الأربعاء، سبتمبر 29، 2010

افتتاحية (طليعة لبنان الواحد)/ أيلول 2010


افتتاحية (طليعة لبنان الواحد)/ أيلول 2010
من الاتهام والاتهام المضاد بالانقلاب على الدولة
إن الجميع متهمون حتى يثبتوا براءتهم من الفيدراليات الطائفية المقنَّعة

المتابع للساحة الإعلامية والسياسية في لبنان منذ شهرين تقريباً يلمح في الأفق نذير شؤم جديد يلفه من شماله إلى جنوبه، إذ ما كاد اللبنانيون يتنفسون الصعداء بعد اتفاق الدوحة ويأخذون استراحة ينسون فيها دماء أبنائهم الذين سقطوا قرابين في هياكل الطوائف والمذاهب، حتى انتشرت غيوم الفتنة في سماء لبنان من جديد، وكأن الفتنة أصبحت القاعدة في حياته وليس الاستثناء.
وما كادت الدويلات «الفيدراليات المقنَّعة» تنفتح أبوابها أمام الآخرين وكأن شيئاً لم يحصل، حتى عادت «حليمة إلى عادتها القديمة»، وكأنَّ «الله لا يغير ما بالطائفية من خطورة حتى يغيِّر الطائفيون ما بأنفسهم». إلاَّ أن الطائفيين لن يغيروا ما بأنفسهم، فالطائفية عصية على التغيير خاصة إذا ألبسوها ثياب القدسية الإلهية من جهة، وإذا امتلك «حدادو الطوائف» منافخ لا تتعب من كثرة النفخ من جهة أخرى. فمنافخهم جاهزة للاستخدام كلما تعرَّضت مصالح أمراء الطوائف وملوكها للخطر، بحيث إن واحداً من أمراء الطوائف لم يتساءل حتى الآن: ماذا تجني أي طائفة في لبنان إذا ربحت نفسها وخسرت الوطن؟
إن الأمرَّ من كل هذا الواقع هو أن الجميع ينهالون بالشتيمة ضد «الاستعمار والصهيونية» متهمينهما بمسؤولية تفتيتنا وتفريقنا، بينما المسؤولية تقع على عاتقنا أولاً وأخيراً، فعدونا الاستراتيجي له مصلحة في إبقائنا بحالة صراع دائم، فهو قد شخَّص أمراضنا وراح يعمِّقها فليس من مصلحته أن يصف الدواء الشافي منها. فعدونا شخَّص أمراضنا وهو يعمل على استغلالها بالعمل على إثارتها ليُبقي الفرقة والتشتت سيدا الموقف في لبنان، بينما يستجيب الطائفيون لرغبته ويتجاوبون معه إذ ينتشر الخطاب التحريضي على نار مستعرة تكاد كل مرة تحرق الأخضر واليابس. فعدونا شخَّص أمراضنا ويستثيرنا، لكنه يعرف أنه سيفشل من دون دور فعلي لنا، فيصطاد في ماء الطوائف العكرة التي سرعان ما تقع في الشرك لهشاشة رؤيتها عواقب الأمور.
كما أن الأمرَّ أيضاً أن يرى أمراء الطوائف القشة في عيون الآخر، بينما يتعامون عن جسر بكامله يسيطر على عيونهم، فالخطورة والأخطاء يرتكبها الآخر دائماً بينما الأنا هي التي تفعل الصواب دائماً أيضاً. فهل يدرون ماذا يفعلون، أم لا يدرون؟
فإذا كانوا يدرون فالمصيبة عظيمة، وإذا كانوا يجهلون فالمصيبة أعظم!
وهل من شروط الانقلاب على الدولة أكثر من امتلاك أجهزة أمنية وعسكرية خاصة، وامتلاك ميزانيات تحاكي إمكانيات دولة؟
لكل ذلك لم يُولد مبدأ الاتهام بالانقلاب على الدولة، ووكذلك الاتهام المضاد من فراغ، وإنما وُلد من ديماغوجية الثقافة الطائفية المتزمتة والمتعصبة لذاتها. كيف لا يكون الأمر كذلك ومبدأ «طائفتي دائماً على حق» هو المبدأ الحاكم في نظام «الفيدراليات الطائفية المقنَّعة»، فالطائفة قائمة على مبدأ المقدس، وما الاعتراف بخطأٍ واحد إلاَّ مدخلاً لسقوط القداسة كلها واهتزاز صورة الذين يزعمون أنهم ينطقون باسمها.
لم يُولد اتهام الجميع للجميع من فراغ، فمن يمتلك المال السياسي ومؤسسات الأمن والعسكر فليس بريئاً من الاتهام.
لقد زعم أمراء الطوائف، أو من يتحالف معهم من السياسيين، أن موقفه وطنيٌ ولا غبار عليه. ويرد عليه الآخر بردٍ مصنوع من عجين مشابه له. وتكر سبحة الاتهامات، ولدى الجميع حجارة يستخدمونها من تُراث الآخر وتاريخه وواقعه ليرشق به «زجاج شبابيكه». وليس لأحد منهم تاريخ نظيف من الخطايا، فكل منهم مُثْقَلٌ بها، ولن نستثني منهم أحداً. وهنا نتساءل: أليس من يعتبر نفسه ضحية في مرحلة ما أنه كان جلاداً في مرحلة سابقة؟
إن الخروج من مسرح المتاهة والعبثية التي يعيش فيها اللبنانيون لن يكون إلاَّ بالانقلاب على شعار «طائفتي دائماً على حق» إلى الشعار الآخر «وطني دائماً على حق»، فهل يأمر أمراء الطوائف بصناعة القوارب الصالحة لنقل لبنان من ضفاف الطوائف إلى ضفة الوطن والدولة؟
نحن لن ننتقل من ضفة اليأس إلى ضفة الأمل طالما مصالح الأمراء تسبق مصالح الرعية، وطالما تبقى الرعية صامتة خاضعة تهتف بحياة «أمرائها» حتى ولو كانوا ظالميهم. وطالما يبقى شعار «جيوبي دائماً على حق» على حساب مصالح الفقراء «المتخمين بالجوع والألم والمرض»، هؤلاء الذين عليهم أن يظلوا وقوداً في مدافئ الأمراء، أصواتاً في معاركهم «السلمية»، وأمواتاً في معاركهم «الحربية».
ونحن لن ننتقل من ضفة إلى ضفة إلاَّ عندما تتولى شأن المؤسسات الحكومية القائمة كفاءات صادقة وأمينة ومخلصة وعادلة على قاعدة «أشرافهم» أفضل من «أشرارنا»، وليس العكس الذي يطبقه الأمراء ويتَّخذونه شرعة لهم بحيث يحشرون في تلك المؤسسات من يواليهم ويخضع لنرجسية «طبقيتهم الطائفية». أي الانتقال من معيار «الطائفية» إلى معيار «الوطنية». وباختصار أكثر «لبننة المؤسسات».
كما لن نعترف بالأمل إلاَّ عندما تعتبر الطائفة أن جلاد الأمس من أبنائها لا يجوز أن يهرب بفعلته، حتى ولو أصبح ضحية لجلاد اليوم. فمن لم يكن جلاداً منهم في مرحلة من المراحل فليرشق جلادي اليوم بحجر.
ولن نعترف بالأمل طالما خُبزت كل الاتفاقيات بين الأمراء من عجين طائفي في أفران طائفية ، منذ ما شُبِّه لنا أن لبنان أصبح مستقلاً. وسنعود إلى دائرة الأمل إذا خُبزت من عجين وطني وانصهرت في أفران وطنية ولمصلحة فقراء الوطن.
وسنبقى أمام حائط المبكى طالما ظل الخطاب السياسي يستمد ناره من «مواقد» إيديولوجيا الطوائف، بحيث يوهمنا الأمراء أن مقاصد خطاباتهم وطنية ولا غبار عليها.
ولن نكفكف دموعنا طالما ظلت الديموقراطية في لبنان مظهراً من مظاهر التسوية بين الطوائف.
وعلى كل حال، لن نسكت، ولن نتراجع عن الحفر ولو كان في صوَّان جدران الطائفية ما دام فينا عرق وطني ينبض. ويا أحرار الوطن ومعذبيه اتحدوا، وانتفضوا.

ليست هناك تعليقات: