التالية: «ما وجدت القومية إلاَّ لمحاربة الإسلام». وتحت ذريعة هذه القاعدة، وضعت تلك التيارات الدعوة الإسلامية في مواجهة حادة مع الدعوة القومية؛ واعتبرتها عائقاً أمام مشروع استعادة الخلافة الإسلامية، بمفاهيم التوسع الجغرافي ومفاهيم تطبيق التشريع الإسلامي.
ولقد استغل التحالف الاستعماري والصهيوني، مدعوماً من القوى النظامية العربية السائرة في ركاب ذلك التحالف، تلك الدعوات وعمل على تشجيعها والاستفادة منها، وذلك بأنه دعمها بكل أشكال المساعدات، منطلقاً من أنها «تعرف كيف تهدم، لكنها لا تعرف كيف تبني»، وشجعها على مواجهة التيارات القومية. وقد كانت بداية السبعينيات من القرن العشرين البداية الجدية خاصة عندما ضعفت التيارات القومية بعد حرب حزيران من العام 1967. واستفاد التحالف الاستعماري والرجعي العربي من خدمات التيارات الإسلامية نفسها ووضعها في مواجهة مع الأحزاب القومية والأحزاب الشيوعية العربية، وخاصة في مواجهة الاتحاد السوفياتي.
واستناداً إلى كل ذلك، وإن بدا أن خطاب التيارات الإسلامية السياسي يقف على الطرف النقيض من التحالف الاستعماري الصهيوني استناداً إلى ثنائية «الكفر والإيمان»، فإن واقع الأمر لم يكن كذلك، فقد ارتقى تحالف المتناقضين إلى مستويات أعلى خاصة في مرحلة الإعداد للعدوان على العراق، عندما شاركت تلك التيارات المخابرات الأميركية في التحضير، واشتدت عرى التحالف بينهما بعد احتلاله، إذ شاركت في العمليات العسكرية. كما عملت على إنجاح ما سُميَّ بـ«العملية السياسية» التي أعدَّتها الولايات المتحدة الأميركية في العراق لحماية الاحتلال. وعلى العموم فإن المشاريع الدينية السياسية تؤدي خدمة كبرى لاستراتيجية المشروع الاستعماري «مشروع الشرق الأوسط الجديد»، لأن المشروعين معاً لا يمكن تنفيذهما من دون تفتيت الوطن العربي إلى دويلات طائفية.
أما من ناحية الأحزاب الشيوعية العربية، وإن كانت منطلقة من موقع العداء للرأسمالية، فقد أدى تحالفها مع الحركة الصهيونية في مرحلة ما، ووقوفها في موقع العداء للفكر القومي والوحدة العربية، إلى تقديم خدمات كثيرة غير مباشرة للمشروع الاستعماري والصهيوني على الصعيد العربي.
ثالثاً: في مواجهة القوى المعادية للقومية لا بدَّ من تنظيم قومي:
ولما كان من أهم وسائل القوى التي تعلن العداء للفكر القومي، وتعمل على إجهاض أهدافه السياسية، تعميم مفاهيم التجزئة في كل أقطار الوطن العربي؛ كان لا بدَّ من وجود حزب قومي يعبِّر نظرياً عن الأهداف القومية التي تتبناها الأحزاب على مستوى القطر؛ وعملياً يقوم بتوحيد جهودها وحركتها النضالية، والتنسيق بينها.
ولهذا الأمر، ولأن نضال الحركات القومية العربية وأحزابها في مواجهة عوائق الوحدة الخارجية والداخلية، تشكل هماً مشتركاً لها على مستوى الأقطار، أصبحت بحاجة إلى وسائل التنسيق فيما بينها لتتضافر جهودها وتتكامل وتتبادل خبراتها وتجاربها. ومهما كانت وسائل التنسيق متقدمة إلاَّ أنها لا تفي بالغرض المنشود إلاَّ إذا جمعها عامل الالتزام بالمفاهيم الواحدة التي اتفقت على مضامينها، وكذلك الالتزام بوحدة التحرك من أجل تعميمها. واستجابة لهذه الحاجة لا يمكن أن يوفرها إلاَّ حزب على المستوى القومي تقوده قيادة قومية لها صفة الإلزام لكل الملتزمين بالحزب، تضخ لهم المفاهيم الموحدة وتأخذ منهم نتائج خبراتهم وتجاربهم كل على مستوى قطره.
وتتكامل الحلقات وتتواصل بين فروع الحزب القومية بشكل يشبه تكاملها وتواصلها داخل القطر الواحد، انطلاقاً من الخلية القاعدية على مستوى الضيعة والحي، مروراً بالفرقة والشعبة وصولاً إلى الفرع على مستوى المحافظة، ويأتي القطر ليوحد بين شتى فروع الحزب في القطر الواحد، ويتم تتويج الوحدة التنظيمية على المستوى القومي من خلال مؤسستيْ المؤتمر القومي الذي ينيب صلاحياته لقيادة قومية لفترة زمنية محددة.
وهكذا يشكل الحزب على المستوى القطري فرعاً للحزب على المستوى القومي. بحيث تشرف القيادة القومية على نشاطات فروعها في الأقطار المختلفة، وتوحد اتجاهاتهم النظرية القومية، وتنسق بين نشاطاتهم. وتستفيد من خبراتها ومن إمكانيات أعضائها. ويحصل التفاعل المباشر بين شتى القضايا القومية، ويتم توظيف الطاقة الحزبية على المستوى القومي لخدمة القضايا الساخنة.
ولأن الحزب القومي يشكل حاجة نظرية وعملية، تستجيب لمتطلبات النضال القومي، من أجل الأمة العربية، فبغيابه تضعف الحركة الفكرية والسياسية للقومية العربية، حتى ولو كانت الحركة القومية تنتظم في أحزاب قطرية منفصلة إلاَّ أنها تفتقد عمقها الأساسي في تطوير الفكر وفي تنشيط الحركة بسبب غياب العامل المنظم لحركتها، لأنه من خلال القيادة القومية تصبح حركة الاستجابة أسرع وأكثر فعالية.
وأخيراً، ومن خلال قناعتنا بأن الحزب المنظم على الصعيد القومي، كحاجة وضرورة، قد أثبت فعاليته في العقود المنصرمة من التاريخ العربي، نتساءل: أين يقع حزب البعث العربي الاشتراكي في حركة التاريخ القومي العربي؟
وهذا سيكون موضوع الحلقة القادمة التي ستأتي بعنوان:
«البعث هو حزب الضرورة التاريخية
والتنظيم الضرورة بين الرسالة الفكرية والنضال السياسي الوحدوي».
-->

ليست هناك تعليقات: