الأربعاء، يونيو 02، 2010

الاعتراف بالموقف التركي النبيل،


درس من قضية «أسطول الحرية»

الاعتراف بالموقف التركي النبيل،

لا يجيز التشكيك بهويتنا القومية العربية


بدءاً من نقطة انطلاقه باتجاه غزة، حتى وقوعه ضحية الهمجية الصهيونية في عرض البحر، حيث سقط بين صفوف ناشطيه عشرات الضحايا بين قتيل وجريح.
 وانتهاءً بالمبادرة الشجاعة التي أطلقتها الحكومة التركية بكل تفاصيلها، دلَّت قضية «أسطول الحرية» لفك الحصار عن غزة، إعداداً ونتائج، على أنها ليست الشاهد الأول والوحيد على عجز النظام الرسمي العربي عن الاهتمام بكل ما له علاقة بقضايا العرب. وكما أنها لن تكون الشاهد الأخير الذي لا شاهد من بعده. بل هي الشاهد الحاضر الذي سبقه آلاف الشهود، وسيتبعه آلاف منها قبل أن يستنهض المارد العربي من كبوته. أو حتى قبل أن يستفيق النظام العربي الرسمي على وقع قبضات الاحتقان الشعبي العربي لترديه صريعاً ذليلاً لن يأسف عليه أحد.

إن مأساتنا بدأت من الصمت والتقصير بحق غزة عندما حُوصرت بقرار رسمي عربي، وجُوِّعت بسكوت رسمي عربي، وانتهت بمجزرة صهيونية بـ«أسطول الحرية» المتجه لفك الحصار عنها، فاستبيحت كرامتنا. ومن كثرة الهوان كاد النظام العربي الرسمي، أن يلعق الإهانة الكبرى ويسكت عما حصل لولا أن ارتفع الصوت التركي بجرأة وإقدام.

إن مأساتنا بمصير «أسطول الحرية»، والموقف منه، كما مأساتنا بمصير كل القضايا العربية الأخرى، هي أن الأنظمة تخلت عن القضايا العربية كلها عندما تخلت عن فكرة «العروبة». وتخلى العرب عن فكرة العروبة عندما تشرذموا بين من ينشد خلاص قطره من بوابة الحماية الأجنبية. وبين من يفتش عن خلاص قطره بالتحاقه بعجلة هذا النظام أو ذاك من أنظمة الإقليم والعالم. وبين من يروِّج للخلاص بالتحاقه بسفينة هذه الإيديولوجيا أو تلك ممن يحسبون أن «العروبة» ليست الحل.

ليست مأساتنا بالنظام العربي الرسمي، حيث كل نظام ينشد المحافظة على كرسيه فحسب، وإنما مأساتنا أيضاً في أن بعض التيارات السياسية والإيديولوجية الناطقة باللغة العربية قد أضاعت هويتها وراحت تفتش عن هوية لها بعيداً عن «العروبة». وبهذا تساوى بالمسؤولية عن العجز القائم، كل من النظام العربي الرسمي، مع التيارات الحزبية والحركات الإيديولوجية التي فقدت هويتها العربية، وراحت تفتش عن هوية أخرى. ونتيجة هذا اللقاء على نحر هويتنا العربية، رحنا نصفق تارة لموقف تركي، وأخرى لدور فنزويلي، وثالثة لشارع أجنبي أصبح أكثر عروبة من العرب أنفسهم.

إن هذا الواقع يمثل الحقيقة الأولى والأساسية في تشخيص المرض الذي تعاني منه أمتنا العربية، والذي يكشف لنا السبب الذي سبق فيه «الصوت التركي» كل «أصوات العرب» في احتضان قضية «أسطول الحرية» الذي اجتمع ناشطوه من كل أرجاء العالم لـ«فك الحصار عن غزة العربية».

أما الحقيقة الثانية، ولكي لا يظهر استنكارنا للغياب العربي، وكأنه استنكار لـ«الصوت التركي»، فإنما نقول أولاً: شكراً لصوت تركيا وموقفها الحاضن لهذه القضية، ولا ننسى موقفها المتفرد في العام 2003، عندما منعت قوات العدوان الأميركي من غزو العراق عبر الأراضي التركية. كما نعتبر تركيا، التي تنال ما تناله من حصار غربي وأميركي، معنيَّة بفك الحصار عن جيرانها العرب الواقعين في شرك الغرب وأميركا. ولها مصلحة أيضاً بأن لا تشكل أداة استعمارية وصهيونية لاحتواء العرب واستعبادهم. ففي ضعف العرب ضعف لها، وفي قوتهم قوة لها. وما يظهر من دورها حتى الآن لا يعدو أبعد من بناء قوة إقليمية تشكل ظهيراً قوياً في مجابهة دول الرأسمال الغربي، ولا ضير بأن يكون لتركيا مصلحة بذلك، فليس هناك من عمل سياسي من دون مصالح. وإلى أن يظهر العكس فعلى العرب أن يتميزوا باليقظة حتى لا يكونوا في غفلة عن أية أهداف تركية قد تمس بالمصلحة القومية العربية.

تنطبق الحالة التركية على كل جيران العرب، وفي المقدمة منها النظام الإيراني الذي تسلل إلى داخل البيت العربي على قاعدة استغلال مصائبهم، وساعد الاستعمار والصهيونية على تدمير العراق بكل معاني التدمير، بينما كان الإسهام في مساعدة العرب على قاعدة الجوار الحسن هو المطلوب، وليس على قاعدة استغلال غياب الراعي العربي ليبدو هذا النظام وكأنه يحمل الخلاص للعرب. بينما خلاص العرب لن يتم بالالتحاق بمن يرسم خرائط التقسيم والتفتيت من أجل بناء دولة دينية ليس لها حظ بالحياة إلاَّ بتوفير مناخات طائفية ومذهبية.

أما الحقيقة الثالثة، ففيها ما يثير الخوف والقلق. فإذا كان النظام العربي الرسمي يحدد مواقفه من دول الجوار العربي على ضوء مصالح الاستعمار والصهيونية، لارتباط معظم أنظمته بأوامرهما وإملاءاتهما، فكيف تحدد بعض التيارات الحزبية والإيديولوجية العربية مواقفها من دول الجوار الجغرافي العربي؟

باستثناء مواقف تيارات حركة التحرر القومية العربية، التي تستند إلى وجوب الاستعانة بحركة التحرر العالمية لترابط مصالحهما القومية وتكافؤها في التحرر والاستقلال، فإن هناك شريحة من تلك التيارات تنظر الآن إلى الدورين التركي والإيراني من منظار مختلف:

-يأتي تأييدها تشفياً بغياب الدور العربي على قاعدة عدائها لكل ما هو قومي، وتنظر إلى العجز الرسمي وكأنه عجز للحل القومي.

-أو يصب جزء من تأييد بعضها للتدخل الإيراني لأسباب إيديولوجية طائفية ومذهبية، على قاعدة أنها البديل للحل القومي الذي اعتبرته ميتاً، ولا حظ له بالحياة.

-والبعض الآخر، لا يؤيد التدخل الإقليمي فحسب كرهاً بالحل القومي، بل بسبب الكراهية ذاتها ساند وساعد التدخل الاستعماري أيضاً في احتلال بعض الأقطار العربية.

والحقيقة الرابعة، وتتمثل بوجوب الدفاع عن «العروبة»، وجوداً وفكراً، فالمشاريع المعادية للعرب التي يتم تنفيذها تهدف إلى مسح الوجود العربي ليس من جغرافيا الحدود فحسب، بل من الجغرافيا الفكرية أيضاً.

وأخيراً، كما هو حق لنا أن نستعين بقدرات الآخرين ممن نتماثل معهم بمصالح التحرر من إخطبوط الاستعمار، فهو واجب عليهم تقديم المساعدة لنا، ولكن على قاعدة تبادل المصالح العادلة، وليس هناك مصلحة تتقدم على مصلحة توحيد الجهود لتصبح كتلة قوية نُرهب بها أعداءنا.

وكما هو واجب علينا أن نحيي كل مبادرة غير عربية تُبذل من أجل مصلحة قضايانا، لكنه ليس من حق أحد اعتبار تقصير بعض الأنظمة الرسمية، أوتواطؤ البعض الآخر، مبرراً يجعلنا نرتد على قوميتنا، أو التشكيك بها. وكل من يشك بهويته القومية، لسبب أو لآخر، فكأنه يوافق المشاريع المعادية للأمة العربية، ويعمل على تمهيد الطريق أمامها لتنفيذ مآربها.


ليست هناك تعليقات: